المقاومة جاهزة للرد.. هل تلجأ إسرائيل مجددا لسياسة الاغتيالات؟
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
رفعت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من درجة اليقظة والاستعداد لأي هجوم إسرائيلي محتمل ضدّ عدد من قادة المقاومة وعناصرها، الذين تربطهم علاقة بدعم العمل المقاوم في الضفة.
يأتي ذلك في وقت أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري، أن تهديدات الاحتلال باغتيال قادة الحركة أو أي من قادة فصائل المقاومة لا تخيفهم، مشددا على أن القادة لن تستسلم، وتسير على نفس الدرب مع شعبها.
ووفق مصادر فلسطينية تحدثت لصحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من "حزب الله" اللبناني، فإن الفصائل اتّخذت إجراءات أمنية مشدّدة خشية تكرار جيش العدو السيناريو نفسه الذي لجأ إليه في مايو/أيار الماضي، عندما اغتالت طائراته 3 من كبار قادة "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي".
وسبق أن تعرض قطاع غزة، خلال مايو/أيار الماضي، إلى عدوان إسرائيلي كبير بدأ باغتيال 3 من أبرز قادة الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "سرايا القدس"، وأسفر عن 33 شهيداً و190 جريحاً، ودمار كبير في المباني والمنشآت.
وحسب تقديرات المقاومة، فإنه على الرغم من تلميحات بعض الكتّاب والمحلّلين الإسرائيليين إلى أن الاغتيالات المتوقّعة قد تطال قيادات كبيرة، إلّا أن جيش الاحتلال قد يذهب إلى خيار تصفية قيادات وسطى أو عناصر، وهو ما سيؤدي إلى تصعيد يستمرّ ليوم أو يومين.
وحذّر مصدر في المقاومة (رفض الكشف عن هويته)، من أن ردّ الأخيرة على أيّ اغتيال "سيكون أكبر من توقّع الاحتلال، الذي سيتفاجأ بطريقته وحجمه"، منبّهاً إلى أن "مثل هذه الخطوة قد تؤدّي إلى تصعيد كبير سيطال مختلف الجبهات التي تستطيع المقاومة العمل فيها".
اقرأ أيضاً
اغتيال 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي في جنين.. وتفجير منزل في نابلس (فيديو)
ولفت المصدر إلى أن حكومة العدو "تسعى من خلال لجوئها المحتمل إلى عمليات اغتيال خارج الضفة إلى صنع معادلة جديدة عنوانها الردّ على الهجمات في الضفة بالاغتيالات، وسط عجزها عن تنفيذ أيّ فعل يوازي العمليات الفدائية".
وتابع: "المقاومة لن تسمح للاحتلال بتغيير قواعد الاشتباك في قطاع غزة أو خارجه".
وعليه، استبعد المصدر لجوء العدو إلى تفعيل الاغتيالات مجدّداً، مشيراً إلى أن "هذا الخيار معقّد أمام الاحتلال نظراً إلى المعادلة التي رسّخها الحلف المقاوم، والتعهّدات الصادقة التي قدّمها بحماية المقاومين وقادتهم".
وكانت القناة "12" العبرية، قد ألمّحت إلى أن إسرائيل على وشك تنفيذ ما سمّاه "نشاطاً عملياتياً كبيراً" في خارج فلسطين أو في قطاع غزة، مشيراً إلى اتّهام حكومة بنيامين نتنياهو الواضح للمقاومة في لبنان وغزة بأنها هي التي يشرف على تصاعد الأوضاع الأمنية في الضفة.
وفي الاتجاه نفسه، قالت القناة "13" العبرية، بالتزامن مع الاجتماع الذي عقده وزير الأمن، يوآف غالانت، مع القادة الأمنيين الإسرائيليين: "طالما أنّ (رئيس حركة حماس في قطاع غزة) يحيى السنوار، منشئ الإرهاب، محصَّن ويعيش بسلام، فإن الإرهاب لن يتوقّف".
وأضافت: "يجب أن يشعر قادة الإرهاب بالخطر على حياتهم. يجب أن تكون الرسالة أن أيّ هجوم في الضفة سينتهي بتصفية قائد في غزة أو سوريا أو لبنان".
اقرأ أيضاً
التصعيد الإسرائيلي ضد غزة يتواصل باغتيال قادة الجهاد.. وفشل الوساطة
وعقب الاجتماع المذكور نفسه، أعلن مسؤول في جيش الاحتلال أن الأخير "سيضطرّ إلى الشروع في عملية واسعة النطاق لجمع الأسلحة والذخيرة والمطلوبين في وقت واحد في الضفة، وذلك في أعقاب سلسلة العمليات التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قُتل فيها ثلاثة مستوطنين".
