اكتسبت الأزمة النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران بعدًا جديدًا مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة.

وتفسّر طهران سعي ترامب إلى إدراج عدة قضايا – مثل الملف النووي الإيراني وتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وعلاقات إيران مع القوى الإقليمية، مثل حزب الله وأنصار الله، ضمن أجندة المفاوضات المحتملة- على أنه "محاولة لإلغاء سيادتها أو تقييدها".

وفي حين يصرح ترامب برغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإنه في الوقت نفسه يفضل اتباع سياسة أكثر عدوانية تجاهها.

أما إسرائيل، فتتبنى موقفًا متشددًا، مؤكدة أنه "لا يوجد خيار سوى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وجعلها غير صالحة للاستخدام".

وبينما يعيد ترامب تطبيق "سياسة الضغط الأقصى" على إيران، فإنه يزيد الضغط على طهران من خلال تحميلها مسؤولية العمليات التي تنفذها حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر دعمًا لغزة.

وفي ظل تصاعد التوتر بين البلدين يومًا بعد يوم، تأثرًا بالتطورات الإقليمية، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني آية الله خامنئي. ومع دخول العلاقات بينهما مرحلة أكثر توترًا وازدياد حدة الأزمة، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران. كما اجتمع وزراء خارجية إيران، وروسيا، والصين، في 14 مارس/ آذار 2025، في بكين؛ لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والتطورات الجارية.

إعلان

ومن جانبها، ترتبط إيران باتفاقيات تعاون إستراتيجي منفصلة مع كل من روسيا، والصين.

وفي ظل تصاعد الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران، يبقى السؤال مطروحًا حول "مدى تأثير هذه الاتفاقيات الإستراتيجية بين طهران، وموسكو، وبكين لصالح إيران".

رسالة ترامب إلى خامنئي

أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر دولة الإمارات، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. ولم تصدر أي تصريحات تفصيلية من طهران أو واشنطن حول مضمون الرسالة.

ومع ذلك، أكد كل من آية الله خامنئي والرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في العديد من الخطابات، أن "الولايات المتحدة تسعى لممارسة الضغوط على إيران، وأنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط".

كما شدد نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على أن "إيران لا ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها لن تدخل في مفاوضات في ظل الظروف الحالية".

هل ستؤدي رسالة ترامب إلى تغيير في موقف إيران؟

حتى الآن، لم يظهر أي تغيير ملحوظ في تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين بعد وصول الرسالة إلى طهران. لكن يمكن القول إن "الرسالة لقيت معاملة جدية كبيرة في إيران".

ووفقًا لمصدر أكاديمي إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، فقد عُقدت اجتماعات مكثفة ضمت شخصيات إصلاحية ومحافظة بارزة عقب وصول الرسالة إلى آية الله خامنئي.

وأوضح المصدر أن "الرسالة لم تُكتب بلغة دبلوماسية، بل احتوت على العديد من العبارات التهديدية". وأضاف أن ترامب قدم في رسالته شرطًا مسبقًا لاستئناف المفاوضات، يتمثل في الوقف الكامل لدعم جميع القوى الإقليمية الحليفة لإيران، كما حدد موضوع المفاوضات بأنه "التخلي التام عن تخصيب اليورانيوم وإغلاق المنشآت النووية".

وختم رسالته بالقول إنه "في حال التوصل إلى اتفاق ضمن هذا الإطار، ستُرفع العقوبات المفروضة على إيران". أما إذا لم يُتوصل إلى اتفاق، فستواجه إيران أولًا ضغوطًا اقتصادية ساحقة، تليها أقسى عملية عسكرية ضدها.

إعلان

وقد تزامنت هذه الرسالة مع تصريحات ترامب الأخيرة التي حمّل فيها إيران مسؤولية التطورات في اليمن وغزة، مما يدعم صحة المعلومات التي نقلها المصدر الأكاديمي الإيراني حول مضمون الرسالة.

