هل يمكن للظل أن يُلقي بنفسه في النهر ظانًّا أنه سينجو؟
هذا ما يفعله إبراهيم محمود، الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني، حين يقف على شاشة الجزيرة ليحاور الأستاذ أحمد طه، ليس بصفته مسؤولًا سياسيًا سابقًا، بل كممثل بارع لمدرسة “الإنكار العالي”، حيث الحقيقة ليست إلا مؤامرة، والوقائع ترف ذهني، والثورات… تجلٍ هوسي، و هلوسة جماعية لشعب مخدوع.



لقد جلس الرجل، في قشرة مدنية صقيلة تحاكي هيئة النظام لا جوهره، ونبرة لا تخلو من يقين أن العالم ما يزال يدور حول “المشروع الحضاري”، ليقول لنا ببساطة: “نحن لم نربِّ الوحش، لم نغذّيه بمكر سياسي حتى تضخمت مخالبه، لم نحرق دارفور، ولم نرَ ديسمبر أصلًا، بل رأينا سحابة صيف عبرت من الخارج، ثم غرّرت ببعض القُصّر.و الحالمين”

أيها الإله الذي نفاك المؤتمر الوطني ثم أعاد استيرادك بشروطه: قل لنا، هل هذا هو التجسيد الحداثي الجديد لسياسة “عليّ الطلاق ما حصل”؟ هل هذه المقابلة كانت درسًا في محو التاريخ أم إملاءً في بنية معماريّة دقيقة لتشويه المعنى؟

إبراهيم محمود لم يُجب، بل ناور، دار، لفّ، وحوّل كل سؤال إلى متاهة. بدا كأنه يفاوض الحقيقة على شاشة البث المباشر، كأنها صفقة سياسية قابلة للتأجيل.

هل المؤتمر الوطني مسؤول عن تضخيم الدعم السريع؟
“لا، قوى الحرية والتغيير فعلت ذلك.”
ومن الذي شرعن له برلمانيًا؟
“البرهان، تحت الضغط الخارجي.”
ومن الذي أوجد البرهان؟
“القدر، ربما… أو إحدى المعجزات السياسية.”

هكذا يجيب من لا يملك شجاعة القول، ومن ما زال يعتقد أن الناس قطيع، وأن الزمن يمكن إعادة تطويعه بدهاء السوقة وشطارة المكر السياسي، وأن الكذب مهارة إدارية.

يا سيدي، إنكم أنتم من نصبتم خيمتكم على مفاصل الدولة، حوّلتم الإسلام إلى سلعة، والوطن إلى غنيمة، والجيش إلى شركة أمن خاصة. ثم جئتم بعد السُكر الطويل، وأنتم تترنحون في محراب الإعلام، لتقولوا: لم نكن هناك.

لا أحد منكم يريد أن يعترف، لأنكم – وكما قال إريك فروم – “لا تحتملون الحرية”، أنتم أبناء الطاعة، تخافون من الحقيقة لأنها تفكّك السلطة، وأنتم عبدة السلطة.

إن إبراهيم محمود، في تلك المقابلة، لم يكن يمثل حزبه فقط، بل جسّد بأمانة كاملة عقلية الإسلام السياسي حين يُستدعى للمساءلة:
أولًا ينكر،
ثم يتّهم الآخر،
ثم يتذكّر أن الله معه،
ثم يختم بابتسامة مُرّة توحي بأنه يعلم أنه يكذب، لكنه قرر أن لا يختشي.

أي نقد يُقدَّم لهؤلاء يُقابل بتهمة “الحرب على الإسلام”، وكأن الإسلام وُكِّل إليهم دون سواهم، وكأن الله نفسه عقد معهم اجتماعًا مغلقًا، ووقّع على بيان رسمي قال فيه: هؤلاء وكلائي الحصريون.

ياللمفارقة التراجيدية! كيف تؤول النصوص، وتُسرق القيم، وتُختطف الأخلاق، ليُقال إن من اختلف مع حزب سرق السلطة لثلاثين عامًا، ونهب الوطن، ودفع به إلى حرب أهلية، إنما هو “عدو للإسلام”!

