ناصر بن سلطان العموري
nasser.alamoori@gmail.com
لم يظهر هذا المقال لحيز الوجود لولا تلك الصدفة التي قادتني للذهاب لمجمع بوشر التخصصي؛ ذلك المجمع الذي يعرفه القاصي والداني، يتم فيه تحويل المرضى من مختلف محافظات السلطنة؛ حيث يتواجد نخبة من الأطباء والاستشاريين والممرضين المهرة.
وأثناء ما كنت أهمُّ بدخول إحدى العيادات، إذا بي أتفاجأ بشخص في الستين من عمره، يسأل عن موقع المقهى، وقد بادر بسؤالي، ظنًّا منه أنني أحد موظفي المركز، فأشرت إليه نحو باب المقهى المدون عليه كلمة (كافتيريا)، وكأنَّه لا توجد كلمة مرادفة لها في باللغة العربية! ردَّ عليَّ أن المقهى قد أغلق أبوابه في وجه مرتاديه، وقلت له: بصراحة لا علم لديَّ بأسباب إغلاقه؟ ثم وجَّه لي سؤالًا عجزت عن إيجاد إجابة له: ومن يريد أن يشرب أو يأكل شيئًا وهو قد خرج من منزله منذ الصباح الباكر ماذا عليه أن يفعل؟!
أثناء الحوار سمعتنا ممرضة، وإذا بها تأتي مشكورة بقناني مياه سلمتهم له، وبادرني بعدها بابتسامة وِدٍّ، وذهب على عجلة من أمره ليُعطي زوجته ما حصل عليه بعد بحث وطول انتظار وصبر.
عرفتُ لاحقًا أنَّ المقهى مُغلق منذ أكثر من 4 أشهر، ومن يرغب بالتزود بالزاد، عليه أن يتجشم عناء المسير للمبنى الآخر! هذا من لديه القدرة الجسدية أو من كان برفقته مرافق يستطيع الذهاب، لكن ماذا عن كبار السن والعجزة والأطفال؛ بل والمرضى الذين هم من الأساس جلهم من المُراجِعين؟
سبب التأخير في إعادة افتتاح المقهى أن الموضوع ما يزال يدور في رُحى الإجراءات البيروقراطية مُتنقلًا بين مكتب مسؤول وآخر. موظفو المركز لم يقصروا بدورهم، فقد حرصوا على ملء برادات المياه المتواجدة في المجمع الطبي بقناني المياه، ولكن نتيجة لكثرة المُراجِعين والازدحام، كانت تنفد القناني بسرعة؛ بما لا تسمح لهم أعمالهم في الأساس من إعادة تعبئتها.
وزارة الصحة- والحقيقة تُقال- لم تقصر لا في تقديم الخدمات العلاجية ولا في تأهيل المراكز الصحية والمستشفيات والكادر الطبي والإداري ولا في الاهتمام بالمُراجِعين من المرضى وغيرهم. لكن يجب أن تكون هناك سرعة في الإجراءات، خصوصًا تلك المعاملات التي تتعلق بتوفير البيئة المثالية للمُراجِع وللمريض وتوفير كل سبل الراحة له، وأن لا تكون حبيسة الأدراج بانتظار من يفرج عنها.
وربما قد يعتقد البعض أن موضوع هذا المقال قد لا يستحق الاهتمام وتسليط الضوء عليه، لكنها قد تكون مسألة مُهمة عند امرأة مُسنة تحتاج إلى قارورة ماء أو طفل يطمح في وجبة طعام خفيفة، أو مريض بحاجة لطعام يُعينه على الأدوية التي يتناولها.. ويجب عدم التغافل عن الأفكار التي يراها البعض صغيرة، إذ قد تكون عند الآخرين أكثر أهمية؛ بل ومن الضروريات.
ومن الضروري متابعة مثل هكذا مواضيع تتعلق بالمُراجِعين، فحالهم ليسوا كلهم؛ سواء فمنهم المريض، وكبار السن والأطفال. ولا بُد من إعطاء الفرصة لأبناء البلد من رواد الأعمال لاستئجار مثل هذه المقاهي، مع تسهيل الإجراءات عليهم ودعمهم، أسوة بما هو حاصل من توجيهات بإعطاء الأولوية لأبناء البلد لا سيما في المناقصات الحكومية.
