اليمن يقلب المعادلة: إخفاق استخباري أمريكي وضربة استراتيجية تُربك “هاري ترومان”
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
اليمن يقلب المعادلة: إخفاق استخباري أمريكي وضربة استراتيجية تُربك “هاري ترومان” وتُعيد رسم موازين القوى
في قلب البحر الأحمر الذي يعج بالأساطيل والمدمرات الغازية، لم يكن أحد ليتوقع أن يتحول “اللاعب الضعيف” في المعادلة –اليمن– إلى كاسرٍ لمعادلة التفوق الجوي والبحري الأمريكي. فالضربة التي وجهتها القوات المسلحة اليمنية للطائرة E-2 Hawkeye، التابعة لحاملة الطائرات “هاري ترومان”، لم تكن مجرد استهداف تكتيكي، بل تمثل فضيحة استخبارية من الطراز الثقيل، وهزّة استراتيجية لموازين الردع التي ظنتها واشنطن ثابتة.
فشل استخباري واضح
ما لم يُقال في الإعلام، هو أن الضربة اليمنية سبقتها أيام من الرصد، والتشويش، والتلاعب بسيناريوهات التضليل الإلكتروني. أجهزة الاستخبارات الأمريكية، برغم تقنياتها المتقدمة، لم تستطع كشف نية الهجوم، ولا تحديد مسار السلاح المستخدم، ولا حتى منع تنفيذ الضربات من بينها التي تطال عمق العدو الصهيوني.
هذا الاخفاق يكشف أن الغطرسة التكنولوجية قد تصبح عبئًا حين تُركن إليها الجيوش دون تطوير منظوماتها المفاهيمية والفكرية. فغياب الإنذار المبكر عن ضربات بهذه النوعية، يشي بأن منظومات الاستكشاف المبكر والمراقبة الفضائية والاعتراض، قد تعطّلت أو تم تجاوزها بأساليب مبتكرة، ما يُعد إشارة خطيرة لثغرات في بنية ومنظومة الدفاع الأمريكي.
ضربة في العصب
حاملة الطائرات “هاري ترومان” لم تكن هدفًا مباشرًا، لكنها فقدت ما يُعتبر “عقلها المدبر” في السماء، الطائرة E-2 Hawkeye، المسؤولة عن تنسيق العمليات، التحكم في المجال الجوي، وقيادة الأسلحة الذكية على متن الطائرات والسفن. الضربة اليمنية جعلت الحاملة –عمليًا– عمياء، تدور حول نفسها في قلب البحر دون قدرة على اتخاذ قرارات ميدانية دقيقة.
ولأن نظم القيادة والسيطرة ترتبط بوحدات الإنذار والسيطرة المحمولة جوًا، فإن خسارة هذه الطائرة يعني ببساطة أن الحاملة باتت عرضة لأخطاء التقدير، والهجمات المباغتة، والعجز عن إدارة الهجوم والدفاع في آن واحد.
العشوائية العملياتية
فيما تبالغ القنوات الغربية، والتابعة لها الفضائيات العربية بـ”نجاحات” العمليات البحرية الأمريكية ضد أهداف يمنية، تبيّن أن معظم تلك الضربات عشوائية، موجهة ضد منشآت اقتصادية ومدنية، وهو ما يؤكد تخبط القيادة الأمريكية بعد فقدان أداة التنسيق الرئيسة. الضربات لم تطل البنية التحتية العسكرية اليمنية الفعلية، ما يعني أن بنك الأهداف فقد دقته، أو أن المعلومات الاستخبارية باتت مضللة، أو الإثنان معًا.
كل ما يُروج عن “نجاحات دقيقة” في الإعلام، هو في حقيقته غطاء سياسي لمحاولة إنقاذ ماء وجه البنتاغون، الذي وجد نفسه أمام فشل مركب: استخباري، تكتيكي، واستراتيجي.
البعد الإقليمي والدولي
ضربات الردع اليمني في استخدام المسيرات والصواريخ الاستراتيجية وضعت الجيش اليمني في مصاف الجيوش القادرة على التأثير في العمق العملياتي لأعتى الأساطيل العالمية. ولم تعد المسألة مجرد حرب محلية ضد تحالف إقليمي، بل تحولت إلى مشهد استراتيجي يعاد تشكيله، حيث يظهر اليمن كطرف قادر على تهديد المصالح الأمريكية، في نقطة التقاء بحرية حيوية باب المندب وخليج عدن، (شريان التجارة العالمية).
