عبد السلام فاروق يكتب: تشريح زلزال التحولات الكونية في عالم متعدد الأقطاب
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
في عالم يتشكل من جديد تحت وطأة التحولات الجيوسياسية الكبرى، يبرز التقرير الإستراتيجي العربي لعام 2024 الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كأداة تحليلية فريدة. هذا التقرير الذي حمل عنوان "2024: شهادة على زلزال التحولات الكونية" ليس مجرد وثيقة بحثية، بل هو تشريح دقيق لنظام عالمي ينهار وآخر يولد على أنقاضه.
يقدم التقرير رؤية متكاملة للتحولات التي تهز أركان النظام الدولي، من صعود آسيا كقوة اقتصادية وسياسية إلى تراجع النموذج الليبرالي الغربي، مع تركيز خاص على تداعيات هذه التحولات على المنطقة العربية ومصر كفاعل إقليمي رئيسي.
صعود الشرق وترنح الغربيكشف التقرير عن تحول جوهري في موازين القوى العالمية، حيث لم يعد الصعود الآسيوي مجرد انتقال للثقل الاقتصادي، بل تحولاً في مفهوم القوة ذاته. فالصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لم تكتف بهذا الإنجاز الاقتصادي، بل قرنت ذلك بتطوير قوتها العسكرية وسعيها لحسم النزاعات الإقليمية لصالحها، كما هو الحال في بحر الصين الجنوبي . هذا التحول يشكل تحدياً مباشراً للهيمنة الأمريكية، حيث بدأت واشنطن تنظر إلى التحركات الصينية على أنها محاولة للهيمنة على شرق آسيا وإضعاف النفوذ الأمريكي هناك .
أزمة النموذج الليبرالي الغربييوثق التقرير أزمة عميقة يعيشها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، حيث تتعارض الإرادة الشعبية مع آلة الهيمنة التقليدية. فبينما يعيد ترامب إنتاج الشعبوية كرد فعل على غياب المشروع الاستراتيجي الموحد، تستمر المؤسسات العميقة في الحفاظ على سياسات الهيمنة التقليدية. هذه المفارقة تذكرنا بمراحل انهيار الإمبراطوريات الكبرى، حيث تبدأ بالانهيار من الداخل قبل أن تظهر علامات الضعف للعالم الخارجي .
يرصد التقرير حالة الجمود التي تعيشها الأزمات العربية، حيث فشلت الحلول السياسية وجهود الأمم المتحدة في تحقيق تقدم ملموس، بينما استمرت التفاعلات العسكرية دون حسم واضح. هذا الجمود يعزى إلى كثرة التدخلات الخارجية التي تتبع كل منها أجندة خاصة لا تتوافق بالضرورة مع حل الأزمات . في سوريا مثلاً، استمر الصراع في منطقتي إدلب وشرق الفرات كتجسيد للمصالح المتضاربة للقوى الدولية والإقليمية .
يخصص التقرير حيزاً كبيراً لتحليل دور مصر في هذه البيئة الإقليمية المضطربة. فمصر لم تعد مجرد دولة عادية، بل تحولت إلى "معمل تجارب لتوازنات مستحيلة" – قاطرة أمنية تتحرك على سكك الاقتصاد الهش، تحاول الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بينما تعيد تعريف دورها في عالم لم يعد الغرب يهيمن على مفاهيمه وقيمه .
يكشف التقرير عن تناقض صارخ في نظام العدالة الدولية، حيث تحولت محكمة الجنايات الدولية إلى ساحة للصراع الجيوسياسي بدلاً من أن تكون منصة للعدالة. فبينما تدان إسرائيل لفظياً بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، تمارس الولايات المتحدة وصايتها الفعلية على القانون الدولي، مما يكشف زيف أسطورة "المجتمع الدولي" التي أخفت لعقود هيمنة القوة على الحق .
ما يميز التقرير الاستراتيجي العربي هو منهجيته الفريدة التي تجمع بين عمق المؤرخ وحدس المحلل الاستراتيجي. فالبيانات الجافة تتحول إلى سرديات حية، والأرقام تقرأ كرموز ثقافية، والخرائط تفسر كلوحات لفناني الكوارث الجيوسياسية. هذه العبقرية التحليلية تجعل من التقرير ليس مجرد تحليل للأحداث الجارية، بل أداة لفهم التحولات العميقة التي تشكل عالمنا .
يتركنا التقرير أمام سؤال وجودي: هل نحن أمام نهاية النظام العالمي الحالي أم ولادة نظام جديد من الفوضى المنظمة؟ الإجابة التي يلمح إليها التقرير تشير إلى أننا قد نكون على أعتاب عصر جديد من "حرب الجميع ضد الجميع"، لكن هذه المرة بأسلحة حديثة مثل البيانات والتحالفات السائلة والهويات المائعة .
في النهاية، يثبت مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية برئاسة الدكتور أيمن عبد الوهاب ، من خلال هذا التقرير- الذي يرأس تحريره الدكتور معتز سلامه، ومدير التحرير الدكتور حازم محفوظ- أنه ليس مجرد مركز أبحاث، بل حارس للأسئلة الكبرى في زمن يحاول الكثيرون فيه تسويق الإجابات الجاهزة. التقرير ليس مجرد تحليل للعام 2024، بل هو دليل تشغيل لعالم فقد دليله، ومحاولة جادة لفك طلاسم مرحلة انتقالية معقدة، حيث تموت العقائد السياسية القديمة قبل أن تكتمل ولادة البدائل .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية المزيد لیس مجرد
إقرأ أيضاً:
«الفارس الشهم 3» تدعم نازحي غزة لمواجهة شبح الجوع
تواصل عملية «الفارس الشهم 3» جهودها الإغاثية المكثفة لدعم الأهالي وتقديم المساعدات العاجلة للنازحين، في خطوة تعكس التزاماً إنسانياً ثابتاً في مواجهة كارثة تلامس حدود المجاعة.
وأكدت عبر منصتها الرسمية بموقع «إكس»، أنها مستمرة في إنعاش آلاف النازحين ومساعدتهم على تخطي شبح الجوع الذي بات يهددهم يومياً، وأشارت إلى أن القوافل الإغاثية التي وصلت إلى عمق المناطق المنكوبة، لم تكن مجرد وسيلة لتقديم الغذاء والدواء، بل كانت رسالة تضامن وأمل لآلاف الأسر التي فقدت مأواها وكل مقومات الحياة.
وتأتي عملية «الفارس الشهم 3» امتداداً للدور الإنساني الرائد لدولة الإمارات في دعم الشعب الفلسطيني، لاسيما في ظل استمرار الحصار ونُدرة المساعدات، لذا فإنها ليست مجرد عملية إغاثية، بل وعد إنساني لا يتراجع أمام وجع غزة.