أبوظبي (الاتحاد)
ترسم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والبروتوكولات الخاصة بالبيئة والتي وقعت عليها دولة الإمارات مع مختلف المنظمات الدولية والإقليمية والكيانات البيئية، مستقبلاً مشرقاً للأجيال المقبلة، حيث تفتح آفاقاً جديدة لترسيخ الاستدامة ليس فقط على مستوى الإمارات، بل والعالم، بعد أن باتت هذه الاتفاقيات من أهم المحددات التي تنسج شكل العلاقات بين الدول.


وتسعى دولة الإمارات عبر توقيعها على المعاهدات الدولية البيئية المختلفة إلى وضع إطار عمل قوي ومرن في إطار القانون الدولي، الأمر الذي يساعد على وضع مبادئ تنظيمية متناغمة ترسم خريطة طريق مواجهة التحديات المناخية وترسخ استدامة الحياة على كوكب الأرض وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة. ووقعت دولة الإمارات على أكثر من 30 معاهدة واتفاقية دولية وبروتوكولاً خاصاً بحماية البيئة والموارد الطبيعة، حيث يأتي ذلك في إطار بحث الدولة عن ترسيخ الاستدامة في كافة القطاعات، والسعي وراء الارتقاء بالحاضر، والتطلع إلى مستقبل مستدام مبني على الموازنة بين استحقاقات صون البيئة وضمان استدامة مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وبين متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي.

فرص استثمارية خضراء
وتدرك دولة الإمارات دور الاتفاقيات البيئية في بناء جسور من التعاون الدولي المشترك الذي يعود بالكثير من الفرص الاستثمارية الخضراء على اقتصادات الدول المختلفة، بفضل مساهمة هذه المعاهدات في تطوير إجراءات حماية البيئة من التلوث، عبر تبني سياسات وإجراءات ملزمة للدول الأعضاء للحد من التأثيرات الضارة على البيئة.
وتسعى المعاهدات البيئية إلى تعزيز مفهوم الاستدامة، الذي يتعلق بتلبية احتياجات الأجيال الحالية من دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها، من خلال التزام الدول الموقعة على تنفيذ التدابير المستدامة، التي تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي واستدامة الأنظمة البيئية.
وتوفر المعاهدات الدولية منصة للتعاون والتنسيق بين الدول للتعامل مع قضايا بيئية عابرة للحدود، حيث يمكن أن تساهم هذه المعاهدات في تشجيع التبادل المعرفي والتكنولوجي وإيجاد مصادر بديلة للتمويل بين الدول، وتعزيز التضامن الدولي في مواجهة التحديات البيئية المشتركة، كما تضع هذه المعاهدات آليات رقابية لضمان التزام الدول بتنفيذ التزاماتها، إذ تسهم في زيادة الشفافية والتغييرات الإيجابية في مجال حماية البيئة، وهو ما يساهم في تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، وتعزيز استدامة الكوكب للأجيال الحالية والمستقبلية.
وتسعى دولة الإمارات عبر هذه الاتفاقيات إلى وضع سياسات كفيلة بإيجاد حلول مستدامة لكافة الضغوط والتحديات ذات الصلة باستدامة البيئة، لذلك أولت عملية الاستثمار في البيئة ومصادرها المتنوعة الأولوية القصوى بين استثماراتها التنموية المتعددة في مختلف القطاعات.
وأصبحت دولة الإمارات بفضل حرصها على ترسيخ التعاون بين كافة الدول في مجال البيئة حجر أساس وشريكاً رئيساً في الحفاظ على استدامة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية على مستوى العالم، ويرجع ذلك إلى إيمان الدولة الراسخ بأن تحقيق رفاهية المجتمع وتعزيز التنمية الاقتصادية لا يمكن أن يتحققا على حساب استدامة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
ويعتبر اختيار دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، في الفترة من 30 نوفمبر المقبل وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي، تقديراً لدورها الريادي في تعزيز العمل الجماعي في حماية الأرض والموارد لضمان مستقبل أفضل لأجيالنا في الحاضر والمستقبل، وكذلك رعاية المبادرات العالمية الرامية إلى حماية البيئة وإيجاد الحلول المناسبة لتحديات التغير المناخي على مستوى العالم.
ويبرز محور «الأثر» ضمن حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر «COP28»، التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في دولة الإمارات على مختلف المجالات، حيث تهدف الحملة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، وهو ما ينسجم مع أهداف دولة الإمارات من التوقيع على المعاهدات البيئية الدولية الرامية إلى ترسيخ الاستدامة في كافة القطاعات المختلفة.

