إحياء طقس (الرحمتات).. شكراً منظمة الحارسات
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
حيدر المكاشفي
أحيت منظمة الحارسات طقس (الرحمتات) أواخر شهر رمضان وتحديدا في اخر يوم جمعة من الشهر الفضيل (تعرف بالجمعة اليتيمة) بكمبالا عاصمة يوغندا، وذلك باقامة احتفال خصصته لأطفال اللاجئين السودانيين المقيمين هناك، ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذا الطقس السوداني الرمضاني الذي كان شائعا وسائدا وأوشك أن يندثر ان لم يكن قد اندثر فعلا، يجدر بنا الوقوف قليلا عند منظمة حارسات صاحبة هذه اللفتة البارعة، فمبلغ علمي أنها منظمة نسوية سودانية تأسست عام 2018من مجموعة من الناشطات السودانيات بهدف توسيع مشاركة النساء في الحراك الثوري الذي بدأ يتبلور وقتها وبدأت طلائعه في البروز، وكانت لها بصمتها على طريق إرساء تيار نسوي سوداني ديمقراطي جديد، كما كان لها سهم وافر وحضور مميز في حراك ثورة ديسمبر منذ أول تظاهرة دعا لها تجمع المهنيين، وكانت عضوات الحارسات ملتزمات وحريصات بالمشاركة الدائمة والمستمرة في كل المواكب والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تتالت الى لحظة اسقاط النظام، وسجلت بذلك المنظمة اسمها باستحقاق وجدارة ضمن قائمة أيقونات الثورة، وقبل ذلك كان لها وجود مميز في ساحة اعتصام القيادة العامة، ومشاركتها في جميع فعاليات وأنشطة الاعتصام ونظمن العديد من الانشطة الخاصة بالنساء، حتى وقعت مجزرة القيادة البشعة والقذرة، ومن بعد ذلك عملت المنظمة على تخفيف الآثار النفسية والجسدية للناجيات والناجين من المجزرة، وكان للمنظمة ومايزال موقف واضح ومطالبة قوية ومستمرة حول ضرورة إصلاح مؤسسات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتمسكها الصارم بقيم الحرية والسلام والعدالة وحقوق الانسان، وكان للمنظمة الكثير من المشاريع و البرامج التى ظلت تنظمها باستمرار مما يصعب الاحاطة بها في هذه العجالة حتى وقوع هذه الحرب اللعينة الفاجرة، ومنها هذه الفعالية التي نحن بصددها.
وعودة الى طقس الرحمتات الشعبي التراحمي التكافلي الذي عملت الحارسات على احيائه، نقول هو طقس سوداني كانت العديد من الاسر السودانية تحرص على اقامته في اخر جمعة من كل رمضان، وربما تكون له نظائر بمسميات أخرى وطرائق مختلفة وتواقيت مختلفة في بعض الدول العربية، ووفقا لسرديات شعبية سودانية، يتكون مصطلح (الرحمتات) من مقطعين هما (الرحمة) و (تأتي) أو (أتت) وبدمج المقطعين يصبح المصطلح (الرحمة أتت) أو (الرحمة تأتي) والذي تحور شعبيا الى (الرحمتات)، كما أن هناك تسميات أخرى لطقس الرحمتات مثل (عشاء الميتين) حيث يعتبرونه موسما للتصدق على أرواح الموتى من الاهل والأقارب ويطلقون عليه ايضا (الجمعة اليتيمة)، ففي هذه الجمعة تنكب الاسر التي تحرص على اقامة الرحمتات في عمل مأدبة كبيرة يدعى إليها الأرحام والأصدقاء والجيران مع التركيز بشكل خاص على الأطفال لتناول طعام إفطار رمضان، وهذه باختصار هي (الرحمتات) التي يحتسبون أجرها لموتاهم، وغير المأدبة هناك من يتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين. أما بالنسبة لنوعية الطعام المعد للرحمتات والذي يحظى به الأطفال بوجه خاص باعتبارهم نجوم الطقس، فهو في الغالب الاعم يتكون من اللحم والخبز والأرز، فيما يعرف محليا ب(الفتة)، بالاضافة الى تجهيز منقوع التمر أو الحلومر مشروب السودانيين المفضل في رمضان، وفي الماضي كانت الذبائح تنحر لأجل هذا اليوم، لكن مع تعقد الحياة وصعوبة الحال وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي أثّرت كثيراً على قدرات الناس على الإنفاق، اقتصر طقس الرحمتات على شراء بعض اللحوم من السوق لطبخها أو تقديمها لحوم صدقة لروح المتوفين من الأسرة. ولما كان الأطفال هم نجوم تلك الليلة فهم المعنيين أكثر بمائدة الرحمتات حيث يتنقلون من بيت إلى آخر قارعين الطبول ومرددين أهازيج تراثية منغمة وداعين بالرحمة للموتى وطول الحياة لصانعات الموائد من الأمهات والجدات، ومن أغاني الأطفال في ليلة الرحمتات: تات..تات الرحمتات أدونا تلات بلحات، تين تين…أدونا لحم ميتين، ومنها أيضا: الحارة ما مرقت ست الدوكة ما وقعت..قشاية قشاية ست الدوكة نساية..كبريتة كبريتة ست الدوكة عفريتة..ليمونة ليمونة ست الدوكة مجنونة..ويقصد بست الدوكة المرأة التي تقوم بتحضير الطعام. وعادة يقصد الأطفال المنازل التي سينعمون فيها بالطعام الوفير. وعند تأخر تقديم الوجبة للأطفال يصدحون بكل براءة: الحارة ما بردت..ست الدوكة ما فركت..صابونة صابونة ست الدوكة مجنونة..أدونا الحارة ولا نفوت ولا نكسر البيوت.. وبعد تلك هي الرحمتات التي أحيت طقسها منظمة الحارسات بعد ان كادت تندثر أو ربما تلاشت، فالكثير من الاجيال الصاعدة قد لا يعرفونها ولا يذكرونها بفعل الكثير من المتغيرات التي تسببت في تلاشي الكثير من الموروثات الثقافية والشعبية السودانية ومنها على سبيل المثال مؤسسة الحبوبة (الجدة) التي كانت تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في تربية الاحفاد..وعموما ليس لنا الا ان نشكر منظمة الحارسات التي تشكل قضايا وهموم النساء محور اهتمامها على اللفتة والمبادرة الذكية واللماحة..
