تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 تعكس افتتاحية العدد 489 من صحيفة "النبأ" الصادرة عن تنظيم داعش  مساء الخميس 3 أبريل 2025، نمطًا متكرّرًا من الخطاب الأيديولوجي للتنظيم، الذي يرتكز على التكفير، والتحريض، وادعاء احتكار الحقيقة الدينية. يقدّم التنظيم نفسه في هذه الافتتاحية بوصفه الجهة الوحيدة التي تطبّق الإسلام "بصورته الصحيحة"، بينما يصنّف كل من يخالفه في دائرة الكفر أو النفاق، مما يعكس منهجًا إقصائيًا يسعى إلى نفي أي اجتهاد ديني أو رؤية مختلفة للشريعة الإسلامية.

ينطلق الخطاب الداعشي من افتراض محوري بأن نموذج الحكم الذي يتبناه هو التطبيق الحصري والصحيح للشريعة الإسلامية، متجاهلًا كل الفروقات التاريخية والاجتماعية بين العصر النبوي والواقع المعاصر. هذا التوظيف الأيديولوجي للنصوص الدينية لا يخلو من الانتقائية، حيث يتم استدعاء بعض الآيات والأحاديث بما يخدم أهداف التنظيم السياسية والعسكرية، بينما يتم تجاهل السياقات الفقهية والتاريخية الأوسع التي قدمها علماء الإسلام على مر العصور.

كما تتبنى الافتتاحية أسلوبًا هجوميًا تجاه كل من يعارض رؤية التنظيم، مستخدمةً مفردات مثل "التدليس" و"التلاعب بالمصطلحات"، وواصفةً المخالفين بأنهم "دعاة على أبواب جهنم". هذه اللغة التحريضية لا تكتفي بإقصاء الخصوم فكريًا، بل تعمل على تأليب الأتباع ضدهم، مما يساهم في تأجيج العنف وترسيخ منطق الصراع الدائم بين التنظيم وباقي مكونات المجتمعات الإسلامية.

ضمن هذا السياق، تأتي هذه الافتتاحية ليس فقط كبيان أيديولوجي، وإنما كأداة تعبئة تهدف إلى استقطاب مزيد من الأتباع، وإعادة إنتاج خطاب العداء تجاه العالم الخارجي، سواء كان ذلك الحكومات، أو الجماعات الإسلامية الأخرى، أو حتى المفكرين والفقهاء الذين لا يتبنون نفس التفسير المتشدد للنصوص. لذا، فإن تفكيك هذا الخطاب وتحليله أمر ضروري لفهم الآليات التي يستخدمها التنظيم في تبرير ممارساته العنيفة واستقطاب المزيد من الأفراد إلى صفوفه.

أولًا: بنية الخطاب وآلياته الحجاجية

يعتمد خطاب الافتتاحية على عدة أساليب حجاجية مركزية، أبرزها:

ثنائية الإيمان والكفر:

يضع النص قارئه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما قبول نموذج الحكم الذي فرضه تنظيم داعش بوصفه "تطبيقًا كاملًا" للشريعة، أو السقوط في دائرة الكفر. لا يترك التنظيم أي مجال للاجتهاد أو النقاش الفقهي، بل يجعل من رؤيته الأحادية معيارًا للحكم على إيمان الأفراد والجماعات. ففي الافتتاحية، يتم تصوير أي معارضة لحكم داعش على أنها رفض صريح للشريعة، حيث يرد فيها: "لم تزد الدولة الإسلامية على أن حولت ما كان حبيس الكتب والمصنفات... إلى واقع عملي يحكم الناس بشريعة خالقهم"، وهو طرح يلغي إمكانية أي اجتهاد فقهي آخر.

هذه الثنائية الإقصائية تلغي أي إمكانية لوجود اجتهاد فقهي أو مقاربة عقلانية لتطبيق الشريعة الإسلامية في واقع معاصر مختلف عن سياقات القرون الأولى. فمثلًا، حين يتحدث التنظيم عن تطبيق الحدود والأحكام الفقهية، يتجاهل الفروق الجوهرية بين مجتمع المدينة في القرن السابع الميلادي والمجتمعات الحديثة اليوم، التي تقوم على أنظمة قانونية معقدة تراعي التطورات الاجتماعية والاقتصادية.

