حرب التجارة: فوضى وعدم يقين في العالم
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
رفع الرسوم الجمركية الأميركية على السلع أخذَ العالمَ على حين غرّة. لا تبدو هذه الخطة ثمرة الـ 70 يوماً للرئيس دونالد ترامب في السلطة، بل هي على الأرجح مشروع دُرس من جانب فريق اختصاصي طوال الأعوام الأربعة لغيابه عن البيت الأبيض. خلال ولايته الأولى استخدم هذا «السلاح» بشكل متقطّع ضد الصين وعدد قليل من الدول، ولم يعمّمه كما فعل الآن في ما سمّاه «يوم التحرير».
افتتح ترامب لتوّه «الحرب التجارية» العالمية، ومع أنه مهّد لذلك في حملته الانتخابية والأيام الأولى لولايته الثانية، إلا أن الأرقام جاءت صادمةً ومفاجئةً ومتجاوزةً كل السيناريوهات التي توقعتها الدول كافةً واستعدّت لها. ولأن التجارة لا تحبّ الحروب، وكانت تحاول على الدوام فصل نفسها عن الصراعات السياسية ونجحت إلى حدّ كبير في ذلك، فإن تحليلات كثيرة وجدت في الرسوم الترامبية ملامح رأسمالية مؤدلجة ومنفلتة، أو اعتبرتها مستمدة من سياسة «العقوبات» التي استخدمتها أميركا بديلاً عن الحروب.
صحا العالمُ في اليوم التالي لهجمات الرسوم الجمركية على حالٍ من عدم اليقين. حتى في الولايات المتحدة نفسها، لم يكن هناك سوى أعضاء الإدارة مستعدين للدفاع عن قرارات الرئيس وتقريظها، أما الجمهور الواسع داخلياً وخارجياً فكان يحاول أن يفهم، فيما راح الخبراء قبل ذلك وبعده يسلّطون الضوءَ على مخاطرها. ولم يتردّد البنك الفيدرالي في استخلاص أنها ستؤدي إلى أمرين: ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو. كانت أهم الوعود الانتخابية مكافحة ارتفاع الأسعار، لكن الإجراءات المعلنة ستؤدّي إلى رفعها أكثر.
قبل أسابيع من إعلان الرسوم الجديدة على السلع المستوردة، وعشية إعلانها، كانت البورصات قد سجّلت خسائر بتريليونات الدولارات. وإذ أعلن ترامب وأركان الإدارة أن رفع الرسوم سينعش مناطق «حزام الصدأ» (أحد أبرز التعهّدات الانتخابية لشمال شرقي الولايات المتحدة وغربها الأوسط) التي تدهور اقتصادها بسبب تقلّص القطاع الصناعي وهجرته، خصوصاً إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا، غير أن مراكز البحث لا تتوقع عودةً سريعة للمصانع من أماكن وجودها الحالية أو تدفقاً كبيراً وسريعاً للاستثمارات إلى هذا «الحزام».
انشغلت ردود الفعل بقياس تأثير الرسوم الجمركية على اقتصادات الدول والشركات الكبرى، فيما التفت القليلُ منها إلى انعكاسها على الدول متوسطة أو قليلة الدخل، وبالتالي على ارتفاع متوقع لمستويات الفقر وتناقص مؤكّد للموارد المخصصة للتنمية. فحتى الدول القليلة، ومنها العربية، التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 10 في المئة فقط، ستتأثر حُكماً بتلك التي فُرضت على الصين والهند والدول الأوروبية. إذ إن عمليات تصحيح الأسعار ستطاول كلّ السلع في كل مكان، فالاقتصاد العالمي مترابط ولا يمكن لأي جهة أن تكون بمنأى عن اضطراباته، أو عن محاولة أي جهة فرض سياسات حمائية لاقتصادها.
هناك توقعات بأن إدارة ترامب تبنّت قراراتها الأخيرة كأدوات للتفاوض، ولم تستبعد الصين وأوروبا الحوارَ، لكن الهجوم الأميركي الأول في الحرب التجارية ما لبث أن أُتبع بتحذيرات تُنذر باستخدام واشنطن موقعَها المعروف كمركز مالي للعالم ومصدر للعملة الاحتياطية العالمية. إذ إن إضعاف الدولار أو حجبه، كميزة تجارية، يمكن أن يُستخدما كأدوات ضغط غير تقليدية قد تصل حتى التحكّم ببطاقات الائتمان، أي أن واشنطن حددت أهدافاً لـ «حربها» ولن تعيد النظر في الرسوم الجديدة إذا استطاعت تقليص العجز التجاري الأميركي مع بقية العالم. لكن نتيجة كهذه ستستغرق وقتاً كي تظهر، وفي الانتظار سيبقى الاستقرار العالمي هشّاً في الاقتصاد كما في السياسة.
(الاتحاد الإماراتية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الرسوم الجمركية امريكا أسواق المال الرسوم الجمركية مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بعد فرض الرسوم.. ما المكاسب المحتملة لـ«الميزانية الأمريكية» ومن أيّ الدول؟
استنادا إلى البيانات الرسمية الأمريكية، أعدت وكالة “نوفوستي”، “إحصائية حول المكاسب المحتملة للميزانية الأمريكية ومن أي الدول ستأتي” بعد الرسوم التي فرصها الرئيس “دونالد ترامب”.
ووفق الإحصائيات، “طالت رسوم واشنطن الجمركية الجديدة سلعا بقيمة نحو 2.3 تريليون دولار واردة من 185 دولة في 2024، مما قد يعود بنحو 684 مليار دولار للميزانية الأمريكية إذا ظلت التجارة عند مستواها”.
وبحسب الوكالة، “قد تحصل الميزانية الأمريكية على أكبر الإيرادات من موردي السلع الصينية، فنظرا لإضافة الرسوم الجديدة البالغة 34% إلى المستوى السابق البالغ 20%، فإن الحجم الإجمالي للتحويلات من المستوردين قد يصل إلى نحو 237 مليار دولار سنويا”.
ووفق “نوفوستي”، “سوف يدفع مشترو السلع من الاتحاد الأوروبي ما يقرب من نصف المبلغ كـ”ضريبة استيراد”- أي ما مجموعه 121.2 مليار دولار، وستكون الشركات التي ستعاني أكثر من غيرها هي تلك التي تورد السلع الألمانية (32 مليار دولار)، والأيرلندية (20.7 مليار دولار)، والإيطالية (15.3 مليار دولار) إلى السوق المحلية”.
وبحسب الوكالة، “ستدفع دول الاتحاد الأوروبي “ضريبة استيراد” تبلغ ما مجموعه 121.2 مليار دولار، وستكون الشركات الأكثر تضررا تلك التي تورد السلع الألمانية (32 مليار دولار) والأيرلندية (20.7 مليار دولار) والإيطالية (15.3 مليار دولار) إلى السوق الأمريكية، وقد تصل الإيرادات من السلع الفيتنامية 62.8 مليار دولار. وسيدفع موردو السلع من تايوان نحو 37.2 مليار دولار، واليابان 35.6 مليار دولار، وكوريا الجنوبية 32.9 مليار دولار”.
ووفق الوكالة، “ستضطر الشركات الموردة للمنتجات التايلاندية أو الهندية إلى دفع ما يزيد قليلا على 20 مليار دولار كرسوم جمركية، في حين سيتعين دفع ما بين 10 مليارات و20 مليار دولار للواردات من سويسرا وماليزيا، وقد تصل خسائر الشركات التي تورد البضائع إلى الولايات المتحدة من إندونيسيا 9 مليارات دولار، ومن المملكة المتحدة 6.8 مليار دولار، ومن كمبوديا 6.2 مليار دولار، أما موردو السلع من بلدان أخرى، فإن الرسوم الجمركية “المتبادلة” ستخفض دخلهم بما يقل عن 5 مليارات دولار سنويا”.