مجلة العربي الأفريقي (مارس 1979): عام كنت رئيس تحرير صحيفة لعدد واحد
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
(إلى روح الحبيب عبد الرحمن السلاوي، باسطة سلا، قبلني على علاتي وأحسن)
تمر بنا بشهر مارس هذا الذكرى الثلاثين لصدور مجلة "العربي الأفريقي" (مارس 1979) الشهرية التي لم يصدر منا سوى عدد بهي واحد وأغلقها نظام نميري بالضبة والمفتاح. وكان صاحب امتيازها هو الأستاذ عبد الرحمن السلاوي رجل الأعمال المعروف وقدت أنا هيئة تحريرها من وراء ستار.
جئت إلى رئاسة تحرير المجلة خلواً من خبرة مؤكدة في صالة التحرير. ولكنني التقطت بعض مفاهيم في التحرير انتهزت سانحة المجلة لتطبيقها. ومن تلك المفاهيم وجوب أن يكون للمجلة مركز معلومات. وبدأت بقص ما يرد في الصحف والمجلات في موضوعات بعينها لحفظها في فايلات ثم موالاتها بقص وإضافة ما يستجد في الأمر. وما زلت أعتقد أن غياب مثل هذا الأرشيف منقصة كبيرة في صحافتنا اليوم. فصحافيونا يهجمون على المسألة حارة من نارها لا يلطفها تاريخ لها أو منطق في ذلك التاريخ. ولذا كثيراً ما اتسمت تلك الكتابات ب "القطع الأخضر" المهوش. فيأتي الرأي فطيراً لا ينعدل به رأس البلد بحكمة النظر المحيط. ولا تستعين هذه الصحف حتى بأرشيف وكالة سونا الذي جمعت فيه مثل هذه الفايلات وأوعت. وبلغ بي اليأس من جفاء الصحف لإنشاء مراكز معلومات أن اقترحت على الحكومة أن تنشئ مركزاً تجري عليه من رسوم تفرضها على الصحف.
كان من بين أفكاري التحريرية الأخرى أن أسوى لغة المجلة. وأعني بذلك مسألتين. أن نتفق على طريق رسم كلمات خلافية حتى نكتبها بصورة موحدة في الجريدة. فكلمة مثل "مسئول" تعددت صور كتابتها. ولا يصح أن ترد في نفس المجلة برسوم مختلفة. هذه واحدة. أما الفكرة الأجرأ فكانت إعمال قلم التحرير فيما يرد من مقالات حتى نسوى الكتابة في المجلة على وتيرة واحدة تلتزم الديباجة العربية. وتذكرت تجربتي مع المجلة قبل أسابيع حين جمعتني بالدكتور عبد الله حمدنا الله مجلس امتحان لطالب دراسات عليا. فأحصى له عبد الله أخطاء في الأسلوب أخرجت البحث من مدار الديباجة العربية إلى سواها. وساقني هذا الحرص على هذه الديباجة لإخضاع مقالات لكتاب كبار لهذه السوية الأسلوبية. وخرجت من التجربة بأن أميز مثقفينا يحسنون التعبير عن أفكارهم باللغة الإنجليزية لأنهم تدربوا مدرسياً على ذلك. فإما العربية فهم يكتبون بها كفاحاً أو احتساباً.
ومن بين ذكريات تحرير العربي الأفريقي التي تمكنت مني هو نجاحنا في استدراج المرحوم إبراهيم حسن علام المراجع العام آنذاك للكتابة للمجلة بعد نزوله المعاش. فقد كنت قرأت له كلمة من أطرف ما عرفت أيامها مزج فيها بين اسمه (إبراهيم) وإطلاق "حاج إبراهيم" على (الكلب) عندنا. وراوح بين المعنيين خلال ملابسات في حياته ضحكت لها كثيراً. ولما فكرنا في كاتب لبابنا الأخير الخفيف "عن الزمان وأهله" اقترحت علاماً على السلاوي. وركبنا سيارته ساب وطفقنا ندور شوارع الامتداد الجديد بحثاً عنه. فوجدناه وأكرم وفادتنا وقبل بلطف أن يكتب لنا مرادنا. وكتب قطعة جميلة لعددنا الأول عنوانها "زواج عجوز فان". وربما كان العنوان من اختياري. وهي عن عوائد الزواج بين شعب الجوامعة الذي نشأ هو بينه في بلدة أم روابة. فحدثنا عن الزواج بالمنيحة أو المنحة وهي الإمهال في الدفع. وعرض لدور النسيبة المبغوض بينهم. ولذا سموا شوكة الحسكنيت السوداء الفتاكة ب "خشم النسيبة". وزواج العجوز من شابة من أبغض الحلال عندهم. فهم يأخذون الشاب "ساكت على حنجوره (الحنجرة)" بينما يلعنون الشائب ب "الملة الفوق صنقوره". وحكي عن حفر الآبار وحيل ذلك كما تحدث عن إحسان الجوامعة لقص الأثر أو القيافة.
لم يحتمل نظام نميري العربي الأفريقي فأهلكها. مع أننا لم ندخر وسعاً في "ترقيد شعرة جلده". فما كان خافياً علينا أنه نظام لا صبر له على التعبيرات المستقلة. واتخذ من ذريعة تحالف قوى الشعب العاملة سبباً ليطوي كل شيء تحت مظلته: الاتحاد الاشتراكي الفرد كما كان يقال بفخر مستبد. وفاتحت السلاوي، صاحب الامتياز، في ضرورة تأمين المجلة من القيل والقال وكيد النظام وشماتة المعارضين الذين لا يؤمنون أنه بوسع أحد أن يؤدي خدمة متجردة للوطن في شرط استبداد نميري. وهم سينتظرون إلى يوم الخلاص منه ليأذنوا بالصحافة. واقترحت عليه أن يجعل الغلاف كله لنميري. ولم يعجب السلاوي الاقتراح لأنه خشي ألسنة المعارضين الحداد. وراجعته فقبل على مضض. وما قبل حتى أبدع في اختياره صورة من أرشيف وزارة الثقافة والإعلام ظهر فيها نميري ينظر إلى مجسم للكرة الأرضية مركزاً على خارطة أفريقيا والشرق الأوسط. واقتطفنا عبارة له تقول: "لقد توحد السودان محققاً للأمة العربية صيغة جديدة لا تتعارض فيها أفريقيته مع عروبته". وظننا أنّا ألقينا للوحش الهائج قطعة من اللحم النيء كما يقول اهل الإنجليزية عن ملاطفة الشرير. ولم تسلم المجلة من بطش نميري. فأوقفها.
ولا نعرف حتى الآن بالتحديد سبب تعطيلها للأبد. ولم يتفضل النظام علينا بوجهة وسمعنا بدلاً عن ذلك تكهنات. فسمعنا أن الصورة السخية التي ظهرت بها المجلة: مادة غنية ألوانها مفروزة تسر الناظر، وسوست للنظام. فظن أن ليبيا، عدوه اللدود آنذاك، هي التي انفقت عليها. وقيل لنا أن المؤسسة الصحفية الرسمية هي التي كانت وراء هذه الوسوسة لأنها فشلت بصورة ذريعة في إخراج أي من مجلاتها بما يشبه العربي الأفريقي من قريب أو بعيد. ولكن وجدت من رد التوقيف إلى نشرنا للدكتور عبد لله النعيم كلمة بعنوان "عودة الدين في الغرابة: الدين غائب، الدين عائد، وهو عائد في غرابة". وهي كلمة خصصنا لها باباً عنوانه "رؤية إسلامية" ننشر فيه عقيدة الفرق الإسلامية السودانية في مناسبة بدء القرن الهجري الخامس عشر. وربما لم نوفق في البدء لرؤية الجمهوريين. فقد اتضح لي لاحقاً أن النصف الثاني من عقد السبعينات كان مسرحاً لصراع شديد بين الجمهوريين والعلماء الدينية. فقد تعقب العلماء الجمهوريين وأستاذهم محرضين المصلين عليهم في كل جامع وفوق كل منتدى لحمل الحكومة على تنفيذ حكم الردة في الأستاذ وفض تلاميذه عنه ومنعهم من الدعوة لفكرتهم. وأرادوا من ذلك تنفيذاً قرار محكمة الردة الأولى ضد الأستاذ محمود في 1968. وبدا لي من بحثي المتأخر أن جهلنا بخفايا صراع محمود والعلماء رمانا في نشر مقال ربما استفز العلماء المتنفذين لسد كل فرجة يتسرب منها فكر خصمهم الألد. ولم يمنع تحوطنا لكبر نفس نميري برسم صورته على الغلاف من التوقيف. فقد غابت عنا أشياء أخرى.
لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما رضيت من تجربة العربي الأفريقي بديلاً. كلها: باسطة سلا. رفقة عبد الرحمن وأخوته والمحررين والمصممين والمعينين كلهم. كنت رئيس تحرير لعدد واحد. ولكنه عدد ولا كل الأعداد.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العربی الأفریقی
إقرأ أيضاً:
هل يتدخل الإمام الأكبر في انتخابات الصحفيين؟.. رئيس تحرير صوت الأزهر يوضح
كتب- محمود مصطفى أبو طالب:
قال أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر، الناطقة باسم الأزهر الشريف، إن ما يتداوله البعض بشأن تدخل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في انتخابات نقابة الصحفيين، لا سيما بعد ضم خالد البلشي نقيب الصحفيين لمجلس كلية الإعلام جامعة الأزهر غير صحيح.
وقال "الصاوي"، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": ليس صحيحًا بالقطع أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يتدخل في انتخابات نقابة الصحفيين، وإلى جانب أن هذا الادعاء غير صحيح من الناحية المعلوماتية، فهو أيضًا أمر يصعب تصديقه من حيث المنطق ولا يليق ترديده، خصوصًا من صحفيين لديهم القدرة على الوصول إلى المعلومات الدقيقة وسياقاتها الموضوعية.
