#سواليف

لم يعُد #الاحتلال الإسرائيلي إلى عدوانه على قطاع #غزة بذات الطريقة التي كان يستخدمها ولا لذات الأهداف التي يعمل لها قبل وقف إطلاق النار، بل زاد عليها وسائل وأهدافًا أخرى، قد عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو قديمًا في قناعته بأن الزعامة تتم بإحداث “الزخم”، أي أن قيادة الاحتلال قررت الإبقاء على مستقبلها السياسي من خلال القضاء على كل فرصة للهدوء في المنطقة، وإحداث “الزخم” الذي يحول دون محاسبتها، حتى وإن ترتب على هذا الزخم انفجار شلال الدماء الذي يجري في قطاع غزة.

ومنذ استئناف قوات الاحتلال الإسرائيلي #حرب_الإبادة على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الماضي، أي في غضون أيام لا تتخطى 18 يومًا، قتلت القوات الاحتلال زهاء 1400 فلسطيني، وأصابت زهاء 3300 آخرين، جُلّهم من الأطفال والنساء، ما يعني أن هذه المرحلة هي الأعنف والأكثر #دموية من بين شهور الحرب التي سبقت خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار، وفق تصنيف أوساط محلية ومتخصصة.

واستكمل الاحتلال بجولته الحالية فصول “حرب الإبادة الجماعية” المستعرة على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وبدعم أمريكي مطلق، حيث خلّفت حتى الآن أكثر من 165 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات ذات صلة فاقدون لوظائفهم في وزارة التربية.. أسماء 2025/04/09

يزيد المشهد بشاعة أن عمليات القصف التي ينفذها الاحتلال في هذه المرحلة تسفر عن تدمير غير معهود طيلة فترة #الحرب، ما يؤكد أن غزة لم تعد فقط منطقة حرب وصراع، بل تحولت إلى حقل تجارب إسرائيلي يستخدم فيه كل الأسلحة المُحرّمة حتى في الحروب.

ليس انفجارًا عاديًا، ذلك الذي ينتج عنه تطاير الأجساد في السماء إلى ارتفاع غير مسبوق ثم تعود بعدها الأجساد مرتطمة بالأرض، في مشهد يبدو وكأنه أحد مشاهد أفلام الرعب الأمريكية، لكن الفارق هذه المرة أن الانفجار لم يكن صناعة سينمائية، بل هو جريمة تم إعدادها في مصانع أسلحة أمريكية، ليتم استخدامها نحو نساء وأطفال يسكنون منازل متهالكة أو خيامًا مهترئة.

ويقول أطباء ومسؤولون وحقوقيون إن الاحتلال عاد للحرب بشكل أكثر شراسة وإجرامًا، وقد ارتكب مجازر مروعة استخدم فيها أسلحة وذخائر ذات قوة تدميرية هائلة، استهدف بها المنازل السكنية والأعيان المدنية، ومراكز وخيام الإيواء.

وبحسب هؤلاء المتخصصين، فإن الاحتلال يستخدم قطاع غزة “مختبرا” لتجربة ترسانته العسكرية التي تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة والذخائر والقنابل أميركية الصنع، كان آخرها ما وافقت عليه إدارة دونالد ترامب ببيع أكثر من 20 ألف بندقية هجومية بقيمة 24 مليون دولار، وهي صفقة صغيرة مقارنة بمليارات الدولارات من صفقات حصلت عليها إسرائيل منذ اندلاع الحرب.

ذخائر فتاكة

يقول مدير عام الطب الشرعي والمعمل الجنائي في غزة الدكتور خليل حمادة، إن الاحتلال استأنف حربه من حيث انتهى قبل اتفاق وقف إطلاق النار، وبشكل أكثر عنفًا ودموية، ويلاحظ استخدامه الكثيف للقنابل الثقيلة وأبرزها (MK-84) زنة ألفي باوند (حوالي ألف كيلوغرام)، وهي أمريكية الصنع ومخصصة لاختراق التحصينات على أعماق كبيرة في باطن الأرض.

ومنذ استئنافه الحرب، يستخدم جيش الاحتلال مثل هذه القنابل في أحياء ومناطق سكنية مكتظة، وتؤدي إلى دمار واسع، وقلما ينجو منها أحد، جراء ما ينتج عنها من “عصف انفجاري” هائل، ودرجات حرارة قاسية جدا، ويصل تأثيرها لمسافة نحو 100 متر من بؤرة الاستهداف المباشر، بحسب خليل حمادة.

وأوضح المسؤول الصحي في حديث صرح به لشبكة الجزيرة، أن بعض الشهداء يصلون المستشفيات دون أن تظهر على أجسادهم أي جروح أو إصابة بشظايا الصواريخ والقنابل، غير أنهم فارقوا الحياة نتيجة تهتك شديد بالأنسجة، وخلايا الدماغ والخلايا والأوعية الدموية، جراء قوة الانفجار، فيما تتمزق أجساد شهداء وتختفي جثامين آخرين تمامًا.

ويضيف حمادة أن “من ينجو من هذه الأسلحة المحرمة، تُعدّ نجاته “مؤقتة” قد تمتد ساعات أو أيامًا قليلة بالنسبة لبعض الجرحى، نتيجة الجروح الخطرة وعدم توفر الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة لإنقاذهم، فيما البعض الآخر منهم يقضي بقية حياته يعاني من إعاقات أو تشوهات وحروق”.

ويتابع: “ليست القنابل الثقيلة وحدها، وإنما كل سلاح يستخدم ضد المدنيين هو محرم دوليًّا”، ويستشهد بمجزرة مدرسة دار الأرقم في مدينة غزة، وهي مركز إيواء استهدفته غارات جوية من مقاتلات حربية، وأدت إلى مئات الضحايا من الشهداء والجرحى، جلهم من المدنيين، “وهي واحدة من جرائم الحرب التي يندى لها جبين البشرية”.

استئناف دموي للحرب

من جهته، يصف مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة، الأسبوعين الماضيين بعد خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار، واستئناف ما وصفها بـ”الحرب الإجرامية”، بأنهما “الأعنف في مسار الحرب على غزة”.

وأوضح الثوابتة، في حديث لشبكة الجزيرة، أن هذه الفترة شهدت تصاعدًا لهجمات الاحتلال بشكل غير مسبوق؛ حيث تم استهداف المنازل، والمستشفيات، والمدارس، وحتى طواقم الاستجابة الإنسانية والمراكز الطبية التي تعمل على تقديم الخدمات الأساسية للمدنيين”.

ويستند الثوابتة إلى شواهد وأدلة تؤكد استخدام الاحتلال أسلحة غير تقليدية، وأشد فتكًا، تتمتع بقدرة تدميرية هائلة، في إطار إستراتيجية إبادة شاملة تستهدف تدمير الإنسان والأرض معًا.

ويوضح أن “هذه الأسلحة تشمل قنابل عنقودية وقنابل تحتوي على مواد كيميائية محرمة دوليا، يستخدمها الاحتلال بشكل مكثف على نطاق واسع، وتؤدي إلى دمار شامل في البنية التحتية والمنازل، بل وتتسبب في إصابات خطيرة ومشوهة للمدنيين الذين يبقون على قيد الحياة”.

ويقول: “من الواضح أن الاحتلال لا يكتفي بالتدمير المادي، بل يسعى إلى تدمير الإنسان الفلسطيني من خلال هذه الأسلحة الفتاكة، التي تتجاوز كل الحدود الأخلاقية والقانونية، وتندرج في سياق مخططه لجعل غزة غير قابلة للحياة في إطار مساعيه لتهجير السكان”.

