موقع النيلين:
2025-04-08@01:37:16 GMT

السعودية تنزل إلى الملعب (2)‼️

تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT

1 في الحلقة الأولى من هذا المقال، قلت إن المملكة العربية السعودية شرعت في رسم سياسة جديدة تجاه السودان وبطريقة مستقلة، آخذةً في الاعتبار مصالحها وأمنها القومي، بالإضافة إلى نظرتها للمخاطر الاستراتيجية المحيطة بمنطقة القرن الأفريقي، وخشيتها من أن يُحاط بها.

وقد بدأت تلك السياسة بدبلوماسية نشطة لأجل فك الطوق عن رقبة السودان، ولعب دور حاسم في الأزمة السودانية.

فماذا فعلت المملكة العربية السعودية؟
2
بدأت المملكة العربية السعودية جولة دبلوماسية أفريقية مكثفة لدول الطوق، فزار نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي في مارس الماضي تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان، وكينيا. وتركزت المحادثات حول تحقيق الاستقرار في السودان، في ظل الأوضاع المتوترة التي تشهدها البلاد.

يجدر بالذكر أن ذات الدول كان قد زارها في 29 نوفمبر من العام الماضي شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة في الإمارات العربية المتحدة، مضافًا إليها أوغندا وأفريقيا الوسطى، وهي الدول التي تلعب دورًا رئيسًا في تأزيم الأوضاع السياسية والعسكرية في السودان، بدعم كامل لمليشيا الجنجويد المدعومة من الإمارات. وفي كل تلك الزيارات، كان موضوع السودان حاضرًا في جميع النقاشات التي جرت في عواصم تلك الدول.

3
بعد جولة نائب وزير الخارجية السعودي إلى “دول الطوق”، قام وفد سعودي رفيع المستوى بزيارة إلى مدينة بورتسودان السودانية.

ضم الوفد ممثلين من وزارة الخارجية، وصندوق التنمية السعودي، ومركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية. التقى فيها عبد الكريم الخريجي عددًا من المسؤولين في وزارة الخارجية ووزارات القطاع الاقتصادي السودانية.

من المؤكد أن مباحثات حول الجوانب السياسية والعسكرية قد جرت، خاصة أن الزيارة جاءت بعد إعلان تحرير القصر الجمهوري (في 26 مارس)، وهو منعطف مهم في الحرب، أكد تقدم الجيش السوداني واقترابه من الزحف إلى الأقاليم التي لا تزال المليشيا نشطة فيها بعد دحرها نهائيًا.
4
في 23 مارس من ذات الشهر، استدعت المملكة العربية السعودية محمد كاكا، رئيس تشاد، وذهب تحت غطاء أداء العمرة، تاركًا دعوة كان يفترض أن يلبيها من أبوظبي.
كان هذا الاستدعاء يهدف إلى إفساد مخطط نظام محمد بن زايد من قبل الرياض.
وقد أشارت دورية أفريكا كونفدنشيال الشهر الماضي إلى زيارة محمد كاكا إلى أبوظبي في أوائل مارس طلبًا للطمأنة، وقالت إن “استقباله في انجامينا يشير إلى أنه عاد بخيبة أمل”.
روجت بعض الدوائر أن الغرض من الزيارة هو الاستماع لرأي المملكة في الدور الذي يلعبه في الحرب في السودان، كما أشيع أنه التقى بالرئيس البرهان، لكن لم تتأكد تلك الأنباء.
5
في يوم الجمعة، 28 مارس 2025، وصل الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في زيارة رسمية.​
لم يتسرب الكثير عن تلك اللقاءات التي جرت على أعلى المستويات، ولكن كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس البرهان قد عاد ظافرًا من المملكة، ليس فقط بالوعود، بل بدعم فعلي وعلى كافة المستويات. وبدأت الإدارة التنفيذية (لجنة التنسيق العليا) التي تكونت، بالعمل من اليوم التالي، إظهارًا للجدية.
6
في منتصف فبراير الماضي، رفضت المملكة العربية السعودية المشاركة في مؤتمر دعت له الإمارات بأديس أبابا، عُقد تحت عنوان “العون الإنساني رفيع المستوى”، بعد أن قاطعت الحكومة السودانية المؤتمر، معتبرةً أنه بازار سياسي تحت غطاء إنساني، لتلميع صورة الإمارات الوالغة في دماء السودانيين.
يعني ذلك أن المملكة العربية السعودية قد خرجت من تحالف “إنقاذ الأرواح” الذي تكوَّن في أعقاب مؤتمر جنيف في العام الماضي بتدبير من الإمارات، أي مزيدًا من الابتعاد عن أجندة أبوظبي ومعارضتها علنًا.
7
بعد إعلان مؤتمر لتحالف التأسيسي الذي انعقد في العاصمة الكينية نيروبي في 18 فبراير الماضي لتشكيل حكومة موازية في السودان، أكدت السعودية، في بيان لها بتاريخ 27 فبراير، “رفضها أي خطوات أو إجراءات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه، بما فيها الدعوة إلى تشكيل حكومة موازية.”
يعني ذلك أن المملكة رفضت المؤامرة والطبخة النيئة التي تجهزها أبوظبي لتقسيم السودان على غرار ما فعلت في ليبيا واليمن. بل وقادت المملكة كل الخليج ليعلن رفضه لتلك الحكومة، إضافة إلى قيادتها لكافة المؤسسات والمنظمات العربية والإسلامية لرفض تكوين أي حكومة موازية في السودان.
8
صحيح أن تحركات السعودية النشطة مؤخرًا في الملف السوداني ليست مجرد جهود دبلوماسية لحل الأزمة، ولا للحد من تدخلات أبوظبي الكارثية في السودان، ولا تتعلق فقط بوقف توسع النفوذ الإماراتي الذي يهدد طرق الملاحة والتجارة في البحر الأحمر،
بل تأتي تلك التحركات ضمن رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ السعودي في أفريقيا، حماية المصالح الاقتصادية، وضمان الأمن الإقليمي، في ظل منافسة محتدمة مع دول داخل الخليج وخارجه.

على أن إنهاء الحرب لصالح مؤسسات الدولة السودانية، وصولًا لاستقرار السودان الموحد، يمثل حجر الرحى في تلك الاستراتيجية. فبدون استقرار السودان وانتصاره في هذه الحرب، لا يمكن الحديث عن استقرار في القرن الأفريقي، ولا يمكن ضمان تأمين البحر الأحمر، كما لا يمكن ضمان أمن الخليج نفسه، في ظل هذا النهم الإماراتي الساعي للسيطرة على موانئ وثروات الدول وطرق التجارة البحرية (عدن / بربرة / بورتسودان)، ومحاولة إنشاء إمبراطورية سياسية وعسكرية محيطة بالخليج سيكون لها تأثيرها الاستراتيجي على دول المنطقة كافة.
عادل الباز عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة فی السودان

إقرأ أيضاً:

الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية

كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة

في زمن يتداخل فيه الدخان الأسود برائحة البارود، وتصدح فيه أنين الأطفال وسط خرائب المستشفيات والمدارس و محطات الكهرباء و المياه ، يبدو السودان كلوحة مأساوية رسمها الجشع البشري. لكن، يا ترى، من يمسك بالفرشاة؟ ومن يرسم خطوط التدمير الممنهج الذي يستهدف بنية تحتية سودانية كانت يومًا ما عصب الحياة: محطات الكهرباء التي كانت تضيء الدروب، والطرق التي ربطت المدن، ومحطات مياه كانت تنبض بالأمل؟ الإجابة، كما يبدو، تكمن في أجنحة الطائرات المسيرة التي تحمل في طياتها أكثر من مجرد قنابل؛ إنها تحمل مشروعًا سياسيًا وجيوسياسيًا ينفذه الجنجويد، تلك المليشيا التي فقدت زمام المبادرة في الميدان، وانكسرت أمام مقاومة الشعب السوداني و جيشه اليازخ و مقاومته الشعبية الصادقة، فاختارت أن تُدمر بدلاً من أن تبني، وتُرهب بدلاً من أن تقاتل.
هذا النهج، يا اهلي الكرام، ليس عبثًا ولا عشوائية. إنه خطة مدروسة، يقف خلفها من يدير خيوط اللعبة من الخارج. الجنجويد، التي تحولت من مجموعة مسلحة محلية إلى أداة في يد قوى إقليمية، لم تعد تعمل بمفردها. الطائرات المسيرة، التي تقصف المدارس والمستشفيات، ليست مجرد أدوات تكنولوجية؛ إنها رسول يحمل تهديدًا صامتًا: “إما أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات لننال حظنا من الثروات، وإما أن نجعل من السودان صحراء لا تحتمل الحياة”. ومن وراء هذا التهديد؟ الإجابة تلوح في الأفق، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت، بحسب الشواهد، الراعي الأول لهذه المليشيا، مستخدمةً مرتزقة من كل أنحاء العالم، وسلاحًا أمريكيًا يمر عبر شبكات معقدة تشمل دولًا مثل تشاد و جنوب السودان وكينيا وأوغندا.
لكن لماذا السودان؟ الجواب يكمن في ثرواته المنهوبة، في أرضه الخصبة، ونفطه، وذهبه، ومياهه. الإمارات، التي ترى في السودان ساحة جديدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، لم تتردد في استغلال الخلافات الداخلية. استخدمت بعض المجموعات السودانية، التي أُغريت بوعود السلطة أو خدعت بذريعة “الخلاص من الإخوان المسلمين”، كأدوات لتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكن، هل هذه الذريعة الدينية أو السياسية كافية لتبرير تدمير أمة بأكملها؟ بالطبع لا. إنها مجرد ستار يخفي وراءه طمعًا لا حدود له.
الجنجويد، التي انهزمت في المعارك التقليدية، لجأت إلى استراتيجية الإرهاب المنظم. الطائرات المسيرة ليست مجرد أسلحة؛ إنها رمز لعجزها، ولكن أيضًا لدعمها الخارجي. فكل قصف يستهدف محطة كهرباء أو طريقًا أو مصدر مياه، هو رسالة موجهة إلى الحكومة السودانية: “لن نوقف حتى تجلسوا معنا”. لكن من يجلسون حقًا؟ هل هي الجنجويد وحدها، أم القوات المتعددة الجنسيات التي تجمع بين المرتزقة والمصالح الإماراتية؟ أم أن الجلسة ستكون مع الإمارات نفسها، التي باتت تتحكم في خيوط اللعبة؟ أم مع “التقدم”، ذلك الوهم الذي يبيعونه على أنه مخرج، بينما هو في الحقيقة استسلام للعدوان؟
هنا، يجب على الحكومة السودانية أن تتذكر أنها ليست مجرد ممثلة لنفسها، بل هي وكيلة عن شعب دفع ثمن أخطاء الحرية والتغيير، وأخطاء الإخوان المسلمين، وأخطاء السياسات الداخلية والخارجية. الشعب السوداني، الذي قاوم وصبر، يطالب اليوم بموقف واضح: موقف ينبع من روحه، لا من حسابات السلطة أو المصالح الضيقة. يجب على الحكومة أن تتحرى هذا الموقف، وأن تعيد بناء الثقة مع شعبها، بدلاً من الاستسلام لضغوط خارجية أو داخلية.
ورأيي الشخصي، أن الحل لا يبدأ بالجلوس مع الجنجويد أو راعيها، بل بفك حصار الفاشر، وتأمين الحدود مع تشاد، ورفع شكاوى إلى محكمة العدل الدولية. يجب أن تكون الشكوى شاملة، تضم الإمارات كراعٍ رئيسي، وتشاد كجار متورط، وأمريكا بسبب السلاح الذي وصل عبر شبكات دول مثل جنوب السودان وكينيا وأوغندا. كل هذه الدول، سواء من قريب أو بعيد، ساهمت في هذا العدوان الذي يهدد استقرار إفريقيا بأكملها.
في النهاية، السؤال المرير يبقى: مع من تجلس الحكومة إذا قررت الجلوس؟ هل مع الجنجويد التي أصبحت وجهًا للعنف، أم مع القوات المتعددة الجنسيات التي لا وجه لها، أم مع الإمارات التي تختبئ خلف ستار الدعم الاقتصادي، أم مع “صمود” التي يبدو وكأنها مجرد وهم؟ الإجابة، كما يبدو، ليست سهلة، لكنها ضرورية. فالسودان ليس مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل هو تراب يستحقه اهله ليس طمع الطامعين و من عاونهم من بني جلدتنا .

quincysjones@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • وزير النقل: تأهيل مطار الخرطوم الدولي بالتفاهم مع المملكة العربية السعودية
  • وزير العمل يستقبل مدير عام الأكاديمية العربية السعودية لبحث التعاون
  • العمل تبحث إنشاء فرع للأكاديمية العربية السعودية بمصر لتاهيل الشباب لسوق العمل
  • الجنجويد والطائرات المسيرة: سيمفونية الدمار التي يقودها الطمع والظلال الإماراتية
  • «أبوظبي للغة العربية» يطلق مؤشراً جديداً لقياس «قوّة ارتباط المجتمع باللغة العربية»
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • أبوظبي للغة العربية يطلق مؤشر قوة ارتباط المجتمع باالعربية
  • من عامل بناء بالمملكة إلى برلماني.. كوري: السعودية أرض الأمل التي دعمتنا بسخاء