مِثل هذه المشاهد قد تتكرر في جهات حكومية خدمية أخرى، وعليها أن تدرك هنا أن رضا العميل والمُراجِع يجب أن يكون فوق كل اعتبار، وعلى كل مسؤول أن يُدرك أن نجاحه ليس من خلال شهادته أو منصبه؛ بل في نجاح مؤسساته المشرف عليها؛ فالعمل يجب أن يكون أمانة وتكليفًا لا تشريفاً.
*******
"خارج النص"
عزيزي القارئ.. هذا العمود هو صوتك ومرآتك وليس حكرًا على كاتبه، فإذا كان لديك ملاحظة أو وجهة نظر مُعينة أو نقد بناء يخدم الصالح العام، فلا تتردد في التواصل؛ فكلنا في خدمة عُمان فداءً.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البرهان في القاهرة| زيارة مفصلية في ظل أزمة السودان.. فهل تكون بداية لنهايتها؟
تعد زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لمصر، ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقصر الاتحادية، وزيارة هامة جدا خاصة في هذا التوقيت، حيث أنها تهدف إلي تعزيز سبل التعاون الثنائي المشترك بين البلدين الشقيقين.
توقيت زيارة البرهان للقاهرةوتأتي دلالات وتوقيت زيارة البرهان لمصر التي في إطار المساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب بالسودان، كما أن البرهان حريص علي إطلاع الرئيس المصري الداعم للاستقرار والأمن في السودان وإنهاء الحرب القائمة الأن، علي أخر تطورات الأوضاع والأحداث الجارية في دولته.
واللقاء تضمن التشاور بين الجانبين حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة القائمة حفاظا على سلامة وأمن السودان، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق، والتطرق لجهود القاهرة إقليميا ودوليا وخاصة مع آلية دول الجوار، لوقف الصراع واستعادة الأمن والاستقرار، فضلا عن بحث سبل التنسيق والتعاون لدعم الشعب الأشقاء، لاسيما عن طريق المساعدات الإنسانية والإغاثة، حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة بسلام.
محاور زيارة البرهان لمصروفي هذا الصدد، قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، إن الزيارة تميزت بمحورين أساسيين: أولهما تعزيز العلاقات الثنائية، والتي شهدت تطورا ملحوظا في مختلف الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد ركز الجانبان على دفع هذه العلاقات نحو آفاق أوسع، مع التشديد على أهمية استمرار نموها وتكاملها بما يخدم مصالح الشعبين.
وأضاف صلاح حليمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن أما المحور الثاني، فتمثل في الملف الإنساني وجهود إعادة الإعمار، حيث تم التأكيد على أهمية تعزيز الدعم الإنساني للسودان، خاصة في ظل الظروف الحالية، إلى جانب التركيز على مشروعات إعادة البناء، لاسيما ما يتعلق بالبنية التحتية الأساسية التي تمثل عصب التعافي والتنمية في البلاد.
والجدير بالذكر، أن المباحثات الثنائية بين الزعيمين السيسي والبرهان شهدت توافق الرؤي حول الأوضاع الإقليمية الراهنة، لاسيما بحوض نهر النيل والقرن الأفريقي، حيث تطابقت رؤى البلدين في ظل الارتباط الوثيق بين الأمن القومي لكل من مصر والسودان، فضلا عن مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي، والعلمي، والتعاون في مجالات الصحة، والزراعة، والصناعة، والتعدين، وغيرها من المجالات، بما يحقق هدف التكامل المنشود بين البلدين، والاستغلال الأمثل للإمكانات الضخمة للبلدين وشعبيهما.
وفي توقيت بالغ الحساسية، جاءت زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى جمهورية مصر العربية، لتعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتؤكد أهمية التشاور المشترك في مواجهة التحديات المتسارعة التي تمر بها الساحة السودانية ومنطقة البحر الأحمر.