أخبار ذات صلة الإمارات.. رائدة تمكين الشباب في مواجهة تغير المناخ رئيس البرلمان العربي: استضافة الإمارات لـCOP28 تجسد تقدير العالم لدورها في العمل المناخي مؤتمر الأطراف «COP28» تابع التغطية كاملة

حجر الأساس
ووضعت اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون وحماية البيئة البحرية من التلوث وبروتوكولها، حجر الأساس لمرحلة توقيع الدولة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة، وذلك في الأول من أبريل من 1979، وتستهدف الاتفاقية حماية البيئة البحرية والمحافظة عليها من خلال منع ومكافحة التلوث البحري الناجم عن قيام الإنسان، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بإدخال أي مواد أو مصادر للطاقة إلى البيئة البحرية يترتب عليها أو يحتمل أن تترتب عليها آثار ضارة كالإضرار بالمواد الحية وتهديد صحة الإنسان وإعاقة الأنشطة البحرية بما في ذلك صيد الأسماك وإفساد صلاحية مياه البحر للاستخدام.
وفي مارس 1989 وقعت دولة الإمارات على اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، حيث تنظم هذه الاتفاقية نقل النفايات والنفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، ومحاربة الاتجار غير المشروع بها خاصة في الدول النامية، وحماية الصحة البشرية والبيئة عن طريق التحكم الصارم بالآثار المعاكسة التي قد تنتج عن توليد وإدارة النفايات الخطرة والنفايات الأخرى، وذلك عن طريق العمل على التقليل إلى أدنى حد ممكن من توليد هذه النفايات ومن الكميات التي تنقل منها ومعالجتها، والتخلص منها في أقرب نقطة ممكنة من مكان توليدها بطريقة سليمة بيئياً.

حماية الأوزون
ولتأكيد التزامها بالجهود الدولية الهادفة إلى المحافظة على طبقة الأوزون وحماية صحة الإنسان، انضمت دولة الإمارات إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال، بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون في عام 1989 بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم/204/11/، وتم إيداع وثيقتي انضمام الدولة إلى الاتفاقية والبروتوكول بتاريخ 13-12-1989.

كبح التدخلات البشرية الخطرة
في 20  ديسمبر 1995 توقيع الإمارات على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تستهدف الوصول إلى تثبيت تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي. وتولي الاتفاقية الاعتبار التام للاحتياجات المحددة والظروف الخاصة بالبلدان النامية ولا سيما تلك المعرضة بشكل خاص للتأثر بالنتائج الضارة الناجمة عن تغير المناخ، وذلك من خلال التأكيد على مبدأ المسؤولية المشتركة.
ويعني تغير المناخ وفقاً للاتفاقية: «تغيراً في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي والذي يمكن ملاحظته، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية متماثلة».
وعززت دولة الإمارات تعاونها في حماية البيئة من التغيرات المناخية بالتوقيع في شهر مارس من عام 1998 على بروتوكول بشأن التحكم في النقل البحري للنفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود والتخلص منها والذي يستهدف تنظيم وتقنين عملية نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود في المنطقة البحرية لدول المنظمة للتقليل من الآثار الضارة لهذه النفايات على الصحة العامة والبيئة، بمراعاة الضوابط والأحكام المنصوص عليها في اتفاقية بازل بشأن نقل النفايات الخطرة عبر الحدود.

مكافحة التصحر
رسخت دولة الإمارات الجهود العالمية الرامية لمكافحة التصحر بالتوقيع في الحادي والعشرين من أكتوبر 1998 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وتسعى هذه الاتفاقية إلى مكافحة التصحر وتخفيف آثار الجفاف في البلدان التي تعاني من الجاف الشديد أو من التصحر، وبخاصة في أفريقيا، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات فعالة على جميع الأصعدة، مدعومة بتعاون دولي وترتيبات شراكة في إطار نهج متكامل متسق مع جدول أعمال القرن ال21 بهدف الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة في المناطق المتأثرة.
وواصلت دولة الإمارات جهودها الرامية إلى ترسيخ استدامة الموارد الطبيعية بالتوقيع في ال24 من نوفمبر من عام 1999، على اتفاقية التنوع البيولوجي والتي تستهدف صيانة التنوع البيولوجي واستخدام عناصره على نحو قابل للاستمرار والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية عن طريق إجراءات منها الحصول على الموارد الجينية بطريقة ملائمة، ونقل التكنولوجيات الملائمة ذات الصلة مع مراعاة كافة الحقوق في هذه الموارد والتكنولوجيات.
وحددت الاتفاقية التنوع البيولوجي بأنه «تباين الكائنات العضوية الحية المستمدة من كافة المصادر بما فيها، النظم الإيكولوجية الأرضية والبحرية والأحياء المائية والمركبات الإيكولوجية التي تعد جزءاً منها، وذلك يتضمن التنوع داخل الأنواع وبين الأنواع والنظم الإيكولوجية».

