عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
بقلم : أحمد عصيد
يخبرنا المؤرخون المختصون في الفترة الحديثة والقرن التاسع عشر على الخصوص، بأن خروج المغرب من التقليد إلى الدولة الحديثة كان مسلسلا عسيرا وبطيئا، ومليئا بالعقبات والصعوبات، وكان العامل الأكبر في ذلك هو الردّ على التحديات الخارجية بالانكفاء والانطواء على الذات، وتكريس العزلة التي تمنع البلد من الاستفادة من المؤثرات الخارجية، الثقافية ومنها والتقنية، حتى أن أحد المؤرخين أشار إلى أن فقهاء المغرب أفتوا بعدم جواز اقتناء المطبعة لأنها “حرام”، وعندما اقتناها أحد الأعيان الكبار وأهداها للسلطان أغلق عليها في مكان داخل القصر بسبب فتوى التحريم.
ولعل هذا الانكماش على الذات أمام التحديات الخارجية هو الذي أدّى إلى ضياع عقود طويلة دون أن يحدث فيها أي تغيير في بنيات الدولة وفي العلاقات الاجتماعية التي ظلت راكدة، وفي الفكر الذي ظل يجترّ نفس المتون والحواشي القديمة. ومن أهم المؤشرات لذلك الانغلاق نبذ الطلبة الذين كانوا يتلقون تكوينا في العلوم الحديثة في أوروبا، حيث كان أبناء بعض العائلات الأرستقراطية ينجحون في الخروج من البلد وتعلم مبادئ العلوم الحديثة، لكنهم كانوا عند عودتهم يصطدمون بقوى التقليد التي كانت تدفع بهم نحو العزلة أو العودة إلى أوروبا.
وكان لهذا أثر بالغ السلبية في تأخير مسلسل التحديث الفكري والعلمي بسبب اعتبار الحداثة كلها “نبتة غريبة” عن التربة المحلية طوال عقود القرن العشرين، وحتى بعد الاستقلال السياسي من الوصاية الخارجية، حيث حصل النكوص الكبير مع المدّ الديني “الإخواني” و”السلفي” الذي وجد فيه الناس عزاء نفسيا عن التأخر، وجوابا عن التحدي الغربي في دول ما بعد الاستقلال، خاصة وأن هذه الإيديولوجيات الدينية المتشدّدة اعتمدت خطاب العودة إلى الذات بشكل منحرف عبر النكوص نحو الماضي، معتقدة أن تلك هي العملية الضرورية للتقدم. والحال أن الماضي الذي كانت تتم العودة إليه صار ـ بسبب الانقطاع التاريخي الطويل ـ بعيدا زمنيا بما يكفي لجعل فكرة العودة هذه عملية بدون جدوى، خاصة وأن التحولات المجتمعية الجديدة التي اخترقت كل مناحي الحياة وكذا مؤسسات الدولة الحديثة، جعلت من واقع المغرب مجالا لا يستجيب لفكرة العودة الماضوية، التي سرعان ما تحولت إلى خطاب بدون محتوى، إذ لم تعُد تتعدى مستوى الاستقطاب الإيديولوجي والعزاء النفسي والتخدير الجماعي.
ولعل أهم درس تعلمه المغاربة من كل نكسات القرن العشرين، هو أن البلدان التي تظل مشدودة إلى ماضيها، لا تجد طريقها نحو المستقبل، ولكن في نفس الوقت، أن البلدان التي تتنكر لإيجابيات ماضيها التاريخي عبر قطيعة نهائية لا تستطيع إثبات ذاتها أمام الغير، لأن التاريخ لا ينفصل عن الهوية التي هي صيرورة تتشكل في التاريخ. وهذا معناه أن المعادلة الصعبة للحداثة والتحديث إنما تتمثل في القدرة على معرفة الماضي معرفة نقدية وتملكه عوض العودة إليه والانخراط الذهني فيه. ومن هنا خطأ الفكرة القائلة بأن إعادة إنتاج الماضي يؤدي إلى تحقيق التفوق الحضاري، حيث أن الشعوب الراقية أثبتت بأنّ قراءة ماضيها كانت فرصة للاستفادة من أخطائها، من أجل تفاديها لا إعادة إنتاجها.