وإذا كانت واشنطن تسعى إلى ترهيب اليمن وردعه عبر استعراض القوة، فإن الرد اليمني أتى مغايرًا، مسددًا نحو أهم مفصل في منظومة الحرب البحرية الأمريكية، ليقول إن ميزان الردع لم يعد أحادي الاتجاه.
التحقيقات الجارية في البنتاغون لن تكون كافية ما لم تُراجع العقيدة العملياتية البحرية الأمريكية سلوكها، خصوصًا فيما يتعلق بالحروب غير المتكافئة. فالحرب مع اليمن لا تشبه النزاعات التقليدية، وقد كشفت هذه العملية أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، وأن الردع لا يُبنى فقط بالسفن والطائرات، بل بالقدرة على استيعاب أساليب الحرب المرنة والمباغتة.
الحاملة “ترومان”، قد تستعيد عافيتها التقنية لاحقًا، لكن الهيبة الاستراتيجية للبحرية الأمريكية تلقّت ضربة موجعة، مما جعلها تتراجع وتغير مواضعها في كل مرة لتحاشي أو تقليل مخاطر النيران التي تصلها، وتضرب مفاصل قطع الحماية التي تحرسها، وتؤمن وجودها.
من باب المندب إلى المحيطات المفتوحة
الضربة اليمنية التي أربكت حاملة الطائرات “هاري ترومان”، لا يمكن قراءتها في معزل عن السياق الأوسع لصراع القوى الكبرى على البحار والمضائق الاستراتيجية. فالمعركة لم تعد تدور فقط حول اليمن، بل باتت تتصل عضوياً بمعركة الهيمنة على طرق التجارة العالمية، والتحكم بمسارات الطاقة، وموازين الردع البحري في زمن التحولات الكبرى. إذ يشكّل مضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر عبره يومياً قرابة 6 ملايين برميل من النفط، إلى جانب عشرات السفن التجارية.
ومع تصاعد قدرات القوات اليمنية، بات هذا الممر الحيوي مهدداً في حال اتخذت صنعاء قراراً بتوسيع نطاق ردعها إلى المحيط الهندي وإلى البحر المتوسط، وإلى استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.
هذا التهديد لم يغب عن أعين القوى الكبرى: فواشنطن ترى في استقرار هذا المضيق شرطاً لبقاء هيمنتها البحرية على الخط الرابط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، بينما تعتبره الصين جزءًا من مشروع “الحزام والطريق”، وتضعه روسيا ضمن استراتيجيتها لكسر الحصار الأطلسي.
حاملة الهيمنة تتراجع
منذ عقود، كانت حاملات الطائرات الأمريكية رموزاً لسطوة واشنطن على البحار المفتوحة، لكن الضربات الأخيرة للجيش اليمني على حاملة الطائرات “ترومان” والقطع التابعة لها، كشفت أن هذه “العماليق الحديدية” لم تعد محصّنة. قدرة طرف إقليمي محدود الموارد على إصابتها في “عقلها التشغيلي”، هو رسالة تحذير لكل من كان يظن أن البحر حكر على من يملكون القوة الصلبة فقط.
التكنولوجيا لم تعد حصنًا مانعًا، فاليمن الذي لا يملك أساطيل، استطاع أن يضرب في العمق. وهو ما يفتح الباب أمام أطراف إقليمية ودولية لإعادة النظر في معادلة الهيمنة البحرية.
الصين تترقب
من الجانب الآخر، تراقب الصين ما يجري باهتمام استراتيجي بالغ. فهي التي تراهن على طريق الحرير البحري، وتستثمر مليارات الدولارات في موانئ جيبوتي وباكستان وسريلانكا، تدرك الآن أن تهديد البحرية الأمريكية في باب المندب قد يخلق فراغاً يسمح لها بتوسيع نفوذها البحري. ولا يُستبعد أن تسعى بكين إلى توسيع وجودها العسكري في القرن الإفريقي بدعوى “تأمين الملاحة الدولية”.
