هل يغامر ترامب في دخول حرب مع إيران؟
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
تصاعدت، في الآونة الأخيرة، بدرجة تبعث على كثير من القلق، حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. فمنذ نحو أسبوعين، كشف الرئيس ترامب، في تصريحات أدلى بها لشبكة “فوكس” الإخبارية، عن فحوى رسالة بعث بها إلى السيد علي خامئني، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، مفادها أن الوقت ينفد ولم يعد أمام إيران سوى الاختيار بين بديلين، لا ثالث لهما: التفاوض مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي خلال فترة لا تتجاوز شهرين، أو تلقّي ضربة عسكرية مدمرة.
لم تكن إيران تسلّمت رسالة ترامب رسمياً حين أدلى الأخير بهذه التصريحات، ومع ذلك سارع المرشد الإيراني الأعلى إلى الرد عليها، مؤكداً أن إيران لا تقبل التفاوض تحت التهديد، وأن التفاوض مع دولة لا تحترم التزاماتها وليست أهلاً للثقة لا جدوى فيه.
كان من الطبيعي، حين تسلمت إيران رسالة ترامب المكتوبة، أن ترد عليها أيضاً برسالة مكتوبة. ولفت نظر المراقبين أن هاتين الدولتين، اللتين لا ترتبطان بعلاقات دبلوماسية مباشرة، اختارتا بلدين عربيَّين لتسليم رسالتيهما المتبادلتين، بحيث اختارت الولايات المتحدة دولة الإمارات لتسليم رسالتها الموجَّهة إلى إيران، واختارت إيران سلطنة عُمان لتسليم رسالتها الموجَّهة إلى الولايات المتحدة، ثم تبيّن من تصريحات أدلى بها مسؤولون أمريكيون وإيرانيون مؤخَّراً، أن إيران تصر على عدم الدخول مع الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة، في المرحلة الراهنة على الأقل، لكنها لا تمانع في الدخول معها في مفاوضات غير مباشرة. وما لبث أن تبيّن أن هذه المفاوضات غير المباشرة بدأت بالفعل.
لم يكن احتمال وقوع صدام مسلح بين الولايات المتحد وإيران في أي وقت من الأوقات أقرب مما هو عليه الآن بالفعل، على الرغم من أن الصراع بينهما ظل محتدماً منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.
ويعود السبب المباشر أو المعلن في احتمال وقوع هذا الصدام المسلح إلى أن إدارة ترامب تدرك جيدا أن إيران تقوم بعمليات تخصيب لليورانيوم بنِسَب أعلى كثيراً من النِّسَب المنصوص عليها في الاتفاق، الذي انسحبت واشنطن منه عام 2018، وأن العقوبات القصوى، التي فرضتها عليها من ذلك الحين، ثم أعادت تشديدها مؤخراً، لن تردعها عن مواصلة برنامجها النووي بالطريقة التي تريدها. وبالتالي، فإن قدرتها على تصنيع سلاح نووي أصبحت أمراً وارداً خلال فترة وجيزة، قد لا تتجاوز أشهراً قليلة من اتخاذها قراراً بشأن ذلك.
صحيح أن إدارة ترامب تعلم بأنه سبق للإمام خامنئي إصدار فتوى دينية عام 2003 تحرّم استخدام أسلحة الدمار الشامل، لكنها، أي إدارة ترامب، تقول إنها لا تستطيع الركون، في أمر على هذا القدر من الأهمية والخطورة، إلى حُسن النيّات الإيرانية وحدها، ثم تعتقد أنه يجب إيجاد آلية قانونية صارمة تضمن عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً في أي وقت، وليس خلال مرحلة موقوتة زمنياً، كما ينص اتفاق 2015. غير أن السبب الحقيقي في احتمال إقدامها على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران في هذا التوقيت بالذات لا يعود إلى البرنامج النووي الإيراني وحده، وإنما إلى سببين آخرين تربطهما علاقة عضوية.
