أسباب للتفاؤل بنظام عالمـي مـا بعـد أمـريكـي
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
يتسم النظام العالمي ذو القيادة الأمريكية السائد على أقل تقدير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالهشاشة. وها هو أخيرا، في ظل رئاسة الرئيس الأمريكي ترامب، يشرع في الانهيار.
يواصل الرئيس ترامب الهجوم الدائم على الحلفاء والخصوم سواء بسواء. وفي الأسبوع الماضي أعلن فرض رسوم جمركية على طائفة واسعة من السلع المستوردة حتى من أقرب شركاء أمريكا التجاريين، فأصاب الأسواق العالمية بحالة من الترنح وأنهى عمليا التزاما أمريكيا بالتجارة الدولية استمر على مدى عقود من الزمن.
ثمة أسباب وجيهة للتشاؤم حيال المستقبل، أي العالم الذي تجتهد فيه الصين وروسيا وأمريكا ترامب من أجل اقتناص مجالات نفوذ والسيطرة من خلال القوة والخوف. ولكن ليس محتوما أن تأتي الفوضى في أعقاب نهاية النظام الأمريكي، فالخوف يقوم جزئيا على خطأين: الأول هو أن العقود السبعة الماضية أو نحو ذلك لم تكن جيدة لجميع من على هذا الكوكب مثلما كانت جيدة على أهل الغرب. والثاني أن مبادئ النظام في ذاتها ليست اختراعا غربيا.
هذا سبب يدعو للتفاؤل. فحين نفهم أن النظام الأمريكي ليس النظام الوحيد الممكن ـ بل إنه بالنسبة للعديد من الدول ليس بالنظام الجيد أو المنصف ـ يتاح للمرء أن يرجو أن تكون نهايته بشيرا بعالم أكثر احتواء.
يذهب المدافعون عن النظام الحالي إلى أن هذا النظام قد حال دون نشوب حروب كبرى وحافظ على نظام دولي لافت في ثباته ورخائه. ولقد فعل ذلك حقا بالنسبة لناد من المختارين. فوفقا لتقديرات إيفان لوارد ـ السياسي وباحث العلاقات الدولية البريطاني ـ فإنه من بين أكثر من مائة وعشرين حربا نشبت في ما بين 1945 و1984 لم يقع غير اثنتين في أوروبا. لكن النتيجة المترتبة طبيعيا على هذا هي أنه خلال الحرب الباردة وقع 89% من الحروب التي نشبت في بلاد خارج الغرب.
لو أن وعد نظام ما بعد الحرب العالمية الأول والأساسي هو السلام، فقد نغفر لبلاد كثيرة سؤالها: السلام لمن؟ فالغرب لم ينجح فقط في وقاية أهله (وبعض الآخرين) من الفوضى والاختلال والظلم، لكنه أسهم في أوقات أخرى في تلك الفوضى، كما حدث عند تدخل الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان.
وبالقدر نفسه، فإن فكرة التعاون بين الأمم سابقة كثيرا على صعود الغرب. إذ يرسم كتاب «النظام العالمي» لهنري كيسنجر إجماع الوفاق الأوروبي الذي ظهر بعد هزيمة نابليون في عام 1815 بوصفه مثالا للحفاظ على الاستقرار الدولي. لكن دبلوماسية وتعاون القوى العظمى يرجعان إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل ذلك حينما قامت قوى الشرق الأدنى ـ مصر والحيثيين والميتانيين وآشور وبابل ـ بإنشاء نظام معروف بدبلوماسية تل العمارنة التي قامت على أسس المساواة والمعاملة بالمثل. وقد دام الوفاق الأوروبي أقل من قرن، حتى نشوب الحرب العالمية الأولى، أما نظام تل العمارنة فحافظ على السلام لنحو ضعف تلك الفترة.
لقد تم التوصل إلى أقدم معاهدة مكتوبة ومعروفة لعدم الاعتداء وعدم التدخل بين مصر والحيثيين في نحو عام 1269 ق.م ويمكن العثور على القواعد الإنسانوية للحرب بما فيها حماية المدنيين ومعاملة الجنود المهزومين في قانون مانو الهندي الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام. إذ ينص القانون على أن المقاتل حينما «يحارب خصومه في معركة» فعليه ألا يضرب أحدا «يضم راحتي يديه (تضرُّعا) أو يتطاير شعره (هاربا)، أو يفترش الأرض، أو يقول - إني لك - ». وثمة قواعد إضافية للمقاتلين حينما يفقدون دروعهم أو ينزعون سلاحهم. وتحتوي معاهدة جينيف لعام 1949 على موانع مماثلة على نحو مدهش تحول دون إساءة معاملة «أفراد القوات المسلحة ممن يضعون سلاحهم».