بروتوكول كيوتو
وقعت دولة الإمارات في 29 ديسمبر 2004 على بروتوكول كيوتو، الذي يقضي بإلزام الدول الصناعية بتخفيض مجموع انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 5% على الأقل مقارنة بما كانت عليه في عام 1990 خلال فترة الالتزام الأولى، أما الدول النامية فلم يرتب عليها البروتوكول أي التزامات جديدة.
ودعمت دولة الإمارات الجهود العالمية الرامية إلى الحفاظ على الأراضي الرطبة عبر الانضمام في ال6 من فبراير 2007 إلى اتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية – رامسار، التي خرجت إلى النور في ديسمبر 1975، وتستهدف المحافظة على الأراضي الرطبة وحسن استخدامها من خلال التعاون على المستوى المحلي والوطني والإقليمي والدولي للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في العالم.

اتفاق باريس

انضمت دولة الإمارات إلى الاتفاقية الدولية لمنع التلوث البحري (ماربول 1978/1973)، في 27 أبريل 2007، وتستهدف الاتفاقية منع التلوث النفطي الناجم عن حركة السفن وعملياتها الروتينية والحوادث. بالإضافة إلى منع التلوث الذي قد ينجم عن المواد الكيمياوية والمواد الضارة ومياه المجاري. وتوجت دولة الإمارات سعيها الحثيث إلى ترسيخ التعاون الدولي في مجال الحفاظ على استدامة البيئة بالتوقيع على اتفاق باريس في الثاني والعشرين من أبريل 2016، لمواجهة تغير المناخ وآثاره السلبية والذي يهدف إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.
وتضمن الاتفاق التزامات من جميع الدول لخفض انبعاثاتها والعمل معاً للتكيف مع آثار تغير المناخ، ودعا الاتفاق الدول إلى تعزيز التزاماتها بمرور الوقت. ويوفر الاتفاق طريقاً للدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في جهود التخفيف من حدة المناخ والتكيف معها مع إنشاء إطارٍ للرصد والإبلاغ الشفافَين عن الأهداف المناخية للدول. كما يوفر اتفاق باريس إطاراً دائماً يوجه الجهد العالمي لعقود مقبلة، والهدف هو رفع مستوى طموح الدول بشأن المناخ بمرور الوقت. ولتعزيز ذلك، نصَّ الاتفاق على إجراء عمليتَي مراجعة، كل واحدة على مدى خمس سنوات. ويمثل اتفاق باريس بداية تحول نحو عالم منخفض الكربون - ولا زال هناك الكثير مما يتعين القيام به. ويعد تنفيذ الاتفاق أمراً ضرورياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لأنه يوفر خريطة طريق للإجراءات المناخية التي من شأنها تقليل الانبعاثات وبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الاستدامة المناخ التغير المناخي تغير المناخ حماية البيئة الحفاظ على البيئة المحافظة على البيئة على الموارد الطبیعیة التنوع البیولوجی النفایات الخطرة استدامة البیئة دولة الإمارات حمایة البیئة الإمارات على تغیر المناخ الرامیة إلى على اتفاقیة عبر الحدود الحفاظ على على اتفاق عن طریق من خلال

إقرأ أيضاً:

السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟

لعقود طويلة، كانت حروب الوكالة ـ ولا تزال ـ حيزا غامضا تتحرك في فضائه الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر في أعمال عسكرية واسعة النطاق، لكن هذا الحيز الرمادي ـ ثمة احتمالات ولو ضعيفة ـ قد يتقلّص، إذ تعيد دعوى قضائية جديدة النقاش حول إمكانية تجريم المشاركة ـ ولو عن بُعد ـ في جرائم الحرب.