لكن هل تعني تلك الرسالة أن الولايات المتحدة باتت على وشك شن هجوم عسكري على إيران؟

ليس بالضرورة، فقد شهدت فترة ترامب الأولى توترات حادة مع كوريا الشمالية؛ بسبب برنامجها النووي والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ووصلت التهديدات إلى مستويات خطيرة. ومع ذلك، أرسل ترامب رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في تلك الفترة، أعقبها عقد قمة سنغافورة عام 2018، التقى فيها ترامب وكيم وجهًا لوجه لأول مرة.

لذلك، قد تكون رسالة ترامب إلى خامنئي "جزءًا من دبلوماسية التهديد والضغط"، وليست بالضرورة مؤشرًا على اقتراب مواجهة عسكرية مباشرة.

زيارة لافروف إلى طهران تثير الجدل

زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العاصمة الإيرانية طهران في نهاية شهر فبراير/ شباط 2025، حيث التقى بنظيره الإيراني، عباس عراقجي، وذلك في وقت بدا فيه أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم مبدئي حول حل أزمة أوكرانيا، وفي ظل تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين رسائل ودية.

ولهذا السبب، فسّرت الأوساط السياسية في طهران زيارة لافروف بأنها "إشارة إلى احتمال تخلّي روسيا عن إيران، خاصة مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن وازدياد تعقيد الأزمة وارتفاع احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري مقارنة بالسابق".

وقالت وسائل إعلام إيرانية إن لافروف عرض خلال زيارته التوسّط بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي.

وفي ذلك الوقت، صرح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، خلال ظهوره في برنامج تلفزيوني، بأن "روسيا لعبت دورًا معرقلًا وليس بناء في المفاوضات النووية التي أُجريت خلال فترة إدارة أوباما".

إعلان

وأشارَ العديد من الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية إلى أن "زيارة لافروف عززت الشكوك بشأن نوايا موسكو تجاه طهران"، مشددة على أن "روسيا خانت إيران في سوريا، وهو ما أدّى إلى تراجع ثقة طهران في موسكو".

اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا

قبل أيام من تولّي دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موسكو، حيث وقّع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين البلدين.

وتشمل الاتفاقية مجالات متعدّدة، من التجارة والطاقة إلى التعاون العسكري والثقافي. وأصدر الكرملين بيانًا حول تفاصيل الاتفاقية، وكان أبرز ما ورد فيه هو البند المتعلّق بالتعاون العسكري.

ووفقًا للاتفاقية:

سيتحرك البلدان معًا ضد التهديدات العسكرية المشتركة، وسيجريان مناورات مشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجال العسكري والتقني. إذا تعرض أحد البلدين لهجوم، فإن الطرف الآخر يتعهد بعدم تقديم أي دعم للدولة المعتدية. يلتزم الطرفان بعدم السماح باستخدام أراضيهما من قبل أي حركات انفصالية قد تضر باستقرار الدولة الأخرى. سيُعزز التعاون بين أجهزة المخابرات والأمن في البلدين، مع زيادة تبادل المعلومات والخبرات.

ويتضح من بيان الكرملين أن روسيا لا تتعهد بالدفاع عن إيران في حال تعرضها لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلتيهما معًا، بل تقتصر التزاماتها على عدم دعم الدول المهاجمة فقط.

ويمكننا القول، استنادًا إلى التجارب التاريخية، أن "التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران سيكون محدودًا من قبل موسكو".

على سبيل المثال، تكشف الوثائق الاستخباراتية السوفياتية أن الاتحاد السوفياتي رفض، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، طلب إيران تزويدَها بنظام صواريخ تكتيكية، رغم أنّ إيران كانت تعتبر قدرات إسرائيل الصاروخية تهديدًا إستراتيجيًا لها آنذاك.