الأول: برنامج إيران التسليحي، وخصوصاً ما يتعلق منه بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة بعيدة المدى. والثاني: نفوذ إيران الإقليمي، الذي مكّنها من إحاطة “إسرائيل” بأعداء أقوياء يحصلون منها على دعم متواصل، مالياً وعسكرياً. ولأنها تخشى أن يصرّ ترامب على توسيع إطار المفاوضات، التي يدعو إليها، ليشمل كلاً من برنامجها التسليحي ونفوذها الإقليمي، تحرص إيران على أن تكون هذه المفاوضات غير مباشرة في البداية، وعلى عدم قبول مفاوضات مباشرة إلا بعد التأكد من أن البرنامج النووي سيكون هو البند الوحيد المدرَج في جدول الأعمال.
لا تخشى إيران الدخول في مفاوضات تستهدف إبرام اتفاق جديد يتعلق ببرنامجها النووي، وخصوصا أن الفترة التي يغطيها الاتفاق المبرم عام 2015 اقتربت من النهاية، ثم أصبحت الحاجة ماسّة إلى مفاوضات جديدة في جميع الأحوال. ولأنها طرف في اتفاقية حظر الانتشار النووي، وبالتالي ملزمة بسلمية برنامجها النووي، يُتوقع ألّا يكون لديها ما يَحُول دون تضمين الاتفاق المزمع إبرامه بنوداً جديدة تضمن هذه السلمية عبر آليات للرقابة والتفتيش أكثر إحكاماً، وخصوصاً إذا ارتبط وجودها برفع العقوبات القاسية والمفروضة عليها، وبإعادة دمجها في المجتمع الدولي.
غير أن أكثر ما تخشاه إيران هو أن يتضمّن جدول أعمال المفاوضات، التي يسعى لها ترامب، بنوداً تتعلق ببرنامجها التسليحي وبنفوذها الإقليمي، لأن ذلك ينتقص من سيادتها، وسيُعَدّ تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، وهو ما يحرّمه ميثاق الأمم المتحدة، ثم يُتوقع أن ترفضه رفضاً قاطعاً، إذ لا يتصوّر عاقل أن تقبل إيران فرض قيود على سياستها التسليحية أو سياستها الخارجية، إلا إذا تم ذلك في إطار ترتيبات أمنية إقليمية متبادَلة، تشمل “إسرائيل”، في الوقت نفسه، وهو ما ترفضه الأخيرة رفضاً قاطعاً. لذا، يجب إدخال العامل الإسرائيلي في المعادلة، كونه العامل الأكثر حسماً وتأثيراً في كل التفاعلات التي تشهدها المنطقة حالياً، بما في ذلك احتمال وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
تجدر الإشارة هنا إلى أن “إسرائيل”، التي تقودها منذ ديسمبر 2022، حكومة يمينية هي الأكثر تطرفاً في تاريخها، وجدت في عملية “طوفان الأقصى” فرصة ليس لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل للتخلص أيضاً من جميع مصادر التهديد التي تواجهها في المنطقة، وخصوصاً ما يتعلق منها بـ”محور المقاومة”، وهو ما يفسّر كل القرارات التي اتخذها نتنياهو منذ السابع من أكتوبر 2023 في مختلف الجبهات.
ففي الجبهة الفلسطينية، لم يكتفِ نتنياهو بتدمير قطاع غزة وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة، وشنّ حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي وتهجير قسري لسكان القطاع، وإنما قام أيضاً بالتصعيد العسكري في الضفة الغربية أيضاً، عبر التدمير والتجريف لعشرات المخيمات، ودفع سكانها إلى الهجرة القسرية.