كما أن التنظيم يستخدم هذه الثنائية لتبرير العنف ضد المخالفين، فهو لا يميز بين المسلمين الذين قد يكون لهم اجتهاد فقهي مختلف، وبين من يعارض الإسلام نفسه. في هذا السياق، يُصر النص على أن كل من لا يقبل نموذجهم هو "كافر ببعض الكتاب"، في تجاهل تام لحقيقة أن المسلمين على مر العصور قد اجتهدوا في تأويل الشريعة بما يتناسب مع أحوال مجتمعاتهم، دون أن يُخرجهم ذلك من دائرة الإسلام

شيطنة الآخر:

يعتمد خطاب الافتتاحية على آلية التشويه المعنوي للمخالفين، إذ يصور كل من يعارض تنظيم داعش على أنه مضلل أو متآمر أو عدو صريح للشريعة. يتجلى هذا بوضوح في استخدام تعبيرات مثل "التدليس" و"التلاعب بالمصطلحات"، حيث يتهم التنظيم خصومه بأنهم يحرفون النصوص الشرعية عن معانيها الحقيقية لخداع الناس، في حين أن التفسير الوحيد المقبول لديهم هو تفسيرهم الحرفي للنصوص.

ولا يقتصر التشويه على الأفراد، بل يتعداه إلى المؤسسات والجماعات الإسلامية المنافسة، التي يتم اتهامها ضمنيًا بأنها "تحارب الشريعة" أو "تروج لنسخة مشوهة من الإسلام". على سبيل المثال، يشير النص إلى أن "الدعاة على أبواب جهنم" يسعون لإبعاد الناس عن تطبيق الشريعة، في محاولة لإضفاء صبغة دينية على خصوماتهم السياسية مع الحركات الإسلامية الأخرى.

كما يوسّع التنظيم دائرة العداء لتشمل ليس فقط الحكومات، بل حتى الفصائل الإسلامية المنافسة التي لا تتبنى منهجه المتشدد. فالتنظيم يضع الجميع في سلة واحدة، سواء كانوا مفكرين إسلاميين، فقهاء، أو حتى قادة جماعات إسلامية أخرى، مدعيًا أنهم جميعًا يروجون "لإسلام مشوه" يخدم مصالح "الطواغيت"، كما ورد في قوله: "وقد استفاد الطواغيت على اختلاف أصنافهم، حكاما وقادة حركات وفصائل جاهلية، ودعموا هذه الأصناف المجادِلة بالباطل كلٌّ حسب حاجته".

هذا النمط من الشيطنة لا يهدف فقط إلى إقصاء المخالفين، بل يسعى أيضًا إلى تبرير العنف ضدهم، من خلال تصويرهم على أنهم خصوم للشريعة الإسلامية ذاتها. وهذا ينعكس في الطريقة التي يتحدث بها النص عن المعارضين، حيث لا يتم الاكتفاء بوصفهم بالمخالفين، بل يُتهمون صراحة بالكفر أو النفاق، مما يشرعن استهدافهم واعتبارهم أعداءً يجب القضاء عليهم.

الاحتجاج بالنصوص الدينية

يوظف التنظيم بعض الآيات القرآنية لتبرير منطقه الإقصائي، لكنه يفعل ذلك بطريقة انتقائية، متجاهلًا السياقات التاريخية والتفسيرية المتعددة التي قدمها علماء الإسلام على مر العصور. فمثلًا، يستشهد التنظيم بالآية: }أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ{، ليصور مخالفيه على أنهم وقعوا في ذات الانحراف العقدي الذي اتُّهم به بنو إسرائيل.

لكن ما يتجاهله التنظيم هو أن هذه الآية نزلت في سياق معين، وكانت تتعلق بأحكام محددة تجاه بني إسرائيل، ولا يمكن إسقاطها بشكل مباشر على أي خلاف فقهي أو سياسي في العصر الحديث. هذا النهج في التأويل يُهمل التفسيرات التقليدية التي قدمها العلماء المسلمون، والتي تراعي الفروق بين الأحكام العقدية والأحكام الفقهية القابلة للاجتهاد.

كما أن التنظيم يغفل تمامًا المقاصد الكلية للشريعة، والتي تشمل تحقيق العدل والمصلحة ودرء المفاسد. فالفقه الإسلامي لم يكن يومًا جامدًا أو محصورًا في تأويل واحد، بل ظل عبر التاريخ فضاءً للاجتهاد والتطور، وهو ما يتناقض مع الطرح الداعشي الذي يفرض فهمًا واحدًا متصلبًا، لا يقبل أي نقاش أو مراجعة.

استخدام العاطفة والتخويف

يلجأ الخطاب إلى إثارة مشاعر الرعب والخوف لدى القارئ من مغبة مخالفة "دولة الإسلام"، وذلك عبر تصوير المعارضين على أنهم يواجهون "الخزي في الدنيا وأشد العذاب في الآخرة". يتم ذلك من خلال اقتباس آيات قرآنية تتحدث عن العقاب الإلهي، وإسقاطها مباشرة على الواقع السياسي المعاصر، مما يوحي بأن كل من يرفض نهج التنظيم محكوم عليه بالعذاب حتمًا.

فعلى سبيل المثال، يستخدم التنظيم الآية: }فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ{، ويقدمها كدليل على أن كل من يرفض سلطته الشرعية سيعاني في الدنيا قبل الآخرة. هذه الطريقة في استخدام النصوص تهدف إلى بث الذعر في نفوس المخالفين، ودفعهم إلى الامتثال خوفًا من العواقب.

كما أن الخطاب لا يكتفي بالتحذير الديني فحسب، بل يصوّر كل معارضة للتنظيم على أنها نوع من الخيانة التي تستوجب العقاب الشديد. فالمخالف ليس فقط عرضة للعذاب الإلهي، بل هو أيضًا متهم بالتآمر ضد الإسلام، مما يشرعن استهدافه بالقتل أو العقوبات القاسية.

هذا النمط من التخويف العاطفي ليس جديدًا في خطابات الجماعات المتطرفة، لكنه في حالة داعش يُستخدم بمهارة لتشكيل هوية جماعية قائمة على الطاعة المطلقة، حيث يُدفع الأتباع إلى الالتزام خوفًا من العقاب، وليس عن قناعة حقيقية. وهذا ما يعزز مناخ الإرهاب الفكري داخل التنظيم، ويمنع أي محاولات للنقد أو التفكير المستقل.

ثانيًا: تناقضات الخطاب وتوظيف التاريخ

يتناقض خطاب افتتاحية الصحيفة مع الواقع التاريخي والاجتهاد الفقهي الإسلامي، إذ يقدم تنظيم داعش نفسه على أنه الامتداد الشرعي للدولة الإسلامية الأولى، مدعيًا أنه يطبق الشريعة بنفس الصورة التي طُبقت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة. لكن هذا الادعاء يتجاهل الفروق الجوهرية بين طبيعة المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، الذي بُني على الدعوة والتدرج في تطبيق الأحكام، وبين ممارسات التنظيم التي تتسم بالإكراه والتكفير المطلق للمعارضين، دون مراعاة لاعتبارات الفقه الإسلامي التي وضعها العلماء على مدار القرون.

يدّعي التنظيم أن رفض مشروعه يعني رفض الإسلام نفسه، متجاهلًا أن التاريخ الإسلامي شهد تنوعًا في تطبيق الشريعة وفقًا للسياقات الزمنية والجغرافية المختلفة. فالنموذج الإسلامي لم يكن ثابتًا عبر العصور، بل تأثر بالاجتهادات الفقهية التي راعت مصالح الناس وظروفهم. وفي المقابل، يعتمد خطاب التنظيم على طرح جامد يختزل الإسلام في تصوره الخاص، ويقصي كل الاجتهادات الأخرى التي شكلت تطور الفقه الإسلامي.

ومن أبرز الأدلة على هذا التناقض، استدعاء التنظيم لأحداث تاريخية مثل غزوة بني قريظة، ليبرر أعمال العنف التي يمارسها ضد خصومه. ففي الافتتاحية، يطرح الكاتب سيناريو متخيل لنقل خبر هذه الغزوة عبر وسائل الإعلام المعاصرة، في محاولة لاستفزاز مشاعر القراء وإيصال رسالة مفادها أن ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم هو ذاته ما يقوم به التنظيم اليوم. لكن هذا الطرح يتجاهل السياق التاريخي للغزوة، حيث كانت جزءًا من صراع عسكري أوسع، وليس قاعدة عامة تُسقط على كل زمان ومكان.

إن انتقائية التنظيم في توظيف التاريخ تعكس منهجًا خطيرًا، حيث يتم اقتطاع الأحداث من سياقاتها لتبرير سياسات الإقصاء والعنف. فمثلًا، في حين يستخدم التنظيم غزوة بني قريظة لتبرير القتل الجماعي، فإنه يتجاهل مواقف النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى التي اتسمت بالحلم والعفو، كما حدث في فتح مكة عندما عفا عن قريش رغم ما اقترفوه بحقه وبحق أصحابه. وهذا يوضح أن التنظيم يختار من التاريخ ما يخدم مصالحه الأيديولوجية، متجاهلًا القيم الأوسع التي قام عليها الإسلام.

كما أن إصرار التنظيم على إعادة إنتاج وقائع الماضي بشكل حرفي يُظهر عدم إدراكه لتعقيدات العصر الحديث. فالمجتمعات اليوم تخضع لنظم سياسية وقانونية مختلفة، والتعامل مع القضايا الشرعية يستلزم اجتهادًا يراعي هذه المتغيرات. ولكن التنظيم يتجاهل هذه الحقائق، ويطرح رؤيته بوصفها التطبيق الوحيد المقبول للشريعة، مما يجعله في تناقض مستمر مع التراث الإسلامي الغني بالتنوع والاجتهادات المختلفة.

ثالثًا: التأثيرات السياسية والاستراتيجية للخطاب

إن خطاب افتتاحية الصحيفة لا يعكس فقط رؤية دينية متشددة، بل يخدم أهدافًا سياسية واستراتيجية محددة، حيث يسعى التنظيم من خلاله إلى تحقيق مكاسب تتجاوز الجانب العقائدي، ليصل إلى تبرير ممارساته العنيفة، وزرع الانقسامات داخل المجتمعات الإسلامية، واستقطاب أتباع جدد.

تبرير العنف:

يعمل التنظيم على شرعنة ممارساته الوحشية من خلال تأطيرها دينيًا، بحيث تصبح أفعاله، مهما بلغت من قسوة، جزءًا من التزامه المزعوم بتطبيق الشريعة. ففي الافتتاحية، يتم استدعاء مشاهد من التاريخ الإسلامي، مثل غزوة بني قريظة، ليس لإعادة فهمها وفق سياقاتها، بل لتقديمها كدليل على أن العنف الذي يمارسه التنظيم اليوم هو امتداد للفتوحات الإسلامية. هذه المقاربة تهدف إلى تحييد أي نقد لأعماله، بحيث يبدو كل معترض وكأنه يعترض على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يمنح ممارساته غطاءً دينيًا يصعب على البسطاء دحضه.

إلى جانب ذلك، يتبنى التنظيم خطابًا يقسم العالم إلى معسكرين متصارعين: معسكر الإيمان الذي يمثله، ومعسكر الكفر الذي يضم كل من يعارضه. وهذا التصنيف المطلق لا يترك مجالًا لأي حلول وسط أو تفاهمات، بل يجعل العنف هو الخيار الوحيد المتاح. وحين يبرر التنظيم عمليات الإعدام الجماعية وقمع المخالفين بحجة "تنقية الصف الإسلامي"، فإنه بذلك يؤسس لنموذج سياسي قائم على الرعب، حيث تصبح القوة والبطش أدوات أساسية للحكم.

الأخطر من ذلك، أن هذا الخطاب يسهم في تعطيل أي نقاش ديني جاد حول مشروعية أفعال التنظيم، إذ يتم استغلال النصوص الدينية بطريقة انتقائية لمنح صبغة شرعية لأعمال العنف، في حين يتم تجاهل القيم الإسلامية التي تدعو إلى الرحمة والعدل والتدرج في تطبيق الأحكام. وهكذا، يصبح الإرهاب مشروعًا ومقدسًا في أذهان أتباع التنظيم، مما يعزز دائرة العنف المستمرة.

خلق انقسامات داخل المجتمعات الإسلامية:

يستخدم التنظيم خطابًا تكفيريًا حادًا يجعل من كل من يخالفه في الرأي خصمًا دينيًا يجب إقصاؤه أو قتاله. فمن خلال وصف المخالفين بأنهم "يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض"، ومن خلال اتهامهم بأنهم "يتلاعبون بالمصطلحات" و"يتبعون الدعاة على أبواب جهنم"، يسعى التنظيم إلى نزع الشرعية عن أي تيار إسلامي لا يتبنى تفسيره الحرفي والمتشدد للنصوص.

هذه الاستراتيجية تؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل الأمة الإسلامية، إذ يتم تصنيف المسلمين إلى فئتين: مؤيدون لداعش، وهم "المسلمون الحقيقيون" وفقًا لمنطق التنظيم، ومعارضون له، وهم إما "مرتدون" أو "منافقون" يجب التعامل معهم بوسائل الردع والعنف. وبهذا، لا يصبح التنظيم فقط في صراع مع الأنظمة السياسية، بل يدخل في مواجهة شاملة مع كافة التيارات الإسلامية، بما في ذلك تلك التي تدعو إلى تطبيق الشريعة بوسائل سلمية أو إصلاحية.

كما أن هذا الخطاب يساعد التنظيم في عزل المجتمعات المسلمة عن محيطها العالمي، إذ يتم تقديم أي تفاعل مع الدول أو المؤسسات الدولية على أنه "مؤامرة ضد الشريعة". وهذا يعزز حالة العزلة والانغلاق الفكري، مما يسهل على التنظيم فرض سيطرته الأيديولوجية على أتباعه، ويمنع أي محاولات للمراجعة أو النقد الداخلي.

استقطاب الأتباع:

يلعب الخطاب الإعلامي للتنظيم دورًا حاسمًا في تجنيد الشباب، خصوصًا أولئك الذين يفتقرون إلى المعرفة الدينية العميقة. فمن خلال تصوير العالم على أنه في حالة "حرب" ضد الشريعة، يسعى التنظيم إلى خلق إحساس بالمظلومية بين الشباب المسلمين، مما يدفعهم إلى البحث عن "الخلاص" في مشروعه.

في الافتتاحية، يتم تصوير المعارضين على أنهم ليسوا فقط ضد التنظيم، بل ضد الإسلام نفسه، مما يجعل أي مسلم يشعر بالحيرة إزاء موقفه من التنظيم أقرب إلى الانضمام إليه بدافع الخوف من الوقوع في دائرة "الكفر". هذه الاستراتيجية النفسية تعتمد على التخويف والإقصاء، بحيث يصبح التنظيم الملاذ الوحيد لمن يريد أن يكون "مسلمًا حقيقيًا" وفقًا لروايته.

إلى جانب ذلك، يوظف التنظيم فكرة "التمكين"، حيث يقدم نفسه على أنه القوة الوحيدة القادرة على إعادة مجد الإسلام، مستغلًا مشاعر الإحباط لدى الشباب تجاه الأنظمة الحاكمة، التي يعتبرونها فاسدة أو عاجزة عن تحقيق العدالة الاجتماعية. وهكذا، يصبح الالتحاق بالتنظيم ليس مجرد خيار ديني، بل طريقًا لتحقيق الذات والانتصار على الظلم، وهو ما يفسر نجاح التنظيم في استقطاب مقاتلين من خلفيات جغرافية واجتماعية متنوعة.

وبهذا، يتضح أن خطاب التنظيم ليس مجرد طرح ديني متشدد، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى فرض العنف كأمر واقع، وإحداث انقسامات داخل الصف الإسلامي، واستقطاب أتباع جدد عبر خلق حالة من الاستقطاب الحاد بين "المؤمنين" و"الكافرين"، وهي ثنائية خطيرة تؤدي في النهاية إلى مزيد من الفوضى والدمار.

خاتمة

تعكس هذه الافتتاحية نموذجًا كلاسيكيًا لخطاب التنظيمات المتطرفة، حيث يتم توظيف النصوص الدينية بطريقة أيديولوجية لخدمة مشروع سياسي عنيف. من خلال استغلال آيات قرآنية وأحاديث نبوية خارج سياقاتها، يسعى التنظيم إلى خلق شرعية دينية زائفة لعملياته، ما يجعل تفكيك هذا الخطاب ضروريًا لوقف تمدد الفكر الإرهابي.

إن تأثير هذه الافتتاحية يتجاوز مجرد التنظير الفكري، ليصل إلى مستوى التعبئة والتحريض المباشر على العنف، مما يساهم في إنتاج أجيال جديدة من المتطرفين المستعدين لتنفيذ أجندة التنظيم دون تردد. فحين يتم تصوير كل من يخالف التنظيم على أنه كافر محارب، يصبح العنف ضدهم مبررًا بل وواجبًا دينيًا، وهو ما يغذي دوامة الإرهاب المستمرة.

لمواجهة هذه التحديات، لا بد من تعزيز الوعي الديني العميق، الذي يقوم على فهم شامل ومتزن للشريعة الإسلامية، بعيدًا عن التفسيرات الأيديولوجية الضيقة. يتطلب ذلك دورًا نشطًا من المؤسسات الدينية والعلماء المستقلين في تقديم قراءات عقلانية ومنفتحة للنصوص، تراعي تعقيدات الواقع وتطور المجتمعات.

وأخيرًا، فإن تفكيك هذا الخطاب لا يمكن أن يقتصر على الجوانب الدينية فقط، بل يجب أن يشمل تحليلًا سياسيًا واجتماعيًا يكشف عن الأهداف الحقيقية لهذه الجماعات، ويبين كيف يتم توظيف الدين كأداة للسيطرة وبسط النفوذ، وليس كوسيلة لتحقيق العدل والسلام. من خلال هذا النهج الشامل، يمكن الحد من تأثير هذه الأيديولوجيات المتطرفة، وقطع الطريق أمام استغلالها في صناعة الإرهاب والتطرف.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: داعش الشريعة التكفير العصر النبوي صلى الله علیه وسلم للشریعة الإسلامیة هذه الافتتاحیة تطبیق الشریعة فی الافتتاحیة یسعى التنظیم التنظیم على الإسلامیة ا التنظیم فی هذا الخطاب تنظیم داعش م التنظیم على أنهم تهدف إلى متجاهل ا على أنه من خلال تطبیق ا خطاب ا ا یجعل على أن کما أن دینی ا

إقرأ أيضاً:

إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب

الكتاب: إيران وحماس، من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى ما لم يرو من القصة
الكاتب: فاطمة الصمادي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات ط1،  الدوحة - قطر 2024
عدد الصفحات:  386.


ـ 1 ـ

عقدت الثورة الإيرانية الصلة بالفصائل الفلسطينية منذ كانت تحشد أنصارها وتجهز نفسها للاستيلاء على الحكم. فمن بريد الإمام الخميني تعرض الباحثة فاطمة الصمادي رسائل له تبادلها مع ياسر عرفات. وأبرز ما نتوقف عنده طلب الإمام الخميني من الزعيم الفلسطيني "التضامن مع شعبه المظلوم وأن يكون صوتاً لهم وأن يسخر وسائل إعلامه لإيصال صوتهم إلى العالم". ومن تورد أخرى وردت عليه من أبو جهاد عبر له فيها عن تضامن حركة فتح مع نضال الشعب الإيراني وعرض عليه وضع إمكانات منظمة التحرير تحت تصرفه وتصرّف معارضي الشاه.

وتذكر أنّ الخميني تفاعل إيجابا مع الرسالة. فعين ممثلا له لدى حركة فتح. ولاحقا عقدت بعض شخصيات الثورة الإيرانية المؤثرة علاقات مع المجموعات الفلسطينية المقاتلة في لبنان خوّل لها أن تفيد من خبراتها القتالية لتدريب العناصر التي أخذت على عاتقها بناء الحرس الثوري بعد أن استقام لها أمر الحكم. وهذا ما كان شاه إيران قد اشتكى منه. فقد قال في مقابلة مع مجلة "الحوادث" اللبنانية "لقد وقفنا، وما زلنا، إلى جانب الفلسطينيين، رغم أن بعض مجموعات المقاومة دربت مخربين إيرانيين على اقتحام أراضينا وقتل الناس وتفجير منشآت مختلفة. نحن نعرف كيف نميز بين عدالة قضية فلسطين والظلم الذي يوجه ضدنا من قبل بعض الفلسطينيين. ما أخشاه هو أن يسمح الفلسطينيون للظروف الدولية بجعل قضيتهم أداة لإستراتيجية سوفيتية أو إستراتيجية دولية أخرى على مصر والسعودية، وسوريا، والدول العربية الأخرى مساعدة الفلسطينيين على تجنب مثل هذه المآزق".

ـ 2 ـ

من الذين أسهموا في تدعيم العلاقات بين الثورة الإيرانية والفصائل الفلسطينية المقاومة أنيس النقاش عضو حركة فتح. فقد كان أول من أطلق تشكيلات المقاومة في جنوب لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1978. وكان هاجسه، فيما تنقل الباحثة عنه، كيفيةَ الاستفادة الروح الثورية في إيران لتفعيل الروح الإسلامية في جنوب لبنان. وبالفعل فقد أثمرت خططه شكلا من أشكال العودة إلى التدين في الكتيبة الطلابية، فبدأت عناصرها وضباطها يترددون على المساجد والحسينيات. وأمكن له استقطاب بعض المتطوعين الإيرانيين الرّاغبين في قتال الإسرائيليين في جنوب لبنان. فقد وكانوا جزءا من الثورة الإيرانية لكن بعد انتصارها حوّلوا وجهتهم إلى القتال في سبيل فلسطين. وبانتصار الثورة شكّلت إيران "وحدة المستضعفين وحركات التحرر". وأرادتها  الجمهورية الإسلامية أداة لتصديرها. وكان من بين العقول الدافعة نحو تركيزها، كل من محمد منتظري الشخصية ومهدي هاشمي (الذي أعدم في عهد هاشمي رفسنجاني بتهم كثيرة على صلة بمناهضة النظام والتحريض على الفتنة). فالرّجلان آمنا بأن قدر الثورة أن تكون عابرة للحدود وأن تتبنى القيم الثورية العالمية المشتركة، وحثا على عقد علاقات خارجية متشعبة تجاوزت المنظمات الإسلامية المعارضة في الخليج والعراق إلى المنظمات الثورية في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وأميركا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني.

ـ 3 ـ

مثل فيلق القدس صياغة جديدة لفكرة "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" ولكن بصورة مؤسسية أكثر. فقد أنيطت بعهدته مهمة تشكيل شبكة من الحلفاء بالخارج لتمثل"جبهة مقاومة قوية في مواجهة الصهيونية وأميركا في المنطقة من البحر المتوسط إلى شرقي آسیا" ولتجعل هدفها تحقيق مبدإ "وقف العدو خارج الحدود". وسيكون الدفاع عن إيديولوجيا الثورة الإيرانية موجهها الرئيسي بدل فكرة التحرّر مطلقا التي كانت تحكم "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" بحيث تكون إيران المركز الذي تخاض الحروب في الخارج حماية له.

شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.يشرح وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقاني سبب تسمية فيلق القدس بهذا الاسم. فيجعلها ترجمة ميدانية لمبدإ "طريق القدس يمر من كربلاء" وتجسيما لفلسفة خامنئي رئيس المجلس الأعلى للدفاع في إيران وقتها وللعقيدة الحربية الإيرانية برمتها التي تتبنى فكرة "الدفاع الفسيفسائي". والمراد بالعبارة خوض أتباع إيران المرتبطين بها عقائديا واقتصاديا وإستراتيجيا معارك صغيرة في بقاع متفرقة يستقل بعضها عن بعض. فإيران وفق خامنئي "لا تريد الآن الدخول بحرب هناك" (واسم الإشارة يعود على جنوب لبنان الذي هاجمته إسرائيل) فطريق القدس يمر من كربلاء. وهكذا يمكن للسلطة المركزية الإيرانية ممارسة الدبلوماسية في المنطقة من دون حضور ميداني عملياتي مباشر . ولكن عند حدوث هجوم أميركي أو إسرائيلي عليها، فبإمكانها أن تخوض حربا فسيفسائية عبر أتباعها وأن تجعل القواعد الأميركية والإسرائيلية في مرمى صواريخها.

ويقرّ علي خامنئي بفضل من أسماهم بـ"ـمدافعي الحرم". فيقول عن عائلاتهم "هذه العائلات لها دين في عنق الإيرانيين جميعًا، فقد قاتل أبناؤها دفاعا عن حريم آل البيت في سوريا والعراق وواجهوا أعداء إيران في الخارج، وبدون هذه المواجهة كان يمكن لهؤلاء الأعداء أن يدخلوا إيران، ولو لم يقفوا في وجههم فإن إيران كانت مجبرة على محاربتهم في كرمنشاه وهمدان وبقية المدن الإيرانية ".

ـ 4 ـ

ولم تغرق الباحثة في التفاصيل الكثيرة إلا لتوفر لنا قاعدة بيانات تخوّل لنا أن نفهم العلاقة بين إيران وحماس التي ستظهر على الساحة في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. وسيُحدث ميلادها تحولا كبيرا في جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فتنتقل من حركة اجتماعية تربوية إلى قوة سياسية عسكرية تزاحم القوى العلمانية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

تعرف حركة حماس نفسها ضمن المادة الثانية من الباب الأول من ميثاقها "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة. في التصور والاعتقاد في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع في القضاء والحكم. في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة". وسيكون لخلفيتها الإيديولوجية وقع كبير على علاقتها مع إيران مدّا وجزرا. فبين هذين المكونين من مكونات الإسلام السياسي من نقاط الالتقاء التي تقرّب بقدر ما بينهما من نقاط الاختلاف التي تباعد. فتتشابه مرتكزاتهما الفكرية في عدة جوانب، أبرزها النظر إلى الإسلام باعتباره أساسا لفلسفة  السياسية ومكانة الشريعة في الحكم وضرورة تطبيقها والموقف من الديمقراطية ومن منزلة المرأة في الأسرة والمجتمع ودورها في السياسية  والموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويختلفان جوهريا فيما يتعلق بالأهداف والأساليب والتفاعل مع السياقات السياسية المحيطة.

ـ 5 ـ

انتصر عرفات إلى صدام حسين عند غزوه للكويت ما جعله يخسر التعاطف الخليجي. ولعلّ موقفه غير الحكيم ما جعله يقود منظمة التحرير الفلسطينية في مسار تسوية أعرج. وبالمقابل، شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.

جعلت هذه التّحولات إيران تناقش صلتها الممكنة بحماس في أعلى دوائر صنع القرار.. ولمّا بدأت الاتصال بها رسميا كان بين قيادات الحركة من يعارض إقامة مثل هذه العلاقات. وتقدّر أنّ إيران تريد عبرها شيئا من القبول في الأوساط السنّية. وكانت  بعض القيادات الإيرانية تعارض بدورها هذه الخطوة. وكانت ظلال" الصراع الشيعي السني كثيفة. ثمّ عقد اجتماع بينهما في أحد فنادق الإمارات العربية المتحدة عام 1990 نقل خلاله الطرف الإيراني رغبته الصريحة في بناء علاقة مع الحركة.

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".ورغم التقارب طلبت حماس تأجيل تفعيل الصلة إلى ما بعد عقد مثلها مع السعودية والعراق. ورفضت مقترح الدعم المالي. ثم زار المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) طهران لأول مرة في سبتمبر1992. فأسست الزيارة تفاهما سياسيا شاملا بشأن القضية الفلسطينية. وفتحت قنوات مختلفة للتعاون في العمل المقاوم. ومثّل إبعاد إسرائيل 415 قياديا فلسطينيا من حماس والجهاد الإسلامي في أواخر 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوبَ لبنان، المنعطف الثاني في حياة العلاقة بين الطّرفين. فقد استغلت إيران الفرصة للتواصل مع نخب من حماس وتوفير الدعم لها.

ـ 6 ـ

تحقّق التواصل في مرج الزهور في ظل الحاجز المذهبي العميق بين حماس وإيران. فيذكر مجتبى ابطحي  أنّ عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يترأس اللجنة الإعلامية في مخيم المبعدين بادره قائلا: "ابق مكانك ولا تقترب أكثر" ويضيف: "أذكر تحفظهم، كانوا يعتقدون أننا كفار ومشركون ويظنون أننا نعبد الإمام علي، حتى إن بعضهم لم يكن يرغب بمد يده للسلام عليّ.. لكن لاحقا عقدنا رابطة أخوة".  فقد كان الاتفاق على عدم التطرق إلى الموضوع الفكري والطائفي في معسكرات التدريب. وكان طلب حماس أن تبقى فلسطين موحدة على مذهب واحد، لتكون قادرة على مقاومة الاحتلال، فلن يفيد فلسطين أن يصبح لديها مئة شيعي. وكان جواب الإيرانيين أنّ الجمهورية الإسلامية لا تسعى وراء تشييع فلسطين. وهذا ما ساعد على تفاهمات حول التدريب والتسليح وعقد الصلة بحزب الله. ولكن العلاقة تطوّرت أكثر بانتقال ملف حماس إلى مؤسسة الحرس الثوري. وتحقّق ذلك على مراحل ليصبح بإشراف هذا الجهاز كليّا عقب فوز حماس في الانتخابات، عام 2006. فقد مهّد وصول حماس للسلطة لمرحلة جديدة من الدعم الإستراتيجي العسكري والمالي. وكان على حماس تحمّل اتهامها بالتغاضي عما يصفه منتقدوها بـ "المشروع التخريبي الإيراني" في المنطقة.

ـ 7 ـ

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".

تفسّر الباحثة هذا الارتباك في التعامل الإيراني مع هجوم حماس بعوامل عديدة. فالمشهد السياسي محكوم بانقسام حاد بين المعسكر الأصولي والمعسكر المحافظ. ولا حاجة له بقضايا خلافية جديدة. وطهران تدرك جيّدا أنها غير قادرة على حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينات. ولا يمكنها الرهان على فشل إسرائيل أمام هجوم حماس حتى تغيّر إستراتيجيتها الناجحة تجاهها. وطبيعة علاقتها بحماس تمنعها من الذّهاب بعيدا في دعمها. فالحركة ليست في مقام تلقي الأوامر كما هو الشأن بالنسبة إلى وكلائها ممن يشتركون معها في خلفيتها العقائدية، ولا يمكنها أن تكون يوما من "مدافعي الحرم" أو طرفا في فلسفة "الدفاع الفسيفسائي". ومبادئها معلنة: أن يكون عملها داخل الأراضي المحتلة، وأن يوجه بشكل مباشر ضد إسرائيل، وعليه فهي ملتزمة بألاّ تمارس أيّ عمل عسكري ضد أي دولة أخرى.

ولا ينفصل المستوى السياسي عن منظومة النضال ضد الاحتلال. فهو يتكامل مع فعل المقاومة المسلحة وقاعدة المصالح التي تنبني عليها التحالفات السياسية يجب أن تستند دائما إلى مصالح الشعب الفلسطيني أولا. أما استقلالية قرارها فخط أحمر يحصنها من كل تبعية للخارج.

ـ 8 ـ

تفسّر كل هذه العوامل تحول العلاقة بين الطرفين الإيراني والحمساوي من التجاذب في وسط الثمانينات إلى الودّ الذي ظل يتدعّم من بداية التسعينات إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023 إلى ما يصنّف سُنيا بالخذلان بعد طوفان الأقصى.

مقالات مشابهة

  • شباب ليبيا يبحثون مع البعثة الأممية كيفية «الحد من العنف داخل المجتمعات»
  • ناصر الشمراني: أخشى على الوحدة من الهبوط والإدارة تفتقد التنظيم.. فيديو
  • جهاز مكافحة الإرهاب ينفذ عمليات ناجحة في مواجهة الإرهاب وتجارة المخدرات
  • 105 هجمات خلال شهر مارس.. أين تتمركز خريطة العنف في باكستان؟
  • حكم قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن
  • إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب
  • قسد تطلق حملة أمنية ضد خلايا داعش في مخيم روج شمال شرق سوريا
  • عقدة الدونية لدى الجنجويد
  • الأمن العراقي يحبط هجوما لتنظيم داعش في الأنبار