بأسلحة أمريكية

وعلى وقع هذه الجرائم، كشفت وثيقة أن إدارة الرئيس ترامب مضت قدمًا في بيع أكثر من 20 ألف بندقية هجومية لإسرائيل الشهر الماضي، وهي صفقة أرجأتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن بسبب مخاوف من إمكانية وصول هذه الأسلحة إلى مستوطنين إسرائيليين متطرفين.

وهذه الصفقة تعتبر صغيرة مقارنة بأسلحة بمليارات الدولارات تزود بها الولايات المتحدة إسرائيل، ولم تتوقف إمدادات السلاح الأميركية لها منذ اندلاع الحرب على غزة.

يذكر أنه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، وهو أول يوم له بالمنصب، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًّا يلغي العقوبات الأميركية المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين، ووافقت إدارته منذ ذلك الحين على بيع أسلحة بمليارات الدولارات لإسرائيل.

كما رفض مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة، الخميس الماضي، محاولة منع بيع أسلحة بقيمة 8.8 مليارات دولار لإسرائيل بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، إذ صوّت 82 مقابل 15 عضوا، و83 مقابل 15 عضوا، لصالح رفض قرارين بعدم الموافقة على بيع قنابل ضخمة وغيرها من المعدات العسكرية الهجومية.

ويقول رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الدكتور صلاح عبد العاطي، إن “إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية في غزة، وجرائم ممنهجة من جنودها ومستوطنيها في الضفة الغربية، بشراكة أميركية كاملة”.

ووضع إفراج إدارة ترامب عن صفقة البنادق في سياق إمعانها وتشجيعها لإسرائيل لارتكاب مزيد من الجرائم، والأخطر -برأي الخبير الحقوقي- هو تزويد الإدارة الأمريكية للاحتلال بقنابل زنة ألفي باوند، يستخدمها حاليًّا في غزة، وتتسبب في حدوث ما يشبه الزلازل في المناطق التي تستهدفها، ودمار على نطاق واسع، وأضرار بيئية جسيمة، علاوة على رفع فاتورة الضحايا من الشهداء والجرحى.

ويؤكد عبد العاطي أن الشواهد كثيرة على استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دوليا، خاصة في المناطق المكتظة بالمدنيين، من قنابل فراغية وارتجاجية تحتوي على مواد كيميائية، تنسف بها أحياء ومناطق بأكملها على رؤوس ساكنيها، وتؤدي إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهناك أعداد كبيرة من الشهداء اختفت أجسادهم وتبخرت نتيجة هذه الذخائر المحرمة.

مختبر أسلحة

وإضافة إلى ما تحصل عليه من إمدادات عسكرية أمريكية، فإن إسرائيل تستخدم القطاع مختبرا وحقل تجارب لما تنتجه مصانعها من أسلحة وذخائر، وهو أمر يؤكد عبد العاطي أنها اعتادت عليه في كل حروبها السابقة، لكن هذه الحرب هي الأشد فتكا ودموية وتدميرا.

ويقول عبد العاطي إن إسرائيل توظف حربها على غزة لتطوير صناعاتها العسكرية من الأسلحة، خاصة المحرمة دوليا من دون رقابة أو قيد أو محاسبة دولية، حيث ترتكز دولة الاحتلال في اقتصادها على تجارة الأسلحة كونها من أكبر المصدرين عالميا.

ويتفق الثوابتة مع عبد العاطي على أن الولايات المتحدة في شراكة كاملة مع الاحتلال فيما يرتكب من جرائم، ويقول “تأتي صفقة البنادق بعد جريمة الإعدام الميداني التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق طواقم الدفاع المدني وطواقم الإسعاف في مدينة رفح”.

“هذه الصفقة تندرج في إطار دعم الاحتلال في حربه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وتشكل انتهاكا صارخا للقوانين الدولية التي تحظر تزويد أطراف النزاع بالأسلحة التي تستخدم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومن الواضح أن هذه الأسلحة لا تستخدم فقط في التصعيد العسكري ضد المقاومة الفلسطينية، بل بشكل خاص في استهداف المدنيين، بما في ذلك الطواقم الطبية وفرق الإغاثة”، بحسب الثوابتة.

