لجريدة عمان:
2025-04-07@21:38:21 GMT

الاستحقاق القاتل

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

تشكل الحالات النفسية وسيلة لتمثّل الفعل الخارجي واستعدادا له، فإن حصول الحالة في النفس تستدعي أن يتشكل فعل خارجي لها يقوم به الشخص، وهناك حالات جماعية قد تنشأ نتيجة سياسات معينة تساعد في ظهورها، وكما أن جوستاف لوبون قد كتب حول سيكولوجية الجماهير، فإن من المشاعر التي يُمكن أيضا النظر إليها بالعين الناقدة هي مشاعر الاستحقاق في الحصول على شيء ما، يتنامى هذا الشعور من الاستحقاق البسيط الذي ربّما ينشأ في الأسرة، إلى الاستحقاق العام الذي ينشأ بسبب سياسات ريعية تنتهجها الدولة على سبيل المثال، حتى يصل هذا الشعور إلى أداة قتل ناعمة يُمكن أن تطيح بالمجتمعات.

تكمن أهمية الكتابة حول موضوع الاستحقاق مع تسارع تقلص الدولة الريعية الخليجية، الأمر الذي يتبعه زيادة فرض الضرائب على مواطنيها وتقليل سياسات الرفاه التي اعتادت عليها منذ حصول الطفرة الاقتصادية بظهور النفط، إذ إن الأمر يحتاج لدراسة اجتماعية ونفسية من أجل تفادي حصول الصدمات الاجتماعية التي قد تؤدي إلى أحداث سياسية في الداخل لعدم رضى (الأنا العليا) بالنسبة للشارع، ومتى لم ترضَ هذه الأنا أصبحت موطن اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية قد تؤدي إلى تحولات معينة، يُمكن تفاديها من خلال الدراسة الفاحصة لتكوّن هذا الاستحقاق ومحاولة تقليله من خلال تفعيل السياسات الناجعة التي توفر حياة كريمة للأفراد.

تتعزز فكرة الاستحقاق في دولة الرفاه بشكل أكبر، ويُمكن أخذ دول الخليج مثالا على ذلك، فإن تكوّن طفرة النفط التي ظهرت في دول الخليج أدت إلى تشكّل دولة الرفاه التي عقدت اتفاقًا ضمنيًّا مع الشعوب أن توفّر لهم الرفاهية في مقابل عدم المشاركة السياسية الفعّالة، حيث إنه لم تتكون المجالس الشورية في دول الخليج إلا متأخرة، وهي مجالس شكلية أكثر منها مجالس تشريعية تعمل عمل البرلمانات في الدول الديمقراطية، إضافة إلى غياب الحزبية والنقابات العمالية، الأمر الذي أدى بالضرورة لغياب التنوع السياسي، هذا الاتفاق الضمني أقر أن دول المجلس توفّر جميع ما يحتاج إليه المواطنون من مأكل ومشرب ووظيفة وسكن وغيرها، إضافة لوجود القوى العاملة الرخيصة التي تقوم بالأعمال البسيطة، بسبب عدد السكان القليل نسبيا، مما أدى بالضرورة إلى شعور بالاستحقاق يقتضي أن يكون لهذه الشعوب جميع ما يتطلبونه، وهو ما حدث حتى بدأت دول الخليج تستشعر خطر نضوب النفط -المورد الاقتصادي الأساسي- وأن عليها أن تتدارك ذلك من خلال فرض خطط التنوع الاقتصادي وفرض الضرائب على الشعوب، لكن دون تغيير فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، فإن الأمر ظل كما هو بل ربّما تراجع بشكل ملحوظ في أكثر من دولة، ومن خلال هذا الأنموذج الغريب، بدأ الشارع يستشعر أيضا الجرح الذي أصاب الاستحقاق الذي عاش عليه طوال عقود.

تتشكل هذه الفكرة من خلال عدة أمثلة، منها الدراسة الجامعية، فيبدأ الطالب في البدء مرتاحًا لدخول الجامعة، وخلال دراسته الجامعية يكون مرتاحًا للحصول على الوظيفة بعد تخرجه، وقد شكّلت هذه الفكرة شعورًا بعدم الحاجة للدراسة إلا للحصول على وظيفة فقط، فيتشكل مساران، الأول طالب غير محتاج للاجتهاد، وطالب يبالغ في اجتهاده، ثم يتفاجأ النموذجان أن الحصول على وظيفة ليس بالسهل المتصور، فيبدأ شعورٌ بالإحباط يتشكل لدى الطلبة، إذ إن الدافع الأول طوال سنوات الدراسة كان للحظة الحصول على وظيفة، فإن هذا الاستسهال ثم الإصابة بالإحباط من الواقع مظنة تزايد الانتقاد، أضف عليه أن الاستحقاق يجعل سنوات الدراسة ذات خط أحادي، فلا توجد الأعمال الجزئية التي تمكّن الطلبة من ممارسة الأعمال أثناء دراستهم مما يمكنهم من الاختلاط بسوق الأعمال الصغيرة والمتوسطة حتى في حرم الجامعة أو في أماكن معينة تتفق معها الجامعات، وغياب هذه الأعمال عزز من فكرة الاستحقاق بالحصول على وظيفة ذات مرتب أعلى وعمل أقل، مثل الأعمال الإدارية والمكتبية وغيرها.

في هذه الأثناء يتحول سوق العمل في الوقت المعاصر إلى أن يكون ذا نظام أكثر تنافسية، مبني على الكفاءة بدلًا من أن يكون مبنيًّا على الجنسية أو المواطنة، وعلى الرغم من أن المؤسسات تجبر على التعمين إلا أن ذلك لا يمنع من التوظيف الذي يكون في أحيان كثيرة متعلق بالتميز في مجالٍ معين، خاصة إذا اختلف العملُ عن التخصص المدروس، فإن المهارات هي ما تشكّل العامل الأكبر في القبول للوظيفة بعد اجتياز الاختبارات الروتينية والإجرائية المتعلقة بالمعدل أو المعرفة أو تلبية الشروط أو غيرها، كما أنه يتجه لقبول المهن الحرة (فريلانسنج) مما يشكّل نوعًا من الفرص للطلبة للعمل الجزئي، فإن عمل الفريلانسر عادةً لا يتطلب الحضور في موقع معين، خاصة تلك المتعلقة بالأعمال الإبداعية مثل الكتابة أو التصميم أو غيره، وفي كل هذا يتضاءل معدّل الاستحقاق، ويحلّ محله التنافس المبني على الكفاءة، فإن إمضاء العقود مع العمال المستقلين يتعلق بكفاءة العامل ومهاراته، لأنه يجب أن يقوم بعمل موظف دائم بمرتب أقل في العادة.

بالعودة إلى شعور الاستحقاق القاتل، فإنه يُمكن القول: إن هذا الشعور في محصلته قاتلٌ من جوانب عديدة، أما الجانب الأول فهو الجانب الفكري المتعلق بالإبداع، ويُمكن في هذه الحالة أخذ أمثلة كثيرة، فإن الشعور بالاستحقاق وإرضائه يتعلق بالضرورة بإنتاجية أقل لأن الجلوس على كرسيٍّ ما لا بسبب الكفاءة وإنما بسبب الجنسية أو غيرها، يقلل من الإنتاجية لانعدام التنافسية، وعدم الإنتاجية تؤدي لضعف المؤسسات، وأما الجانب الآخر فإنه جانب نفسي، لأن الشعور بالاستحقاق يصاحبه الإحباط المستمر من الواقع في حال عدم رضا الأنا وشعورها بالاكتفاء، وفي هذه الحالة، يستمر شعور الإحباط في توليد إمكانية القيام بأفعال سياسية خارجية يُمكن أن تُحدث تغيرات في الهندسة الاجتماعية، ولضمان عدم الوصول إلى هذا الحد، يجب التفريق بين الاستحقاق القائم على الجدارة والاستحقاق القاتل، فإن الأول يتعلق بوجود الكفاءة والقدرة على التنافس بعد امتلاك مجموعة من المهارات المطلوبة لشغل الشاغر، أما الآخر فإنه يكون موجودا سواء وُجدت الكفاءة أو انتفت، وفي هذه الحالة فإن حالة الرضا الداخلية لا تتحقق إلا بالحصول على أكبر قدرٍ من المصلحة وإلا فإنها تبقى في حالة إحباط مستمر.

في المحصلة، ليس هذا المقال محاولة للترويج لفكرة عدم إمكانية التوظيف أو غيرها، وإنما محاولة النظر إلى الاستحقاق غير المبني على الجدارة بأنها فكرة قاتلة قد تؤدي إلى إفساد المجتمع فكريا ونفسيّا، ولذا من الواجب أن تتخذ في هذه الحالة عدة خطوات مبنية على دراسات علمية رصينة، منها السياسات العامة المتعلقة بالدراسة في الجامعات والتوظيف، ومنها آلية الخطاب العام الصادر من المسؤولين، فهناك الكثير من الخطابات التي تعزز من فكرة الاستحقاق هذه، مثل تلك التي تفترض أن المواطن لا يشغل إلا وظائف معينة، في مقابل تغريق سوق الأعمال الصغيرة والمتوسطة بالقوى العاملة الرخيصة التي تغير من الهيكلة الديمغرافية للبلاد وتوجد مشاكل عديدة متعلقة حتى بحقوقها الإنسانية مثل العمل لساعات طويلة بدون أي زيادة في الأجر وبأجور شهرية زهيدة، ومن الخطوات كذلك أن الدراسات السوسيولوجية يجب أن تلتفت لمثل هذه الأفكار التي تتولد من الطفرات الاقتصادية غير المستدامة التي تتشكل في فترات زمنية قصيرة نسبيا، لا تلبث إلا أن تتغير بتغير النمو المتسارع وغير الطبيعي للاقتصاد ثم بتغير العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعوب، وفي هذه الحالة يُمكن أن تتشكل بعض الصراعات بين الطرفين من حيث استشعار عدم الرضا عن الخدمات المقدمة وعدم قدرة الحكومة على توفير حياة الرفاه التي اعتادت عليها الشعوب في سنوات معدودة.

