لجريدة عمان:
2025-04-29@19:53:48 GMT

صبي فلسطيني يعلن: أريد أن أستشهد

تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

يطلق السكان هنا اسم «غزة الصغيرة» على منطقتهم التي تهدمت مبانيها ودمرت طرقها ونزحت عنها عائلاتها، وامتلأت أزقتها بالفقد والحزن والخوف من القناصة، وليست المنطقة بغزة على الإطلاق، إنما هي مخيم لاجئي طولكرم في الضفة الغربية.

فدونما إثارة للكثير من الاهتمام أو الاعتراض، يتزايد استعمال إسرائيل لأدواتها الحربية المألوفة في غزة -من دبابات وغارات جوية وهدم هائل وتشريد- هنا في الضفة الغربية، وهذا ما تطلق عليه جماعات حقوقية من قبيل بيتسليم مصطلح «غزونة» الضفة الغربية.

وحجر الزاوية في هذه الغزونة هو موجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في يناير في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية التي أرغمت أربعين ألفا من أهل المنطقة على ترك بيوتهم. ويقول مؤرخون إن هذا هو أعلى رقم من المدنيين المشردين في الأراضي منذ استيلاء إسرائيل عليها في عام 1967.

في المدى القصير، يبدو أن الأفعال الإسرائيلية قد نجحت في مفاجأة المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات، ولكن بثمن هائل من الأنفس والمعاناة، وقد كان ممن تردد أنهم لقوا مصرعهم على أيدي القوات الإسرائيلية امرأة تدعى سندس شلبي وتبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، وهي حامل في الشهر الثامن بطفلها الأول.

وفي المدى الأبعد، قد ينثر التدمير بذور العنف، فعلى حافة منطقة محظورة، وقفت جماعات من الفلسطينيين ينظرون إلى بيوتهم ولا يجرؤون على دخولها خوفا من القناصة الإسرائيليين. تكلمت مع صبي في الثانية عشرة من العمر يدعى محمد عبدالجليل، قال إن بيته تدمر وتوقفت الدراسة في مدرسته على مدى الشهرين الماضيين بسبب الاحتلال العسكري للمخيم.

ماذا يريد أن يصبح حينما يكبر؟ قال بشجاعة فائقة: مقاتل في حماس.

وأوضح: أريد أن أستشهد.

ولذلك أخشى أن إسرائيل بسحقها المقاتلين في 2025 تمضي مبتعدة بوضوح عن حل الدولتين، وتضع حجر الأساس للعنف في عام 2035.

قال فيصل سلامة موظف السلطة الفلسطينية إن «المزيد من الأطفال بطبيعة الحال يرغبون في الاستشهاد» محذرا من أن إسرائيل تخلق أسباب كراهية ضارية هنا. وتساءل: «ما السبب الذي يجعل هؤلاء الأطفال لا يحبون الحياة؟ بسبب طردهم من بيوتهم ومدارسهم وفقدهم الحياة الطبيعية كلها».

وتساءل: «حينما يحطمون بيتك، هل ستقول لهم شكرا جزيلا؟»

ما كاد يبدأ وقف إطلاق النار في غزة في يناير، حتى توجه الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات اللاجئين في طولكرم وجنين وطوباس في شمال الضفة الغربية، ولقد كانت هذه المخيمات بالفعل موطنا لمقاتلين، منهم من حصل على أسلحة مهربة من إسرائيل أو الأردن، ومن ثم فإن مخاوف الإسرائيليين مفهومة بشأن خطر الهجمات.

فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير مبررا الهجمات العسكرية: «إننا نقضي على إرهابيين».

غير أن عددا لا يحصى من الأبرياء يعانون أيضا، كما هو الحال في غزة، فقد التقيت بامرأة في منتصف العمر تدعى سهى معين، فبكت وهي تروي كيف هدمت القوات الإسرائيلية منزلها، فاستأجرت منزلا آخر، ولكن قبل أيام قليلة من حديثنا، أمرتها القوات الإسرائيلية بإخلائه، وهي الآن تنام مع طفليها في عراء مقبرة.

تساءلت «أين نذهب؟ المساجد ممتلئة بالفعل».