ويقول المسؤول الحكومي “هذا القرار يعكس الدور المريب للإدارة الأمريكية في تعزيز آلة الحرب للاحتلال الإسرائيلي، ويزيد من تعقيد الوضع الإنساني في غزة ويقوّض كل جهود السلام، والإدارة الأمريكية تتحمل المسؤولية الكاملة عن تبعات سياساتها”.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الاحتلال غزة نتنياهو حرب الإبادة دموية الحرب وقف إطلاق النار الاحتلال فی هذه الأسلحة عبد العاطی فی غزة

إقرأ أيضاً:

اليمن يُفشل استراتيجية أمريكية سرية: قاذفات B-2 تدخل المعركة وتخرج بلا جدوى

يمانيون../
في تطور يُعد من أكثر المفاجآت الاستراتيجية إثارة منذ بداية التصعيد في البحر الأحمر، كشفت تقارير استخباراتية غربية عن استخدام الولايات المتحدة لطائرات B-2 الشبحية، وهي من أكثر الطائرات العسكرية تقدمًا في الترسانة الأمريكية، في عمليات قصف استهدفت مواقع تابعة للقوات المسلحة اليمنية. هذه القاذفات التي كانت تُحتفظ بها ضمن خيارات الحرب الكبرى ضد الصين أو روسيا، أُقحمت في ساحة معركة لم تكن في الحسبان، في خطوة تُظهر حجم القلق الأمريكي من تصاعد القدرات اليمنية، لكنها أيضًا تكشف فشلًا ذريعًا في احتواء هذا التحدي الآخذ في التوسع.

تحوّل اليمن إلى عقدة في العقل العسكري الأمريكي
بقدر ما تحمل خطوة كهذه دلالات عسكرية، فإنها تعكس في المقام الأول ارتباكًا استراتيجيًا كبيرًا داخل البنتاغون، الذي بات يجد نفسه أمام خصم غير تقليدي يستخدم تكتيكات ميدانية متطورة بموارد متواضعة، ويحقق نتائج على الأرض تفوق كل التوقعات.

لقد دخل اليمن، وعلى نحو غير مسبوق، في صلب الحسابات الاستراتيجية للجيش الأمريكي، لا بوصفه مجرد منطقة نفوذ أو جبهة ضغط، بل بوصفه تحديًا وجوديًا لفكرة الردع الأمريكي ذاتها، خصوصًا بعد أن فشلت ضربات أمريكية مركزة في كسر إرادة صنعاء، بل وزادت من وتيرة العمليات النوعية التي تستهدف السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني.

من الصين إلى اليمن: انتقال غير محسوب للسلاح الاستراتيجي
استخدام قاذفات B-2 Spirit، التي تعتبر من أدوات “اليوم الأخير” في عقيدة الردع النووي الأمريكي، لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن سياق تصاعد الإحباط العسكري والإستراتيجي لدى واشنطن. فهذه القاذفات، المصممة لاختراق أكثر الدفاعات الجوية تعقيدًا حول العالم، تُستهلك اليوم في استهداف منصات بدائية نسبيًا، لكنها فعّالة، يملكها اليمنيون وتُستخدم في إطلاق صواريخ أو تشغيل طائرات مسيّرة.

فما الذي دفع الولايات المتحدة لهذا التصعيد العسكري غير المعلن؟
الجواب ببساطة يكمن في حجم الضغط الذي تفرضه العمليات اليمنية في البحر الأحمر، والتي أرغمت واشنطن على تحويل أكثر أدواتها حساسية من جبهات الصراع الكبرى إلى صحراء اليمن وبحره، دون أن تحقق التأثير المطلوب، وهو ما يشكل ضربة نفسية ومعنوية لواشنطن أكثر من كونه فشلًا عسكريًا تقنيًا.

