في مشهد يعكس التحديات البيئية التي تواجهها البحيرات الساحلية في منطقة البحر المتوسط، كشفت دراسة علمية حديثة أن بحيرة البرلس -ثاني أكبر البحيرات الطبيعية في مصر- باتت معرضة بشكل متزايد للتلوث بجزيئات البلاستيك الدقيقة، المعروفة بالميكروبلاستيك، نتيجة تدفق الملوثات من مصادر متعددة، على رأسها المصارف الزراعية، ومخلفات الصيد، والتصرفات البشرية غير المنضبطة.

الدراسة، التي نشرت يوم الرابع من أبريل/نيسان في مجلة "ساينتفك ريبورتس" استخدمت نظم المعلومات الجغرافية ونماذج التحليل المكاني لتقييم مدى تعرض البحيرة لهذا النوع من التلوث الخفيّ.

وبحسب النتائج، فإن المناطق الجنوبية والغربية والشمالية الغربية من البحيرة تُظهر أعلى درجات القابلية البيئية للتلوث، ما يجعلها نقاطًا حرجة تستدعي التدخل العاجل.

وتقع بحيرة البرلس على الساحل الشمالي الشرقي لمصر، وهي مصنفة كمحمية طبيعية منذ عام 1998 بموجب القانون المصري، كما أنها مدرجة ضمن اتفاقية "رامسار" الدولية لحماية الأراضي الرطبة.

ورغم ذلك، تؤكد الدراسة أن الحماية القانونية لم تمنع تغلغل الأنشطة البشرية، ولا سيما تصريف مياه الصرف الزراعي والصحي، في نسيجها البيئي الهش.

المناطق الجنوبية والغربية والشمالية الغربية من البحيرة تُظهر أعلى درجات القابلية البيئية للتلوث (رويترز) نموذج استباقي لرصد التهديدات

تمثل الدراسة نقلة نوعية في طريقة التعامل مع التلوث البلاستيكي، إذ لا تكتفي بتوثيق الوضع القائم، بل تقدم نموذجًا تنبُّئيًا يستشرف المناطق الأكثر عرضة للخطر، استنادًا إلى 7 مؤشرات رئيسية، منها: كثافة الأنشطة البشرية، واتجاهات التيارات المائية، وقرب المناطق من مداخل البحر، ومستوى الحماية القانونية.

إعلان

وفي تصريح لـ"الجزيرة نت"، قالت الباحثة المشاركة في الدراسة "سهى شبكة"، الأستاذة المساعدة في قسم الأحياء المائية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد: "أنشأنا نموذجا باستخدام نظم المعلومات الجغرافية لتقييم تعرض المياه السطحية للتلوث من المصادر غير المباشرة. وأظهرت النتائج أن الممرات المائية تلعب دورًا محوريًا في نقل الجزيئات البلاستيكية إلى داخل البحيرة، لا سيما في الجزء الجنوبي منها".

وأضافت "شبكة": "تتلقى بحيرة البرلس سنويا حوالي 3.9 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والمنزلي، إلى جانب التصريفات القادمة من مزارع الأسماك. هذه الكميات الضخمة تُعد وسيلة مثالية لنقل الميكروبلاستيك إلى النظام البيئي البحيري".

رصد الفريق البحثي وجود 8 أنواع من البوليمرات الحرارية في عينات المياه، من بينها البولي بروبيلين، والبولي إيثيلين منخفض الكثافة، والنايلون، والتيفلون.

وتشير هذه المواد إلى مصادر تلوث متنوعة، تشمل الحبال وشباك الصيد، والمواد العازلة في الكابلات الكهربائية، وطلاء القوارب، والأكياس البلاستيكية، وحاويات التغليف.

وتوضح الباحثة أن متوسط تركيز الجزيئات البلاستيكية في المياه المفتوحة للبحيرة بلغ 165 قطعة لكل متر مكعب، بينما وصل إلى 835.6 قطعة/م³ في المياه القريبة من المصارف، وهو ما يشير إلى علاقة وثيقة بين مخرجات الأنشطة البشرية ونسبة التلوث المسجلة.

