يمانيون – متابعات
ترتكز “استراتيجية الفوضى” الأميركية، على اللجوء إلى شن معارك موضعية ومتتالية، تحقق بها الأهداف المرجوّة دون الحاجة إلى التدخل العسكري. ويقول الباحث في الكلية الحربية الأميركية، بي. اتش. ليوتا، ان “إحدى الطرق لقتل النمر هي تشتيت انتباهه من جهات مختلفة حتى يحاول الجَرِيْ في كلِّ اتجاهٍ في وقت واحد”.

هذا تماماً، ما تعتمده واشنطن في حربها على اليمن. فبعد الحرب والحصار الذي يرافق مرحلة “خفض التصعيد”، بات سيناريو اثارة الفوضى الداخلية في مختلف المحافظات الجنوبية والشمالية مُتوقّعاً، بل مُنتَظراً أيضاً.

تقوم “خطة الإطباق” على صنعاء التي تعتمدها واشنطن، على مسارين اثنين:

الأول، تعطيل جهود المفاوضات واستنزافها في المماطلة وتفريغها من مضمونها، عبر تجميد تنفيذ الاتفاقيات السابقة، والتي تم التفاهم على تفاصيلها كعملية تبادل الأسرى -الكل مقابل الكل-، وتحييد مناقشة الملفات الكبرى. فزيارة الوفد العماني الأخيرة إلى صنعاء مثلاً، لم تحقق أيّ خرق إيجابي، اذ ان لا مقترح سعودي أو أميركي جديد قد وُضِع على الطاولة، وكلا الجانبين (اليمني والعماني) يعلمان ان السلطنة قد وصلت إلى صنعاء خالية الوفاض.

الثاني، اغراق صنعاء وبقية المحافظات -حتى تلك التي لا تقع تحت سيطرتها- بدوّامة من الفوضى الداخلية، عبر استغلال ما أنتجه الحصار من أزمة إنسانية واقتصادية واجتماعية وتوظيفها لإنتاج حالة من عدم الاستقرار الأمني بعد استفزاز اليمنيين للنزول إلى الشوارع مطالبين بأدنى مقومات العيش الكريم. وجلّ ما تحتاج إليه الولايات المتحدة والسعودية من إعادة تدوير الأزمة، هو تصوير ما يجري على أنه صراع يمني-يمني، كالسيناريو الذي وظفته في قوى العدوان منذ اليوم الأول.

الواقع، ان ما تشهده المحافظات الجنوبية من تقنين متزايد في التيار الكهربائي وانهيار متواصل لسعر صرف العملة، إضافة لعدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، هو النتيجة الطبيعية للطريقة التي تحرّك بها السعودية حكومةَ معين عبد الملك. فالمنح، مثلاً، التي تقدمها الرياض للأخيرة “لأجل الإصلاح” لا تعدو كونها عراضات إعلامية لم تُسمن عدن من جوع.

اذ ان ارتفاع سعر صرف الدولار متجاوزاً 1490 ريال بعد 48 ساعة من الإعلان عن منحة سعودية بقيمة مليار و200 مليون دولار، يعني أن لا ثقة بالمانح حتى تنعكس إيجاباً على السوق، ولا تفاؤل بأن يتم صرف المنحة فعلياً في البلاد.

اندلعت احتجاجات عارمة في مديريات عدن المحتلة التي شهدت نزول الآلاف من المتظاهرين الغاضبين من استغلال أوجاعهم في البازار السياسي. وفيما أوردت وسائل اعلام محلية سقوط عدد من القتلى والجرحى خلال الاحتجاجات، تتراكم أسباب الفشل المزدوج للحكومة، فلا هي قادرة على تحمّل تبعات الانفجار، ولا تستطيع معالجة أسبابه، في ظل عدم وجود إرادة سعودية أميركية لإحداث تغيير جذري.

لناحية صنعاء، فإن الأزمة الإنسانية التي راكمتها سنيُّ الحرب، وضاعفها الحصار، تشهد نوعاً من التعقيد أيضاً.
فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومة الإنقاذ، إلا ان منع إيرادات الموارد النفطية وإحكام القبضة على الموانئ والمطار إضافة للعزلة الدولية المفروضة على صنعاء، ما خلا بعض الدول كإيران وروسيا والصين، تجعل من أي انفراجه في الواقع الإنساني في المحافظات الجنوبية أمراً صعباً.
في حين ان اليمنيين في المحافظات الشمالية، الذين ذاقوا علقم الحرب بمختلف أشكاله، كانوا يعزون أنفسهم بأن حالة الحرب قائمة وهو بعينه جهاد حتى التحرير، وصبرٌ فيه النصر.
اليوم، تتصدر مطالبة صنعاء بالعودة إلى مربع التصعيد ما عداه من المطالب الأخرى، مع علم هؤلاء، ان الاستمرار في الحصار هو موت بطيء.

تترصد كل من الولايات المتحدة والسعودية الشارع اليمني بعينين خبيثتين.
واذا كانت الفوضى لم تصل إلى شوارع صنعاء إلى حد الآن، فهي نتيجة التدابير الوقائية التي تحاول صنعاء اتخاذها بالخيارات والموارد المتاحة.
والحال، ان خطة الاجهاز على “النمر” قد بدأت، وقد تستمر إلى ما بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق نار شامل -مهما طال أجله- وهذا ما يرفع من احتمالية عودة التصعيد، في ظل قناعة صنعاء ان السماح لمثل هذا المشروع ان يمر، هو غلق الباب أمام أي فرصة للسلام.