وفي الجبهة اللبنانية، لم يكتف نتنياهو بمحاولة تفكيك البنية العسكرية لحزب الله، وإنما حاول أيضاً تدمير حاضنته الشعبية، والضغط على معادلات السياسة الداخلية لإحداث توازنات سياسية جديدة، تساعد على تهيئة الأوضاع لفرض تسوية، وفق شروطه. وفي الجبهة السورية، لم يكتف نتنياهو بالتحرش بالوجود العسكري الإيراني، أو بالإغارة على مخازن السلاح وشحناته الموجّهة إلى حزب الله، وإنما مارس أيضاً ما يكفي من الضغوط لتهيئة الأوضاع الداخلية، والتي أفضت في النهاية إلى سقوط نظام بشار الأسد وإخراج إيران نهائياً من سوريا، وفصل الأخيرة عن لبنان أيضاً.
وفي الجبهة اليمنية، قام نتنياهو بالاشتباك مع جماعة أنصار الله، التي قدمت مساندة عسكرية لقطاع غزة. وعندما عجز عن إحداث التأثير المطلوب، نجح في إقناع الولايات المتحدة بضرورة استكمال المهمة نيابةً عنه، وها هي القوات الأمريكية تقرّر، وخصوصاً بعد وصول ترامب إلى السلطة، الدخول في حرب بالوكالة مع جماعة أنصار الله لحساب “إسرائيل”، بل إن نتنياهو نجح في استدراج إيران إلى الدخول في حرب مباشِرة مع “إسرائيل”، للمرة الأولى في تاريخ الطرفين، وها هو يستميت الآن من أجل إقناع ترامب بأن الوقت حان لقطع “رأس الأفعى” ولإعادة هيكلة المنطقة على نحو يضمن هيمنة “إسرائيل” المطلقة عليها، من منطلق أن “إسرائيل” باتت هي الوكيل الوحيد المعتمد والموثوق به من جانب الولايات المتحدة. فهل ينجح نتنياهو في هذه المهمة؟
إذا استندنا إلى الحسابات العقلانية وحدها، يمكن القول إن اندلاع حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران يُعَدّ أمراً مستبعَداً تماماً، ليس لأن الولايات المتحدة لا تستطيع إلحاق الهزيمة بإيران، فمن الواضح أن موازين القوى تميل لمصلحة الأولى بصورة حاسمة، لكن لأن تكلفة هذه الحرب ستكون باهظة أيضاً، ليس بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحدها، بل بالنسبة إلى العالم بأسره كذلك.
ففي وسع إيران، على سبيل المثال، إغلاق مضيق هرمز بمجرد اندلاع الحرب، وإلحاق الأذى ليس بالقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في المنطقة فحسب، بل ربما أيضاً بالبنية التحتية للصناعات النفطية فيها، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفة أسعار النفط عدة مرات، وارتباك التجارة الدولية، ناهيك باحتمال سقوط أعداد هائلة من العسكريين والمدنيين. غير أنه لا يجب استبعاد العوامل الذاتية، وأقصد بها العوامل المتعلقة بالسمات الشخصية للقيادة السياسية في كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وتأثيرها في مسار الأحداث في المنطقة.
فالخوف من تفكك الائتلاف الحاكم قد لا يكون هو العامل الوحيد المؤثّر في مدركات صانع القرار في “إسرائيل”، والولع في عقد الصفقات التجارية، أو الرغبة في الحصول على جائزة نوبل، أو البرغماتية السياسية، ليست بالضرورة أهم العوامل المؤثّرة في مدركات صانع القرار في الولايات المتحدة. ولأن كِلا الزعيمين يتقمّصه شعور جامح بغرور القوة وإحساس مبالَغ فيه بتضخم الذات، فليس من المستبعَد أبدا أن يقوما باتخاذ قرارات تتناقض مع المنطق ومع أي حسابات تتسم بالعقلانية أو بالرشاد.