وتبرُز مناطق مثل بلطيم والبرج والأجزاء الجنوبية الشرقية من البحيرة باعتبارها الأكثر تأثرا، حيث تتركز الأنشطة الحضرية وتتشابك الشبكات المائية التي تسهم في تجميع ونقل الملوثات.

يوصي الباحثون بتفعيل نظم مراقبة بيئية دورية، تهدف إلى رصد تركيزات الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في المياه والرسوبيات بشكل مستمر (غيتي) أثر غير مرئي.. ولكن خطير

الميكروبلاستيك، رغم حجمه الدقيق الذي لا يتجاوز 5 ميليمترات، يعتبر من أخطر أنواع الملوثات الحديثة، نظرا لقدرته على اختراق سلاسل الغذاء البحرية. فعندما تبتلع الكائنات البحرية مثل الأسماك والقشريات هذه الجزيئات، تتراكم المواد السامة المرتبطة بها في أنسجتها، وقد تنتقل لاحقا إلى الإنسان عند استهلاك هذه الكائنات.

إعلان

وفي هذا السياق، تقول شبكة "الميكروبلاستيك لا يؤثر فقط على الحياة البحرية من حيث الاختناق أو انسداد الجهاز الهضمي، بل يتسبب أيضا في اضطرابات هرمونية وتكاثرية قد تقود إلى انهيار تدريجي في التوازن البيئي. أما بالنسبة للإنسان، فهناك مخاطر حقيقية ناتجة عن تناول أسماك ملوثة أو استخدام مياه ملوثة".

رغم أن بحيرة البرلس تخضع للحماية القانونية، فإن الدراسة تسلط الضوء على "فجوة تطبيقية" في إنفاذ هذه القوانين. وتشير النتائج إلى أن ضعف الرقابة البيئية، وتعدد مصادر التلوث، والتوسع الحضري غير المخطط، كلها عوامل تساهم في تدهور الحالة البيئية للبحيرة.

يعلق "عبد الحميد أحمد" -أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بجامعة المنصورة، والباحث غير المشارك في الدراسة- قائلا في تصريحات لـ"الجزيرة نت" إن الدراسة لم تكتف برصد الواقع البيئي القائم في بحيرة البرلس، بل خلصت إلى مجموعة من الإجراءات الوقائية العاجلة التي يمكن أن تسهم في الحد من تفاقم التلوث بالميكروبلاستيك.

من أبرز هذه التوصيات تفعيل نظم مراقبة بيئية دورية، تهدف إلى رصد تركيزات الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في المياه والرسوبيات بشكل مستمر، مما يتيح تتبع التغيرات ورسم خريطة زمنية دقيقة للمخاطر. كما دعت إلى الحد من استخدام المواد البلاستيكية أحادية الاستعمال، خاصة في الأنشطة المرتبطة بالصيد والسياحة، باعتبارها من المصادر الرئيسية للتلوث.

أوصت الدراسة بتنظيم حملات توعية تستهدف الصيادين والمجتمعات المحلية (غيتي) نموذج مصغر

ولم تغفل الدراسة أهمية رفع الوعي المجتمعي، حيث أوصت بتنظيم حملات توعية تستهدف الصيادين والمجتمعات المحلية، لشرح أبعاد المشكلة وآثارها الصحية والبيئية. كذلك شددت على ضرورة إنشاء بنية تحتية متكاملة لمعالجة النفايات، لاسيما في المناطق المحيطة بالمصارف التي تعد البوابة الرئيسية لتسرب الملوثات إلى البحيرة.

إعلان

وأخيرا، طالبت الدراسة بتطبيق أكثر صرامة للتشريعات البيئية، وتعزيز أدوات الرقابة على مصادر التلوث غير المباشر، لضمان حماية فعالة ومستدامة لهذا النظام البيئي الهش.

وفي هذا الإطار، تؤكد شبكة، على أهمية اعتماد نهج متعدد الأبعاد، يجمع بين الحلول التقنية والتدخلات المؤسسية والتوعية المجتمعية، مشددة على أن "المعركة ضد الميكروبلاستيك لا يمكن كسبها من خلال الباحثين وحدهم، بل تتطلب تعاونًا بين صانعي السياسات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص".

بحيرة البرلس، بحسب الخبراء، تعد نموذجا مصغرا للتحديات التي تواجهها العديد من البحيرات الساحلية في المنطقة، مثل بحيرة البردويل في سيناء، وبحيرة مريوط في الإسكندرية، وغيرها من الأنظمة البيئية الرطبة المهددة بالتلوث.

ويرى أحمد أن نتائج هذه الدراسة يمكن تعميمها على بيئات مشابهة، قائلا "الخريطة المكانية التي أنتجتها الدراسة توفر أداة مهمة لترتيب أولويات التدخل، وتعد أساسا علميا لتوجيه الاستثمارات البيئية نحو المناطق الأكثر احتياجا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجزیئات البلاستیکیة بحیرة البرلس فی المیاه

إقرأ أيضاً:

اختناقات بسبب النيران في الأصابعة.. وفريق دولي يستبعد التلوث أو التسربات

???? ليبيا | المقطوف: الحرائق تتجدد يوميًا في الأصابعة والتقرير الرسمي قيد الإعداد

???? حرائق مستمرة واختناقات بين السكان ????
ليبيا – أكد عميد بلدية الأصابعة، عماد المقطوف، أن الحرائق تتجدد يوميًا في مناطق البلدية، وتتفاوت أضرارها بين متوسطة وكبيرة، مشيرًا إلى تسجيل حالات اختناق بين المواطنين وأفراد هيئة السلامة الوطنية نتيجة الأدخنة الكثيفة.

???? تحقيقات ميدانية وفريق أوروبي متخصص ????
وأوضح المقطوف، في تصريحات خاصة لشبكة “لام”، أن اجتماعًا عقد مع إدارة الأزمات والطوارئ، بحضور الفريق البحثي التابع للجنة الأزمة، إلى جانب خبراء من الاتحاد الأوروبي، حيث تم استخدام تقنيات متقدمة وأجهزة تحليل حديثة للكشف عن أسباب اشتعال النيران.

???? استبعاد فرضيات التلوث أو التسربات ❌☣️
وبيّن المقطوف أن النتائج الأولية استبعدت وجود غازات أو مواد كيميائية أو فيزيائية أو بيولوجية خطيرة، مؤكدًا أن الحرائق لا تعود لتلوث بيئي أو تسربات مهددة للصحة العامة.

???? ضعف التجهيزات يعرقل جهود الإطفاء ????
وأشار إلى أن بلدية الأصابعة تعاني من ضعف كبير في الإمكانيات، موضحًا أن فرق هيئة السلامة الوطنية تفتقر لمعدات السلامة الأساسية أثناء مكافحة النيران، مما يعرّض عناصرها للخطر ويحدّ من كفاءتهم في الاستجابة.

???? تقرير نهائي مرتقب خلال أيام ????
وكشف المقطوف أن الفريق البحثي سيُعدّ تقريرًا رسميًا مفصلًا خلال الأيام المقبلة، لتحديد الأسباب الحقيقية وراء هذه الحرائق المتكررة، ووضع توصيات عملية للحد منها مستقبلًا.

مقالات مشابهة

  • القطب الشمالي يفقد أسبوعا من شتائه كل عقد!.. علماء روس يوثقون تغيرات مناخية مقلقة
  • «التلوث وأضراره».. ندوة توعوية في السويس
  • التحديات البيئية والصحية في أعقاب الحروب وكيفية التعامل معها
  • إصابة شخصين في حادث تصادم ميكروباص بسور خرسانة على طريق بحيرة قارون السياحي
  • قطع المياه 8 ساعات عن بعض المناطق بإدكو ورشيد في البحيرة الأحد المُقبل للصيانة
  • القبض على 5 أشخاص لمخالفتهم الأنظمة البيئية في منطقة تبوك
  • اختناقات بسبب النيران في الأصابعة.. وفريق دولي يستبعد التلوث أو التسربات
  • غزة.. العجز في الأدوية والمستهلكات الطبية يصل «مستويات خطيرة»
  • «آثار بنغازي» تطلق نداءً عاجلاً لحماية قصر شبنة الأثري من التلوث
  • دراسة: صحراء الربع الخالي كانت تضم بحيرة ومروج خضراء قبل 9 آلاف سنة