وتابع: أما الذين اعتبروا إعلان قرار ضم الزميل خالد البلشي إلى مجلس كلية الإعلام بجامعة الأزهر تدخلًا من الأزهر في الانتخابات، فإنهم يفتعلون تصورات من الوهم، لأن الثابت أن القرار، أولًا، هو نتاج دورة عمل مؤسسية بدأت قبل أكثر من ستة أشهر بترشيح من عميد كلية الإعلام، وليس من شيخ الأزهر، وحصل العميد على موافقة مجلس الكلية، ثم مجلس الجامعة، ثم المجلس الأعلى للأزهر، واستغرق الأمر عدة أشهر حتى تم اعتماد القرار وإصداره من مكتب فضيلة الإمام، وفق ما هو متبع.. وهنا صورة من قرار ضم نقيب الإعلاميين إلى مجلس الكلية باعتماد شيخ الأزهر نفسه، فهل كان ذلك محاولة للتأثير في نقابة الإعلاميين؟.
وأشار الصاوي إلى أن كلية الإعلام، لم تخطط وهي تقدم ترشيحها، أن يتواكب اعتماد الترشيح مع قرب موعد انتخابات نقابة الصحفيين، التي تأجلت عن موعدها المفترض نحو شهرين، كما يعلم جميع الصحفيين. ولو كانت الانتخابات قد أُجريت في موعدها، لكان إعلان قرار ضم البلشي إلى مجلس كلية الإعلام قد جاء بعد إجراء الانتخابات، وليس قبلها.
وأوضح الصاوي أن ترشيح البلشي لمجلس الكلية بدأ قبل ستة أشهر، ربما قبل أن يُعلن هو نفسه خوض المنافسة الانتخابية لفترة ثانية. وهي نفس المدة تقريبًا التي صدر فيها قرار بتعيين الزميل عبد المحسن سلامة عضوًا في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. متسائلا فهل يمكن القول إن من رشّح وعيّن واعتمد الزميل سلامة كعضو في هذا المجلس الموقر كان يقصد التدخل في الانتخابات أو دعم سلامة فيها؟، مؤكدا أن الزميل خالد البلشي هو نقيب الصحفيين المنتخب حتى لحظة إعلان نتيجة الانتخابات القادمة، وأي تعامل معه من هذا المنطلق، إلى جانب أنه تقدير لشخصه، هو أيضًا تعامل مع مكانة نقيب الصحفيين وصفته، ولا حرج فيه ووجود نقيب الصحفيين في مجلس كلية إعلام هو أمر متسق ومنطقي.
وأكد على أن إقحام اسم فضيلة الإمام الأكبر بسبب قرار معروف سياقه في سجالات انتخابية، فهو أمر لا يليق بكل الأطراف مشيرا إلى أن فضيلة الإمام يحترم نقابة الصحفيين، ويحترم اختيار جمعيتها العمومية الحر، ومدّ جسور التعاون مع النقيب والمجلس الحالي، وكافة النقباء والمجالس السابقة. ويشهد على ذلك الزميل عبد المحسن سلامة حين كان نقيبًا للصحفيين في فترة سابقة، حيث كان مكتب فضيلته مفتوحًا لاستقباله في أكثر من مناسبة.
وأردف: وليس للأزهر، كمؤسسة، أي مصلحة لا من قريب ولا من بعيد في الانشغال بانتخابات نقابة الصحفيين، فضلًا عن التأثير فيها. فلم يسبق له أن قدّم، مثلًا، لأي مرشح في وقت الانتخابات، مزايا أو حوافز أو بروتوكولات أو اتفاقات ليروج بها لنفسه بين أعضاء الجمعية العمومية، ويقول للصحفيين: حصلت لكم على هذا فانتخبوني، ونحن كصحفيين نعرف تمامًا ما معنى التأثير في انتخابات النقابة وكيف يحدث.
واختتم الصاوي : وليس من التأثير أبدًا أن يقول خالد البلشي للصحفيين: انتخبوني لأنني عضو في مجلس كلية الإعلام بجامعة الأزهر"، أو يقول عبد المحسن سلامة: انتخبوني لأنني عضو في مجلس تنظيم الإعلام، لأن هذه مواقع تخص شخصيهما، ولا تخص ولا تبهر ولا تجذب أعضاء الجمعية العمومية. والصحفيون ليسوا بتلك السذاجة.
وكان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أصدر قرارًا بضم الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، إلى عضوية مجلس كلية الإعلام بجامعة الأزهر لمدة عامين.
اقرأ أيضًا:
تطعيمات الحجاج.. ننشر اللقاحات المطلوبة وعناوين مكاتب الصحة
قرار جديد من التأمين الصحي بشأن علاج العاملين وأسرهم.. ما الامتيازات الجديدة؟
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
أحمد الصاوي انتخابات الصحفيين جريدة صوت الأزهر خالد البلشي شيخ الأزهر انتخابات نقابة الصحفيينتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
هل يتدخل الإمام الأكبر في انتخابات الصحفيين؟.. رئيس تحرير صوت الأزهر يوضح
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك