عربي21:
2025-04-07@15:37:25 GMT

في نَصرِ اللهِ وسُننه

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

١- في معنى النصر

التعريف التقليدي لـ"النصر" لا يخرج عن معنى "الغلبة" في دلالاتها المادية، وغلبة الخصم أي التفوق عليه في معركة أو منافسة أو خصومة، سواء في ساحات القتال أو في عوالم السياسة والتجارة والرياضة.

وهذا المعنى لـ"النصر" لا يُنظَر إليه إلا باعتباره حدَثا عابرا يُمكن أن تُلغيه هزيمة قادمة فينقلب المنتصر مهزوما والمهزوم منتصرا، وليس لهذا النصر ولهذه الهزيمة تداعيات خطرة تمس من جوهر الإنسان ومن منظومة القيم لكون الصراع يدور في عالم المادة وبمعايير مادية تستند إلى مفهوم كميٍّ للربح وللخسارة، من ذلك مثلا عدد القتلى في الحروب أو مقادير المال في التجارة أو عدد الأهداف في الملاعب أو عدد النقاط في المصارعة، وتلك معايير تشتغل كلها على الظاهر وتنظر في السطح فلا يكون الحُكم بعدها بـ"نصر" أو بـ"هزيمة" إلا حُكما من طبيعة تلك المفاهيم الكميّة.



2- النصر مقاومة

الذين يخوضون معاركهم تحت عنوان "معركة الحق والباطل" و"معركة العدل والظلم"؛ لا يستعجلون نتيجة بقدر ما يحرصون على توفير الأسباب وبقدر ما يبذلون من جهد عقلي ومعنوي في توضيح طبيعة المعركة وفي حث الأفراد على الصمود وعلى التضحية وعلى الصبر والثبات.

معارك الانتصار للحق وللعدل هي معارك الإنسان في طريقه نحول "الكمال"، أي نحو الحرية ونحو العدالة ونحو عوالم الجمال والحب والأمان، حيث يكون أقرب إلى الله المقتدر الغالب القوي العادل العالم الباطش الرحيم. وتلك مرتبة يُدركها الإنسان ويجدها في روحه حين يشعر بالطمأنينة وبالتوازن النفسي، وحين يجد بأنه يسمو بكل اعتزاز على كل مظاهر القوة فلا يخشاها ولا يتذلل أمام أصحابها ولا يتنازل عن بعض كرامته لنيل مرضاة ذي جاه أو مال او سلاح.

أصحاب هذه المعارك يجدون أنفسهم دائما في حالة انتصار، لكونهم لم ييأسوا ولم يَهِنوا: "ولا تَهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران: 139)، ولم يساوموا ولم يشكّوا في مبادئهم وفي حتمية انتصار تلك المبادئ التي يقاومون دفاعا عنها ويُورّثونها للأجيال القادمة؛ في مواقفهم وفي كتاباتهم وفي دماء شهدائهم وأسماء رموزهم وصمود قادتهم وعطاء بيئتهم الحاضنة لفكرة المقاومة ولمبدأ الشهادة ولقيم الحق والعدل والحرية والكرامة.

إنها بيئة لا تكف عن تقديم التضحية بأحبّ ما يُحب الإنسانُ مما زيّن الله في نفسه من مال وبنين، بيئة تفتح على المستقبل بما هو نصر دنيوي أو جنات خلود أو هما معا قال تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ" (غافر: 51).

لقد صمد أنباء ورسل في معركتهم مع الظلم والباطل، ولاقوا صنوفا من الأذى، وفيهم من قُتِل وفيهم من هُجّر وفيهم من حوصِرَ، ولكنهم لم يتنازلوا عن رسالتهم ولم يشكّوا في كونهم على حق ولم يسعوا إلى تبادل الاعتراف مع قوى الشر وسلطان الظلم.

ذاك الصمود هو انتصار حقيقي على الأعداء، لقد كانوا يشعرون بكبرياء ورفعة، وكان أعداؤهم يشعرون بالعجز ويجدون أنفسهم أذلاء وصغارا أمام ثبات أصحاب الرسالات وأمام صمود أهل الحق.

لم تكن "الغلبة" المادية تُشعر أصحاب الباطل بكونهم انتصروا، ولم تكن حالة التجرّد من القوة المادية تُشعر أصحاب الحق بكونهم مهزومين. ثمة معايير معنوية لا يدركها المتعجرفون ممن قست قلوبهم وسُكِّرَت أبصارهم وضُرِب على آذانهم، فلا يرون من الوجود إلا ظاهره، ولا يُميّزون بين الحياة بما هي حضور في التاريخ وفعلٌ فيه وبين العيش بما هو كينونة جسدانية لا يختلفون فيها مع بقية الحيوانات التي تحتكم لقانون الغلبة ولا تخرج حركتها عن قانون الطبيعة.