اليمن كقوة غير متماثلة تُربك العقول العسكرية
الحرب الدائرة ليست تقليدية بأي شكل، فاليمن لا يواجه أمريكا عبر جيوش جرارة أو أساطيل نظامية، بل عبر منظومة تكتيكية تجمع بين البساطة والدهاء. فمقابل كل B-2 تطلق صواريخها الدقيقة، توجد طائرات مسيّرة يمنية لا تتجاوز تكلفة الواحدة منها بضع آلاف من الدولارات، لكنها تُربك حركة الملاحة وتدفع واشنطن لتكثيف حماية سفنها التجارية، ومرافقة الناقلات المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.

فإذا كانت كل طلعة لقاذفة B-2 تكلف ملايين الدولارات من الوقود والصيانة والأسلحة، فإن الهجوم اليمني الواحد باستخدام طائرة مسيّرة قد لا يكلف سوى جزءًا بسيطًا من ذلك، ما يجعل الحرب من زاوية اقتصادية واستراتيجية غير متكافئة بشكل يضعف القوة الأمريكية أكثر مما يُرهق اليمن.

ضغوط داخلية وخارجية: أمريكا في مأزق تعدد الجبهات
هذا الاستخدام السري لسلاح استراتيجي خطير، كقاذفات B-2، لا يمكن عزله عن المأزق السياسي والعسكري الذي تواجهه واشنطن اليوم. فمن ناحية، تجد الإدارة الأمريكية نفسها تحت ضغط داخلي متصاعد، حيث تتعرض لانتقادات لاذعة من أوساط سياسية وإعلامية بسبب فشلها في حسم المعركة في البحر الأحمر رغم الأموال الطائلة التي أُنفقت منذ بداية العمليات.

ومن ناحية أخرى، تتفاقم المخاوف من أن يؤدي استنزاف أسلحة استراتيجية في معارك جانبية، إلى إضعاف الجاهزية الأمريكية أمام خصمين كبيرين هما الصين وروسيا، في وقت تشهد فيه العلاقات الدولية توترًا بالغًا، خصوصًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

إخفاق استخباراتي أمريكي متكرر
تكشف هذه التطورات أيضًا عن إخفاق استخباراتي أمريكي في تقدير قوة وتطور الأداء العسكري اليمني. فقد توقعت التقارير الأمريكية في بداية العمليات أن صنعاء ستتراجع بسرعة تحت الضغط الجوي المكثف، وأن الهجمات على الملاحة في البحر الأحمر سيتم احتواؤها خلال أسابيع قليلة.

لكن ما حدث أن اليمن طوّر أدواته بسرعة، وتوسّع في استخدام الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز، بل وبدأ في استخدام تقنيات جديدة في الحرب البحرية، مثل الغواصات الصغيرة المفخخة والزوارق السريعة، بالإضافة إلى قدرات تشويش إلكتروني أربكت أنظمة الملاحة والرادارات الأمريكية.

قاذفات B-2: رمزية التفوق تنهار في صحراء اليمن
لطالما اعتُبرت B-2 رمزًا للتفوق العسكري الأمريكي، إذ بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية والوصول إلى أهدافها دون أن تُكتشف. لكن في اليمن، لم تُحقق هذه القاذفات “المعجزة”، إذ لم تُعطِ نتائج ملموسة على الأرض، بل استمرت القوات المسلحة اليمنية في شن عملياتها، وتحدّت الطائرات الأمريكية عبر تكتيكات تهدف إلى “إفشال المهمة قبل بدايتها”.

ومن اللافت أن اليمنيين لا يُقاتلون فقط في الميدان العسكري، بل يخوضون أيضًا معركة نفسية وإعلامية تستنزف خصمهم، حيث تُصوَّر العمليات وتُنشر في توقيتات محسوبة، ما يضاعف من تأثيرها الرمزي والمعنوي، ويُظهر العجز الأمريكي أمام جمهور عالمي يراقب التحولات في ميزان القوة.