قد تبقى هي وغيرها مشردين لبعض الوقت، فقد طلب إسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي من جيش بلده أن يبقى في مخيمات اللاجئين طوال سنة «وألا يسمح للمقيمين فيها بالرجوع أو للإرهاب بالنمو».

تبلغ سعيدة مصطفى من العمر خمسين عاما وهي واحدة ممن مروا بغزونة الضفة الغربية من نواح عديدة. فقد قتلت غارة جوية ابنها وخمسة آخرين وهم يثرثرون على درج منزل العائلة حسبما حكت. يبدو أن الجنود اعتبروهم خطرا، في حين أنهم كانوا -كما قالت أسرتهم- يتناولون طعاما خفيفا ويتحدثون. ثم قطعت القوات الإسرائيلية الماء في فبراير وأقامت نقاط تفتيش جديدة حسبما قالت سعيدة فجعلت الأسرة تهرب من بيتها وتنتقل للإقامة عند بعض الأقارب.

قالت لي سعيدة: «ما نحتاج إليه ليس علب مساعدات، وإنما حل». وقالت إنها غير متفائلة بأن الحل قريب.

وأجرت السلطة الفلسطينية حملتها القمعية الخاصة على المسلحين في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، وذلك على ما يبدو من أجل إقناع إسرائيل وأمريكا بإمكانية تكليفها بإدارة غزة، لكن يبدو بين الفلسطينيين أنفسهم أن هذا قد فاقم من عدم شعبية السلطة الفلسطينية التي تعتبر أصلا عاجزة وفاسدة.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حماس أكبر شعبية في الضفة الغربية -حيث ترمز إلى مقاومة إسرائيل- منها في غزة، حيث يضطر الناس للعيش في ظل حكمها. باختصار، بدلا من القضاء على حماس في الضفة الغربية، قد تزيد الغارات الإسرائيلية من اليأس الذي يغذي حماس.

هناك سؤال جوهري في هذا العام، وهو: هل ستضم إسرائيل الضفة الغربية، وهذا ما يتوق إليه بعض المنتمين إلى اليمين المتطرف في إسرائيل، كان الفلسطينيون العاديون الذين تحدثت إليهم أقل قلقا مما توقعت بشأن ضم الضفة الغربية. فهم من وجهة نظرهم منضمون بالفعل إلى حد ما.

ولعل الضم الكامل سيلحق ضررا أكبر بإسرائيل نفسها. إذ قال لي رئيس الوزراء السابق إيهود باراك إنه «سيكون ذا أثر عكسي مؤلم علينا»، مضيفا إنه سوف يقتل فعليا الحلم الصهيوني الموروث بدولة يهودية مثالية وديمقراطية، ففي حال ضم الأراضي الفلسطينية بالكامل دونما تطهير عرقي بتهجير أعداد كبيرة من السكان، سوف يمثل الفلسطينيون نصف السكان.

ولقد قالت أوريت ستروك -وهي من وزراء الحكومة الداعين إلى الضم- بصراحة تامة، إن الفلسطينيين لن يتمكنوا من التصويت للكنيست ولن يحظوا بحقوق ملكية الأراضي.

وأشار باراك إلى أن «هذا لا يسمى ديمقراطية»، مضيفا إن إسرائيل في حال ضمها الضفة الغربية بالكامل «ستصبح حتما إما غير يهودية أو غير ديمقراطية».

وطالما كان الرؤساء الأمريكيون السابقون أقرب المانعين لنتنياهو واليمين الإسرائيلي، أما إدارة ترامب فتبدو أقرب إلى ممكِّنة لهم. فقد أنهى ترامب بالفعل بعض العقوبات المتواضعة التي فرضتها إدارة بايدن على المستوطنين المتطرفين.

وهكذا، ففي حين لا يحظى الأمر باهتمام كبير مقارنة بغزة، يبدو أن القمع هنا في الضفة الغربية سوف يستمر وقد يتفاقم، وهذا أمر مريع للفلسطينيين، ولكنه قد يكون أكثر تدميرا لفكرة إسرائيل نفسها.

نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في صحيفة نيويورك تايمز منذ عام 2002، فاز بجائزتي بوليتزر.

خدمة نيويورك تايمز.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة فی الضفة الغربیة مخیمات اللاجئین فی غزة

إقرأ أيضاً:

منظمة حقوقية: جرائم المستوطنين في الضفة الغربية تزداد توسعا

في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي شنّ هجومه الدموي على الشعب الفلسطيني قطاع غزة، يستمر المستوطنون في استهدافه بالضفة الغربية، وسط دعم الاحتلال وإسناد جيشه، الذي يغضّ طرفه عن آلاف الشهادات التي يقدمها فلسطينيون تعرضوا لعمليات عنف المستوطنين بشكل مباشر، ورغم توثيقها، وفتح آلاف ملفات التحقيق لدى الشرطة، لكنها كلها ذهبت هباءً وسط قرار من الحكومة برمّتها.

واستندا زئيف ستاهل٬ ونوعا كوهين٬ العاملان في منظمة "يش دين" الحقوقية، وهي منظمة إسرائيلية بمعنى "هناك قانون"٬ إلى قاعدة بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، المصدر الأكثر شمولاً للمعلومات حول عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وإساءة معاملتهم، حيث تم توثيق 6 آلاف و285 اعتداء وقعت بين 2016-2023 في الضفة الغربية فقط، دون إحصاء عنفهم في القدس المحتلة التي بلغ عددها ألف و704 اعتداء، كأداة في خدمة الاستيطان في أحياء سلوان والشيخ جراح، وهناك ألف و613 اقتحام قام به مستوطنون لأراضي الفلسطينيين بزعم أنها جولات سياحية".

إحراق الأراضي وسرقة الممتلكات
وأضافا في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" إن "هذه الجولات والنزهات اسم احتيالي للممارسة الفاحشة والبلطجية المتمثلة باقتحام المستوطنين للقرى والبلدات الفلسطينية، وأراضيهم الزراعية الخاصة، بهدف مضايقتهم، وإيذائهم، وإتلاف الممتلكات والمحاصيل الزراعية، وإزالة أصحابها الشرعيين منها، وإقامة بؤر استيطانية فيها، أو إحداث دمار عام، وهذا نشاط مبادر ومنظم يعبر عن الشعور بالسيادة والتفوق اليهودي الذي يميز "فتيان التلال"، وهم من عتاة المستوطنين".


وضربا على ذلك العديد من الأمثلة، لكن أخطرها ما "شهده عام 2022، حين أجرى أبراهام شيمش، المرافق لمجموعة من "فتيان التلال" جولة في أرض عائلة حرب من قرية إسكاكا، وصلوا مزودين بالأدوات بهدف إقامة بؤرة استيطانية غير قانونية ضمن فعاليات "أسبوع إقامة المستوطنات" التي تنظمها حركة "نحلة"، حيث هرع أهالي القرية للمكان، وطالبوا المستوطنين بمغادرة المكان، إلا أنهم تجاهلوهم، وواصلوا التقدم داخل الأراضي الخاصة، ورغم أن سكان القرية لم يكونوا مسلحين، إلا أن "شيمش" اقترب من علي حرب البالغ من العمر 27 عاماً، وطعنه بقوة في قلبه، حيث انهار على الفور، وتوفي".

وواصلا أن "شيمش أخفى السكين، وعاد لمنزله، دون اعتقاله من الشرطة المتواجدين في المكان، ولم يتم القبض عليه إلا في اليوم التالي، وبعد أن أنكر في البداية، اعترف لاحقا بالطعن، لكن ملف التحقيق تم إغلاقه بزعم عدم وجود أدلة كافية، وأنه تصرّف "دفاعا عن النفس"، وبالتالي فإن كل هذه الرحلات والجولات التي يقوم بها المستوطنون تنتهي بشكل مأساوي".