جاسم بني عرابة كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی هذه الحالة دول الخلیج على وظیفة من خلال

إقرأ أيضاً:

دراسة: غير المتزوجين أقل إصابة بالخرف

وجد باحثون من جامعة ولاية فلوريدا وجامعة مونبلييه أن كبار السن المطلقين، أو الذين لم يتزوجوا قط، كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف على مدى 18 عاماً، مقارنةً بأقرانهم المتزوجين.

وتشير النتائج إلى أن عدم الزواج قد لا يزيد من خطر التدهور المعرفي، على عكس الاعتقادات الراسخة في أبحاث الصحة العامة والشيخوخة.

وغالباً ما يرتبط الزواج بنتائج صحية أفضل، وعمر أطول، لكن الأدلة التي تربط الحالة الاجتماعية بخطر الإصابة بالخرف لا تزال غير متسقة. 

ووفق "مديكال إكسبريس"، أفادت بعض الدراسات بارتفاع خطر الإصابة بالخرف بين الأفراد غير المتزوجين، بينما لم تجد دراسات أخرى أي ارتباط أو أنماط متضاربة بين الطلاق والترمل.

وقد أثار ارتفاع أعداد كبار السن المطلقين، أو الأرامل، أو الذين لم يتزوجوا قط، مخاوف بشأن احتمالية الإصابة بالخرف لدى هذه الفئات. 

الحالة الاجتماعية

ولم تتناول أبحاث سابقة بشكل متسق كيفية ارتباط الحالة الاجتماعية بأسباب محددة للخرف، أو كيف يمكن لعوامل مثل الجنس أو الاكتئاب أو الاستعداد الوراثي أن تؤثر على هذه الارتباطات.

نتائج مفاجئة

وفي هذه الدراسة التي تابعت عينة من أكثر من 24 ألف شخص على مدى 18 عاماً جاءت النتائج مفاجئة.

وبالمقارنة مع المشاركين المتزوجين، أظهر المطلقون أو غير المتزوجين انخفاضاً مستمراً في خطر الإصابة بالخرف خلال فترة الدراسة. 

وقد شُخِّصت حالات الخرف لدى 20.1% من إجمالي العينة. ومن بين المشاركين المتزوجين، أصيب 21.9% بالخرف خلال فترة الدراسة. 

وكانت نسبة الإصابة متطابقة بين المشاركين الأرامل بنسبة 21.9%، ولكنها كانت أقل بشكل ملحوظ لدى المطلقين (12.8%) والمشاركين غير المتزوجين (12.4%).

وكان مرض الزهايمر، وخرف أجسام لوي، أعلى لدى المشاركين المتزوجين، كما كان خطر التطور من ضعف إدراكي خفيف إلى الخرف أعلى. 

ولم يربط أي دليل بين الحالة الاجتماعية والخرف الوعائي أو التدهور المعرفي في مرحلة مبكرة. وكانت الأنماط متشابهة بشكل عام عبر الجنس، والعمر، والتعليم، وفئات المخاطر الجينية.

وبشكل عام، كان كبار السن غير المتزوجين في هذه الدراسة أقل عرضة للإصابة بالخرف مقارنةً بنظرائهم المتزوجين.

مقالات مشابهة

  • كيفية تقدير الاستحقاق الفعلي لدعم حساب المواطن.. 3 حالات تتحكم بالمبلغ
  • شاهد| الخليج يصعق الرائد في الوقت القاتل
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الأمم المتحدة تدين الهجوم القاتل على مدينة في وسط أوكرانيا
  • فالنسيا يسقط ريال مدريد في الوقت القاتل ضمن الجولة 30 من الدوري الإسباني
  • ليفركوزن يُعيد «الفارق 6» مع بايرن ميونيخ بـ«الفوز القاتل»
  • في الوقت القاتل .. باير ليفركوزن يفوز على هايدينهايم في الدوري الألماني
  • الحصيني: استمرار الحالة الممطرة مع برد وسيول
  • دراسة: غير المتزوجين أقل إصابة بالخرف