السودان ضد الإمارات
يقاضي السودان دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تأجيج نزاع داخلي، من دون أن تنشر الدولة الخليجية قواتها على الأراضي السودانية.

يزعم السودان أن الإمارات متواطئة ـ بتقديم دعم مالي وسياسي وعسكري ـ في "إبادة جماعية" ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور، نوفمبر 2023.

القضية "غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي"، يقول لموقع "الحرة" عبدالخالق الشايب، وهو مستشار قانوني وباحث في جامعة هارفارد.

وإذا قضت المحكمة لصالح السودان، فيسكون الحكم ـ بدوره ـ "سابقة قانونية" تُحمّل فيها دولة المسؤولية القانونية عن حرب بالوكالة، خاضتها عن بُعد.

وسيوفر الحكم أساسا لمساءلة الدول عن حروب الوكالة، وإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في سياق الحروب غير المباشرة.

يقول خبراء قانون لموقع "الحرة"، إن قضية السودان ـ إذا نجحت ـ ستؤدي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، خصوصا عندما تكون هناك ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية.

وقد تفقد الدول ـ نتيجة لذلك ـ القدرة على حماية نفسها من اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.

ومن تداعيات القضية ـ إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها ـ إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في جرائم الحرب.

حروب الوكالة
في حديث مع موقع "الحرة"، تقول ريبيكا هاملتون، أستاذة القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن مفهوم الحرب بالوكالة يتبدى عندما تتصرف دولة كراع وتدعم طرفا آخر في ارتكاب أفعال خاطئة.

ورغم أن حروب الوكالة تبدو ظاهرة حديثة، فلها تاريخ طويل ومعقّد.

تُعرّف بأنها صراعات تقوم فيها قوة كبرى ـ عالمية أو إقليمية ـ بتحريض طرف معين أو دعمه أو توجيهه، بينما تظل هي بعيدة، أو منخرطة بشكل محدود في القتال على الأرض.

تختلف حروب الوكالة عن الحروب التقليدية في أن الأخيرة تتحمل فيها الدول العبء الأكبر في القتال الفعلي، وعن التحالفات التي تساهم فيها القوى الكبرى والصغرى حسب قدراتها.

وتُعرف حروب الوكالة أيضا بأنها تدخّل طرف ثالث في حرب قائمة. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الأطراف الثالثة لا تشارك في القتال المباشر بشكل كبير، ما يتيح لها المنافسة على النفوذ والموارد باستخدام المساعدات العسكرية والتدريب والدعم الاقتصادي والعمليات العسكرية المحدودة من خلال وكلاء.

من الإمبراطورية البيزنطية إلى سوريا
يعود تاريخ الحروب بالوكالة إلى عصور قديمة، فقد استخدمت الإمبراطورية البيزنطية استراتيجيات لإشعال النزاعات بين الجماعات المتنافسة في الدول المجاورة، ودعمت الأقوى بينها.

وخلال الحرب العالمية الأولى، دعمت بريطانيا وفرنسا الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بطريقة مشابهة. وكانت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة صراع بالوكالة بين الجمهوريين المدعومين من الاتحاد السوفيتي والقوميين المدعومين من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.

وخلال الحرب الباردة، أصبحت الحروب بالوكالة وسيلة مقبولة للتنافس على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تجنبا لاحتمال نشوب حرب نووية كارثية.

ومن أبرز الأمثلة: الحرب الكورية، حرب فيتنام، الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الأهلية في أنغولا. استمرت هذه الحروب حتى القرن الحادي والعشرين. وتُعد الحرب في اليمن مثالا واضحا لحروب الوكالة، حيث تدعم إيران الحوثيين بينما تدعم السعودية وحلفاؤها الحكومة اليمنية.

وأظهر الصراع في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد مثالا صارخا لحروب الوكالة في عصرنا، من خلال تدخل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا دعما لفصائل مختلفة.

قضية السودان ضد الإمارات قد تدفع دولا أخرى إلى التفكير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في دعاوى مماثلة، ولكن!

الإبادة الجماعية؟
لا تتعلق دعوى السودان بحروب الوكالة تحديدا، يؤكد الخبراء، بل تستند إلى اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها".

تدّعي الخرطوم أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري للسكان غير العرب، وتزعم أن تلك الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم الإماراتي، بما في ذلك شحنات الأسلحة عبر مطار أمجاراس في تشاد.