أما روسيا، التي تخوض صراعاً متعدد الجبهات مع واشنطن، فترى في تعثر الحاملة “ترومان” فرصة ذهبية لتعزيز خطابها القائل إن العالم بحاجة إلى توازن دولي جديد. فقد سبق لموسكو أن طرحت مشروع “الأمن الجماعي في الخليج”، وها هي تجد في الأحداث الجارية مبرراً إضافياً لطرح نفسها كوسيط بديل وفاعل في معادلات الأمن البحري.
الضربة اليمنية قد تكون أكثر من مجرد اشتباك بحري. إنها لحظة فاصلة تؤذن بانهيار جزئي لمنظومة الهيمنة البحرية الأحادية، وتفتح الطريق أمام واقع جديد، تُقاس فيه القوة لا فقط بعدد الحاملات والطائرات، بل بمدى القدرة على مفاجأة الخصم، وتهديد شرايينه الحيوية، وكسر تفوقه الرمزي.
ولعلّ ما يحدث اليوم في مواجهة اليمن للقوات البحرية الأمريكية يُعيد صياغة معادلة الردع في البحر، ويبعث برسالة إلى كل من واشنطن، وبكين، وموسكو: لم يعد هناك “بحر آمن بالكامل”، ولم تعد المضائق مستباحة لمن يدفع أكثر. بل لمن يُحسن الصبر، والتخفي، ويجيد اختيار لحظة الضربة.
الرسالة الأوضح: أن السماء لم تعد حكرًا على أمريكا، والبحر لم يعد مسرحًا آمنًا لأساطيلها.
– توفيق سلام / عرب جورنال
اليمن يقلب المعادلة: إخفاق استخباري أمريكي وضربة استراتيجية تُربك "هاري ترومان"المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
السقوط المدوي لقوة الردع الأمريكية من على متن حاملة الطائرات (هاري ترومان)
يمانيون../
يمثِّلُ إعلانُ البحرية الأمريكية عن خسارةِ مقاتِلةٍ من نوع (إف-18)؛ بسَببِ هجومٍ يمنيٍّ في البحر الأحمر، للمرة الثانية منذ ديسمبر الماضي، زلزالًا استراتيجيًّا لا تقتصرُ تداعياتُه على الخسارةِ المباشرة المتمثلة في فقدان أكثر من 70 مليون دولار في لحظة، وإضافتها إلى مليارات الدولارات التي يخسرها الجيش الأمريكي في مواجهة اليمن منذ أُكتوبر 2023 بلا أي إنجاز،
على أهميّة هذه الخسارة؛ فالواقعة تسلط الضوء على ما هو أبعد من الفشل العملياتي والتكتيكي والاستنزافِ، وهو انهيارُ قوة الردع الأمريكية بما تنطوي عليه من أدوات واستراتيجيات ومعرفة متراكمة لعقود، وبالتالي تضعضع أركان النفوذ الجيوسياسي القائم بشكل أَسَاسي على هذه القوة.
من الواضح أن البحريةَ الأمريكية وجدت نفسَها مضطرةً للاعتراف بغرق الطائرة، وقد كان الاعترافُ الرسمي محاولةً لتخفيف وَقْعِ الاعترافات الحتمية التي ستكشفُ لاحقًا السياقَ الحقيقيَّ للواقعة، والمتمثل في المطاردة النارية اليمنية، وهنا تبرز فجوة مهمة في الاستراتيجية الإعلامية لدى القيادة المركَزية الأمريكية بشأن التعامل مع تفاصيل العمليات في البحر الأحمر وفي اليمن، حَيثُ يتمسك البنتاغون بسياسة تكتم شديدة على مثل هذه التفاصيل، لكن يبدو بوضوح أن واقعة كهذه لا يمكن إخفاؤها، وهو أَيْـضًا ما برز بوضوح في ديسمبر الماضي عندما تم إسقاط مقاتلة من نفس النوع أثناء محاولة التصدي لهجوم يمني على حاملة الطائرات نفسها، في نفس مسرح العمليات.
أهميّة هذه الفجوة لا تتعلَّقُ بإجبار الولايات المتحدة على الاعتراف بحدثٍ ما لا يمكن إخفاؤه، بل بكسرِ الصورة التي تحرِصُ البحريةُ الأمريكية بشدة على رسمِها وإبقائها ثابتةً بشأن طبيعة المواجهة؛ فسياسة التكتم التي يمارسها البنتاغون لا تهدف فقط لإخفاء الخسائر، بل لعدم كشف الجو العام للعمليات والتفاعلات المباشرة فيها، والإبقاء على مشهد مزيَّف مصمَّم بعناية لـ”تماسك البحرية الأمريكية” واعتبار كُـلّ إخفاق أَو خسارة مُجَـرّد حادث عَرَضي، وليس خللًا في أَسَاسيات العمل.
هذه السياسةُ حاولت أن تصوِّرَ قِيامَ الطراد الصاروخي (جيتيسبيرج) بإطلاق النار على طائرتَي (إف-18) وإسقاط إحداهما أثناء محاولته التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، في ديسمبر الماضي، وكأنه حدث عادي أقصى ما يمكن أن يكشفَه هو خطورةُ الضغط النفسي والعملياتي في بيئات الاشتباك المحتدم، وبرغم أن هذه الدلالةَ بالغةُ الأهميّة وتوضح قدرة القوات المسلحة اليمنية على وضع البحرية الأمريكية في مآزِقَ صعبةٍ، فَــإنَّها لا تقولُ كُـلّ شيء.
الآن وقد تكرّر الأمرُ وفي سياق مشابِهٍ في نفس مسرح العمليات، وتم الاعترافُ بأن حاملةَ الطائرات (هاري ترومان) كانت تحاولُ الهروبَ من ضربات يمنية عندما فقدت مقاتلةَ (إف-18) [مع أنها روايةٌ مخفَّفةٌ على الأرجح] فقد بات واضحًا أن الأمرَ لا يتعلَّقُ فقط بالضغط النفسي والارتباك، بل بوجودِ نقاط ضعف واضحة وكبيرة لدى حاملات الطائرات نفسها، ووجودِ قصور كبير في الأَسَاسيات الاستراتيجية والتكتيكية التي تعملُ وَفْقَها البحريةُ الأمريكية.
في محاولة لتفسير سقوط المقاتلة (إف-18) أثناء الهروب، نقلت شبكة “سي إن إن” عن القائد السابق في البحرية الأمريكية كارل شوستر، قوله: إن “حاملات الطائرات التي تحاول تجنُّبَ هجومٍ صاروخي تستخدمُ تكتيكَ التعرُّج، وعادةً ما تقومُ بسلسلة من المنعطفات المتناوبة بزاوية 30 إلى 40 درجة، وتستغرق كُـلُّ منها حوالي 30 ثانية في كُـلّ اتّجاه، لكن المنعطف يبدأ فجأةً”.
هذا التفسير يعني أولًا أن الهجومَ اليمني قد تجاوَزَ الكثيرَ من الاستراتيجيات والأدواتِ والتكتيكاتِ الدفاعية التي تسبقُ الهروب، بما في ذلك أنظمةُ الصواريخ المتعددة للحاملة وللمدمّـرات والسفن التابعة لها، وكذلك الطائرات الحربية التي تتولى أَيْـضًا أدوارًا دفاعيةً عند تعرُّضِ الحاملة لهجمات، وهذا يتجاوز الحديثَ عن تأثير الضغط النفسي والإرباك بشكل واضح، ولعل هذا قد لفت انتباهَ “سي إن إن” بما يكفي للتذكير في التقرير نفسه بأنه “في أوائل عام ٢٠٢٤، اضطرت مدمّـرةٌ أمريكية في البحر الأحمر إلى استخدام نظام (فالانكس) للأسلحة القريبة، وهو خط دفاعها الأخير ضد الهجمات الصاروخية، عندما وصل صاروخ كروز يمني إلى بُعد مسافة ميل واحد فقط منها، وكان على بُعد ثوانٍ فقط من الاصطدام بها”.
الأمر الثاني الذي يوضحه تفسير القائد السابق في البحرية الأمريكية، هو أن استراتيجية الدفاع الأخيرة لحاملة الطائرات، والمتمثلة في الهروب بشكلٍ متعرِّجٍ، والذي يفترَضُ بها أن تكون آمنة، قد بدت أكثرَ فوضويةً وخطورةً مما كان متوقَّعًا، وهذا ما تعززه تقاريرُ أُخرى تشير إلى أن حاملات الطائرات لم تمارِسْ من قبلُ مثلَ هذا التحَرُّك إلا في التدريبات فقط.
ووَفقًا لذلك، فَــإنَّ ما حدث ليس حدثًا عرضيًّا وليس ناجمًا عن تأثير الضغط النفسي فقط، مع أن هذا الضغط كان موجودًا بلا شك لدى طاقم حاملة الطائرات بأكمله، ولكنه فجوةٌ كبيرة في طريقة عمل وبناء الحاملة نفسها وفي كُـلّ التقنيات والأدوات التي يُفترَضُ بها أن تحميَها، وهي فجوة من الواضح أن القوات المسلحة اليمنية قد تمكّنت باحترافية عالية من كشفها، أَو ربما صناعتها، من خلال أدواتها وتكتيكاتها الذي لم يسبق للبحرية الأمريكية أن واجهتها وفقًا للكثير من الاعترافات، وهو ما يعكسه تكرارُ فقدان طائرات (إف-18) في نفس مسرح العمليات أثناءَ هجمات يمنية واسعة؛ لأَنَّ ذلك التكرارَ يعني أن المسألة لا تتعلق فقط بتكتيك خاطئ يمكن تغييرُه واستخلاصُ الدروس من فشله في المرة الأولى، بل هي مشكلة جوهرية في الأدوات والاستراتيجية والقدرة على الابتكار والتعلم.
ولولا التكتمُ الكبيرُ على هذه الصورة الأوسع، لما كان مستغرَبًا في الأَسَاس أن يحدث ما حدث؛ فبعدَ أكثرَ من عام ونصف عام من الاعترافات الواضحة بعدم قدرة البحرية الأمريكية على التعامُلِ بشكل متكافئ مع التهديد الذي تشكِّلُه العملياتُ اليمنيةُ سواء من حَيثُ التكاليف أَو من حَيثُ الأدوات والتكتيكات، بات واضحًا أن الجيشَ الأمريكي يواجِهُ صعوبةً بالغةً في التكيُّف مع هذا التهديد وإيجاد طُرُقٍ مناسبةٍ لمواكبته، فضلًا عن إنهائه أَو إضعافه.
تلك الاعترافاتُ كانت قد أفرزت نقاشاتٍ غير مسبوقة عن “انتهاءِ زمن حاملات الطائرات” والعبء الذي باتت تشكّله السفنُ الحربية وأنظمتها المكلفة للغاية، والآن مع الواقعة الجديدة فَــإنَّ هذه النقاشات ستتناول بشكل أكثرَ مباشرةَ أبجدياتِ نشر القوة الأمريكية عبر العالم، حَيثُ يشهد البحر الأحمر الآن سقوطًا مدوِّيًا للأفكار الأَسَاسية للردع الأمريكي القائم في جزء كبير منه على استعراض وحشد أدوات “التفوُّق الجوي والبحري” معًا من خلالِ حاملات الطائرات والسفن الحربية، وما يمثله ذلك من أهميّةٍ أَسَاسيةٍ للانتشار البري أَيْـضًا، فعندما تصبحُ البحارُ مكانًا خَطِرًا للقاعدة (البحرية – الجوية) التي تشكلها حاملات الطائرات والسفن التابعة لها، فَــإنَّ قوة الردع الأمريكي تتقزَّم بشكل هائل، وتصبح معتمِدةً على التصرُّف من بعيد.
لقد تناولت العديدُ من التقارير تأثيرَ الفشل الأمريكي في البحر الأحمر على فرص الولايات المتحدة في خوضِ صراعات مستقبلية مع منافسِين وخصوم مثل الصين وروسيا؛ بسَببِ ما كشفه ذلك الفشلُ من نقاط ضَعف دفاعية وهجومية أمريكية، والآن بعد أن أصبح واضحًا بالتجربة أنه بالإمْكَان تحويلُ القِطَعِ الحربية الأمريكية إلى تهديدٍ للطائرات التي تحملُها ولنفسها، فَــإنَّ مستقبلَ النفوذ الجيوسياسي القائم على الانتشار العسكري الأمريكي عبرَ المحيطات يواجهُ زلزالًا حقيقيًّا، خُصُوصًا في ظل انتشار تقنيات الصواريخ والطائرات المسيَّرة منخفضة التكلفة.
قد يبدو هذا استنتاجًا سهلًا الآن.. لكن عمليًّا، لم يرَ أحدٌ قوةَ الردع الأمريكي تُضرَبُ بهذا الشكل، إلا عندما فعلها اليمن.
المسيرة| ضرار الطيب