الوسومحيدر المكاشفي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
شكراً ابننا وتلميذنا محمد علي جمال فقد وضعت وساما علي شخصي الضعيف
شكراً ابننا وتلميذنا محمد علي جمال فقد وضعت وساما علي شخصي الضعيف وحقيقة هو وسام يستاهله كل معلمي بلادي بل كل معلمي العالم !!..
أستاذ حمد النيل، كيف حالك؟
أتمنى أن تكون بخير وعلى خير. طبعًا، أنت لا تذكرني، فقد تعاقبت عليكم الأجيال المتلاحقة، والوجوه المتكاثرة. غير أنني لم أكن بذلك النبوغ الذي يطبع اسمي على ذاكرة أساتذتي، لكننا، على أي حال، نذكركم جيدًا.
لقد درستني في مدرسة "أجيال المستقبل" ببيت المال، منذ يونيو 2008 وحتى مارس 2016. كنت مديرًا لها في أول عهدنا بالمدرسة، ثم معلمًا فاضلًا في السنوات اللاحقات. ما زلت أحمل كثيرًا من التفاصيل التي ترسخت في ذاكرتنا على يديك. ما زلت أتذكرك وأنت توجهنا في طابور الصباح أن المذاكرة لا تكون بالكم وإنما بالكيف، وأنها عملية تذكّر أكثر من كونها حفظً، وتوعينا بأهمية التخطيط (Planning) في الحياة والدراسة.
ما زلت أتذكرك في تلك الصباحات المشرقة وأنت توزّع الصحف على زملائك المعلمين. ما زلت أتذكر عندما نصحتنا ذات يوم بالقراءة والمطالعة والبحث، أتذكر تحديداً حين قلت لنا تلك العبارة: "التهموا الكتب التهامًا وعضوا عليها بالنواجذ"
ما زلت أتذكر ذلك اليوم عندما قصصت لنا قصة الخطيب الذي كان يعاني من اللعثمة، ثم ذهب يومًا إلى الشاطئ، ومضغ حجرًا بفمه، وصرخ بأعلى صوته: "أستطيع فعلها!" ثم أجاد فن الخطابة..
ما زلت أتذكر يوم طلبت منا أن نحفظ مقالة بالإنجليزية عن "البرلمان" لنلقيها في منزل الزعيم الأزهري أمام كاميرا التلفزيون القومي. وما زلت أتذكر اليوم الذي تلا إعلان انفصال البلاد، عندما ذكّرتنا بأهمية الوحدة الوطنية، وتمنّيت أن يعود الجنوب إلى شماله.
حتى ذلك السباح الذي شارك في بطولة عالمية، طلبت منا أن نتمنى له التوفيق ..
لم تكن تحاول نقل المعرفة فقط، بل كنت تمرر لنا قيماً راقية، وتزرع فينا إحساساً بما يجري من حولنا..
أتمنى لك الصحة والعافية وطول العمر ..
شكراً على أي شيء .
( انتهت هذه الرسالة الرصينة وفيما يلي الرد عليها بما تستحق :
وأنت أيضا يا ابننا العزيز شكرا على سردك الجميل وتذكرك لأيام مضت لن ننسي ذكراها وحديثك الطيب عني بكل هذه السلاسة هو وسام أعتز به وأحمد الله سبحانه وتعالى عليه كثيرا إذ أن تلاميذنا الأوفياء مازالوا يحملون لنا وعنا اجمل المشاعر واطيب الامنيات وأنها لسعادة ليست لي وحدي بل لكل من تقلد مهنة الانبياء وسار بها علي الدرب تحفه الطمأنينة ويملأ قلبه الصبر والايمان وحب الإنسان وحب الوطن .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com