"يحاول السودان أن يثبت دور دولة أخرى غير المباشر في ارتكاب قوات عسكرية أو ميلشيا تحارب في السودان إبادة جماعية".

"أساس القضية،" يضيف، "المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".

رغم أن كلّا من الخرطوم وأبوظبي من الموقعين على الاتفاقية، تعتقد هاملتون أن من غير المحتمل أن يتم البت في هذه القضية، إذ إن "محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها".

"عند توقيعها على اتفاقية الإبادة الجماعية،" تتابع هاميلتون، "أكدت الإمارات أنها لم تمنح محكمة العدل الدولية السلطة للفصل في النزاعات التي قد تنشأ بينها وبين دول أخرى بشأن هذه الاتفاقية".

ويلفت ناصر أمين، وهو محام مختص بالقضايا الدولية، إلى أن النزاع القائم في السودان يُعتبر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني نزاعا مسلحا داخليا، إلى أن تثبت الخرطوم بأن هناك تدخلا من إحدى الدول لصالح أحد أطراف النزاع داخليا".

"وهذا يحكمه بروتوكول ملحق باتفاقيات جنيف أو بالقانون الدولي الإنساني المذكور في المادة 3 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف المنعقدة عام 1929،" يضيف.

تنص المادة الثالثة على أن أحكام هذه الاتفاقية لا تسمح لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى أو أن تمارس أي أعمال داعمة لأي فصيل متنازع أو متصارع.

"على السودان أن يثبت أمام محكمة العدل الدولية أن هناك خرقا حدث للمادة 3 من البروتوكول"، يوضح.

نقاط القوة والضعف
وتقول ربيكا هاملتون "من المؤسف" أنه من غير المحتمل أن تُرفع هذه القضية، حيث إن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها.

ويشير الباحث القانوني، عبدالخالق الشايب، إلى أن قضية السودان ضد الإمارات "يبقى التعامل معها متعلقا بوكالات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن تحديدا".

لكن هاملتون تقول إن هناك مجموعة من القوانين الدولية التي تحظر حروب الوكالة، لكن "التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إنفاذ هذه القوانين".

"سابقة".. حتى لو تعثرت؟
أن تتعثر قضية السودان ضد الإمارات ـ بسبب الاختصاص القضائي ـ أمر وارد، لكنها تبقى، وفق خبراء في القانون، "ذات دلالة رمزية كبيرة".

"بغض النظر عن نتيجتها،" تقول أستاذة القانون الدولي ربيكا هاملتون، لموقع "الحرة"، "تمثل القضية محاولة جريئة من دولة ممزقة بالصراعات لتوسيع مفهوم المساءلة عن ممارسات الحرب الحديثة".

وحتى إن رفضت محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، فإن القضية تضيّق الحيز الرمادي الفاصل بين المسؤولية المباشرة والمسؤولية غير المباشرة عن جرائم الحرب.

في تصريحات لموقع "JUST SECURITY"، يشير خبراء قانون إلى أن صدور حكم لصالح السودان ـ حتى وإن كان ذلك غير مرجح ـ قد يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بتواطؤ الدول وتدخلها.

قبول الدعوى قد يدفع القانون الدولي إلى مواجهة التكلفة الحقيقية لحروب الوكالة الحديثة — سواء خيضت بجنود على الأرض، أو من خلال دعم مالي وعسكري عن بُعد.

الحرة - واشنطن  

مقالات مشابهة

  • السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
  • الإمارات: دعم ثابت لأمن واستقرار وسيادة ووحدة لبنان
  • وزيرة البيئة تستقبل سفير النيبال لبحث سبل التعاون المشترك في مواجهة تحدى تغير المناخ
  • وزيرة البيئة: نسعى لتوطيد التعاون مع نيبال لمواجهة تغير المناخ
  • وزيرة البيئة تستقبل سفير نيبال لبحث التعاون في مواجهة تحدى تغير المناخ
  • وزيرة البيئة تستقبل سفير النيبال لبحث سبل التعاون المشترك
  • وزيرة البيئة تبحث مع سفير النيبال التعاون في مواجهة تحدي تغير المناخ
  • تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
  • المرر يترأس وفد الإمارات في اجتماعات الدورة 163لمجلس الجامعة العربية
  • تقرير جديد يكشف عن جهود مكافحة تغير المناخ في اليمن