السعودية تنزل إلى الملعب (2)‼️
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
1 في الحلقة الأولى من هذا المقال، قلت إن المملكة العربية السعودية شرعت في رسم سياسة جديدة تجاه السودان وبطريقة مستقلة، آخذةً في الاعتبار مصالحها وأمنها القومي، بالإضافة إلى نظرتها للمخاطر الاستراتيجية المحيطة بمنطقة القرن الأفريقي، وخشيتها من أن يُحاط بها.
وقد بدأت تلك السياسة بدبلوماسية نشطة لأجل فك الطوق عن رقبة السودان، ولعب دور حاسم في الأزمة السودانية.
2
بدأت المملكة العربية السعودية جولة دبلوماسية أفريقية مكثفة لدول الطوق، فزار نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي في مارس الماضي تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان، وكينيا. وتركزت المحادثات حول تحقيق الاستقرار في السودان، في ظل الأوضاع المتوترة التي تشهدها البلاد.
يجدر بالذكر أن ذات الدول كان قد زارها في 29 نوفمبر من العام الماضي شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة في الإمارات العربية المتحدة، مضافًا إليها أوغندا وأفريقيا الوسطى، وهي الدول التي تلعب دورًا رئيسًا في تأزيم الأوضاع السياسية والعسكرية في السودان، بدعم كامل لمليشيا الجنجويد المدعومة من الإمارات. وفي كل تلك الزيارات، كان موضوع السودان حاضرًا في جميع النقاشات التي جرت في عواصم تلك الدول.
3
بعد جولة نائب وزير الخارجية السعودي إلى “دول الطوق”، قام وفد سعودي رفيع المستوى بزيارة إلى مدينة بورتسودان السودانية.
ضم الوفد ممثلين من وزارة الخارجية، وصندوق التنمية السعودي، ومركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية. التقى فيها عبد الكريم الخريجي عددًا من المسؤولين في وزارة الخارجية ووزارات القطاع الاقتصادي السودانية.
من المؤكد أن مباحثات حول الجوانب السياسية والعسكرية قد جرت، خاصة أن الزيارة جاءت بعد إعلان تحرير القصر الجمهوري (في 26 مارس)، وهو منعطف مهم في الحرب، أكد تقدم الجيش السوداني واقترابه من الزحف إلى الأقاليم التي لا تزال المليشيا نشطة فيها بعد دحرها نهائيًا.
4
في 23 مارس من ذات الشهر، استدعت المملكة العربية السعودية محمد كاكا، رئيس تشاد، وذهب تحت غطاء أداء العمرة، تاركًا دعوة كان يفترض أن يلبيها من أبوظبي.
كان هذا الاستدعاء يهدف إلى إفساد مخطط نظام محمد بن زايد من قبل الرياض.
وقد أشارت دورية أفريكا كونفدنشيال الشهر الماضي إلى زيارة محمد كاكا إلى أبوظبي في أوائل مارس طلبًا للطمأنة، وقالت إن “استقباله في انجامينا يشير إلى أنه عاد بخيبة أمل”.
روجت بعض الدوائر أن الغرض من الزيارة هو الاستماع لرأي المملكة في الدور الذي يلعبه في الحرب في السودان، كما أشيع أنه التقى بالرئيس البرهان، لكن لم تتأكد تلك الأنباء.
5
في يوم الجمعة، 28 مارس 2025، وصل الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في زيارة رسمية.
لم يتسرب الكثير عن تلك اللقاءات التي جرت على أعلى المستويات، ولكن كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس البرهان قد عاد ظافرًا من المملكة، ليس فقط بالوعود، بل بدعم فعلي وعلى كافة المستويات. وبدأت الإدارة التنفيذية (لجنة التنسيق العليا) التي تكونت، بالعمل من اليوم التالي، إظهارًا للجدية.
6
في منتصف فبراير الماضي، رفضت المملكة العربية السعودية المشاركة في مؤتمر دعت له الإمارات بأديس أبابا، عُقد تحت عنوان “العون الإنساني رفيع المستوى”، بعد أن قاطعت الحكومة السودانية المؤتمر، معتبرةً أنه بازار سياسي تحت غطاء إنساني، لتلميع صورة الإمارات الوالغة في دماء السودانيين.
يعني ذلك أن المملكة العربية السعودية قد خرجت من تحالف “إنقاذ الأرواح” الذي تكوَّن في أعقاب مؤتمر جنيف في العام الماضي بتدبير من الإمارات، أي مزيدًا من الابتعاد عن أجندة أبوظبي ومعارضتها علنًا.
7
بعد إعلان مؤتمر لتحالف التأسيسي الذي انعقد في العاصمة الكينية نيروبي في 18 فبراير الماضي لتشكيل حكومة موازية في السودان، أكدت السعودية، في بيان لها بتاريخ 27 فبراير، “رفضها أي خطوات أو إجراءات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه، بما فيها الدعوة إلى تشكيل حكومة موازية.”
