حلقات من سيرة الصحافي الراحل عمر سليم... العودة إلى المغرب وحب المسرح (الحلقة 2)
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
تقديم: محمد مستعد
يقدم موقع “اليوم 24” مقتطفات من ترجمة كتاب “طنجة – حبيبتي” للصحفي المغربي الكبير الراحل عمر سليم. الكتاب الذي سبق أن صدر بالفرنسية في 2006 هو سيرة ذاتية روائية كما كان يحلو للراحل تسميتها. ويمكن اعتبارها بمثابة رسالة حب وعشق كبيرين إلى طنجة التي عاش فيها لمدة طويلة قادما من باريس، وإلى مهنة الصحافة و”للكلمة الجميلة والمناسبة” le bon mot في اللغة الفرنسية التي عشقها حتى النخاع.
إلى جانب كون الكتاب تحية حب للحياة وللأمكنة (طنجة وباريس…) فإنه يسلط الضوء على صفحات من التاريخ الراهن للصحافة المغربية سواء في علاقتها بفرنسا مما سمح بإنشاء إذاعة “ميدي 1” المغربية الفرنسية في 1980، أو في ما يتعلق بتاريخ انطلاقة القناة الثانية 2M بدعم من فرنسا وكندا، أو في ما يتعلق أيضا بمرحلة عاشها عمر سليم مع الصحافة الحزبية في جريدتي “البيان” (حزب التقدم والاشتراكية)، و”لوبينيون” (حزب الاستقلال).
عرفت عمر سليم عن قرب واشتغلت معه في إذاعة “ميدي1” ثم في القناة الثانية. وبقينا على اتصال في غالب الأوقات حتى بعد أن فرقت بيننا سبل مهنة الصحافة: “أدب العصر الراهن” كما كان يعرفها جان بول سارتر. وقد قمت بترجمة هذا الكتاب بعد اتفاق مع الراحل لكن لم يكتب له النشر حتى اليوم. وهذه المقتطفات تنشر اليوم لأول مرة في جريدة مغربية.
“طنجة – حبيبتي”
إلى أمي
إلى ذكرى جدتي
وإلى ذكرى محمد شكري
(…) كان المسرح المغربي في نهاية السبعينات مجرد شبح. ولم تعد الفترة الذهبية التي عاشها بعد الاستقلال في 1956 سوى ذكرى بعيدة. رجال المسرح الحقيقيون أصبحوا يعيشون مدفونين في بيوت العزاب، يعيشون على ذكريات المجد الماضية. لم يبق لديهم سوى ذاكرتهم للبكاء، وللنوسطالجيا حتى لا ينسوا وحتى لا يفقدوا الأمل. وهي وضعية أخطر من تلك التي يعيشها لاعب كرة القدم المتقاعد الذي يضطر إلى الاقتناع بضرورة التوقف عن لعب الكرة نظرا لكبره في السن. أما الممثل أو المخرج، فيمكنهما الاستمرار في ممارسة المهنة إلى آخر أيامهما. كانت مهنة المسرح تغرق في ما يشبه نكبة عميقة نتيجة تعاقب عدد من الأحداث والتطورات السياسية. لقد كان المسرح غارقا في حداد عميق.
كان الممثلون في عطالة ينتظرون في خمول، طيلة النهار في المقاهي، أن يمن عليهم البعض بابتسامة ودية أو بدعوة قد تأتي أو لا تأتي. والمحظوظون منهم هم الذين يستطيعون أن يتحولوا إلى ممارسة مهن أخرى. أما العشاق المتحمسون للمسرح فكانوا يسقطون في الإدمان على الخمر أو على المخدرات بحيث تتحول عندهم الدراما إلى تراجيديا بشكل سريع. ومن بين هؤلاء كان عبد الرحيم إسحاق، أحد عمالقة المسرح المغربي. فبعد سنوات من التشرد والتسكع، عثر عليه ميتا في إحدى المزابل العمومية نتيجة إفراطه في شرب الكحول الحارقة.
من بين العلامات الدالة على هذا الفقر الثقافي الذي تم التخطيط له وهندسته بمهارة، كانت هناك عملية هدم المسرح البلدي بالدار البيضاء الذي كان تحفة معمارية أبدعها المهندس الفرنسي “هيبوليت دولابورت” في 1922، وكان من الممكن أن تبقى تحفة خالدة. لقد كانت فضاء مشهورا احتضن كبار الممثلين وأشهر نجوم الغناء العالميين. لكن تم تدميرها بالفأس والمطرقة بحجة أنها أصبحت قديمة حسب الرواية الرسمية. لقد كانت خسارة حقيقية. !
هذا هو العالم القاسي والصعب الذي كنت أريد أن أغامر فيه. كانت هناك شبه كمامة وضعت على عيني بثبات بحيث لم يكن باستطاعة أي شيء أو أي أحد في العالم أن يجعلني أتراجع عن قراري. كنت أريد أن أرى بنفسي ما يجري. وهو ما سيقع بالفعل.
كنت قد تعرفت في مدرسة “كريت” l’école des Crêtes التي كان يديرها والدي (كان والد عمر سليم مديرا لهذه المدرسة في الدار البيضاء – هامش المترجم) على أستاذ شغوف بالمسرح اسمه “جعفر”. هذا الأخير استطاع أن يساعدني على تكوين فرقة مسرحية، بل أكثر من ذلك، ساعدني على الحصول على دعم من وزارة الشبيبة والرياضة. وهكذا قمنا بتكوين فرقة بدون صعوبة كبيرة، وحصلنا على دعم قدره ألف درهم في السنة، وهو مبلغ هزيل من المفروض أن يحبط عزيمة أكبر المغامرين. اقترح علي “جعفر” إخراج مسرحية “الأم” للكاتب السويسري الناطق بالألمانيةFriedrich Durrenmatt “فريديريش دورنمات” (في الصورة فرقة أجنبية تمثل هذه المسرحية – هامش المترجم). كنا نتدرب داخل أحد أقسام المدرسة كل مساء، إلا أنني ما لبثت أن اكتشفت، بعد مرور بضعة أيام فقط، المستوى الهزيل جدا للممثلين وخاصة مستوى ممثلة كانت تقوم بدور “الأم”. كانت نادية شابة في مقتبل العمر لكنها كانت تبدو وكأنها تحمل على كتفيها هموم الدنيا بكاملها. نحيفة، أسنانها القاطعة القصيرة تكشف عن أصولها الفقيرة، ضامرة الوجه وحزينة. كانت تمشي مشية خجولة ومترددة بحركات عديمة المهارة وغير دقيقة
(….)
لم يتم عرض مسرحية “الأم” أمام الجمهور سوى مرتين. وكنت أعرف تمام المعرفة أن علي أن أختار بين أمرين: إما أن أضاعف من جهودي، أو أن أعتزل المسرح. لكن كيف يمكن العمل من أجل الحصول على بطاقة الانتماء إلى أسرة المسرح المتفككة والمتحللة والممزقة تماما؟ وكيف يمكن جمع ما هو مشتت أصلا؟ (عمر سليم.. ترجمة محمد مستعد ).
أنظر أيضا:
“اليوم24” تنفرد بنشر حلقات من سيرة الصحافي الراحل عمر سليم.. حب فاشل في باريس (حلقة1)https://alyaoum24.com/1828920.html
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: عمر سليم عمر سلیم
إقرأ أيضاً:
بغداد اليوم تتقصى سيرة الإرهابي ابو يوسف.. ليس قياديًا وقاتل بـ 3 محافظات عراقية- عاجل
بغداد اليوم - دمشق
كشفت مصادر سورية، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024)، عن سيرة قيادي داعشي قتل مع أحد مرافقيه بضربة جوية في سوريا.
وقالت المصادر لـ"بغداد اليوم"، إن "العمليات الخاصة الامريكية قتلت المدعو ابو يوسف واحد مرافقيه باستهداف مركبتهما غرب البو كمال في سوريا مساء الخميس وهو مسؤول مفارز ميدانية تقع ضمن مناطق جسر الحسرات وليس قياديا متنفذا في التنظيم الارهابي كما أورده بيان البنتاغون".
وأضافت، أن "الارهابي قاتل في ثلاث محافظات عراقية بعد عام 2014 قبل هروبه عقب تحرير قضاء تلعفر باتجاه سوريا ومنها الباغوز ثم اختفى في بادية دير الزور ضمن ما يعرف بالخلايا النائمة"، مشيرة إلى أن "الارهابي ابو يوسف تورط مؤخرا بخطف واعدام 17 جنديا سوريا بعد نصب كمائن لهم في مناطق البادية".
وأشارت الى أن "داعش بات أكثر ظهورا من خلال انتشار كمائنه واستعراضاته في القرى ضمن مناطق البادية في حمص ودير الزور ويمكن أن يكون الطيران الامريكي أكثر فعالية في الرصد والقصف، لكنه لايفعل وهذا ما دفع الخلايا النائمة للنشاط بشكل أكبر".
وكانت القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي، أعلنت أمس الجمعة (20 كانون الأول 2024)، عن مقتل "زعيم داعش" بضربة جوية دقيقة استهدفته في محافظة دير الزور بسوريا.
وقالت القيادة الوسطى الأمريكية، في بيان تابعته "بغداد اليوم": "نفذنا أمس غارة استهدفت زعيم داعش (أبو يوسف) المعروف باسم (محمود) في دير الزور".
وأشارت إلى أن "الغارة بدير الزور جزء من التزامنا بتعطيل جهود الإرهابيين للتخطيط وتنفيذ هجمات ضدنا".
وكانت الولايات المتحدة الامريكية، قد تعهدت مؤخراً بمواصلة استهداف داعش الارهابي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
فيما أكد مجلس الأمن الدولي، في جلسته الخاصة بسوريا الأربعاء الماضي على أهمية منع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى من إعادة تأسيس قدراتها في سوريا.
وحذر وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أمس الخميس، من ان داعش قد "أعاد ترتيب صفوفه وحصل على أسلحة بعد انهيار الجيش السوري ووسع نطاق سيطرته".