لقد قدم إبراهيم محمود درسًا في الاستبداد الديني المغلّف: ليس في ما قال، بل في كيف قال. بنبرة فوقية لا تعترف بالمُحاوِر، ولا بالشعب، ولا بالتاريخ، بل تُخاطب جمهورًا متخيّلًا، جمهورًا مخصيًا ذهنيًا، يصفّق لكل شيء، حتى لو قال لهم إن الشمس تشرق من دار المؤتمر الوطني.

لقد خرجت الثورة، يا سيدي، لا من مؤامرة، بل من رحم الغضب.
من دم الشهداء في عطبرة، و نيرتتي من ليل المعتقلات، من جوع الأحياء الطرفية، من حنجرة حميد، من صمت الأمهات، من دعاء أولئك الذين رأوا أطفالهم يُدفنون في خيام النزوح باسم المشروع.

ولكنك، كاهنٌ آخر في معبد الإنكار لا يصغي حتى لصدى خطواته في الخراب.

فلا بأس، سنكتب.

وسنضحك، ساخرين من “الرئيس المكلف” لحزب منحل، يجلس على طاولة الكلام وكأنه ما زال يحكم.

zoolsaay@yahoo.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی إبراهیم محمود

إقرأ أيضاً:

طقوس أحد الشعانين.. الزفة تبدأ والشموع تضيء الكنائس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

انطلقت صباح اليوم في الكنائس القبطية الأرثوذكسية طقوس “زفة الشعانين”، مع بداية الاحتفال بأحد الشعانين، وهو اليوم الذي يسبق أسبوع الآلام في التقويم الكنسي.

بدأ الكهنة والشمامسة الطواف داخل الكنيسة حاملين الشموع المضيئة وأغصان السعف، وسط ترديد الألحان والترانيم الخاصة بالمناسبة، في طقس رمزي يُجسّد دخول السيد المسيح إلى أورشليم كملك متواضع، وسط هتافات الشعب: “أوصنا في الأعالي”.

وتزينت الكنائس بالسعف، فيما حرص المصلون، خاصة الأطفال، على المشاركة في الزفة وهم يحملون الصلبان المصنوعة من النخيل، في أجواء روحانية تجمع بين الفرح والخشوع.

القداس الأخير قبل الحزن..وقراءات من الاناجيل الاربعة

عقب انتهاء الزفة، بدأت الكنائس في صلاة القداس الإلهي، الذي يعتبر آخر قداس باللحن الفرايحي قبل التحول  إلى الطقوس الحزينة الخاصة بأسبوع الآلام.

وتُتلى خلال القداس قراءات متعددة من الأناجيل الأربعة، تروي مشهد دخول المسيح إلى المدينة المقدسة.

وتختتم طقوس اليوم ببداية أولى صلوات البصخة مساءً، مع تغيير الستائر إلى اللون الأسود وبدء الألحان الحزينة، إيذانًا ببدء رحلة الآلام حتى الجمعة العظيمة.

مقالات مشابهة

  • طقوس أحد الشعانين.. الزفة تبدأ والشموع تضيء الكنائس
  • وزارة الأمن الداخلي الأمريكي تخضع موظفيها لاختبارات كشف الكذب
  • فلسطينيو الخارج: الفراغ السياسي وتوقف العمل الوطني أضعفا مواجهة التهجير
  • محمود كهربا ينعى إبراهيم شيكا
  • وداعًا إبراهيم شيكا.. سبب وفاة نجم الزمالك الذي رحل في صمت وترك بصمة لا تُنسى
  • من هو شيخ الإسلام البريطاني الذي بنى أول مسجد فيها؟
  • قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام (11 _ 15)
  • عاجل| حرائق وانفجارات في حمامات ماعين غربي الأردن (فيديو)
  • إنتهاء التحضيرات لإقامة المؤتمر الوطني للتعليم في اليمن بمحافظة مأرب
  • الأقباط يختتمون الصوم الأربعيني.. تعرف على طقوس جمعة ختام الصوم