يعني ذلك أن المملكة رفضت المؤامرة والطبخة النيئة التي تجهزها أبوظبي لتقسيم السودان على غرار ما فعلت في ليبيا واليمن. بل وقادت المملكة كل الخليج ليعلن رفضه لتلك الحكومة، إضافة إلى قيادتها لكافة المؤسسات والمنظمات العربية والإسلامية لرفض تكوين أي حكومة موازية في السودان.
8
صحيح أن تحركات السعودية النشطة مؤخرًا في الملف السوداني ليست مجرد جهود دبلوماسية لحل الأزمة، ولا للحد من تدخلات أبوظبي الكارثية في السودان، ولا تتعلق فقط بوقف توسع النفوذ الإماراتي الذي يهدد طرق الملاحة والتجارة في البحر الأحمر،
بل تأتي تلك التحركات ضمن رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ السعودي في أفريقيا، حماية المصالح الاقتصادية، وضمان الأمن الإقليمي، في ظل منافسة محتدمة مع دول داخل الخليج وخارجه.
على أن إنهاء الحرب لصالح مؤسسات الدولة السودانية، وصولًا لاستقرار السودان الموحد، يمثل حجر الرحى في تلك الاستراتيجية. فبدون استقرار السودان وانتصاره في هذه الحرب، لا يمكن الحديث عن استقرار في القرن الأفريقي، ولا يمكن ضمان تأمين البحر الأحمر، كما لا يمكن ضمان أمن الخليج نفسه، في ظل هذا النهم الإماراتي الساعي للسيطرة على موانئ وثروات الدول وطرق التجارة البحرية (عدن / بربرة / بورتسودان)، ومحاولة إنشاء إمبراطورية سياسية وعسكرية محيطة بالخليج سيكون لها تأثيرها الاستراتيجي على دول المنطقة كافة.
عادل الباز عادل الباز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
مجمع الملك سلمان العالمي" يختتم مؤتمر "اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية"
اختتم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بالشراكة مع جامعة القصيم، فعاليات مؤتمر (اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية)، الذي أُقيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، في مركز المؤتمرات بجامعة القصيم، وسط حضور نوعي من المسؤولين والأكاديميين والمختصين والمهتمين باللغة والثقافة الوطنية، ومشاركة أكثر من 20 جهة.
وثمَّن الأمين العام للمجمع الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي الدعم الذي يحظى به المجمع من صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، مؤكدًا أن هذا المؤتمر يمثل إحدى المبادرات الحيوية لتعزيز حضور اللغة العربية في المؤسسات والمجتمع، وربطها بمسارات التنمية والهوية الوطنية وفق مستهدفات رؤية 2030.
وفي كلمته الافتتاحية قدم الوشمي شكره وتقديره لسمو أمير منطقة القصيم على رعايته لأعمال المؤتمر، ولجامعة القصيم دعمها المتواصل لقضايا اللغة العربية.
وأكَّد أن المجمع يعمل على مدّ الجسور مع جميع الجهات المعنية؛ لدعم اللغة العربية، وحمايتها، وترسيخ مكانتها عالميًّا؛ انطلاقًا من الدور المحوري الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في تعزيزها.
وهدف المؤتمر إلى إبراز دور اللغة العربية في تعزيز الهوية الوطنية السعودية، ومناقشة التحديات التي تواجه هذا الدور الحيوي، واستعراض التجارب العالمية في تعزيز اللغات الوطنية، إضافةً إلى طرح المبادرات والمشروعات التي تدعم اللغة العربية، وتربطها بمسارات التنمية والهوية في المملكة العربية السعودية.
وتناول المؤتمر أربعة محاور علمية رئيسة؛ حيث ناقش المحور الأول دور الجهات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز الهوية اللغوية، مع عرض جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومبادرات دعم العربية. وناقش المحور الثاني السياسات اللغوية وأثرها في الهوية الوطنية، مستعرضًا مشروع (منظومة بيانات السياسات اللغوية العربية)، وأثر التشريعات والسياسات السعودية، مع تسليط الضوء على دور الإعلام في تمكين اللغة ضمن رؤية المملكة 2030.
في حين بحث المحور الثالث قضايا الأمن اللغوي ومهددات تمكين اللغة العربية، متضمنًا الحديث عن دور الأسرة، والتحديات المرتبطة باللغة الهجينة، ومزاحمة اللغات الأجنبية، واستعرض المحور الرابع تجارب دولية في تعزيز الهوية الوطنية، مع عرض نماذج من التجارب الإنجليزية والفرنسية والعربية عامة والسعودية خاصة، إضافةً إلى الإسبانية والصينية.
وصاحب المؤتمر معرض تعريفي بأبرز جهود المجمع والجهات المشاركة في دعم اللغة العربية، وربطها بالهوية الوطنية، استمر مدة يومين، وسط تفاعل واسع من المشاركين والزوار.
ويؤكد تنظيم المؤتمر التزام المجمع بدوره الإستراتيجي في قضايا اللغة والهوية، والحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز حضورها في شتى مجالات التنمية والثقافة، ويبرز أيضًا الدور المحوري لجامعة القصيم في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا؛ بواسطة برامج أكاديمية متخصصة، ومبادرات علمية تسهم في تطوير الدراسات اللغوية، وترسيخ الهوية الوطنية