إن الذين يملكون ماضيهم عبر استيعابه ونقده سرعان ما يتجاوزونه نحو آفاق أكثر رحابة، أما الذين يملكهم ماضيهم ويُهيمن عليهم فلن يجدوا أبدا طريقهم نحو المستقبل، لأنهم يعتقدون أن الأهم بقي وراء ظهورهم.
ومن هذا المنطلق صار من البديهي أنّ كل فكر لم يعُد يفسر الظواهر الجديدة ويُجيب على أسئلة المرحلة الراهنة، يُعدّ فكرا متجاوزا، ولا يمكن الحفاظ عليه لا منهجيا ولا حتى معجميا.
وقد تبين منذ عقود بأنّ ثمة قاعدتان تجعلان بلدان منطقتنا ملزمة بإعادة النظر في وجودها: 1) أن منظومة الفكر الموروث في أزمة بسبب عدم تلاؤمها مع واقع الدولة الحديثة.
2) أن هذه المنظومة متأزمة بسبب منطقها الداخلي، ما يقتضي إما إلغاؤها التام أو إبداع منطق جديد لها.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
الذهب يتجاوز 3200 دولار وسط مخاوف الركود الاقتصادي
ارتفعت أسعار الذهب حوالي 2% وتجاوزت مستوى 3200 دولار اليوم الجمعة بدعم من ضعف الدولار ومخاوف من حدوث ركود وسط تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وبحلول الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش، قفز الذهب في المعاملات الفورية 1.7% ليصل إلى 3227.39 دولارا للأوقية (الأونصة)، بعدما سجل مستوى قياسيا مرتفعا عند 3237.56 دولارا في وقت سابق من الجلسة.
وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب أكثر من 2% أيضا لتصل إلى 3246.30 دولارا. وحقق المعدن النفيس مكاسب تجاوزت 6% على مدار الأسبوع.
ورفعت بكين رسومها الجمركية على البضائع الأميركية إلى 125% اليوم الجمعة، لترد على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145%، مما يزيد المخاطر في الحرب التجارية التي تهدد بإحداث اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية.
وانخفضت الأسهم العالمية وتراجع الدولار. ويجعل انخفاض العملة الأميركية المعدن الأصفر المقوم بها أرخص بالنسبة للمشترين في الخارج.
وواصل الذهب ارتفاعه الحاد في المعاملات الفورية منذ العام الماضي، وسجل عدة مستويات قياسية مرتفعة وزاد بأكثر من 21% هذا العام، وسط حالة من عدم اليقين وطلب من البنوك المركزية.
إعلانوقال جيوفاني ستونوفو المحلل لدى "يو بي إس": "نعتقد أن الذهب أمامه المزيد من الارتفاع… نستهدف 3400 إلى 3500 دولار أميركي للأوقية خلال الأشهر المقبلة".
وأظهرت بيانات أمس الخميس انخفاض مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة في مارس/آذار على نحو مفاجئ.
وينصب التركيز أيضا على بيانات أسعار المنتجين في الولايات المتحدة المقرر صدورها اليوم سعيا لمؤشرات على مسار السياسة النقدية.
ويراهن المتداولون الآن على أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) سيستأنف خفض أسعار الفائدة في يونيو/حزيران وربما يخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نقطة مئوية كاملة بحلول نهاية العام.
وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى:
صعدت الفضة في المعاملات الفورية 0.8 % إلى 31.46 دولارا للأوقية. ارتفع البلاتين 0.3 إلى 940.45 دولارا. قفز البلاديوم 2.05 بالمئة مسجلا 927.29 دولارا.