تتمثل الراحة التي نستشعرها حينما نعترف بأن لهذه المفاهيم جذورا عتيقة في وعد متبادل بأنه من الممكن أن توجد هذه المفاهيم في عالم غير خاضع لسيطرة أمريكا. فطالما كان النظام مسعى مشتركا، وكثير من أمم الجنوب العالمي متلهفة على المشاركة في عالم أقل ازدواجية للمعايير وأميل إلى الإنصاف. وفي فترة ما بعد الحرب، حظيت كثير من هذه البلاد باستقلالها وباتت تشارك مشاركات فعالة في السياسة الدولية في المؤسسات متعددة الأطراف التي تقوضها أمريكا حاليا.
وحينما تسعى قوى غير غربية وراء أجنداتها الخاصة من خلال مجموعات تستبعد البلاد الغربية، لا يكون دافعها بالضرورة هو الاستياء. فقد وسَّع تجمع بريكس على سبيل المثال الذي ضم اقتصادات ناشئة عضويته بصورة كبيرة في العام الماضي لكن أغلب أعضائه الجدد والمؤسسين ليسوا معادين لأمريكا، إنما هم يسعون إلى استعمال الكتلة لإصلاح التعاون الدولي وتوسيعه لا تخريبه، ولترويج نظام أكثر مساواة.
هذا ولم يمت النظام القديم بعد. فأمريكا لا تزال أقوى بلد في العالم بفضل مزيج من القوة العسكرية التي لا تضاهيها قوة أخرى، وبفضل سيطرة الدولار وبفضل قاعدة تكنولوجية هائلة. وسوف تبقى الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى، بل لعلها تبقى القوة العالمية العظمى. لكن ليس من المرجح أن يبقى العالم الذي أقامته طويلا خلال القرن الحالي.
والعالم الذي لا تصوغه الولايات المتحدة أو الصين أو حفنة من القوى العظمى، وإنما تصوغه مجموعة عالمية من الدول، لن يكون فردوسا، ولكننا نعود فنقول إن العالم لم يكن فردوسا من قبل. وحسبنا أن نقول إن عالما أكثر إنصافا بات ممكنا.
أميتاف أتشاريا أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية، ومؤلف كتاب «النظام العالمي الحاضر والمستقبلي: لماذا ستنجو الحضارة العالمية من تراجع الغرب؟»
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بنك الإسكان يطلق نظاما رقميا لفائدة الزبائن قريبا
يعتزم البنك الوطني للإسكان، اليوم السبت، وضع نظام معلوماتي جديد قريباً من شأنه السماح بإدارة كافة الأنشطة والخدمات المقدمة للزبائن.
وجاء ذلك في العدد الجديد لمجلة بنك الإسكان، المتخصصة “المشيّدون”.
حيث أفيد أنّ هذا النظام الموسوم (Core Banking System - CBS) من شأنه السماح بإدارة كافة الأنشطة والخدمات المقدمة للزبائن.
وأبرز المدير العام لبنك الإسكان، أحمد بلعياط، أنّ نظام سي بي سي (CBS) مندمج في مخططات عصرنة البنوك.
ويتضمن هذا النظام كافة الوحدات والأدوات التكنولوجية للنشاط المصرفي.
وهو ما جعل بلعياط يشير إلى أنّ تفعيل النظام سيضمن تسييراً حديثاً وفعّالاً وآمناً للعمليات المصرفية وللعلاقات مع الزبائن والشركاء.
و أكد بلعياط أنّ المشروع “معقّد واستراتيجي” ويتطلب “خبرة عالية و موارد بشرية عالية المهارة ورصد تكنولوجي مستمر”.
وحصل مركز بيانات بنك الإسكان الذي هو نتاج شراكة مع المؤسسة الوطنية لدعم تطوير الرقمنة، على شهادة تصنيف في نهاية فيفري.
وتعد الشهادة “Up-time Tier III Design”، ذات معايير معترف بها عالمياً فيما يتعلق بتوفر والأداء الشامل لمراكز البيانات.
وهذه الشهادة هي الأولى من نوعها التي تُمنح لبنك جزائري ويمثّل هذا “الإنجاز معلماً هاماً للقطاع البنكي برمته”.
وذكر بلعياط أنّ سوق البرمجيات البنكية (Core Banking) “يشهد نمواً متسارعاً”.
وتوقع بلعياط أن يصل حجم السوق إلى 19.9 مليار دولار في عام 2025 و59.6 مليار دولار بحلول سنة 2032.
وأوضح: “هذه الحيوية اللافتة للنظر هي نتاج السعي الدؤوب للبنوك لاقتناء أنظمة معلومات فعالة ومبتكرة في سياق توسع نطاق الرقمنة”.
وأضاف بلعياط: “نتطلع إلى التجاوب السريع مع تطلعات الزبائن”.
واستطرد: “لم يعد التحول الرقمي مجرد اتجاه بل أصبح مسألة بقاء بالنسبة للبنوك”.
من جانبه، أكّد الخبير البنكي والمالي مصطفى زروالي أنّ إنشاء “نظام بنكي أساسي مصمّم في الجزائر أمر ممكن”.
ودعا إلى اطلاق مسابقة وطنية تخصّص لها ميزانية هامة لتعبئة المواهب الجزائرية حول مشروع طموح لإنشاء هذا النظام.