البعد الفلسطيني حاضر في كل جبهة
واحدة من أهم الثوابت التي تُميز الموقف اليمني، والتي تُعطي لهذه الحرب بعدها السياسي والأخلاقي، هو الإصرار العلني على ربط العمليات العسكرية بدعم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. فقد أعلن اليمن بوضوح أن هجماته على السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، أو تلك المتجهة إلى موانئه، تأتي في سياق إسناد عسكري مباشر لفلسطين، ما يجعل هذه المواجهة ليست حربًا على السيادة فقط، بل معركة من أجل قضية الأمة المركزية.

هذا الربط بين اليمن وفلسطين يُعطي للمواجهة بعدها الشعبي العربي والإسلامي، ويُكسب صنعاء دعمًا واسعًا، ويجعل من كل استهداف أمريكي لها يظهر وكأنه عدوان على القضية الفلسطينية ذاتها.

ما بعد B-2: إلى أين تتجه الحرب؟
من الواضح أن استخدام واشنطن لقاذفات B-2 لن يكون نهاية التصعيد، بل هو مقدمة لمرحلة جديدة قد تكون أكثر خطورة، إذا ما قررت الولايات المتحدة الانخراط بشكل أوسع، أو الدفع بحلفائها الإقليميين للعب أدوار ميدانية أكثر عدوانية.

لكن في المقابل، فإن هذا الانخراط المتزايد ستكون له أكلاف ضخمة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا على المستوى الاقتصادي والسياسي، خصوصًا مع توسع الرفض الدولي للتورط الأمريكي في الشرق الأوسط، واستمرار الحراك المناهض في الداخل الأمريكي.

الخلاصة: اليمن يُعيد تعريف الحرب
ما يحدث اليوم في البحر الأحمر وما حوله ليس مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هو تحول جذري في طبيعة الصراع. فمن دولة مُحاصرة ومُنهكة اقتصاديًا، خرج اليمن ليصبح رقمًا صعبًا في معادلات الردع العالمية، ويُجبر القوة العظمى على كشف أوراقها الاستراتيجية دون أن تحسم المعركة.

لقد أثبت اليمن أن الإرادة السياسية، والربط الواعي بين المعركة الداخلية والقضايا المركزية، يمكن أن يُحدث خللاً في موازين القوى، حتى في مواجهة دولة تمتلك أكبر ترسانة عسكرية في العالم. واليوم، ومع تواصل المعركة، لا يبدو أن اليمن ينوي التراجع، بل يُراكم إنجازاته، ويُعيد تشكيل خريطة الصراع الإقليمي بدماء وشجاعة أبنائه، وعلى أنقاض أوهام التفوق الأمريكي.

مقالات مشابهة

  • الناتو يحذر من خطط روسيا لنقل الأسلحة النووية للفضاء
  • اليمن يُفشل استراتيجية أمريكية سرية: قاذفات B-2 تدخل المعركة وتخرج بلا جدوى
  • الحرب النفسية.. أسلحة خفية تُهدد العقول والمجتمعات
  • بحوزته ترسانة أسلحة وذخيرة.. سقوط عنصر إجرامي خطير في سوهاج
  • ضبط عامل حول منزله إلى ورشة لتصنيع أسلحة نارية بسوهاج
  • ضبط عنصر إجرامي بسوهاج بتهمة تصنيع أسلحة نارية
  • محكمة دانماركية ترفض دعوى لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
  • ضغوط أمريكية على تل أبيب لإنهاء الحرب في غزة ضمن مبادرة إقليمية
  • أسلحة الفتك .. إسرائيل تحول غزة ساحة لتجربة أسلحتها المحرمة
  • تقارير إسرائيلية: ترامب يضغط لإنهاء الحرب على غزة.. ونتنياهو يواجه ضغوطًا أمريكية متزايدة