إنها الفوضى التى يُترك لها العنان أحيانا، أو تتم دراستها فى أحايين كثيرة. بيد أن هذه لا يمكن تحديدها بشكل علمى، لأنها تكون أحيانا خارجية مبعثها الولايات المتحدة، أو تكون داخلية لها علاقة مباشرة بالداخل المتحول الذى يعانى من الفوضى عبر القراءة الفعلية لملامح عصر العولمة التنظيمية الفائقة، والفوضى المنظمة في آنٍ واحد، إلى إمكانية التثبت من قطبية هذه العولمة المتحكمة بالسلطة.
لقد تغير المنطق الآن بفضل هذه التقنيات، وتداخلت سلطات العرض والطلب بين الدول والشركات التي تتجاوز مقدرات الدول. ومن ثم توارى منتج المعلومة المنظم للمسائل، وانهارت الحدود بين الدول، وباتت لا تعرف تبريرا لما يحصل، ولا تبرير مضامينه ومقاصده وأهدافه. وتراجعت العلاقات وتراجعت معها الفوضى المنظمة، وإمكانية التثبت من قطبية هذه العولمة المتحكمة بالسلطة. والسبب يكمن في سقوط جدليات العرض والطلب التي فرضت نفسها على تاريخ العلاقات بين الأفراد والشعوب والدول.
وهكذا بدا غياب المنتج غيابا لسلطان رأس المال، وانهيار الحدود بين الدول، وهو ما منح مقولات وسائل الإعلام وتقنياتها هذه القدرات فى الانتشار، والتى كانت فى أساس العولمة الفكرية المنظومية والفوضى القيمية فى مظهرها وأدواتها ونتائجها. وبات المرء لا يعرف فى الواقع أين تبدأ الأمور وأين تنتهي، ولا يعرف تبرير مضامينه ومقاصده وأهدافه. وتتراجع علاقات التواصل المباشرة لندخل عالما من الاتصال الفج القاسى الدموى الذى يؤسس فعلا لحال من الضياع المنظم المدروس الذى يعيد التأسيس وفقا لمصالحه وأهوائه.
تعتبر إعادة التأسيس مسألة مستمرة فى المستقبل، أو هكذا تطرح فى دوائر القرار العالمى. لقد تداخلت الأشياء والأفكار، فالتبست واختلطت وباتت وكأنها تخرج من لا تناهٍ فى المنظومية إلى لا تناهٍ فى الفوضى.
غالبا ما يأتى الكلام الأمريكى عن الفوضى المنظمة فى معرض الكلام عن الشرق الأوسط وفق النسخة المعدلة التى تتطابق فى مضمونها مع فكرة بيريز تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد، والتى تعنى أنها طريق السيطرة أو تسهيلها عبر التفكيك وإعادة التركيب لمنطقة شاسعة الأطراف تمتد من المغرب إلى ما بعد أفغانستان. وبالتالى فإن مصطلح الفوضى فى الأساس سيعنى اللاسلطة. أى انتفاء السلطة ومؤسساتها وغيابها.
أما الجزء الثانى فهو يعنى وجود السلطة، على غرار ما جاء فى اعتراف الفيلسوف الفرنسي "جوزيف برودون" عن رغبته فى تأسيس الفوضى حيال تعقيدات العصر حيث قال فى مؤلفه الشهير:" ما هي الملكية؟": "أنا فوضوي". وقد فسر ما قاله بأن الفوضى هى الهمجية والتسيب واللا نظام ولا قانون وترك الأمور تجري على غاربها تقودها الأهواء والنزوات والغرائز.أليست تلك هى الحالة الوحشية التي تعود بالإنسان إلى الحيوان أو إلى النقطة التى انطلق منها فى الأساس وفقا لرؤية "داروين" بالعودة إلى النقطة الأولى تقديسا لمبدأ الدائرية فى التفكير والتغيير والتحول؟ أليست الفوضى هى انتفاء لأى رابط أو علاقة أو تبرير، وهو ما يؤدى إلى تغذية القوة وإشاعة العنف؟
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
العلاقة ما بين الفوضى الخلاقة وأمن العراق
كتب: الدكتور نبيل العبيدي / خبير الدراسات الأمنية والستراتيجية
المتتبع للأوضاع الأمنية والسياسية في العالم يرى ان هناك اعتماد ركزت عليه أمريكا في خلق نوع من الفوضى في الشرق الأوسط من اجل إتمام أعمالهم ومصالحهم على أتم وجه وعند المرور في حرب أفغانستان والعلاقة والدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم القاعدة في حربها ضد روسيا حتى أدت إلى الاختلاف بين الأفغان والأمريكان. ثم اعلن تنظيم القاعدة العداوة والبغضاء ضد أصدقائهم الأمريكان أي انهم أصدقاء الأمس أعداء اليوم. واصبح التنظيم يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والضرر الكبير لها وأخر شيء بدء يهددها في عقر دارها حتى هاجم وبكل قوة رمز الولايات المتحدة وهي أبراج التجارة العالمية.
حتى طالت الامور الى خواتمها وعودة طالبان الى سدة الحكم وها هيا تتربع على عرش السلطة وهيهات ان تترك السلطة ولكن الرسالة وصلت وبكل وضوح ان امريكا لا يعنيها لا حكم ديني ولا حكم علماني ولا تطرف ولا وسطية وانما يعنيها المصلحة فوق كل شيء.
وبعد عاصفة طالبان وتربعها على عرش الحكم ها تعود امريكا بخططها وتواصل تنصيبها رؤساء دول بما يحقق لها كل شيء وبمساعدة دول فتأتي من اقصى آسيا الوسطى ( افغانستان) الى جنوب غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر المتوسط الى (سوريا) لتغيير الحكم كما تشاء وفي الوقت الذي تراه مناسبا له.
وها هو قطار التغيير يسير على وفق ما تتحتم عليه مصلحة الولايات المتحدة الامريكية وكما يخدم (اسرائيل)، فقد شاهدنا كيف انقضت ( اسرائيل) على سوريا ودخلت بها كما خططت له واخذت تقطع ما لم تقطعه سابقا بحجة الامن القومي لها. بل لم تكتف بذلك واخذت تدمر البنى العسكرية على مطاراتها ومخازنها وكل ما له علاقة بترسانتها العسكرية ولا تعرف شيء اسمه السيادة. ثم بعد ذلك بدأت مرحلة القطار الذي يمر في الراق وعلاقة الفوضى الخلاقة التي لا بد ان تمر به من اجل مصالح الدول العظمى التي تحدثنا عنها مرارا وتكرارا وهي ان وضع العراق بهذا الشكل لا يعجب لا امريكا ولا حليفتها التي تريد العراق كما يحلو لها ( عبدا مطيعاً لا حول ولا قوة له) وحقيقة ان وضع العراق مختلف عن كثير من دول العالم من خلال تركيبته السكانية وموقعه الجغرافي وتنوع موارده التي تشهي النفس وتجعله مفتاح شهية لكثير من دول العالم ليس لأمريكا وحدها.
ونحن كعراقيين لا حول ولا قوة لنا لكون دور امريكا في العراق سيظل حاسمًا في مواجهة التحديات المقبلة، اذ لم يعد بالإمكان تجاهل تأثير احداث المنطقة التي حصلت مثل العدوان على غزة في اكتوبر 2024، والصراع بين حزب الله و( إسرائيل)، واحداث اليمن الاخيرة حيث التصعيد العسكري مع الحوثيين فيه واخير ما حصل في سوريا من تغيير لنظام الحكم فيها. واخيرا ما يخطط للعراق في الولايات المتحدة الامريكية من سن قانون "تحرير العراق من إيران" الذي قدمه النائب الجمهوري جو ويلسون في الكونغرس الأمريكي الذي يهدف إلى تقليص نفوذ إيران في العراق وتعزيز استقلاله وسيادته. والسؤال هنا ماذا تريد امريكا من العراق حتى وصلت الى هكذا مطالبات بسن قوانين تنظر الى مصلحتها دون العراق او على الاقل ان تضع لنا وزن حبة خردل على الاقل.
فنحن لا ننكر ان هناك تغيير يلوح في الافق وان القطار الاقوى والاسرع هو من يفرض نفسه. ولكون الولايات المتحدة عازمة على ضبط البوصلة السياسية في العراق كما هي تريد وخاصة بعد تصاعد الأزمات الإقليمية وتغيير حكومات وتنصيب اخرى.
ولهذا فنحن لا نعلم الى اين ذاهبون وخلف من نسير وهذا كله في الاصل نتيجة ومخرجات الفوضى الخلاقة التي رسمتها امريكا للعالم ومنها العراق فنحن لا ننكر ان هناك فوضى داخل السلطة وتخبط كبير في جوانب الحياة المختلفة في العراق. فلا يمكن المزايدة وغير قول الحقيقية والاعتراف بها في ظل الظروف التي تتسم بالتراجع الكبير والتصارع الدولي الكبير في داخل العراق من قبل الدول الكبرى.
واخيرا فنحن امام مفترق طرق وتخطيط دولي وقطار لا يمكن ان تكون اخر عربة فيه تمر في العراق لأنه قطار لا يعرف التوقف ابدا الا بتحقيق ما تخطط له الدول الكبرى والعودة الى الاستعباد والاستعمار وتحقيق المخطط ( الاسرائيلي). ولهذا فكل ما تقدم بتخطيط ودقة وخلق فوضى وحروب لا اول لها ولا اخر ( ونحن في مستنقع) ودوامة وعدم استقرار وفوضى. فامن العراق مرتبط بهذه وتلك وذاك والله المستعان على ما نحن فيه وما سيكون فيه العراق.
الى الله المشتكى