أما موقع "رأي اليوم"، فنقل عن مصادر فلسطينية، تحذير العديد من الدول العربية فصائل المقاومة الفلسطينية، من تنفيذ إسرائيل "في أي لحظة مقبلة" عمليات اغتيال كبيرة وواسعة لأبرز القادة الفلسطينيين، قد تتسبب في قلب المنطقة والدخول بجولة تصعيد جديدة.
وأكدت المصادر الفلسطينية، أن بعض الدول العربية نقلت للفصائل الفلسطينية هذا التحذير الساخن، وأكدت وجود نية إسرائيلية لتنفيذ عمليات اغتيال قريبة وقد تكون لشخصيات ذات وزن ثقيل من داخل قطاع غزة وخارجه.
وأوضحت المصادر، أن الدول العربية (لم تسمها) أبلغت كذلك الفصائل الفلسطينية أن حجم عمليات الاغتيال لا يمكن لأحد أن يتوقعه، لكنها أوضحت أن الحكومة الإسرائيلية ستسعى لتنفيذ هذه الورقة للهروب من الأزمات الداخلية التي تضربها من كل جانب، ومحاولة إظهار نتنياهو أنه الرجل الأقوى والذي لا يزال مُسيطرًا على الوضع رغم ما يجري من عمليات نوعية للمقاومة الفلسطينية في الضفة خلال الأيام الماضية، هزت الحكومة وجيشها.
وجاءت هذه التهديدات في وقت يتصاعد فيه غضب المستوطنين وقادتهم وانتقادهم للحكومة وأجهزتها على خلفية فشلها في وقف موجة العمليات الفدائية.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال، نشرت صباح الخميس، تقديرات كبار المسؤولين الأمنيين، والتي تفيد بـ"(أنّنا) حتى اللحظة لم نصل بعد إلى ذروة موجة العمليات"، محذّرةً، نقلاً عن هؤلاء، من ازدياد "احتمالات تنفيذ عمليات مشابهة".
اقرأ أيضاً
اغتيال قيادي بارز في الجهاد الإسلامي.. استشهاد 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي جنوب غزة (فيديو)
في المقابل، قال العاروري، في مقابلة عبر قناة "الأقصى" الفضائية، الخميس، إن تهديدات الاحتلال باغتيال قادة الحركة لا تخيفها، ولن تستسلم وسائرة على نفس الدرب مع شعبها.
وأضاف: "هذا ليس جديدا أن يهددوا، وهم يغتالون، وكل يوم هناك شهداء، ونحن في حركة حماس جزء من الشعب، ولذلك نستشهد ونعتقل مثل شعبنا، وتهدم بيوتنا ونُلاحق ونُطارد، وهذا هو الوضع الطبيعي لهذا الاحتلال، ولكن أيضا نحن نقاوم ونطارده، ونحن نقاتل وأصحاب حق لأنه هو محتل أرضنا ومعتدٍ علينا".
وتابع العاروري": "هو يهددنا بالقتل، وليس لدينا خيارات لأن نستسلم وأن نتوقف عن المقاومة، وبكل صدق ومسؤولية وشفافية، مثل ما يستشهد أبناء شعبنا، وأصغر شهيد من أبناء شعبنا تاج على رؤوسنا وأكرم منا لأنه سبقنا بالشهادة، ونحن على نفس الدرب".
وزاد: "نحن مثلنا مثل أبناء شعبنا، ونقطة قوتنا التي لا يمكنهم أن يبارونا فيها أننا نحب الشهادة ونرغب بالشهادة، ونراها قد طالت، ولا تخيفنا أبدا تهديداتهم لنا بالشهادة".
وشدد على أن "التهديدات لم تخفنا سابقا ولا تنفيذ التهديدات، مشيرا إلى أن قيادات الحركة وكوادرها ومجاهديها وأبرياء استشهدوا، والشيخ نزار ريان قصف الاحتلال بيته وهو يعلم أن أكثر من 20 فردا من أسرته داخل البيت، واستشهد وإياهم جميعا، وماذا يهددونا بعد ذلك؟".
وأشار العاروري إلى أن الاحتلال منذ أن بدأ الصراع يرتكب الجرائم بحق شعبنا ولم يتوقف، ومن يوم نشأة الكيان بدأ مسيرته بمجازر ضد شعبنا الآمن، وقتلوا الأهالي في بيوتهم ومزارعهم من أجل أن يروعوا شعبنا ويهجروه ويقيموا الكيان على أنقاضه.
