شريفة التّوبية تختتم ملحمتها الروائيّة البيرق بـ هبوب الريح
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
"العُمانية": بينما يحضر التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمال الروائيّة العُمانية شريفة التّوبية، فإنه يتجلّى بأسلوبٍ ملحميّ أخّاذ، باسطاً بين يدي القارئ كنزاً من الحكايات التراثيّة وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد، وذلك في روايتها الجديدة "هبوب الريح"، وهي الجزء الثالث والأخير من ثلاثيةٍ جاء جزؤها الأول بعنوان "حارة الوادي" (2021)، والثاني بعنوان "سُراة الجبل" (2022).
تسبر التّوبية في روايتها الجديدة أغوار السرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات توائم الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، فتشتغل عليها، وتكتب حكايتها الخاصة والجديدة، مقدمة نموذجاً متميزاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.
في روايتها التي صدرت عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، وجاءت في حوالي 600 صفحة، تعود التّوبية إلى تلك الحكايات التي كان يحدّثها جدّها فيها عن ذلك التاريخ القديم قبل النهضة المباركة (1970) على يد المغفور له جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد، إذ انتبهت إلى أن في تلك الحكايات ما لم تقرأه في كتب التاريخ عن تلك المرحلة الزمنية بالذات، وكانت في حاجة لقراءة أخرى لذلك التاريخ، ورؤية وجه آخر للحكاية، بحسب ما تقول في أحد حواراتها.
وتضيف كاشفةً على تلك الروح التي كانت تسكنها قبيل شروعها بكتابة ملحمتها: "حينما كتبت ثلاثية (البيرق)، كنت أكتب الكتاب الذي تمنيت قراءته، فأعدت تشكيل الحكايات التي سمعتها من جدي ومن والدي ورفاق والدي بما يتناسب مع أعراف كتابة الرواية. أردت أن أخلق عالـماً جديداً مؤثّثاً بتلك الأحداث التي أستطيع القول إنها مغيّبة، وعُمان، كبلد عريق، كل زاوية فيه وكل درب وكل سهل وجبل ملهم للكتابة، في عُمان وراء كل حجر حكاية، فقط كانت تنتظر مَن يكشف عنها ويعيد كتابتها".
وتقدِّم التّوبية عبر ملحمتها السردية، بأجزائها الثلاثة، مرحلة مهمَّة من تاريخ عُمان السياسي والاجتماعي، وتعرض فيها المسار التاريخي لانتقال عُمان من حكم الإمامة الديني إلى حكم السلطنة، وما شهده ذلك الانتقال من أحداث وصراعات دامية، رافقتها تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مهمّة تركت أثرها العميق في المجتمع العُماني.
وتصوّر في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينيات القرن الفائت، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائية خيوطها في خيالها، وقدمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفني الذي يحقق للقارئ متعته.
وفي الجزء نفسه قدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس، فنقرأ في أحد المقاطع: "يطيب لرجال الحارة الذهاب إلى السوق، ليس للشراء فقط، وإنما للجلوس وتبادل الأحاديث على مصطبة طويلة مبنيّة بمحاذاة الجدار الذي يفصل ضاحية مرهون عن السوق. توقّع حمدان أنّه لن يعثر على السمك طازجاً، لكنّه سيبحث، وماذا سيضرّه أن يبحث، فخديجة تريد سمكاً، فكان كلّما مرّ على دكّان من الدكاكين يضحكون على طلبه الذي أتى في غير وقته".
كما رصدت في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون "حرب الجبل"، والتي دارت في المرحلة الزمنية 1956-1959. إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع تلك الحرب، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.
وفي هذا الجزء تنكشف بعض الحقائق المتعلقة بـ "ناصر بن حمد"؛ الرجل الشجاع صاحب الشخصية الغامضة، الذي يشكّل لغزاً في حياته وفي موته أيضاً، وتنكشف مجموعة من الحقائق الأخرى من خلال تفاصيل السرد الذي تدور أحداثه في سجن القلعة والجبل الأشمّ وحارة الوادي. ويلتقي القارئ في الجزء الثاني بشخصيات جديدة ومؤثّرة عاشت تلك الفترة العصيبة وكانت وقوداً لنار الحرب المستعرة فيها.
كما تُبرز الأحداث دور المرأة في تلك الفترة عبر شخصية "عويدة"، أرملة "ناصر" التي تجد نفسَها وحيدةً تصارع أقدارها وأحزانها بعد مقتل زوجها وموت خادمتها وزوجة ابنها، فتتخذ قرارات شجاعة يكون لها أثرها الإيجابي في حياة أحفادها.
وتستكمل التّوبية في الجزء الأخير من "البيرق"، الذي اختارت له عنوان "هَبوب الرِّيح" أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذات توجهات قومية وماركسية، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً أيديولوجيًّا أُملِيَ من الخارج ولم تُنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العُماني.
كما اعتنت في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، والمرأة، والعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه تلك التي في داخل الحدود.
وتحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها المجتمع العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي بعض القبول في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.
وتبدأ الأحداث مع الشخصية الرئيسة "حمود" الذي يُبتَعث إلى مصر للدراسة، ومن مصر التي فتنته كما لم يفتنه شيء آخر قبلَها في فنّها وثقافتها وأفكارها ورئيسها (عبد الناصر) الذي كان يقود حركة التغيير في الوطن العربي منادياً بالقومية والحريّة، وجد البطل نفسه يرتدي "قبّعة ماركس"، ويغير طريقه الذي كان يسير فيه إلى طريق آخر بعد أن يلتقي مع "أحمد سهيل" الذي فتح أمامه أبواباً أخرى للخروج من عالمه الضيق، فسلك "حمود" دروباً لم يتوقع يوماً أن يسير فيها.
