تقديم: محمد مستعد

يقدم موقع “اليوم 24” مقتطفات من ترجمة كتاب “طنجة – حبيبتي” للصحفي المغربي الكبير الراحل عمر سليم. الكتاب الذي سبق أن صدر بالفرنسية في 2006 هو سيرة ذاتية روائية كما كان يحلو للراحل تسميتها. ويمكن اعتبارها بمثابة رسالة حب وعشق كبيرين إلى طنجة التي عاش فيها لمدة طويلة قادما من باريس، وإلى مهنة الصحافة و”للكلمة الجميلة والمناسبة” le bon mot في اللغة الفرنسية التي عشقها حتى النخاع.


إلى جانب كون الكتاب تحية حب للحياة وللأمكنة (طنجة وباريس…) فإنه يسلط الضوء على صفحات من التاريخ الراهن للصحافة المغربية سواء في علاقتها بفرنسا مما سمح بإنشاء إذاعة “ميدي 1” المغربية الفرنسية في 1980، أو في ما يتعلق بتاريخ انطلاقة القناة الثانية 2M بدعم من فرنسا وكندا، أو في ما يتعلق أيضا بمرحلة عاشها عمر سليم مع الصحافة الحزبية في جريدتي “البيان” (حزب التقدم والاشتراكية)، و”لوبينيون” (حزب الاستقلال).
عرفت عمر سليم عن قرب واشتغلت معه في إذاعة “ميدي1” ثم في القناة الثانية. وبقينا على اتصال في غالب الأوقات حتى بعد أن فرقت بيننا سبل مهنة الصحافة: “أدب العصر الراهن” كما كان يعرفها جان بول سارتر. وقد قمت بترجمة هذا الكتاب بعد اتفاق مع الراحل لكن لم يكتب له النشر حتى اليوم. وهذه المقتطفات تنشر اليوم لأول مرة في جريدة مغربية.


“طنجة – حبيبتي”
إلى أمي
إلى ذكرى جدتي
وإلى ذكرى محمد شكري

(…) كان المسرح المغربي في نهاية السبعينات مجرد شبح. ولم تعد الفترة الذهبية التي عاشها بعد الاستقلال في 1956 سوى ذكرى بعيدة. رجال المسرح الحقيقيون أصبحوا يعيشون مدفونين في بيوت العزاب، يعيشون على ذكريات المجد الماضية. لم يبق لديهم سوى ذاكرتهم للبكاء، وللنوسطالجيا حتى لا ينسوا وحتى لا يفقدوا الأمل. وهي وضعية أخطر من تلك التي يعيشها لاعب كرة القدم المتقاعد الذي يضطر إلى الاقتناع بضرورة التوقف عن لعب الكرة نظرا لكبره في السن. أما الممثل أو المخرج، فيمكنهما الاستمرار في ممارسة المهنة إلى آخر أيامهما. كانت مهنة المسرح تغرق في ما يشبه نكبة عميقة نتيجة تعاقب عدد من الأحداث والتطورات السياسية. لقد كان المسرح غارقا في حداد عميق.
كان الممثلون في عطالة ينتظرون في خمول، طيلة النهار في المقاهي، أن يمن عليهم البعض بابتسامة ودية أو بدعوة قد تأتي أو لا تأتي. والمحظوظون منهم هم الذين يستطيعون أن يتحولوا إلى ممارسة مهن أخرى. أما العشاق المتحمسون للمسرح فكانوا يسقطون في الإدمان على الخمر أو على المخدرات بحيث تتحول عندهم الدراما إلى تراجيديا بشكل سريع. ومن بين هؤلاء كان عبد الرحيم إسحاق، أحد عمالقة المسرح المغربي. فبعد سنوات من التشرد والتسكع، عثر عليه ميتا في إحدى المزابل العمومية نتيجة إفراطه في شرب الكحول الحارقة.
من بين العلامات الدالة على هذا الفقر الثقافي الذي تم التخطيط له وهندسته بمهارة، كانت هناك عملية هدم المسرح البلدي بالدار البيضاء الذي كان تحفة معمارية أبدعها المهندس الفرنسي “هيبوليت دولابورت” في 1922، وكان من الممكن أن تبقى تحفة خالدة. لقد كانت فضاء مشهورا احتضن كبار الممثلين وأشهر نجوم الغناء العالميين. لكن تم تدميرها بالفأس والمطرقة بحجة أنها أصبحت قديمة حسب الرواية الرسمية. لقد كانت خسارة حقيقية. !
هذا هو العالم القاسي والصعب الذي كنت أريد أن أغامر فيه. كانت هناك شبه كمامة وضعت على عيني بثبات بحيث لم يكن باستطاعة أي شيء أو أي أحد في العالم أن يجعلني أتراجع عن قراري. كنت أريد أن أرى بنفسي ما يجري. وهو ما سيقع بالفعل.
كنت قد تعرفت في مدرسة “كريت” l’école des Crêtes التي كان يديرها والدي (كان والد عمر سليم مديرا لهذه المدرسة في الدار البيضاء – هامش المترجم) على أستاذ شغوف بالمسرح اسمه “جعفر”. هذا الأخير استطاع أن يساعدني على تكوين فرقة مسرحية، بل أكثر من ذلك، ساعدني على الحصول على دعم من وزارة الشبيبة والرياضة. وهكذا قمنا بتكوين فرقة بدون صعوبة كبيرة، وحصلنا على دعم قدره ألف درهم في السنة، وهو مبلغ هزيل من المفروض أن يحبط عزيمة أكبر المغامرين. اقترح علي “جعفر” إخراج مسرحية “الأم” للكاتب السويسري الناطق بالألمانيةFriedrich Durrenmatt “فريديريش دورنمات” (في الصورة فرقة أجنبية تمثل هذه المسرحية – هامش المترجم). كنا نتدرب داخل أحد أقسام المدرسة كل مساء، إلا أنني ما لبثت أن اكتشفت، بعد مرور بضعة أيام فقط، المستوى الهزيل جدا للممثلين وخاصة مستوى ممثلة كانت تقوم بدور “الأم”. كانت نادية شابة في مقتبل العمر لكنها كانت تبدو وكأنها تحمل على كتفيها هموم الدنيا بكاملها. نحيفة، أسنانها القاطعة القصيرة تكشف عن أصولها الفقيرة، ضامرة الوجه وحزينة. كانت تمشي مشية خجولة ومترددة بحركات عديمة المهارة وغير دقيقة
(….)
لم يتم عرض مسرحية “الأم” أمام الجمهور سوى مرتين. وكنت أعرف تمام المعرفة أن علي أن أختار بين أمرين: إما أن أضاعف من جهودي، أو أن أعتزل المسرح. لكن كيف يمكن العمل من أجل الحصول على بطاقة الانتماء إلى أسرة المسرح المتفككة والمتحللة والممزقة تماما؟ وكيف يمكن جمع ما هو مشتت أصلا؟ (عمر سليم.. ترجمة محمد مستعد ).

أنظر أيضا:
“اليوم24” تنفرد بنشر حلقات من سيرة الصحافي الراحل عمر سليم.. حب فاشل في باريس (حلقة1)https://alyaoum24.com/1828920.html

كلمات دلالية عمر سليم

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: عمر سليم عمر سلیم

إقرأ أيضاً:

مبابي.. «مصاب» مع «الديوك» و«سليم» مع الريال!

أنور إبراهيم (القاهرة)
رغم أن ديديه ديشامب المدير الفني لمنتخب فرنسا لم يستدع نجمه كيليان مبابي لاعب ريال مدريد، إلى قائمة «الديوك»، التي تخوض مباراتين أمام إسرائيل وبلجيكا في دوري الأمم الأوروبية، يومي 10 و14 أكتوبر على التوالي، إلا أن الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني للريال ضم «فتى بوندي المدلل» إلى قائمة الفريق، الذي يلعب اليوم أمام فياريال في الجولة التاسعة للدوري الإسباني.
ويا لها من مفارقة غريبة أثارت دهشة شبكة شبكة راديو وتلفزيون «مونت كارلو سبورت»، لأن المصادر الصحفية الإسبانية أعلنت أن مبابي ليس جاهزاً ويحتاج إلى راحة أطول، وبدا هذا واضحاً خلال الفترة التي لعبها في مباراة ليل في دوري أبطال أوروبا، والتي لم يكن فيها مقنعاً على الإطلاق.
وأصيب مبابي في ساقه اليسرى خلال مباراة ديبورتيفو ألافيس في «الليجا» يوم 24 سبتمبر الماضي، وقيل وقتها إن الإصابة تحتاج إلى 3 أسابيع على الأقل، ولكن بطل العالم المتوج بمونديال روسيا 2018، لم يحترم هذه المدة، وإذا به ينضم إلى قائمة الريال في مباراة ليل الأخيرة في الجولة الثانية لدوري أبطال أوروبا، مؤكداً الشفاء التام من الإصابة وقدرته على لعب المباراة، وهو ما حدث فعلاً حيث شارك في شوطها الثاني، ولكنه لم يفعل شيئاً.
غير أن أنشيلوتي أوضح أن مهاجمه الفرنسي قادر على اللعب وتدرب مع بقية زملائه الجمعة، بل إن صحيفتي «ماركا» و«آس» أعلنتا أن مبابي سيكون أساسياً أمام فياريال.
وكان ديشامب شرح خلال مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه قائمة «الديوك» لمباراتي «الأجندة الدولية»، أسباب عدم استدعائه لمبابي، مؤكداً أنه لا يريد المخاطرة بالدفع به من دون أن يكون مكتمل الجاهزية.
وقال إن مبابي يعاني من مشكلة عضلية ليست خطيرة، ولكنه في حاجة إلى مزيد من العناية حتى يعود إلى «فورمته» 100%، وعلق قائلاً: لست هنا لكي أخاطر بسلامة اللاعب ولهذا استبعدته من القائمة.
وعندما سُئل أنشيلوتي عن عدم ضم ديشامب لمبابي في معسكر«الديوك»، قال: أنا لا أتدخل في عمل المديرين الفنيين للمنتخبات الوطنية، مشيراً إلى أن الجهاز الطبي بالنادي تحدث مع مسؤولي منتخب فرنسا، وبناء على ذلك اتخذوا قرار ضمه إلى قائمة الفريق أمام فياريال.
ويأمل عشاق ريال مدريد في أن ينشط الفريق من جديد بعد الهزيمة المفاجئة أمام ليل، وذلك قبل المواجهات المهمة التي يخوضها بعد مباريات «الأجندة الدولية» حيث يواجه بروسيا دورتموند الألماني 22 أكتوبر في الجولة الثالثة لدوري أبطال أوروبا، ثم يواجه برشلونة 26 أكتوبر في «كلاسيكو الأرض»، ولابد أن يكون مبابي في «الفورمة» لكي يخوض هاتين المباراتين.

أخبار ذات صلة أنشيلوتي: الريال يفتقر إلى القوة والسرعة والشدة! ريال مدريد «كبوة».. وبرشلونة «سحابة»!

مقالات مشابهة

  • حلقات استشارية تخصصية لرواد الأعمال في محافظة مسندم
  • مبابي.. «مصاب» مع «الديوك» و«سليم» مع الريال!
  • جيهان أنور لـ«الوطن»: صورت حلقة واحدة من مسلسل «كنبة حبشي» وارتديت الحجاب
  • هذه حقيقة السيدة اليزيدية التي كانت في قطاع غزة / فيديو
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • لطفي لبيب: المسرح بيتي الذي أعشقه.. وتوجهت للكتابة الأدبية بعد اعتزال الفن
  • على هامش معرض كتاب “الصحفيين”.. عرض الفيلم الوثائقي "عبدالمنعم رياض.. سيرة المقاتل الشهيد" من إنتاج القناة الوثائقية
  • علي هامش مهرجان الإسكندرية السينمائي.. «لطفي لبيب»: أعشق المسرح فهو أهم شيء لي فهو بيتي الذي أعشقه
  • مسلسل قيامة عثمان.. ماذا يخبئ الموسم السادس؟.. أحداث درامية مشوقة وموعد العرض رسميا