اقرأ أيضاً
المقاومة الفلسطينية تحذر من تفعيل سياسة الاغتيالات: إسرائيل ستدفع الثمن
الأمر ذاته، أكده عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي" وليد القططي، حين قال إن الحركة تتعامل بجدية كاملة مع تهديدات إسرائيل المتكررة، مشدداً على أن كل السيناريوهات واردة ومحتملة.
وحذر المقاومة من تكرار سيناريوهات الاغتيال السابقة، لافتاً إلى أن كل ما يجري هو مُعالجات تكتيكية أزمات الاحتلال.
وشدد القططي، في تصريحات لإذاعة محلية، على أن عمليات الاعتقال والقمع والقتل والاقتحامات والاستيطان هي محاولات يائسة من الاحتلال لإخماد المقاومة وايقاف حركة الشعب الفلسطيني النضالية التي بدأت تتصاعد بعدما فقد الاحتلال توزانه واتزانه.
وأشار إلى أنه منذ بداية الكيان الصهيوني، يقوم بالقتل والاعتقال وتدمير البيوت والاقتحامات، أساليب مجربة ولم تثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله، وهي اشارة أن الكيان يتعمق مأزقه السياسي والأمني والوجودي.
يأتي ذلك في وقت دعت فصائل المقاومة في غزة، إلى تصعيد المواجهة مع الاحتلال، ورفع مستوى التنسيق مع المقاومين في الضفة.
وخلال ورشة عمل للفصائل في مقرّ "الجهاد الإسلامي" في غزة، بعنوان "المسجد الأقصى لن يقسم"، بمناسبة مرور 54 عاماً على إحراق المسجد الأقصى، دعا عضو المكتب السياسي للحركة خالد البطش، إلى "تعزيز كلّ أدوات الاشتباك مع الاحتلال، سواء الشعبية أو التظاهرات أو مسيرات العودة أو الكفاح المسلح".
اقرأ أيضاً
المقاومة الفلسطينية تحذر من تفعيل سياسة الاغتيالات: إسرائيل ستدفع الثمن
فيما حضّ القيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان، على تعزيز الوحدة الميدانية في الضفة، وتصعيد الاشتباك هناك، وصولاً إلى عمليات نوعية فردية وجماعية تدكّ عمق الاحتلال.
فيما أكد عضو اللجنة المركزية لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ماهر مزهر، أن "تهديدات نتنياهو ووزير حربه بشن عملية عسكرية ضد قطاع غزة لن تثني المقاومة الفلسطينية عن مشوارها النضالي والفدائي ضد الاحتلال".
وتابع: "رسالة المقاومة واضحة بأن العدوان على الشعب الفلسطيني ستقابله عمليات فدائية توجع الصهاينة، وأنه لا أمن ولا أمان للمستوطنين إلا برحيلهم عن فلسطين".
وشهدت الضفة الغربية، منذ بداية العام الجاري، تصعيداً في عمليات المقاومة الفلسطينية تجاه المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، رداً على الانتهاكات الإسرائيلية، خاصة ضد جنين ونابلس والمسجد الأقصى.
ومند بداية العام، قتل 35 إسرائيلياً في هجمات فلسطينية بالضفة و"إسرائيل"، وهو الرقم الأعلى منذ الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000، وفقاً لإحصائية نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الإثنين الماضي.
وحسب الصحيفة، فقد أصيب 140 إسرائيلياً خلال الهجمات التي نفذت منذ مطلع العام في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل إسرائيل.
وغالباً ما تتبنى كتائب الشهيد "عزالدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، و"سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، سلسلة من العمليات ينفذه مقاومين في الضفة الغربية المحتلة.
اقرأ أيضاً
حماس: تهديد إسرائيل بالعودة للاغتيالات سيقابل برد من المقاومة
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين الضفة غزة إسرائيل المقاومة المقاومة الفلسطينية اغتيال المقاومة الفلسطینیة الجهاد الإسلامی فصائل المقاومة جیش الاحتلال فی قطاع غزة اقرأ أیضا فی الضفة فی وقت على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مؤامرة «الجدار الحديدي».. إسرائيل تبدأ خطة تفكيك السلطة الفلسطينية وإهداء الضفة لـ«المستوطنين»
عزل المناطق جغرافيًّا وعسكريًّا.. وتوسيع نطاق الحصار الاقتصادي والأمني
الاحتلال يستغل الانقسام الفلسطيني.. وتحالف مصالح مع جماعات مسلحة
تبدو الضفة الغربية، الآن، كأنها تعيش فوق برميل بارود، في ضوء المؤامرة الإسرائيلية غير المسبوقة على المستويين الرسمي، وما يقوم به المستوطنون، حيث تشهد محافظات الضفة تطورات خطيرة، تهدد مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، والقضية ككل.