فنابليون كان يبدو في كامل قواه العقلية حين اتخذ قراره غزو روسيا عام 1812، وهتلر كان يبدو في كامل قواه العقلية حين اتخذ قراره غزو الاتحاد السوفياتي عام 1941، غير أن غرور القوة وإحساسهما المتضخم بالذات كانا وراء القرار غير الرشيد في كلتا الحالتين. لذا، لو جاز لي أن أقدم نصيحة إلى صانع القرار الإيراني، فهي ألّا يستبعد من حساباته احتمال إقدام كل من نتنياهو وترامب على اتخاذ قرار غير عقلاني وغير رشيد بتوجيه ضربة عسكرية مشتركة إلى إيران. وكما وضع قرار غزو روسيا نهاية لأسطورة نابليون، ووضع قرار غزو الاتحاد السوفياتي نهاية لجبروت هتلر، فليس من المستبعد أن يكون قرار ضرب إيران هو بداية النهاية لأوهام نتنياهو ولحماقات ترامب.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لماذا أحدثت دعوة ترامب نتنياهو بلبلة في إسرائيل؟
يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غدا الاثنين، الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، بحضور مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر في رئاسة الوزراء، أن الجانب الإسرائيلي يجهل سبب إصرار واشنطن على اللقاء في البيت الأبيض، ولكن الصحيفة قالت، إن حضور ويتكوف اللقاء نُسق بسرعة في مؤشر على مناقشة ترامب ونتنياهو ملف الأسرى.
وحسب الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية محمود يزبك، فإن زيارة نتنياهو إلى واشنطن تأتي بصورة مفاجئة وسريعة، وقال، إن الأمور تطورت، منذ يوم الخميس، حيث لم يكن لقاء ترامب ونتنياهو مبرمجا لا على الأجندة الأميركية ولا على الأجندة الإسرائيلية.
ورجح أن يكون شيء ما قد حصل، وهو ما جعل البيت الأبيض يهاتف نتنياهو ويطلب منه المجيء إلى البيت الأبيض، وقال إن الدعوة جاءت مفاجئة للجميع، حتى أن نتنياهو حاول أن يتنصل من يوم الاثنين ويطلب أن تؤجل الزيارة إلى الأسبوع القادم بدعوى قضية محاكمته وغيرها من القضايا، لكن البيت الأبيض أصر عليه أن يلتزم موعد الاثنين.
ولفت الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن الدعوة الأميركية خلقت بلبلة كبيرة لدى الحكومة الإسرائيلية ولدى نتنياهو نفسه.
إعلانوتساءل عمّا إذا كان ويتكوف، قد طلب من ترامب دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي القدوم إلى البيت الأبيض، وهل المبادر لهذا الاجتماع السريع والمفاجئ هو ويتكوف نفسه؟ وفي حال كانت الأمور على هذا النحو، فمعنى ذلك -يضيف يزبك- هناك أمر ما سيطلب من نتنياهو تنفيذه.
ورجح أن النقاش بين ترامب ونتنياهو سيتمحور فقط حول قطاع غزة، لا سيما في ظل أن الإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل كي تفعل ما تريد في غزة، وبعد شهر ونصف من التجويع والقتل والتعطيش لم يحقق الاحتلال أي نتيجة.
ولا يستبعد يزبك، أن الإدارة الأميركية ستقترح شيئا ما من أجل تحقيق التقدم في قطاع غزة، وأن ويتكوف سيعود ليمسك زمام الملف بنفسه بعدما سلمه للحكومة الإسرائيلية ولرئيس وزرائها.
وكان موقع بلومبيرغ نقل عن مسؤول إسرائيلي، أن نتنياهو سيبحث مع الرئيس الأميركي الحرب في غزة والوضع في سوريا والدور التركي هناك، إضافة إلى المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وذكر الموقع، أن مساعدي نتنياهو اقترحوا تأجيل زيارته، لكن البيت الأبيض أراد الاجتماع الاثنين تحديدا.
وتأتي زيارة نتنياهو إلى واشنطن في ظل تصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل، والتي تطالب بصفقة مع المقاومة الفلسطينية تؤدي إلى الإفراج عن بقية الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وتنصلت إسرائيل من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، حيث استأنفت عدوانها الواسع على قطاع غزة، مخلفة المزيد من الشهداء والجرحى والدمار.