3- في نصر الله وسُننه

إن يقين المدافعين عن الحق بحتمية النصر، بما هو نصر مادي في التاريخ أو معنوي في روح الحضارة الإنسانية، لا يجعلهم يتواكلون فيكتفون بالدعاء على الأعداء وبطلب النصر من الله تعالى، إنما هم يعون بأن الله تعالى جعل لكل ظاهرة سببا ولكل نتيجة فعلا، ويعون بأن عدالة الله تعالى تقتضى ألا ينصر قاعدا والا يرزق كسولا وألا يُصلح عمل مفسدٍ.

إن سُنن الله تعالى كما هي ساريةٌ في الطبيعة فإنها سارية في التاريخ، وهي سُنن لا تتبدّل، فأصحاب الحق يُمكن أن يقدموا الكثير من الشهداء إذا خاضوا معاركهم إرضاء لله، ولكنهم قد لا يغلبون إذا لم يُعِدّوا الأسباب الكافية لتحقيق الغلبة على اعدائهم من أهل الباطل. إن الأسباب ليست فقط مادية عسكرية، إنما هي كل الأسباب التي تُؤلم العدوّ. لا بدّ من إيلام العدوّ بأيّ قدر من الإيلام بحسب قُدراتنا وما يتوفر لدينا من وسائل الإيلام، فلا نحقّر من شأن أي وسيلة فقد تكون رصاصة أو كلمة أو شعارا أو مسيرة أو بيانا أو مساعدة لمن هم مواجهة مباشرة مع العدو، مع أن المسلمين لا يكونون كذلك إلا إذا شعروا فعلا بأنهم جميعا في مواجهة مع العدو حتى وإن كانت اعتداءاته المباشرة تحصل على بعض من أهلهم في مكان يبدو بعيدا. إن المسلمين جميعا معنيون بواجب "إيلام" العدو، إيلاما حقيقيا: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما" (النساء: 104).

لقد خسر المسلمون معركة أُحُد وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم حفَظَة قرآن وفيهم صالحون مصلحون، ولكن بعضهم أخلّ بشرط من شروط الغلبة حين نزل "الرُّماةُ" من أعلى الجبل فرحا بما بدا لهم من فرار جيش العدو.

لم تكن "الهزيمة" يومها عقوبة إلهية خارجة عن مبدأ السّنن، وإنما كانت نتيجة عسكرية في علاقة بسبب مادي حقيقي، لقد خالقوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بما هي أوامر عسكرية ووجدوا نتائج مخالفتها في ساحة المعركة، وليس فقط بما هي أوامر نبوية سيجدون نتيجة مخالفتها في الآخرة.

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء النصر هزيمة المسلمين مسلمين هزيمة نصر سنن قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الله تعالى ن الله

إقرأ أيضاً:

منظمة حقوقية:العدو يُقيم بؤرة استيطانية بين المغير وترمسعيا برام الله

متابعات ـ يمانيون

اكدت منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو إن العدو الصهيوني يعمل على قدم وساق على إقامة بؤرة استيطانية في المنطقة المصنفة “B” بين المغير وترمسعيا شمال شرقي رام الله.

وأشارت المنظمة في بيان اليوم الأحد، إلى أن المنطقة كانت تحتوي في البداية على خيام تم هدمها مرتين في وقت سابق من اليوم.

وأوضحت أنه تم استبدال الخيام بكرفانات، في حين بدأت عمليات صب الباطون في المنطقة، ما يعكس استمرار محاولات العدو لفرض واقع استيطاني جديد على الأراضي الفلسطينية.

وأكدت أن هذه الإجراءات تأتي ضمن محاولات العدو المستمرة لتوسيع الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف عمليات التوسع الاستيطاني والاعتداءات المتواصلة ضد السكان الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • العدو الصهيوني يشن حملة اعتقالات واقتحامات في الضفة
  • حزب الله حاضر دائمًا في الميدان
  • منظمة حقوقية:العدو يُقيم بؤرة استيطانية بين المغير وترمسعيا برام الله
  • نص كلمة قائد الثورة في افتتاح الأنشطة والدورات الصيفية وحول آخر التطورات والمستجدات
  • عوامل النصر.. وصناعة الفتن.
  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة في افتتاح الأنشطة والدورات الصيفية
  • درع اليمن.. وسيف فلسطين.. وأمل الأمة.. وصوت الإنسانية
  • (نص+فيديو) كلمة قائد الثورة في افتتاح الدورات الصيفية واخر التطورات 4-4-2025
  • عشرات آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى