نجاة عبد الرحمن تكتب: مصر وغزة بين الدعم الإنساني والدور السياسي
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
يشهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق خلّف آلاف الضحايا ونزوح مئات الآلاف، وَسَط صمت دُوَليّ نسبي ومواقف متباينة من القِوَى الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يبرز الموقف المصري كأحد أكثر المواقف العربية وضوحًا وتوازنًا، يجمع بين التحرك السياسي والدعم الإنساني، وبين تأكيد السيادة الوطنية والحفاظ على الدور التاريخي لمصر كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية.
الدور الدبلوماسي المصري في أزمة غزة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحركت القاهرة دبلوماسيًا لاحتواء التصعيد، وقدمت عدة مقترحات لهدنة إنسانية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. كما نسّق وفد أمني مصري مع الأطراف الفاعلة، خصوصًا قطر والولايات المتحدة، للتمهيد لمرحلة تهدئة جديدة.
ولعل الأهم أن مصر رفضت بشكل قاطع المقترحات الإسرائيلية التي تدعو لتوليها إدارة غزة بعد الحرب، معتبرة ذلك انتقاصًا من سيادتها، وتجاوزًا لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
التحرك الإنساني وخطة الإعمار
على الجانب الإنساني، أعلنت مصر خِطَّة شاملة لإعادة إعمار غزة، حظيت بدعم من القمة العربية في القاهرة، وتشمل إعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد المحلي في القطاع.
هذا الدور الإنساني لم يكن مجرد عمل إغاثي، بل خطوة استراتيجية تعزز مكانة مصر لدى الفلسطينيين وتربطها إيجابيًا بحياتهم اليومية ومستقبلهم بعد الحرب.
تأثير الموقف المصري على الداخل الفلسطيني
* تعزيز الثقة بين مصر والفصائل الفلسطينية: رفض مصر تولي إدارة غزة، وحرصها على دعم فلسطيني خالص، يعزز مصداقيتها أمام حماس وباقي الفصائل.
* تخفيف الاحتقان الشعبي: التحركات المصرية الأخيرة ساعدت في ترميم العِلاقة ب الشارع الفلسطيني الذي طالما شكك في حياد القاهرة.
* إمكانية رعاية المصالحة الفلسطينية : قد تُوظف مصر رصيدها السياسي للعب دور أكبر في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني داخليًا بعد انتهاء الحرب.
الموقف المصري في السياق الدُّوَليّ
* تعزيز الشراكة مع الغرب: الدور المصري كوسيط فعّال يمنحها أوراق قوة في علاقاتها ب الولايات المتحدة وأوروبا، ويزيد من الاعتماد الدُّوَليّ عليها.
* التوازن مع إسرائيل: رغم التنسيق الأمني، ترفض مصر الانصياع لأي دور وظيفي في خدمة أهداف تل أبيب، ما يثبت استقلالية موقفها.
* تحسين الصورة الإقليمية: مصر تُعيد تقديم نفسها كقوة إقليمية عقلانية، تتعامل مع الأزمات بحنكة سياسية بعيدًا عن الخطاب الشعبوي أو الانفعال.
الموقف المصري من حرب غزة الحالية يُعد نموذجًا نادرًا في المشهد العربي، إذ يمزج بين الدبلوماسية الهادئة، والالتزام بالقضية الفلسطينية، والحرص على المصالح الوطنية. مصر لا تسعى لفرض نفوذ على غزة، بل لتثبيت استقرار يُرضي الجميع دون التفريط في الحقوق أو الوقوع في فخ الاستغلال السياسي.
هذا الموقف قد يفتح لمصر آفاقًا أوسع في المستقبل، سواء عبر الإشراف على عملية إعادة الإعمار، أو المشاركة في أي ترتيبات سياسية لما بعد الحرب، بما يُعيد للقاهرة مكانتها كقلب العالم العربي النابض.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قطاع غزة وقف إطلاق النار تبادل الأسرى المزيد الموقف المصری
إقرأ أيضاً:
قصص من واقع حرب السودان.. فواجع وصمود وسط الدمار
الخرطوم– كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهر الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد نحو 5 أشهر ونصف الشهر من اندلاع الحرب في السودان، عندما تلقى طه حمدنا الله عباس، من سكان حي الثورة بمدينة أم درمان، اتصالًا هاتفيًا حمل إليه خبرًا صاعقًا.
وبينما كان يستقل وسيلة مواصلات عامة داخل المدينة، جاءه صوت يخبره بأن قذائف سقطت على الحي الذي يسكنه، وطُلب منه العودة فورًا.
وعند وصوله إلى منزله، فوجئ بمشهد مأساوي، فقد سقطت دانة (قذيفة) على منزله مباشرة، وأودت بحياة ابنه أحمد (24 عامًا) وابنته هنادي (26 عامًا) وطفليها مصطفى (6 أعوام) وهيام (نحو عام واحد) وتحولت الأخيرة إلى أشلاء تحت قوة الانفجار.
وكانت قوة الانفجار هائلة لدرجة أنها أحدثت حفرة واسعة في الأرض وأزالت جدارًا كاملًا من المنزل، ولم يقتصر أثر الدمار على البناء، بل امتد إلى نفوس الأهالي الذين تدافعوا إلى المنزل، والوجوم يعلو وجوههم مع انتشار الحزن والخوف.
ورغم فداحة المصاب، أذهل طه حمدنا الله الحاضرين بثباته ورباطة جأشه منذ اللحظات الأولى، مؤكدًا مرارًا أنه لن يغادر منزله مهما كانت الخسائر، حتى لو فقد جميع أفراد أسرته، بحسب روايات شهود العيان الذين التقتهم الجزيرة نت.
إعلان اختبار الصبرلم تختلف قصة آسيا الفاضل يحيى كثيرًا عن مآسي الحرب الأخرى، فالمعلمة المتقاعدة التي تسكن حي أبو كدوك بأم درمان، قررت منذ بداية الحرب البقاء في منزلها، رافضة مغادرته رغم توسلات أشقائها وأقاربها.
ورغم استمرار القصف العنيف من مواقع قريبة لقوات الدعم السريع، فقد اعتادت آسيا على أصوات المدافع والرصاص حتى باتت قادرة على تمييز أنواع الأسلحة من دويها، كما قالت للجزيرة نت.
وكانت آسيا تعيش مع بناتها الثلاث وأسرتين أخريين بالمنزل نفسه، في ظل انقطاع الكهرباء والمياه المتواصل، لجؤوا إلى الجلوس تحت الأشجار المحيطة بالمنزل للتهوية، مستفيدين من وجود قوات من الجيش السوداني والمستنفرين الذين كانوا يتمركزون قرب الحي.
لكن ذلك أثار استياء عناصر الدعم السريع الذين أطلقوا الرصاص عدة مرات صوب الأشجار لتحذير الأسر من التجمع هناك.
وفي أحد الأيام، وبينما كانت آسيا تتحدث مع شقيقتها عبر الهاتف بعد صلاة المغرب، أصابتها رصاصة طائشة اخترقت يدها، ونزفت بغزارة قبل أن تُسعف إلى مستشفى قريب.
ورغم هذا الحادث، وتمسك أسرتها بمغادرتها أم درمان، بقيت آسيا مصرة على قرارها بالبقاء في منزلها، ولا تزال مرابطة فيه حتى اليوم.
نزوح تحت تهديد السلاحفي مشهد آخر من مشاهد الحرب، عايش عبد الودود يوسف عبد القادر، من قرية تمبول شرقي ولاية الجزيرة، يومًا عصيبًا في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما تعرضت قريته لهجوم عنيف شنته قوات الدعم السريع، ردًا على انشقاق قائد قطاع الجزيرة التابع لها، بقيادة أبو عاقلة كيكل، وانضمامه إلى صفوف الجيش السوداني.
عبد الودود، الذي كان ضمن مئات النازحين من القرية، وصف للجزيرة نت مشاهد مأساوية حيث "دخل عناصر الدعم السريع إلى المنازل وهم يصوبون أسلحتهم نحو الرجال والنساء والأطفال، مارسوا النهب والحرق والاغتصاب، وطالبوا السكان بتسليم الأموال والذهب، ومن اعترض على ذلك قُتل على الفور".
إعلانواضطر عبد الودود مع 17 أسرة أخرى إلى الفرار باستخدام شاحنة متهالكة، وسط موجات بشرية هائلة من الفارين على الطرقات.
وكانت أولى محطاتهم بمنطقة أبو دليق حيث استقبلتهم قبيلة البطاحين، وواصلوا طريقهم صوب مدينة شندي شمالي السودان التي قدم أهاليها لهم التكايا والمبادرات الخيرية المساعدة، ثم أكملوا رحلتهم إلى أم درمان بحثًا عن الأمان.