مثلما كانت الفاشر في تاريخها العريق، عرفتها قوافل الحج من كل فجاج إفريقيا العميقة، محطّة إستراحة، وترفّه وتزوّد لتكملة المسير، كذلك عرفها رواة التاريخ، وكتب عنها الرحّالة.
ما تزال الفاشر هي مناط التحدي بين أهلها وجيشها وقواتها المشتركة ، وبين قطعان الغُزاة الذين تدفّقوا من نواحي أفريقيا، من ليبيا ومناطق سيطرة العميل الأشهر ( *حفتر* ) ومن تشاد في عهدة ( *كاكا* ) ومن حيثُ وجد عربان الشتات، جيئ بهم لينفّذوا مشروع آل دقلو، ورعاته الدوليون، والإقليميون بالسيطرة على السودان، ولمّا تأكدت خسارتهم خلال سنتين من القتال وهُزموا شرّ هزيمة وضعوا الفاشر هدفًا بديلاً، ليسقطوها لإكمال السيطرة على كل إقليم دارفور ومن ثم يمكن تطويق بقيّة السودان وتطوير العمليات لتحقيق الهدف الأساسي.
هذه السيناريوهات بعيدة عن الواقع وغير مُمكنة لعدّة أسباب، فالفشل الكبير الذي منيت به المليشيا في محاولاتها السيطرة على العاصمة الخرطوم، وبالتالي القُدرة على التحكّم في بقية الولايات، صاحبه هلاك أغلب قيادات المليشيا، مع فُقدانها الثقة، وقُدرة جذب المقاتلين والإحتفاظ بهم، فضلاً عن فقدان كميّات كبيرة من السلاح والتجهيزات القتالية التي يصعُب تعويضها في هذا الظرف.
الفاشر التي صمدت في وجه موجات الهجوم لمئات المرات وصبرت على كثافة القصف المدفعيّ المستمر والحصار التّام، والحرمان من الموارد والمؤن الضرورية للسكان، إلا مما تُسقطه القوات الجويّة من ضرورات الدواء، والحاجات الملحّة. هذا الصمود أحبط عزيمة المليشيا وجعلها تبحث عن حيّل أُخرى لتُحدث الفوضى في المدينةِ الصامدة، وذلك بالنداءات الخادعة التي ينعقُ بها المتمردان ( *الهادي إدريس والطاهر حجر* ) لسُكّان الفاشر بالخروج من المدينة تحت حمايتهما بإعتبار أنهما من إثنية الأغلبية في الفاشر وذلك لإخلاء المدينة حتى يتمكّن منها الجنجويد، وتلك والله أخزى المواقف أن تقودكما العمالة لهذه الدرجة من الإنحطاط والتآمر بإسم العرق للإيقاع بالبسطاء من الناس.
الموقف العملياتي الراهن يؤكد إندفاع أكثر من متحرّك تجاه المدينة وفكّ الحصار عنها وتخليص المواطنين
دون إنتظار أحد من منظّمات العالم العاجزة عن ردع الدول الداعمة لهذا العدوان، المجاهرة بذلك، والمفاخرة بإصطفافها أمام ( *شبّاك الصرّاف* ) لتتلقى ثمن العمالة.
القوات المشتركة بتعدّد واجهاتها ( *مناوي، جبريل وتمبور* ) كلّها اليوم يدٌ واحدة تُمسك الزناد مع الجيش السودانيّ وتندرج كلها تحت قيادته، وتوجيهاته العملياتية، تحقيقًا للهدف الأسمى وهو إبادة الجنجويد ومحوهم تمامًا، حتى يطمئن الناس على مستقبل أجيالهم القادمة ( *سودان خالٍ من الجنجويد* ).
الفاشر:
ستكون قاصمة ظهر من تبقّى من المليشيا التي إنحسر دورها، وتقزّمت آمالها وذاقت طعم الموت في الخرطوم، وولايات الوسط، ولم يبقَ منها سوى شراذم متفرّقة لن تلبث أن تنهزم أمام أُسود الفاشر المرابطة والمتحرّكات المُطبقة على منافذ الهروب.
الفاشر لن تقاتل وحدها، فكُل إرادة السودانيين الآن متوجّه نحوها، وجحافل المقاتلين المنتصرين يتهيأون للزحف المقدّس لتخليص دارفور من بطش الجنجويد، وتلك هي المُدن الأسيرة، تنادي للنصرة، الجنينة الجريحة، وزالنجي الحزينة، ونيالا المُغتصبة والضعين التي إتخذها الجنجويد مغارة اللصوص، كلّها ستتحرّر بحول الله ونصره الموعود لجُنده وليس ذلك على الله ببعيد.
ووقتها سيعرف قادة الجنجويد أنهم قد إرتكبوا أكبر خطاياهم يوم وقفوا في وجه الشعب وجيشه في تحدٍّ لا ينُم إلّا عن حمقٍ وغباء.
*ألا إنّ نصر الله قريب*
✍️ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر بالسودان
أدانتْ رابطة العالم الإسلامي، بأشدِّ العبارات، الهجماتِ التي تعرضت لها مخيمات النازحين حول مدينة “الفاشر” بالجمهورية السودانية، مُخلِّفةً عددًا من الضحايا.
وفي بيانٍ للأمانة العامة للرابطة، ندَّدَ معالي الأمين العام رئيس هيئة علماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى بهذه الهجمات، التي تُمثّلُ انتهاكًا لكلّ القِيَم والأعراف الدينيّة والإنسانيّة، وارتدادًا عمَّا اتفق عليه في “إعلان جدة”، بشأن توفير الحماية للمدنيِّين.
وأعرب فضيلتُه عن تضامن الرابطة مع الشعب السوداني في ظلّ هذه المأساة التي يعيشها، مقدِّمًا صادقَ التعازي والمواساة لذوي الضحايا، ومتمنيًا للمُصابين عاجلَ الشفاء.