الجنيه في أدنى مستوياته.. هل تشهد مصر موجة هروب رابعة للمال الساخن؟
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
قبل أيام حذر خبير مصري من تعرض مصر لتجربة قاسية جديدة مع المال الساخن، متوقعا هروب الأجانب للمرة الرابعة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، من أدوات الدين المصرية بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والحرب التجارية المتوقعة بين أباطرة اقتصاد العالم.
والأربعاء الماضي، رفع ترامب لوحة تُظهر الرسوم الجمركية المفروضة على دول العالم، والتي تراوحت بين 10 إلى 49 بالمئة، فيما طالت النسبة الأدنى من الرسوم مصر، ومعها قطر والإمارات والسعودية والكويت والسودان واليمن ولبنان وجيبوتي وعُمان والبحرين والمغرب.
والأحد، ومع أول أيام العمل بالبنوك المصرية عقب إجازة عيد الفطر، تراجع الجنيه المصري لمستوى قياسي، فيما أكد مسؤولون مصريون أن هناك انسحاب جزئي للأجانب من أدوات الدين المصرية.
وسجل الجنيه المصري تراجعا قياسيا أمام الدولار الأمريكي بتعاملات الأحد، ليفقد أكثر من 60 قرشا ويصل إلى 51.3 جنيه لكل دولار، بحسب بيانات البنك الأهلي المصري قبل أن يستقر عند 51.17 للبيع، بحسب بيانات البنك الأهلي المصري، وهو ما وصفه مراقبون بأنه المستوى الأدنى للجنيه.
ورغم أن بداية التعاملات شهدت ثباتا واستقرارا لسعر الصرف بالبنك المركزي، مسجلا 50.52 جنيه للشراء، 50.66 جنيه للبيع، مقابل الدولار، إلا أنه بنهاية تعاملات الأحد، صعد سعر الدولار بنحو 53 قرشا، بنحو 51.05 للشراء، و51.19 للبيع.
وأرجع مصرفي مصري تراجع الجنيه إلى "قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة بفرض رسوم جمركية"، مبينا "للشرق مع بلومبيرغ" أنها "أثارت حالة من الترقب وعدم اليقين، ما دفع المستثمرين الأجانب لسحب جزء من أموالهم من الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر، كإجراء احترازي للاحتفاظ بالسيولة وتقييم الوضع".
وهو ما أكد عليه رئيسا مصرفين خاصين في مصر بأن "الانسحاب الجزئي للأجانب من أدوات الدين الحكومية كان من بين العوامل الرئيسية وراء تراجع الجنيه".
وكانت وزارة المالية المصرية قد كشفت أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغت 41.3 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
"الخروج الرابع"
وفي الوقت الذي شهدت فيه اقتصاديات أغلب دول العالم تأثيرات مباشرة إثر قرارات ترامب الصاخبة الأربعاء الماضي، فيما سماه بيوم "الحرية"، وما تلاه الخميس، من ردود دولية بقرارات مماثلة سماها العالم يوم "الانتقام"، حذر الخبير الاقتصادي محمود وهبة من تعرض مصر لتجربة قاسية مع المال الساخن.
وبينما أشار وهبة، إلى خسائر بورصات آسيا وأوروبا ثم خسائر بورصات أمريكا، كتب يقول: "مجرد تخمين وتحذير، الدماء تسيل في بورصات وأسواق العالم ومنها المال الساخن"، ملمحا إلى أن "مصر قد تواجه خروجا رابعا للمال الساخن الذي يقدر بـ38 مليار دولار".
ولفت إلى أن مصر "ليست منعزلة فهي تعتمد على العالم"، مبينا أن "الحكومة المصرية قالت سابقا 3 مرات أنها تعلمت الدرس ثلاث مرات وأنها لن تعتمد على المال الساخن، ثم عادت للاقتراض للمرة الرابعة وبشراهة".
"الموضوع أكثر تعقيدا"
وفي إجابته على سؤال "عربي21": هل تمنع أعلى فائدة من الأعلى في العالم التي تمنحها القاهرة على السندات المصرية المال الساخن من الهروب من سوق الدين الحكومي بمصر؟، أجاب وهبة: "رفع سعر الفائدة هو ضياع للثروة (المصرية)"، مضيفا أن "الموضوع أكثر تعقيدا من مبلغ فائدة إضافي".
وفي تعقيبه على انخفاض قيمة الجنيه الأحد، أمام الدولار، قال عبر "فيسبوك": "لازال سعر الصرف مدار، والمتوقع أسوأ لو كان سعر الصرف مرنا؛ والمال الساخن غير مضمون للمرة الرابعة"، متوقعا حدوث تأثير على البورصة المصرية ثم العملة المحلية ما يؤدي للتضخم ثم الركود التضخمي.
"خروج غير مبرر"
وفي رؤيته قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، إن "خروج رؤوس الأموال الساخنة من مصر الآن، ليس مبررا، وعلى العكس فإن الاستثمار في أدوات الدين المصرية يعتبر استثمارا آمنا للاستثمارات الأجنبية".
أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "السؤال المهم هو لماذا يخرج رأس المال الساخن من مصر الآن؟"، مشيرا إلى أن "تعرض مصر مرة أخرى لهروب المال الساخن بهذا المبلغ (41.3 مليار دولار) يضغط كثيرا على حجم النقد الأجنبي في مصر".
وعن الأسباب العالمية برفع ترامب الرسوم الجمركية، يرى أنها "من المفترض أن تكون سببا رئيسيا لمنع رؤوس الأموال من الهرب، خشية الكساد، وانهيارات البورصة".
"يفضل الخروج الآمن"
وفي رؤيته لاحتمالات تعرض مصر لضربة بهروب المال الساخن للمرة الرابعة منذ 2018، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "المال الساخن له خصائص يعرفها المتعاملون بأسواق المال على مستوى العالم، فهو يدخل أي اقتصاد للاستفادة من الأرباح الموجودة، ويبدأ في الخروج عندما يشعر بعدم الأمان، وهذه هي السمات الأساسية للمال الساخن".
وفي حديثه لـ"عربي21"، فسر ما يحدث على مستوى العالم من انهيارات للبورصات العالمية وارتفاع حالة عدم اليقين بالأسواق العالمية نتيجة تهديدات الرئيس ترامب، بأنه "جعل الأسواق الناشئة مثل مصر عرضة لخروج الأموال الساخنة بشكل مفاجئ، وهذا أمر لا مفر منه".
وأوضح الخبير المصري أن "الأموال الساخنة تخرج من مصر على سبيل المثال لتغطية الخسائر المتوقعة للمستثمرين الأجانب بأدوات الدين المصري، في الأسواق الخارجية".
وبين أن "بعض المستثمرين الأجانب لهم استثمارات في الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار وما حدث من انهيار بالصناديق والبورصات العالمية الخميس والجمعة الماضيين يجبر عددا منهم لسحب جزء من أموالهم المستثمرة بأدوات الدين بالأسواق الناشئة لتعويض الخسائر في الأسواق المتقدمة بأوروبا وأمريكا".
ولفت إلى أنه "من ناحية أخرى هناك تخوفات لدى المستثمرين الأجانب من الانهيارات التي تحدث على المستوى العالمي، وأن يكون تأثيرها أكبر على مستوى الأسواق الناشئة، ومن هنا حركتهم تكون سريعة ومفاجئة ولا تنتظر ما سيحدث".
ويعتقد أن "نتيجة خروج المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة بدون دراسة يؤدي إلى انهيار سوق الدين في الدول التي يخرجون منها، وبالطبع انهيار سعر الصرف في هذه الدول، وهذا ما يحدث في مصر".
وتساءل عبدالمطلب: هل يمكن أن تتعرض مصر إلى ضربة ثانية كما حدثت عام 2022؟، مجيبا: "منذ السماح بعودة هذه الأموال ورفع أسعار الفائدة كان من المتوقع أن تأتي الأموال الساخنة من جديد".
وأوضح أنه "ومع وجود احتمالات خفض أسعار الفائدة نتيجة البيانات المصرية التي تحدثت عن انخفاض وتراجع التضخم بنسبة كبيرة من 25 بالمئة إلى 12 بالمئة هناك ترقب من المال الساخن للخروج حال وجود تخفيض لسعر الفائدة".
وأشار إلى أن "هذه الاستثمارات قد تجد أن الاستثمار في أدوات الدين المصري غير مجزي، وما يزيد المخاوف من الخروج هي قرارات ترامب، وارتفاع حالة عدم اليقين في الاقتصاديات العالمية، وأيضا الارتفاعات الكبيرة بأسعار الذهب والتوقعات بأن يصل سعر الأونصة إلى 4 آلاف دولار".
وخلص للقول: "كل هذا يجعل بالتأكيد الأموال الساخنة لديها الرغبة للخروج لتقليل خسائرها، وتعويض الخسائر التي منيت بها بالخارج، والبحث عن ملاذات أكثر أمنا وخاصة الذهب".
وحول دور أعلى فائدة في العالم التي منحها القاهرة على السندات المصرية في عدم هروب المال الساخن من سوق الدين الحكومي، قال عبدالمطلب، إن "المال الساخن يبحث عن الربح في المقام الأول، ولكنه أيضا يبحث عن الأمان، وعند وجود مشاكل وتوقعات بأن تحدث أي أنواع الهزات الاقتصادية يخرج، ولو ضحى بقليل من الربح".
وختم مؤكدا أن "ما يحدث على مستوى العالم، وما يحدث بالمنطقة، وقرارات ترامب، واتساع الحرب بإقليم الشرق الأوسط، مقرونا باحتمال أن تقوم القاهرة بتخفيض سعر الفائدة يجعل رأس المال الساخن يفضل الخروج الآمن عن انتظار الأرباح".
"سجل سيئ للمال الساخن"
وفي ظل ما تعانيه مصر من تراجع في دخل قناة السويس ومن السياحة، بالتزامن مع "حرب غزة" والتوترات الإقليمية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، تلجأ الحكومة المصرية للأموال الساخنة في محاولة لزيادة المعروض لديها من النقد الأجنبي، ما يدعم قيمة صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
لكن للمال الساخن في مصر سجل سيئ، وتبعات سلبية على ثاني أكبر اقتصاد عربي وإفريقي، وعلى العملة المحلية التي يتعامل بها أكثر من 107 ملايين مصري يعيشون في الداخل، فيما يؤكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، في مقال له أنها "تضيف عبئا على موارد النقد الأجنبي، بسبب سعيها في نهاية كل فترة لإخراج ما حصلت عليه من فوائد على أموالها".
وسجل المال الساخن أشهر هروب له من الدين الحكومي المحلي من أذون خزانة وسندات حكومية عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، حيث كان يقدر قبلها بنحو 8 مليارات دولار، وهو الأمر الذي تكرر بأعوام 2018، و2020، ما فجر أزمة شح النقد الأجنبي، وما تلاها من تبعات فاقمت أزمات الاقتصاد المصري.
الهروب الأكبر والأشهر للمال الساخن من مصر، جاء في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع أسعار الفائدة الأمريكية، بمبلغ يقدر بين 18 و20 مليار دولار وهي الأرقام التي كُشف عنها في نيسان/ أبريل 2022، واعترف بها وزير المالية المصري محمد معيط، الذي أكد في حزيران/ يونيو 2022، أن "الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة".
وقال حينها، إن حوالي 15 مليار دولار غادرت مصر أثناء أزمة الأسواق الناشئة عام 2018، و20 مليار دولار عند تفشي جائحة "كوفيد-19" في 2020، كما تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 بخروج 21.5 مليار دولار من قيمة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
ذلك الخروج أدى في 2022، إلى تفاقم أزمات الاقتصاد المصري وانهيار سعر الجنيه وخلق سعرين للصرف أحدهما رسمي في حدود 30 جنيه للدولار وآخر للسوق السوداء وصل حتى 70 جنيها، في سابقة تاريخية.
منذ ذلك الحين يحذر خبراء ومراقبون من عودة مصر إلى الاعتماد على الأموال الساخنة، مؤكدين أنها مجرد مسكنات وقتية لا عالج لأزمات الاقتصاد الهيكلية والمزمنة، ولا تعكس قوة الاقتصاد وتعافيه بل تؤكد معاناته وتعمق أزماته بهروبها المعتاد، مطالبين بوضع حوافز حقيقية لتشجيع الاستثمار المباشر.
وفي آذار/ مارس 2024، شهدت مصر، وبناء على توصيات مؤسسات دولية تدفقا من الأموال الساخنة على السندات الحكومية والأذون المحلية، لتبلغ نحو 24 مليار دولار، مرتفعة من 13.72 مليار دولار بنهاية كانون الثاني/ يناير 2024.
وعاد المال الساخن لسوق الدين المحلية بقوة عقب إعلان البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف في آذار/ مارس 2024، وتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة، ورفع قيمة قرض صندوق النقد الدولي مع مصر من 3 إلى 8 مليارات دولار.
وهي القرارات التي تعني للمستثمرين الأجانب ولمؤسسات وصناديق الاستثمار ارتفاعا للعوائد بشكل مغر، خاصة مع استقرار سوق الصرف، وعودة جاذبية السندات المحلية مع قرار القاهرة رفع سعر الفائدة بواقع 8 بالمئة في آذار/ مارس 2024.
ليصل في مصر إلى مستوى قياسي 27.25 بالمئة للإيداع و28.25 بالمئة للإقراض ما شجع مؤسسات مالية أجنبية مثل "غولدمان ساكس"، و"سيتي بنك"، و"مورغان ستانلي"، للشراء فى أدوات الدين الحكومية مجددا.
والعام الماضي، وصل العائد على أذون الخزانة المحلية 32 بالمئة قبل موجة هبوط حتى 27 بالمئة، في آخر عطاء، مع زيادة إقبال المستثمرين لشراء أذون الخزانة وتراجع معدل التضخم.
ما أدى لرفع إجمالي استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية لنحو 33 مليار دولار بنهاية ذلك الشهر من العام الماضي، لترتفع ثانية لحوالي 37.45 مليار دولار بنهاية أيار/ مايو الماضي، لتقفز إلى 38.171 مليار دولار بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي.
لكنه في الربع الأخير من العام، قام المستثمرون الأجانب بموجة بيع كبيرة لأذون الخزانة المصرية ما شكل حينها نحو 80 بالمئة من أدوات الدين المحلية المستحقة في آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل 2025.
وأكد تقرير صادر عن مشروع حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة في نيسان/ أبريل 2023، أن مصر توسعت خلال السنوات العشر الأخيرة في الاقتراض الخارجي بزيادة بلغت نحو 277 بالمئة، وتحتل كثاني أكبر عميل لصندوق النقد بعد الأرجنتين.
"الفاتورة الباهظة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر خبراء عن قلقهم من مع احتمالات حدوث هروب جديد للمال الساخن من مصر.
وقال الباحث الاقتصادي مصطفى عادل، إن مصر ستدفع فاتورة باهظة نتيجة حرب الضرائب والرسوم الأمريكية، متوقعا "انخفاض قيمة الجنيه"، ومؤكدا أنه "مع استمرار هذا الاضطراب قد نشهد 50-60 جنيه لكل دولار"، موضحا عبر "فيسبوك" أن استمرار الفيدرالي الأمريكي في تثبيت سعر الفائدة "سيجعل خروج الأموال الساخنة إجراء مرهقا لنا".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، وجه البحث المصري إلهامي المليجي، انتقاده للحكومة المصرية قائلا: "صُنّاع القرار إما لا يقرأون، أو يقرأون ويغضّون الطرف طوعا وخضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي تحول في بلادنا من مقرض إلى موجّه للسياسات ومهندس لتفكيك الدولة الوطنية، تحت عنوان خادع: الإصلاح الاقتصادي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مصري اقتصاد الجنيه القاهرة مصر اقتصاد القاهرة الجنيه المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أدوات الدین المصریة المستثمرین الأجانب ملیار دولار بنهایة أدوات الدین المصری الخبیر الاقتصادی الأسواق الناشئة الأموال الساخنة من أدوات الدین النقد الأجنبی للمرة الرابعة مستوى العالم سعر الفائدة الساخن من على مستوى سعر الصرف سوق الدین تعرض مصر فی آذار ما یحدث من مصر فی مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
زيادة الدين المحلي المصري 709 مليارات جنيه في نصف عام
أشارت بيانات وزارة المالية المصرية إلى بلوغ إيرادات الموازنة الحكومية، خلال النصف الأول من العام المالي الحالي (2024/2025)، أي خلال الفترة من شهر تموز/ يوليو إلى كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تريليونا و61 مليار جنيه، بينما بلغت مخصصات فوائد الديون الحكومية 939 مليار جنيه، وبما يعني بقاء 122 مليار جنيه فقط من الإيرادات مطلوب بها الإنفاق على باقي أبواب مصروفات الموازنة الخمسة، بينما باب الأجور للعاملين في الحكومة بمفرده بلغ 286 مليار جنيه، مما يعني حتمية لجوء الحكومة إلى المزيد من الاقتراض للإنفاق على باقي أبواب المصروفات، والتي بلغت 279 مليارا للدعم وسداد ديون هيئة التأمينات الاجتماعية، و93 مليار جنيه للاستثمارات الحكومية على الخدمات والمرافق، و84 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات اللازمة لإدارة دولاب العمل الحكومي في الوزارات والمحافظات والهيئات الخدمية، و81 مليار جنيه لنفقات الدفاع وتكلفة اشتراك البلاد في المنظمات الدولية.
وهكذا حقق الميزان الكلي لموازنة نصف العام المالي الحالي عجزا بلغ 709 مليار جنيه، سيضاف للدين المحلي الحكومي الذي بلغ قبل بداية العام المالي الحالي 8.727 تريليون جنيه، مما يتطلب من الحكومة تدبير فوائده والتي أصبحت تشكل المكون الأكبر بين أبواب مصروفات الموازنة، حيث بلغ النصيب النسبي للفوائد من إجمالي المصروفات البالغة 1.762 تريليون جنيه في النصف الأول نسبة 53 في المئة، تليها الأجور بنسبة 16 في المئة، ونحو ذلك للدعم وسداد ديون هيئة التأمينات الاجتماعية، و5 في المئة فقط للاستثمارات الحكومية، ونحو ذلك لكل من شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية، وكذلك لنفقات الدفاع ونفقات الاشتراك في المنظمات الدولية.
عدم تحقق مستهدفات الإيرادات والمصروفات
حقق الميزان الكلي لموازنة نصف العام المالي الحالي عجزا بلغ 709 مليار جنيه، سيضاف للدين المحلي الحكومي الذي بلغ قبل بداية العام المالي الحالي 8.727 تريليون جنيه، مما يتطلب من الحكومة تدبير فوائده والتي أصبحت تشكل المكون الأكبر بين أبواب مصروفات الموازنة، حيث بلغ النصيب النسبي للفوائد من إجمالي المصروفات البالغة 1.762 تريليون جنيه في النصف الأول نسبة 53 في المئة
وهكذا تغل نفقات فوائد الديون الحكومية الضخمة يد صانع السياسة المالية عن التدخل لتحسين أحوال العاملين في الحكومة، والبالغ عددهم 4.5 مليون موظف، حيث أجلت الحكومة الحزمة الاجتماعية إلى العام المالي الجديد، والتي كان رئيس الوزراء قد أعلن عن تنفيذها خلال شهر رمضان الفائت، كما تتجه لخفض الدعم من خلال رفع أسعار المشتقات البترولية أكثر من مرة خلال العام الميلادي الحالي، إلى جانب رفع أسعار شرائح استهلاك الكهرباء خلال شهور قليلة، وكذلك رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية.
وها هي بيانات النصف الأول من العام المالي الحالي والذي ينتهي آخر حزيران / يونيو المقبل، تشير إلى انخفاض مخصصات دعم السلع التموينية، بنسبة 12 في المئة عما سبق الإعلان عن تخصيصه لها وقت الإعلان عن تفاصيل الموازنة، وعدم تحقق الأرقام التي أعلنت عنها الحكومة من استثمارات حكومية مع بداية العام المالي الحالي.
ويرجع ذلك أيضا إلى سبب رئيس يتمثل في عدم تحقق الإيرادات التي توقعتها الحكومة للموازنة، حيث تشير المقارنة بين الأرقام التي جاءت بقانون الموازنة، وما تحقق خلال النصف الأول من العام المالي إلى تراجع قيمة الإيرادات بنسبة 19 في المئة، وشمل الانخفاض الحصيلة الضريبية بنسبة 10 في المئة، والإيرادات غير الضريبية من عوائد الجهات المملوكة للحكومة بنسبة 51 في المئة، مما اضطر صانع السياسة المالية إلى خفض مجمل المصروفات بنسبة 9 في المئة عما تم الإعلان عنه، وبلغت نسبة التراجع 12 في المئة في مخصصات الدعم، وزادت نسبة التراجع إلى 63 في المئة في الاستثمارات الحكومية المعنية في الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات مياه الشرب والصرف الصحي.
وكالعادة، تجد الحكومة لنفسها مخرجا، فبدلا من أن تقارن ما تحقق بما جاء في قانون الموازنة من إيرادات ومصروفات، راحت تقارن بين نتائج النصف الأول من العام المالي ونفس الفترة من العام المالي السابق، والتي من الطبيعي أن ترتفع أرقامها في ظل نسبة تضخم بلغت 23 في المئة بشهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبما يعني على سبيل المثال أنه عندما تشترى الحكومة مستلزمات أداء عملها من مطبوعات وعدد وأدوات وصيانة، فمن الطبيعي أن تزيد التكلفة على الأقل بنسبة التضخم المعلنة، بينما كانت الزيادة في المخصصات لشراء السلع والخدمات 19 في المئة، أي أقل من نسبة التضخم الرسمية، والتي لا تجد قبولا لدى كثير من المتخصصين الذين يرون النسبة الحقيقية للتضخم أعلى من ذلك.
انخفاض مخصصات الاستثمارات الحكومية
أما الاستثمارات الحكومية والتي تمثل الوسيلة الوحيدة لتحسين مستوى الخدمات في المحافظات خاصة المناطق المحرومة من الخدمات، فقد انخفضت مخصصاتها عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، وبما يعني حدوث تدليس على الرأي العام الذي تم التباهي أمامه بما تم تخصيصه من استثمارات، والتي كانت من المفترض أن تبلغ 248 مليار جنيه بنصف العام المالي، بينما بلغ 93 مليار جنيه فقط.
زادت قيمة الدين الخارجي للبلاد خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، بنحو 2.2 مليار دولار رغم وعود وزير المالية بخفض قيمة الدين الخارجي، مع استمرار الاقتراض الخارجي سواء من صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي، أو البنوك الخليجية الوطنية أو غيرها من الجهات الدولية والإقليمية، رغم بلوغ أرصدته بنهاية العام الماضي 155 مليار دولار
وكوسيلة للالتفات على ذلك الإخفاق برر وزير المالية ذلك بالتزام الحكومة بسقف مالي للاستثمارات الحكومية، رغم أن هذا المطلب كان مقصودا منه خفض تدخل الجيش في النشاط الاقتصادي والمشروعات، وليس خفض مخصصات الخدمات التعليمية والصحية التي تعاني من نقص حاد، حيث إن خفض تلك المخصصات يعني طول فترة تنفيذ تلك المدارس والمستشفيات إلى سنوات أطول في ضوء تكدس الفصول وازدحام المستشفيات الحكومية، وبما يؤدي إليه من تدهور حال العملية التعليمية والحالة الصحية خاصة لمحدودي الدخل.
وهكذا لم تستطع الحكومة الوفاء بما وعدت به من قيم لخفض للعجز بالموازنة، حيث وعدت بعجز كلي خلال النصف الأول بقيمة 622 مليار جنيه، بينما بلغ العجز 709 مليار جنيه بزيادة 87 مليار جنيه، وانعكس ذلك على زيادة نسب العجز الكلي إلى الناتج المحلي عما تم الإعلان عنه مسبقا، رغم استحواذ الضرائب على نسبة 86 في المئة من مجمل الإيرادات، وزيادة حصيلة عدد من أنواع الضرائب مثل الضرائب على الممتلكات وضريبة القيمة المضافة والجمارك، وبما يؤكد ما ذكره الكثيرون من العيش في ظل دولة جباية.
وهكذا تسبب بلوغ نسبة إجمالي الإيرادات 60 في المئة من إجمالي قيمة المصروفات، وبلوغ مخصصات فوائد الدين الحكومي نسبة 88.5 في المئة من مجمل إيرادات الموازنة في النصف الأول من العام المالي الحالي، في توسع الحكومة بالاقتراض في شكل إصدار أذون خزانة بلغت قيمتها 361 مليار جنيه، خلال أربعة أشهر من تموز/ يوليو إلى تشرين الأول/ أكتوبر، كآخر بيانات معلنة، والاستمرار في إصدار سندات الخزانة الأطول أجلا والتي لا تعلن الحكومة أرصدتها منذ سنوات، واقتراض الحكومة 309 مليارات جنيه من البنك المركزي خلال أول ثلاثة أشهر من العام المالي كآخر بيانات معلنة، كما زادت قيمة الدين الخارجي للبلاد خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، بنحو 2.2 مليار دولار رغم وعود وزير المالية بخفض قيمة الدين الخارجي، مع استمرار الاقتراض الخارجي سواء من صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي، أو البنوك الخليجية الوطنية أو غيرها من الجهات الدولية والإقليمية، رغم بلوغ أرصدته بنهاية العام الماضي 155 مليار دولار.
x.com/mamdouh_alwaly