إعلان

وفي عام 1989، طلبت إيران من الاتحاد السوفياتي المساعدة التقنية في تصميم نظام صواريخ تكتيكية بمدى 300 كيلومتر وقدرة حمولة 500 كيلوغرام، بالإضافة إلى تزويدها بصواريخ "R-17Eh"، لكن جهاز الاستخبارات السوفياتي "KGB" رفض هذا الطلب، بحجة أنه يتعارض مع سياسة منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي ناقشتها موسكو مع واشنطن.

كما تكشف الوثائق أن القيادة السوفياتية اعتبرت أن هدف إيران لم يكن مجرد الحصول على صاروخ تكتيكي بسيط، بل امتلاك التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ متوسطة المدى مشابهة لتلك التي تمتلكها إسرائيل.

وفي اجتماع مجموعة العمل الوزارية السوفياتية بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1989، تقرَّر رسميًا رفض طلب إيران للحصول على المساعدة التقنية.

وفي عهد ترامب، كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت في عهد بايدن.

ومن المتوقع أن يكون لهذا الاختلاف تأثير سلبي على العلاقات بين موسكو وطهران. فروسيا تسعى حاليًا إلى إعادة بناء علاقاتها مع واشنطن عبر ملف الحرب الأوكرانية.

وفي ظل هذا التقارب، من غير المرجح أن تتخذ موسكو خطوات من شأنها تعكير صفو علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، حتى مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

باختصار، رغم توقيع "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين روسيا وإيران، فإن التجارب التاريخية والتطورات الجيوسياسية تشير إلى أن "روسيا لن تخاطر بعلاقتها مع واشنطن من أجل الدفاع عن طهران".

ماذا ستفعل الصين؟ في عام 2021، وقّعت إيران والصين اتفاقية "التعاون الشامل لمدة 25 عامًا"، وهي اتفاقية اقتصادية وليست عسكرية، تتجاوز بموجبها الصين العقوبات الأميركية لشراء النفط الإيراني بأسعار منخفضة، وفي المقابل، ستستثمر في إيران.

وتعد هذه الاتفاقية جزءًا من مشروع الصين الضخم "الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين كقوّة عالمية من خلال إنشاء روابط اقتصادية وإستراتيجية. ولذلك، فإنها لا تشمل التعاون العسكري أو الدفاع المشترك بين البلدَين.

ويمكن اعتبار هذه الاتفاقية امتدادًا للعلاقات التاريخية بين إيران والصين، والتي كانت قائمة في الغالب على التعاون الاقتصادي لا العسكري. فتاريخيًا، فضلت الصين دائمًا البقاء على مسافة من الصراعات العسكرية المباشرة، وكانت علاقتها بإيران قائمة على المصالح الاقتصادية.

إعلان

وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، لجأت إيران إلى الصين لسد احتياجاتها من الأسلحة.

ومع ذلك، لم تقتصر الصين على دعم إيران، بل سعت إلى تحقيق توازن في صادراتها العسكرية، مستغلة الصراع كفرصة اقتصادية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن الصين باعت أسلحة لإيران، فإنها لم تقف بجانبها ضد العراق.

وخلال الحرب، بلغ إجمالي مبيعات الصين العسكرية لإيران 1.843 مليار دولار، بينما باعت للعراق بأكثر من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف صادراتها إلى إيران.

وكان أهم سلاح قدمته الصين لإيران خلال الحرب هو الصواريخ المضادة للسفن، التي لعبت دورًا مهمًا في الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد السفن التي كانت تنقل النفط والسلع إلى العراق خلال ما عُرف بـ "حرب ناقلات النفط".

ورغم أهمية هذا السلاح، باعت الصين 80 صاروخًا فقط من طراز "سيلك وورم" لإيران، بينما باعت أكثر من 200 صاروخ من نفس الطراز للعراق.

ومن ناحية أخرى، لم يكن موقف الصين داعمًا لإيران في القضايا النووية أيضًا. ففي 15 فبراير/ شباط 2006، عندما صوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على "إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي"، صوتت الصين ضد إيران إلى جانب روسيا والهند.

وعلى مدار السنوات، وفي العديد من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيران، امتنعت الصين عن دعم طهران، بل فضلت الامتثال للعقوبات الأميركية.

في مقالته "السياسة الخارجية الصينية تجاه الحرب العراقية- الإيرانية"، يقدم الأكاديمي الإيراني، محمد حسين جمشيدي، تحليلًا مهمًا لفهم موقف الصين من إيران، سواء في الحرب الباردة، أو في العصر الحالي.

حيث يقول: "لم تدعم الصين أيًا من الطرفين المتحاربين. فمنذ اندلاع الحرب بين إيران والعراق، كان القادة البراغماتيون في الصين يوجهون سياستهم الخارجية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، وكانوا يتخذون مواقفهم تجاه القضايا العالمية بناء على هذه الأولوية".

إعلان

وتابع: "من هذا المنظور، لم تكن الحرب سوى فرصة للصين لاختبار سياستها الخارجية المستقلة، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة. في الواقع، استغل الصينيون الحرب لتعزيز نفوذهم الاقتصادي والسياسي في المنطقة".

وفي ظل سعي الصين المستمر لتصبح قوة عالمية، يمكننا القول إن "بكين ستواصل نهجها التاريخي في تجنب التدخل العسكري المباشر لصالح المصالح الاقتصادية".

وفي طهران، يُطرح كثيرًا تساؤل حول "ما إذا كانت الصين حليفًا حقيقيًا لإيران".

وبعد الحرب الباردة، كانت إيران تثق بالصين أكثر من روسيا، لكن في الوقت الحالي، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات إستراتيجية مع بكين، تدرك إيران أن الصين ليست دولة يمكن الاعتماد عليها عسكريًا في حال وقوع أزمة كبرى.

ولا سيما في حال نشوب نزاع عسكري ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن إيران تعلم أنها ستكون وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة التعاون العسکری ی دونالد ترامب مع واشنطن بین إیران على إیران ترامب إلى العدید من رسالة إلى آیة الله موقف ا فی حال وفی ظل

إقرأ أيضاً:

هل تدفع التحركات العسكرية الأمريكية إيران لامتلاك القنبلة النووية

بقلم: د. حامد محمود
باحث متخصص فى شئون إيران والخليج العربى

د. حامد محمود

القاهرة (زمان التركية)ــ التحركات العسكرية الأخيرة، بما في ذلك إرسال حاملة طائرات ثانية إلى منطقة الشرق الأوسط من قبل وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، تُعد بمثابة إشارة قوية من واشنطن إلى استعدادها لرد عنيف على إيران إذا لم تتجاوب مع دعوتها للحوار سواء المباشر أو غير المباشر.

تصريحات مسؤولي البنتاجون التي أكدت أن الولايات المتحدة مستعدة لتفعيل “إجراءات حاسمة” إذا ما هددت إيران أو وكلاؤها في المنطقة مصالحها، تكشف عن مستوى عالي من الجاهزية العسكرية.

في الوقت الذي يفاقم فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغطه على إيران، بعد رسالة بعثها للمسؤولين الإيرانيين وضربات ضد حلفائهم الحوثيين في اليمن، تضاعف طهران مؤشرات توحي بالتوجه نحو مرحلة ردع نووي محتمل. فهل تتخطى طهران العتبة وتصنع القنبلة النووية؟

إيران بالمرحلة الأخيرة قبل امتلاك السلاح النووي..

باتت إمكانية تسلح إيران بقنبلة نووية أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى. فقد أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها بهذا الشأن، وأشارت في تقرير سري مؤرخ في 8 فبراير/الماضى، إلى أن احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ارتفعت بشكل كبير، لتبلغ 274.8 كلغ مقارنة بـ 182.3 كلغ في نوفمبر/تشرين الثاني. ما يمثل زيادة قدرها 51% خلال ثلاثة أشهر فقط.

وما يثير مخاوف الخبراء في المنطقة هو ارتفاع حدة التصريحات المتبادله بين ,واشنطن وطهران.

وأمهل الرئيس الأمريكي الإيرانيين شهرين لإبرام اتفاق حول برنامجهم النووي، عبر رسالة لم تكشف واشنطن ولا طهران عن محتواها.

هذا، وتعد الغارات الجوية التي شنتها واشنطن بداية من منتصف مارس، على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ” حلفاء إيران في اليمن ” أهم عملية عسكرية للرئيس الأمريكي ترمب منذ دخوله البيت الأبيض. وهو ما يعتبر تهديدا مباشرا لطهران.

لقد ساهمت عوامل عدة في زعزعة الخط الدفاعي الأمامي لإيران: حزب الله الذي صار أضعف بعد وفاة زعيمه حسن نصر الله في لبنان، سقوط بشار الأسد في سوريا، إلى جانب الحرب في غزة التي دمرت جزءا من حماس، والضربات الأمريكية التي طالت الحوثيين في اليمن.

وفي هذا الصدد، تحلل ويندي رمضان ألبان، الباحثة المشاركة في CETOBaC (مركز الدراسات التركية والعثمانية والبلقان وآسيا الوسطى) ومندوبة التنمية الدولية والعلاقات المؤسسية في IRSEM (معهد البحوث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية)، لفرانس24 قائلة إن “إيران صارت ضعيفة للغاية في ردعها الذي كان يعتمد بشكل أساسي على الصواريخ الباليستية وعلى شبكة “’المقاومة’ التابعة لها”. وتضيف: “استنزفت قوة ردعها إلى حد كبير، لا يُستغرب أن تلجأ إيران إلى النووي في سياق تعرضها بانتظام لتهديدات بالهجوم وخشية أن تطالها ضربات من إسرائيل”.

هل الوضع غير الآمن لإيران يدفعها لصنع القنبلة النووية؟

من المؤكد أن وجود إيران في وضعية غير آمنة، قد يدفعها إلى التسلح بالقنبلة النووية. هذا الأمر أيقظ بشكل خاص مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الصادر في شهر فبراير الماضى إذ يحتاج تصنيع القنبلة إلى يورانيوم مخصب بنسبة 90%، وإن كانت المراحل لإنتاج صواريخ مجهزة برؤوس حربية نووية. وتعتبر الوكالة أن نحو 42 كيلو جرام من اليورانيوم بنسبة 60% كافية نظريا لإنتاج قنبلة ذرية، إذا تم تخصيبها إلى نسبة 90%.

ورفعت إيران من مخزونها بشكل معتبر. وتشير التقديرات الى أن 274.8 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وفقا لأحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتوافق مع مادة نووية كافية لتصنيع ما يعادل ست إلى سبع قنابل. لكن، يجب زيادة تخصيب هذا اليورانيوم إلى نسبة 90%”.

ولعله من المرجح وكما تشير تقارير الوكالة الدولية الى ان العقبة الرئيسية التى كانت تقف امام الايرانيين هى الدورة النووية، أي التمكن من تخصيب فعلي من نسبة 5% إلى 20%… ولكن بمجرد تجاوز هذه العتبة، يصبح التخصيب أسهل بكثير فنيا للوصول إلى نسبة 60%. وبالتالي، إذا اتخذت إيران قرار الانتقال إلى معدل تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، فسيستغرق ذلك وقتا قصيرا للغاية للتحول من 60% إلى 90%. , وهو الامر الذى يهدد به بالفعل المرشد الاعلى للنظام فى ايران على خامنئى .

وإذا قرر النظام الإيراني اتخاذ المسار النووي العسكري، فسيتعيّن عليه تحويل هذه المواد إلى سلاح ذري. فقد طورت طهران بالفعل سلسلة من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي يمكنها حمل رؤوس حربية نووية. لكن سيتعين على النظام أيضا تصغير حجم السلاح النووي ليناسب رأس الصاروخ الباليستي. ما يعتبر خطوة حاسمة يمكن أن تستغرق من ستة أشهر إلى عامين، وفق تقديرات العديد من الخبراء.

لجوء طهران إلى “الردع النووي”

ومما لا شك فيه أن التوتر فى منطقة الشرق الأوسط منذ أحداث 7  أكتوبر والعدوان الإسرائيلى على غزة والضربات التى وجههتها لحزب الله وللجيش السورى، كلها عواملأدت الى تغير اللهجة والخطاب في طهران حول المسألة النووية، فمنذ عام تقريبا، بدأ الحديث عن الردع النووي يأخذ مساحات كبيرة في الأوساط السياسية الإيرانية وبشكل علني.

وقد ازدادات الامور تعقيدا مع تبادل القصف بين إيران وإسرائيل في الفترة ما بين أبريل وأكتوبر 2024، فأخذ العديد من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين بعين الاعتبار إمكانية إيران اللجوء إلى الردع النووي، خاصة إذا استخدمت إسرائيل التهديد بضرب البنية التحتية النووية الإيرانية كوسيلة للضغط. ما يعد أمرا جديدا تماما

في حين، أصبحت مسألة عسكرة البرنامج النووي والخروج من معاهدة منع الانتشار النووي في البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون المتشددون، موضوعا لمناقشات عادية ومن دون عُقد، خاصة من جانب المسؤولين المتشددين المنتخبين في جبهة الاستقرار.

كما أن التشدد في سياسة إيران الداخلية منذ انتخاب إبراهيم رئيسي – الذي توفي في مايو/أيار 2024 في حادث طائرة هليكوبتر – يبدو جليا في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تشكو من عدم قدرتها على الوصول إلى مواقع معيّنة.

لكن، يعتمد الخطاب الرسمي في إيران على فتوى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي التي تحظر بموجبها الأسلحة النووية دينيا. إذ أكد علي خامنئي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن إيران “لا تبحث عن القنبلة الذرية” لأن “الإسلام لا يسمح لنا بذلك ” على حد قوله .

وهو الخط الذي يواصل الرجل الأول في النظام الإيراني التمسك به. فبعد تلقي رسالة دونالد ترامب التي تطالبه بالتوصل إلى اتفاق بشأن الأسلحة النووية، رد المرشد الأعلى في 12 مارس على الرئيس الأمريكي قائلا إنه “عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية”، تقول الولايات المتحدة إنها “لن تسمح لإيران بامتلاكها. إذا أردنا صنع أسلحة نووية، فلن تتمكن أمريكا من إيقافنا. وحقيقة أننا لا نملك أسلحة نووية ولا نسعى للحصول عليها تعود إلى أننا لا نريد امتلاكها”.

هل ينجح نهج ترامب في التعامل مع إيران؟

ويرفض خامنئي أي نقاش مباشر مع الولايات المتحدة طالما تبقى العقوبات الدولية مسلطة على إيران.

من جانبه، وفي حين يدعو عبر البعث برسالة، إلى التفاوض، يستمر ترامب في الوقت ذاته بممارسة سياسة “الضغط الأقصى” على الجمهورية الإسلامية، من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية عليها، خاصة في ما يتعلق بقطاع النفط. فيسعى دونالد ترامب ببشكل خاص إلى منع شراء الصين للنفط الإيراني، علما أن الصينيين هم الزبائن الرئيسيون للجمهورية الإسلامية التي تعتمد على صادراتها بشكل رئيسي.

اقرأ أيضاإيران تتلقى رسالة من ترامب عبر المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي

إذن، فهل سينجح النهج الدبلوماسي لدونالد ترامب، والقائم على تركيع الخصم ثم إجباره على التفاوض، في جلب الإيرانيين إلى طاولة المحادثات؟ بالنسبة لدافيد ريغولي روز، فإن تهديدات ترامب، سواء تعلق الأمر بالعقوبات والتوعد بتشديدها عبر “الضغط الأقصى”، أو فرضية عملية عسكرية في حال رفض المحادثات، تبدو “غير مسموعة” في طهران، التي لا تعتمد نفس اللغة “المزدوجة” التي يتقنها الرئيس الأمريكي.

ويذكر أنه، في العام 2015، أبرمت إيران اتفاقا في فيينا مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والصين وروسيا والولايات المتحدة لتأطير برنامجها النووي. وفي المقابل، تعهدت الدول المصادقة على الاتفاق بتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران. لكن في العام 2018، قام دونالد ترامب، خلال فترة ولايته الأولى، بسحب بلاده بشكل أحادي من الاتفاق – الذي التزمت به طهران، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية – وأعاد فرض عقوبات شديدة على طهران. وكان لهذه الاستراتيجية تأثير عكسي، إذ دفعت إيران إلى استئناف برنامجها النووي المثير للجدل في العام 2019.

إيران تتمتع بالخبرة النووية

وفي حال الخيار العسكري، أي إذا قررت القوات الامريكية منفرده او معها الجيش الإسرائيلي مهاجمة المواقع النووية الإيرانية الرئيسية في نطنز وفوردو ـ التي يُرجح أن تكون على عمق أكثر من ستين مترا تحت الأرض ـ فى ظل استدعاء 6 طائرات من طراز بي 2 القادرة على حمل ذخائر قادرة على التوغل في أعماق الأرض.

وان كانت بعض التقارير العسكرية تجزم بأنه قد لا تتمكن حتى قنبلة من نوع جي بي يو-57 أ/بGBU-57 A/B أو القنبلة الخارقة من نوع الذخائر الضخمة GBU-57A/B (MOP) Massive Ordnance Penetrator بالضرورة تجاوز عمق 60 مترا. في هذا الاحتمال، ورفم ذلك فمما لا شك فيه أنها س ستخلف أضرارا كبيرة، وان كانت لن توقف البرنامج النووي الإيراني”.

وفى التحليل النهائى .. يمكن القول بأن إيران لديها الخبرة والمهارة النووية التى اكتسيتها فى العقدين الاخيرين ، فإذا حدثت أضرار -مهما كان حجمها- فإن الإيرانيين سيعرفون كيف يصلحونها. هم يعملون لمدة عشرين عاما لتأمين مواقع برنامجهم النووي. ولديهم الآن الخبرة اللازمة ومنظومة من المهندسين من ذوي الكفاءة. يمكن للآلات أن تدمر، لكن إعادة بنائها ممكنة أيضا. أما الأدمغة فلا تختفي بشكل آلي. وهنا يكمن المشكل الحقيقي .

Tags: احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصبالقنبلة النووية الايرانيةاليورانيوم المخصبامتلاك ايران القنبلة النووية

مقالات مشابهة

  • إيران ترفض إجراء مفاوضات مباشرة مع واشنطن وعرض روسي للوساطة
  • لماذا أفرز الرد الإيراني على رسالة ترامب تباينا في طهران؟
  • خبيرة: إيران تسعى لاتفاق يخفف العقوبات ويجنبها التصعيد
  • هل تدفع التحركات العسكرية الأمريكية إيران لامتلاك القنبلة النووية
  • رداً على رسالة ترامب.. الجيش الإيراني "سنصد أي اعتداء بحسم"
  • روبيو: إيران لن تحصل أبدا على سلاح نووي
  • هل تدق طبول الحرب؟ عشرة أسباب تجعل المواجهة بين أمريكا وإيران مستبعدة… حتى الآن
  • تصاعد المواجهة التجارية.. ترامب يحذر المستثمرين بينما ترد الصين بإجراءات مضادة
  • الصين ترد بفرض رسوم إضافية ضد أميركا وترامب يهدد