وبدأت إسرائيل تنفيذ استراتيجية عسكرية جديدة في الضفة، وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فإن مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة ستشكل نقطة البداية للخطة، قبل تعميمها في مناطق أخرى (نابلس، رام الله، وطولكرم).
تشمل الاستراتيجية الإسرائيلية تكثيف عمليات الاقتحام العسكري والضغوط الأمنية، والتوسع في حصار المدن المستهدفة، مع استخدام الحواجز والبوابات الحديدية بشكل مكثف لتعطيل حركة الفلسطينيين وجعل مناطقهم معزولة جغرافيًّا.
«الجدار الحديدي»
تنفذ إسرائيل، حاليًا، عملية «الجدار الحديدي» العسكرية في «جنين»، وتسببت حتى الآن في مقتل العشرات، منذ انطلاقها في 21 يناير 2024، حيث لا تقتصر على العمليات العسكرية، لكنها تتعمد تقطيع أوصال الضفة ومنع التنقل والتواصل.
تشارك في عملية «الجدار الحديدي» الوحدات الخاصة والمخابرات الإسرائيلية، مستهدفة، مع استخدام الطائرات المسيّرة والمروحيات لضرب أهداف محددة، مما أسفر عن سقوط ضحايا، وأضرار كبيرة في البنية التحتية.
ومع زيادة التوتر بين المستوطنين والفلسطينيين في مناطق مثل سلفيت والخليل، يتصاعد العنف بشكل كبير، حيث وقعت عدة هجمات من قبل المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وهو ما يعكس دور المستوطنين في مخطط التصعيد الإسرائيلي.
تسببت هذه الممارسات الدموية في خنق المقاومة الفلسطينية في المناطق المستهدفة، تتزامن مع حملة اعتقالات واسعة في صفوف الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية، وتقوم القوات الإسرائيلية بهدم العديد من المنازل في مناطق متفرقة من الضفة.
الإجراءات الإسرائيلية تفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية تدمير الشوارع التي تربط المناطق السكنية بالمستشفيات والمراكز الصحية، مما جعل الوصول إليها شبه مستحيل.
التدمير طال البنية التحتية الحيوية، ليزيد من صعوبة حصول المصابين على الرعاية الطبية الضرورية، وباتت الحركة في المنطقة أكثر تقييدًا، بينما ازداد الضغط على القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً من ضعف الإمكانيات.
في الوقت نفسه، شمل التصعيد العسكري الإسرائيلي فرض حصار شامل على جنين ومخيمها، ما أدى إلى عزل المنطقة عن بقية الضفة الغربية، هذا الحصار شمل تعطيل الحركة الاقتصادية والاجتماعية.
وأغلقت المحال التجارية والأسواق، وقطعت سبل العيش اليومية عن السكان، وبالتالي، تدهور الحياة اليومية، ليعيش السكان في ظروف صعبة للغاية في ظل غياب المساعدات الإنسانية، مع استمرار الانتهاكات العسكرية والاقتصادية.
أدت عملية «الجدار الحديدي» إلى نزوح نحو 2000 عائلة، حيث تهدف هذه العملية إلى تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية وتعتبر خطوة رئيسية في إطار الخطة الإسرائيلية للسيطرة على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية.
أزمة السلطة
وسط هذه الأجواء تعاني السلطة الفلسطينية، التي تم تأسيسها لتكون نواة للدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، في ظل حصار شبه شامل تفرضه أطراف متعددة.
تلاقي المصالح بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين وجماعات فلسطينية مسلحة حول تقويض سلطة القيادة الفلسطينية عبر فرض قيود خانقة دبلوماسيًا، وأمنيًا، وماليًا، مع زعزعة الاستقرار في المناطق التي تديرها السلطة.
تتصاعد عمليات الاستيطان بالضفة الغربية بشكل واضح، مصحوبة بالتوسع في الهجمات المسلحة من قبل المستوطنين، الذين تتماشى جرائمهم مع أهداف جماعات مسلحة تنشط في المخيمات لإرباك السلطة، وتوسيع حالة الفوضى.
يركز اللاعبون في الداخل على استغلال حالة انشغال القوى الإقليمية والدولية بملفات أخرى، مما يتيح للجميع العمل دون ضغوط خارجية لتنفيذ الجزء الأخطر من مخطط تدمير السلطة، تمهيدًا لتفكيك «منظمة التحرير» لاحقًا.