كما تعاين الرواية الدروب التي سلكها "حمود" في شبابه، ومصيره الذي آل إليه، وحال "نفافة"؛ عروسه التي انتظرته طويلاً في "حارة الوادي"، وترصد الرواية التي صممت غلافَها الفنانة بدور الريامية، الأسباب التي دفعت ثلة من الشباب للانضمام إلى ما يمكن دعوته "الفكر الجديد"، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: "أحمد سهيل"، و "عبد السلام"، و "أبو سعاد"، و "باسمة"، و "طفول" الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.
وهنا يجد المتلقي نفسه يخوض في "هبوب الريح" وتفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين الأول (حارة الوادي) والثاني (سراة الجبل)، وسيندغم في اللحظات الحاسمة والفارقة في حياتهم حينما يقفون أمام خيارهم الأخير وهم يسمعون المغفور له بإذن الله السُّلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- يقول: "عفا الله عمّا سلف"، ويخاطبهم: "إني أعدكم؛ أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية... سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی روایتها الع مانی فی الجزء
إقرأ أيضاً:
غرفة تجارة دبي تختتم بعثتها في مابوتو بتنظيم 356 لقاء ثنائياً
دبي (الاتحاد)
اختتمت غرفة تجارة دبي، إحدى الغرف الثلاث العاملة تحت مظلة غرف دبي، في العاصمة الموزمبيقية مابوتو، فعاليات بعثتها التجارية إلى أنغولا وموزمبيق، بتنظيم 356 اجتماعاً ثنائياً للأعمال بين شركات من دبي ونظيراتها من موزمبيق، وذلك بهدف بناء شراكات جديدة وبحث فرص التوسع التجاري والاستثماري المشترك.
وتضمنت فعاليات البعثة في مابوتو تنظيم منتدى بعنوان «مزاولة الأعمال مع موزمبيق»، أقيم بالتعاون مع سفارة دولة الإمارات في مابوتو، بالإضافة إلى كل من وزارة الصناعة في موزمبيق، وغرفة التجارة في موزمبيق، ووكالة ترويج الاستثمار والصادرات في موزمبيق، والقنصلية العامة لموزمبيق في دبي.
وشهد المنتدى كلمات لفريدسون باكار، وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون السياحة في جمهورية موزمبيق، وألفارو ماسينغو، رئيس غرفة تجارة موزمبيق. واستقطب المنتدى 349 من المسؤولين وقادة الأعمال وممثلي الشركات المحلية، لبحث آفاق التعاون وفرص العمل المشترك مع أعضاء وفد البعثة التجارية.
وأكد محمد علي راشد لوتاه، مدير عام غرف دبي، الحرص على تعزيز انفتاح شركات دبي على الأسواق العالمية الواعدة ومن ضمنها موزمبيق، بما يسهم في دعم تنافسية القطاع الخاص المحلي وتعزيز نمو حركة التبادل التجاري لدبي مع دول العالم، وأن فعاليات هذه البعثة التجارية تشكل منصة حيوية لبناء علاقات تعاون مثمرة، وتمهيد الطريق أمام شراكات تجارية واستثمارية ناجحة بين مجتمعي الأعمال في دبي وموزمبيق.
وكانت قيمة التجارة غير النفطية بين دبي وموزمبيق قد ارتفعت من 3.1 مليار درهم في 2023 إلى 4.6 مليار درهم في 2024، بنمو 47%، فيما بلغ عدد الشركات الموزمبيقية النشطة المسجلة في عضوية غرفة تجارة دبي 89 شركة بنهاية مارس 2025.
وركزت غرفة تجارة دبي، خلال فعاليات المنتدى، على استعراض مقومات بيئة الأعمال العصرية في دبي، وسلطت الضوء على المزايا التنافسية التي توفرها الإمارة للشركات الموزمبيقية، كما تم بحث الفرص الواعدة التي توفرها السوق الموزمبيقية للشركات التي تتخذ من دبي مقراً لها. وتم خلال فعاليات المنتدى تنظيم جلسة حوارية تناولت أهم الميزات التجارية والاستثمارية التي تتمتع بها موزمبيق ومقومات أسواقها في القطاعات الرئيسية كافة، وآليات الشراكات التجارية ومزاولة الأعمال في السوق الموزمبيقية بالنسبة لشركات دبي.وحددت غرفة تجارة دبي مجموعة من القطاعات الواعدة للتصدير من دبي إلى موزمبيق، وفي مقدمتها القمح والسيارات وأجهزة الهواتف المتحركة والأسماك المجمدة، بالإضافة إلى مستلزمات التشخيص الطبي والأجهزة المخبرية، إلى جانب المنسوجات والموصلات الكهربائية. أما بالنسبة لأهم القطاعات التي توفر فرصاً استثمارياً في موزمبيق بالنسبة لشركات دبي، فتتمثل في الصناعات الزراعية، والسياحة والفنادق، بالإضافة إلى قطاع التغليف والطباعة، وقطاع الطاقة التقليدية والمتجددة، وصناعة الأخشاب.
وشارك في فعاليات البعثة التجارية ممثلون عن 19 شركة من القطاع الخاص في دبي متخصصة في مجموعة متنوعة من القطاعات، تشمل كلاً تجارة الإلكترونيات، ومنتجات الأنابيب، وحلول حماية العلامات التجارية، وقطاع التجزئة والأقمشة والطاقة وحلول التنقل.