السياقات الستة الحاكمة للتفكير الوطني العام والخاص
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
د. عبدالله باحجاج
من البديهيات، أن الأقوال والأفعال لا بُد أن يحكمها العقل أولًا، وذلك حتى تخرج للسطح التفاعلي بنتائج مضمونة وآمنة، ودون ذلك، فلا ضمانة للنتائج الإيجابية، خاصةً وأن بلادنا في إطار محيطٍ جيوساسيٍّ مُشتعل ومُحتقِن، فلا يُمكن فصل داخلنا عنه، وهذه مسألة لا يُختلف عليها.
وفي حقبتنا الزمنية الراهنة، هناك 6 سياقات مُستجدة وغير مسبوقة ينبغي أن تكون حاكمة للتفكير الوطني وإنتاجاته العامة، بمعنى أنَّ أي تفكير يُنتج قولًا أو فعلًا أو سياسة.
القضية الجوهرية التي تشغلنا الآن تكمن حول كيف يظل الأمن والاستقرار في بلادنا مُستدامًا، وبمنأى عن أي فعل أو سلوك قد يُستغل للزج به في استهدافات السياقات التي أبرزها:
1- تنبؤات ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط عن سقوط حكومات عربية موالية لواشنطن ولإسرائيل، وكذلك توقعاته بإحداث فوضى عارمة في بلدان عربية بسبب غزة والأوضاع الداخلية، وقد حددها بالاسم.
2- الحرب التجارية التي يُشعلها ترامب على حلفاء بلاده وأعدائها على السواء.
3- صراع خليجي حول من يكون الوكيل الإقليمي للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة، في ظل صناعة إدارة ترامب الرعب بين بعض أنظمة دول المنطقة لتحويل بوصلتها نحو الكيان الصهيوني، من خلال التطبيع وتعميق شراكتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية، فلا تعتقد أي دولة إقليمية أنها في مأمن إذا انصهرت في الكيان، فكل دول المنطقة في سفينة واحدة.
4- حملات إعلامية تصعيدية ضد بلادنا عُمان؛ بما فيها حملات إسرائيلية.
5- إحباط السلطات المحلية تهريب أموال مُخبَّأة بطريقة احترافية داخل أجزاء مركبة وطائرات مُسيَّرة عبر منفذ صرفيت، وقبلها جريمة الوادي الكبير.
6- الوضع الاستثنائي والخطير الذي تعيشه غزة الباسلة الآن.
تلكم أبرز السياقات نسردها عبر متابعتنا الدقيقة للأحداث ومستجداتها، وهي فعلًا ينبغي أن تكون حاكمة لكل من يهمه قضية ديمومة الاستقرار في بلادنا، والكل نُحمِّله المسؤولية، وهنا ينبغي أن تكون تلكم السياقات حاكمة لدعوات التظاهر التي يشغل بها شأننا الداخلي عُمانيون لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، اختاروا الخارج محل إقامةٍ لهم، ومن هناك يمس بعضهم ثوابتنا المقدسة، ويحاولون إثارة الرأي العام بقضايا جوهرية مثل الباحثين عن عمل والمُسرَّحين من أعمالهم، وهي أصلًا قضايا تحظى بالإجماع الداخلي العام. وهنا في الداخل، نخشى من دغدغة عواطف البعض الذين ينتظرون الوظيفة بأجل زمني وطني وبسيكولوجية الأفق المسدود، وبالتالي تظهر لنا الدعوة كأنها تتماهى مع كل السياقات سالفة الذكر! فهل يُدرك أصحابها هذا التماهي؟ هذه أبسط التساؤلات التي يمكن أن نطرحها عليهم، ولن نرمي بهم في زاوية ضيقة، رغم أن البعض منهم وضعوا أنفسهم فيها، ويحاول بعض الزملاء شيطنتهم.
ولأننا نلتمس منهم- أو على الأقل البعض- استدراك مسارهم الخاطئ، فلدينا وطن لن يُفرِّط بأبنائه، وسيقف معهم رغم أخطاء البعض الكبيرة، والتي تم المساس فيها بثوابت هي أركان أساسية للاستقرار في بلادنا، والشواهد الحديثة على التسامح كثيرة؛ لأن وطننا يختلف في بنيته الأيديولوجية ومحدداته التاريخية وتفكيره السياسي والأمني عن الكثير من الأوطان، بدليل وجود العدد الصغير المُقدَّر بعدد اليد الواحدة في الخارج يغردون ضده، وقد عاد بعضهم الى الوطن، ووجدوا الاحضان الدافئة، وهم مندمجون في النسيج الاجتماعي بصورة اعتيادية، بينما في محيطنا الإقليمي الآلاف من كل دولة، وهم يتزايدون، ومن يخرج لن يعود، على عكس تجربتنا الرائعة، وهم بمثابة إكراهات مؤقتة قد تُستغل ضد أوطانهم.
الأهم هنا أن يُدرك شأننا الداخلي هذا التماهي ومخاطر تلكم السياقات، وفي الواقع لا تشغلنا كثيرًا دعوة التظاهر؛ ففشل الاستجابة لها لن تُوقف الإكراهات المُقبلة، فبلادنا ستكون مُستهدفة بسبب مواقفها السياسية والدينية والشعبية من قضايا عادلة وعلى رأسها قضية غزة، وكذلك بسبب إدارتها الجديدة لمصالحها مع بعض الدول الكبرى، بما يخدم استقرارها وضمانته. ونرى أننا في لحظة زمنية تستوجب التلاحم الداخلي بكل صوره المختلفة، وهو رهاناتنا الكبرى لإحباط كل الإكراهات الناجمة عن تلكم السياقات، وما قد يظهر لنا مستقبلًا. وهنا نُوَجِّه دعوة كذلك إلى إعمال العقل في إدارة داخلنا في ضوء تلكم السياقات.
ومن ثمَّ نقترح الآتي:
أولًا: الإسراع (بالآجال الزمنية) في توفير الوظائف، بما فيها التي كشف عنها معالي الأستاذ الدكتور محاد باعوين وزير العمل مؤخرًا والتي حددها بـ45 ألف فرصة توظيف خلال العام الجاري 2025.
ثانيًا: الابتعاد عن الشروط المُتشدِّدة لاستحقاقات الوظائف دون الإخلال بشروط أساسية كالتخصص.
ثالثًا: الابتعاد عن البُطء والتصريحات التي تُحبط التفاؤل؛ فمثلًا هناك شركات حكومية كبيرة تُعلن عن وظائف ولا تباشر في استحقاقاتها فورًا؛ مثل الإعلان عن أكثر من 400 وظيفة لم تطرح للباحثين حتى الان، رغم الإعلان عنها قبل شهر رمضان. هذا يُوَلِّد اليأس والقلق عند الباحثين؛ إذ إنهم ليلًا ونهارًا مُتسمرين على هواتفهم النقالة، حتى إن الكثير قد هجروا المتابعة اليومية، كما إن البعض حُرِمُوا من حقهم في المقابلة الشخصية، رغم تجاوزهم كل الاختبارات الإلكترونية، وأعرفُ بعضهم شخصيًا.
مثال آخر على البُطء، وهو افتتاح مكاتب لرؤية "عُمان 2040" في كل محافظة، تتبع المحافظ مباشرةً، وتوقيع اتفاقيات للتشغيل والإحلال والتدريب مع شركات داخل كل محافظة- ظفار مثلًا- فأين نتائجها؟ إذ لم يتم تفعيل المكتب ولا تطبيق الاتفاقيات، رغم أن الفكرة وفلسفتها الوطنية رائعة؛ لذلك ينبغي أن يكون عنوان المرحلة الراهنة: إطلاق ورش التوظيف المركزية واللامركزية، وقد قدمنا بشأنها مقترحات في مقالاتنا السابقة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التربية تغضب لكوادرها وتضع مقارنة مع بقية الموظفين: لا تستهينوا بالمعلم!
بغداد اليوم -
يُحاول البعض الإستهانة بجهد المُعلم بالمُقارنة مع الموظفين الآخرين من خلال عدد أيام عمله، دون ان يدري ان المعلم بموجب القانون لديه 7 أجازة أيام فقط خلال العام، ولذا يُعطى عطلة صيفيّة، بعكس الموظف الذي لديه يوماً عن كل 10 أيام، أي أكثر من شهر ونصف تقريباً خلال العام، وبذلك فإن عطلة المُعلم هي أجازته من مجهود كبير خلال العام، وان نسبة كبيرة من التربويين شباب وبمُقتبل العمر وقصّة أجور المعيشة والنقل السكن ضمانة لحياتهم.
بذات الوقت، يبذل المُعلّم مجهوداً غير قليل قياساً بأي موظّف دولة آخر، يبدأ من إعداد خطط المناهج ووضع الأسئلة والإمتحانات ومُراقبة الإشراف، ولديه مسؤولية وظيفيّة وتقييم وزاري، ويؤدّي وظيفته بكل الفصول في ظروف عمل مُختلفة... واليوم الأحد، سجلنا في الوزارة ان مدارسنا ومعلمونا وهيئاتنا التعليميّة ما تركوا أبناءهم ومواقفهم مُحترمة في مُعظم المُحافظات، خصوصاً أننا بوقت حسّاس ونقترب من نهاية العام الدراسي وبيننا عن الامتحانات هذا الشهر، هناك استحقاقات انتخابية نخشى ان تنعكس على مطالب معلمينا وحقوقهم المكفولة قانوناً.
واقعاً، يستحق المُعلّم والتربوي تقديراً لأنه جزء من شريحة إجتماعيّة مُهمّة موجودة في كل بيت تقريباً، وملاك وزارة التربية أكثر من مليون موظّف بين تربوي وإداري وأكثر من 12 مليون طالب، وهي وزارة عانت كثيراً من الإهمال والنسيان لسنوات طويلة، وما تحقق خلال عامين كبير جدّاً، وهناك إهتمام واضح ترجم قبل فترة بشكر وترقية لكل الهيئات التعليميّة في عيد المُعلّم، وأتوقّع ان تتحقق أشياء أخرى كلها تصب في مصلحة المعلم، وبالتالي جودة التعليم وتحسينه، لأن المُعلّم جزء من هيكل النظام التعليمي.
الآن، مجلس الوزراء ووزارة التربية ولجنة التربية البرلمان ونقابة المعلمين والمُحافظات، وكل الجهات المعنية تعمل من زاويتها ومساحتها بما هو مُمكن التحقيق، لأن نداءات المعلمين ومعاناتهم وصلت، وسيجري اتخاذ قرارات نأمل ان تنعكس على المستوى المعيشي للتربويين فضلاً عن قوانين تحمي ظروف العمل وتضع هيبة المعلّم أولاً.
المهم الآن إخوتي، اتُثبتوا للجميع أنكم حريصين على أبناءكم الطلبة ومُستمرين بمواصلة عملكم في مدارسكم وحصصكم ومُقرراتكم، ولديكم وزارة تتابع وتعمل ليل نهار لتحسين واقعكم نحو الأفضل، وان شاء الأمور تمضي لما هو خير لنا جميعاً، في وزارتنا العريقة التي قدمت كفاءات البلاد ومجدها الثقافي، ولإنكم ابناء هذا البلد وصُناّع مُستقبله، وأنتم قدوة الجيل ولا نريد أن نراكم إلا وانتم بنجاح وتوفيق.
كريم السيّد
المُتحدّث الرسمي لوزارة التربية
6 نيسان 2025
يتبع...