اقتصاديًا، لا تنكر وزارة المالية الفلسطينية الأثر الكارثي لاحتجاز إسرائيل عائدات الضرائب، حيث تدرك إسرائيل أن هذه الأموال تمثل شريان الحياة للسلطة، وأن احتجازها سيؤدي إلى انهيار بنيتها التحتية، ويعرقل تقديم الخدمات الأساسية.
إقليميًا ودوليًا، تستفيد إسرائيل من الدعم المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع الضغوط الأوروبية، في العمل بشكل ممنهج على إضعاف السلطة، وإبقاء الفلسطينيين في حالة اعتماد دائم على إسرائيل ومنع قيام دولة مستقلة.
خارجيًا، الحكومة الإسرائيلية اليمينية، التي تضم مستوطنين متطرفين، تتبنى سياسات تهدف إلى تقويض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، خاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، لتعزيز هذه السياسات.
تقارير منظمات حقوقية دولية تشير إلى أن إسرائيل لم تكتفِ فقط بفرض حصار اقتصادي، حيث وثّقت منظمات عدة الانتهاكات الإسرائيلية الموجهة بشكل مباشر نحو إضعاف السلطة، مثل هدم المنشآت الممولة دوليًا ومصادرة الأراضي.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا اليوم يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون 12 شهرًا، استنادًا إلى فتوى محكمة العدل الدولية، التي أكدت في يوليو الماضي أن «وجود إسرائيل غير قانوني».
وقالت منظمة العفو الدولية: «يعاني الفلسطينيون من ظروف قاسية نتيجة للحصار والعمليات العسكرية المستمرة، والتصعيد الممنهج في الاعتقالات والقتل والتعذيب، والانتهاكات من المستوطنين تُشكل تهديدًا مستمرًا على الحياة اليومية للفلسطينيين».
تتعمد أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية عرقلة الانتخابات الفلسطينية ومنع حرية الحركة لمسئولي السلطة، التي لم تعد تحظى (لأسباب متباينة) بإجماع عربي، كما كان في السابق، في ظل صراعات الداخل الفلسطيني، واتفاقات جديدة مع إسرائيل.
عواصم إقليمية تسعى لإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية حتى تتوافق مع مصالحها، وتؤكد شخصيات مؤثرة في السلطة الفلسطينية أن «ما يحدث يهدد بتقويض شرعية السلطة، وقد يؤدي إلى فراغ أمني وسياسي تستغله جماعات متشددة».
تسعى إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها الأمنية والسياسية على الضفة الغربية، كما أن جماعات فلسطينية مسلحة تحاول استغلال ضعف السلطة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وإقليمية، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
توظف الأطراف المعادية للسلطة تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، لتوسيع عزلها عن القاعدة الشعبية في الضفة الغربية، ما يخلق بيئة عدائية تعيق قدرة السلطة على فرض السيطرة.
لا تنكر قيادات فلسطينية أن «سعي إسرائيل لإعادة رسم المشهد الفلسطيني الداخلي عبر توظيف الانقسامات، واستغلالها لصالحها، وأن جماعات مسلحة تعمل خارج إطار السلطة تقدم لإسرائيل ذريعة مثالية لتصعيد عملياتها، وقضم المزيد من الأراضي».
إنسانيًّا، يدفع الشعب الفلسطيني الثمن الأكبر لهذه الأزمات، خاصة الحصار السياسي والاقتصادي، وباتت الخدمات الأساسية من الناحية المعيشية، والصحية، والتعليمية شبه منهارة.
يتحدث فلسطينيون من محافظة نابلس عن «شعور دائم بالخوف من المستقبل»، وآخرون من مدينة رام الله: «لم نعد نثق بأي جهة، الجميع يتصارع على حسابنا»، بينما المخيمات كـ«جنين» باتت ساحة خلفية لصراع يستهدف الوقيعة بين السلطة والفصائل.
تتعدد مظاهر المشهد المعقد الذي يحيط بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وتورط أطرافه الداخلية والخارجية، وأهداف ودوافع كل طرف، ما يؤكد أن ما يحدث في الضفة ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل تغيير جذري في هيكلية الحكم الفلسطيني.
وإلى جانب التحذير مما ينتظر السلطة الفلسطينية، تظل استعادة الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب، وتعزيز الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية المشروعة، خطوات أساسية في مواجهة التحالفات الخفية والتواطؤ غير المباشر بين الأطراف المتآمرة.