تواطؤ الجيش والشرطة
وأوضحا أن "هناك 2039 حادثة من عنف المستوطنين تتضمن الاعتداء أو إتلاف الممتلكات دون إصابة جسدية، لا يتم إدراجها في الإحصائيات بزعم أنها لم تسفر عن أذى جسدي، وكأن إشعال النار في المنازل، وحرق المحلات التجارية والسيارات، وتحطيم وسحق وكسر الممتلكات، وتخريب المباني، وسرقة الحيوانات، وإلحاق الضرر بأشجار الزيتون والمحاصيل الزراعية، كلها لا تعتبر عنفاً استيطانياً، مع أننا أمام جرائم ينفذها المستوطنون بدوافع أيديولوجية كامنة وراءها بهدف إرهاب الفلسطينيين، ومنعهم من وصول أراضيهم ، سواء بسبب حظر عسكري، أو خوفًا من الجيش، وفي النهاية يتم طردهم من منازلهم".

وأشارا أن "جرائم المستوطنين وعدم متابعة الجهات الأمنية والقانونية لها ينطلق من فرضية عنصرية مفادها أن الفلسطينيين ليسوا مواطنين يتمتعون بحقوق متساوية، وليس لديهم الوسائل أو القدرة للدفاع عن أنفسهم، فليس لديهم مجموعات حراسة مسلحة، أو جنودا يحرسون المستوطنات ضد "الغزاة" غير المدعوين، ولا يُسمح لهم بحمل الأسلحة، أو إبعاد "المخربين" بأي وسيلة أخرى، لأن الفلسطيني الذي يحاول الدفاع عن نفسه أو عائلته أو ممتلكاته سيتم اعتقاله، واتهامه بالإرهاب في أفضل الأحوال، أو "العثور عليه ميتاً" في أسوأ الأحوال، وبالتالي يقفون عاجزين أمام حكومة والمستوطنين المسلحين والجيش".


تمهيد للضم
وأكدا أن "العديد من جرائم المستوطنين تنتهي بإتلاف ممتلكات الفلسطينيين، لأنهم يغزون قرية طواعية ، ويلحقون الضرر بممتلكاتهم، تنتهي بتدخل عنيف من جانب الجيش لصالحهم، وحتى قتل أو إصابة الفلسطينيين الذين سعوا لحمايتها، وهذا يعني أن بعض الحالات التي يتعرض فيها الفلسطينيون للإصابة بنيران الجنود ترتبط بعنف المستوطنين، التي بلغت وفق الإحصائيات اليومية بين كانون الثاني/ يناير 2016 ونيسان/أبريل 2023، قرابة ألف 104 اعتداءً عنيفاً على الفلسطينيين، شملت: الاعتداء والضرب وإطلاق النار وإلقاء الحجارة والتهديد، فضلاً عن الحرق العمد والسرقة وإتلاف المحاصيل الزراعية، وتدمير أنواع مختلفة من الممتلكات".

وكشفا أننا "التقينا بالعديد من الضحايا الفلسطينيين لجرائم المستوطنين، وجمعنا شهاداتهم حول ما حدث لهم، وساعدنا بتقديم الشكاوى للشرطة، لكن عددا كبيرا منهم، بنسبة 66%، تخلوا عن شكاواهم، لأن غالبيتهم العظمى لا تثق في الجهات القانونية، مما يسفر في النهاية عن استغلال الحكومة الإسرائيلية لجرائم المستوطنين في السيطرة على المزيد والمزيد من أراضي الفلسطينيين، وإفراغها بأكملها من وجودهم، وبناء البؤر الاستيطانية على طول وعرض الضفة الغربية لضمان السيطرة الأبدية والضم".

مقالات مشابهة

  • سلسلة جرائم إسرائيلية.. سقوط 1079 شهيدًا فلسطينيًا خلال أسبوع
  • أحدثُه اعتقال السمودي .. الاحتلال يوسّع استهدافه للصحفيين في الضفة الغربية
  • قوات العدو تعتقل 14 فلسطينياً في الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدن الضفة الغربية
  • منظمة حقوقية: جرائم المستوطنين في الضفة الغربية تزداد توسعا
  • ضمن الاعتداءات.. قوات الاحتلال تنفذ عمليات هدم جنوب الضفة الغربية
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منازل الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية وتُشرّد سكانها
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفّذ عمليات هدم جنوب الضفة الغربية
  • تصعيد صهيوني دموي في الضفة والقدس: هدم منشآت واختطاف واعتداءات واستشهاد عامل فلسطيني
  • شبكات الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية بنية تحتية لفرض الضم