موقع الخنادق / مريم السبلاني

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

واشنطن: الحوثيون يسيطرون على الاقتصاد اليمني بأساليب "تشبه عمل العصابات"

أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال إحاطة مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، يوم الخميس، عزمها على مواصلة الضغط على مليشيا الحوثي، معلنة تصنيفها رسمياً كـ"منظمة إرهابية أجنبية". جاء هذا الإعلان تماشياً مع الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعاد تصنيف الحوثيين ضمن هذه القائمة مطلع عام 2021. وتهدف هذه الخطوة إلى تقويض القدرات المالية والعسكرية للجماعة.

وأشارت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، خلال إحاطتها، إلى أن واشنطن ستفعل عقوبات مالية وقضائية مستهدفة لقطع التمويل غير المشروع عن الحوثيين، مع التأكيد على "الحفاظ على مساحة للأنشطة الإنسانية المشروعة" في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما حمّلت الولايات المتحدة إيران مسؤولية دعم ما وصفته بـ"الإرهاب الحوثي"، مؤكدة عزمها على مواصلة سياسة "الضغط الأقصى" لمواجهة الدور الإيراني في المنطقة.

وحذرت واشنطن من عواقب أي هجمات حوثية مستقبلية تستهدف الممرات البحرية، داعية دول العالم إلى الالتزام بحظر توريد الأسلحة للجماعة، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأكدت ضرورة تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (يونفيم) لمراقبة التزام الحظر.

وندد البيان الأمريكي بما وصفه بـ"الانتهاكات المنهجية" التي ترتكبها مليشيا الحوثي الإرهابية، بما في ذلك عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفاقم أزمات إنسانية مثل انتشار وباء الكوليرا، ومصادرة التحويلات المالية عبر شبكاتهم. كما أدانت واشنطن "المحاكمات الصورية" التي تجريها الجماعة ضد معتقليها، محذرة من استخدامها كغطاء لعمليات إعدام ذات دوافع سياسية.

وطالبت الولايات المتحدة أعضاء الأمم المتحدة بعدم تقديم "أعذار" للحوثيين، ورفض ما وصفته بـ"التكافؤ الأخلاقي الزائف" في التعامل مع الأزمات الإقليمية. وأشارت إلى أن هجمات الجماعة لم تجد نفعاً للفلسطينيين، بل زادت من معاناة اليمنيين، الذين يواجهون أزمات إنسانية متصاعدة بسبب سياسات الجماعة القمعية.

وتفاقمت الأزمات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بسبب عرقلة وصول المساعدات، مما أدى إلى تفشي وباء الكوليرا على نطاق واسع عام 2023. وتواصل الجماعة ممارساتها القمعية عبر مضايقة المدنيين، وابتزاز أصحاب الأعمال، وإجبار الصرّافين على الانضمام لشبكتها للتحويلات المالية، في خطوة تعزز سيطرتها شبه المطلقة على القطاع الاقتصادي اليمني، بأساليب وصفتها واشنطن بأنها "تشبه عمل العصابات".

اعتقالات تعسفية ومحاكمات جائرة

وبحسب البيان، يواجه اليمنيون تداعيات سياسة القمع الممنهج التي تنفذها المليشيا المدعومة من إيران بدءاً من الاعتقالات التعسفية وصولاً إلى إجراء محاكمات جائرة تفتقر لأدنى معايير العدالة، وهي ممارسات تناقض القانون الدولي.

وأكدت الولايات المتحدة أن الحوثيين رفضوا –رغم الفرص المتكررة– الإفراج عن المعتقلين أو تخفيف التصعيد، في إشارة إلى تعنّت الجماعة أمام الجهود الدولية الرامية إلى احتواء الأزمة.

كما دعت الولايات المتحدة المجتمع الدولي إلى التزام الحظر المفروض على توريد الأسلحة للحوثيين، وتعزيز آليات المراقبة الدولية لضمان تنفيذ القرارات ذات الصلة. كما أكدت أهمية مواصلة الضغط على الجماعة لوقف انتهاكاتها وحماية المدنيين من تداعيات سياساتها القمعية.

مقالات مشابهة

  • بين التصعيد وخريطة الطريق.. هل يعود اليمن للحرب الشاملة؟
  • إيران ترفض انتظار رسائل واشنطن وتؤكد أن الحل في تقوية الداخل
  • المحافظات العراقية التي عطلت الدوام الأحد بسبب الأمطار
  • عودة التصعيد داخلياً في اليمن بالتزامن مع تهديدات صنعاء بعودة عمليات اسناد لغزة
  • المحافظات العراقية التي عطلت الدوام الأحد بسبب الأمطار - عاجل
  • واشنطن: الحوثيون يسيطرون على الاقتصاد اليمني بأساليب "تشبه عمل العصابات"
  • خلال شهرين.. تسجيل أكثر من 1400 إصابة بحمى الضنك في المحافظات الجنوبية الشرقية
  • ولاية أمريكية تلوم ترامب على "الفوضى" في واشنطن
  • الجبهة الجنوبية لمأرب تشهد معارك عنيفة بين الجيش اليمني والحوثيين
  • المحافظات الجنوبية.. استمرار الاحتجاجات ضد “مجلس القيادة” و”حكومة عدن”