ما المطلوب لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الأمريكي؟
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
أثارت سياسة التعريفة الجمركية العدوانية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مناقشات جدية حول إعادة التوازن إلى الاقتصاد الأمريكي في الداخل وعلى مستوى النظام الاقتصادي العالمي. في كلمة ألقاها أمام النادي الاقتصادي في نيويورك في السادس من مارس، عرض وزير الخزانة سكوت بيسنت رؤية لنهج السياسة الاقتصادية الذي تتبناه إدارة ترامب الرامي إلى «إعادة التوازن» إلى الاقتصاد الأمريكي وإعادة خصخصته.
ليس من الواضح تماما ما الذي يحتاج إلى إعادة التوازن على وجه التحديد، فالسياسات الضريبية والتنظيمية التي تدرسها الإدارة الأمريكية توفر سبلا لزيادة الاستثمار في الولايات المتحدة من جانب الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء، لكن التأثيرات التي يخلفها هذا على سعر صرف الدولار والحساب الجاري لا تتماشى على النحو المناسب مع خفض العجز التجاري الأمريكي الذي تسعى الإدارة إلى تحقيقه، مع معاناة الأسواق المالية الأمريكية والصناعة المحلية بفعل الرسوم الجمركية المتقطعة، يجدر بنا أن نتساءل ما إذا كان هدف إعادة التوازن يُـخـدَم على نحو أفضل عندما يجعل ترامب السياسة التجارية على رأس أولوياته. الإجابة المختصرة هي «كلا». على سبيل المثال، من غير المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية المفروضة على الألومنيوم والصلب، وهما من المدخلات الوسيطة الرئيسية في التصنيع، إلى إعادة التوازن للاقتصاد الأمريكي نحو زيادة التصنيع. النهج الأفضل كان ليركز على التغييرات المطلوبة التي طال انتظارها في السياسة المالية، وإن كانت الخطوات السياسية أكثر صعوبة من مجرد التشدق بشعار «إعادة التوازن». يتوخى هدف «أمريكا أولا» الذي تتبناه إدارة ترامب إعادة التوازن إلى النشاط الاقتصادي والإنتاج على مستوى العالم، بالإضافة إلى التعريفات الجمركية الأمريكية، يتمحور قدر كبير من النقاش في دوائر صنع السياسات، داخل الحكومة وخارجها، حول إعادة التوازن في الخارج. في أوروبا، سيعمل احتمال إعادة التسلح وغير ذلك من زيادات الإنفاق المحلي في ألمانيا على تقليص الفائض المزمن في حساب ألمانيا الجاري، وفي آسيا، تبرز الصين بفضل سعيها إلى تحقيق الفوائض، وبسبب سلوكها التجاري الـنَـهّاب في كثير من الأحيان (إغراق الأسواق العالمية بمنتجات قدرتها الصناعية الفائضة)، وسرقة الملكية الفكرية.
قد تُـساق بسهولة حجة مفادها أن الصين، في سبيل تعزيز رفاهتها الاقتصادية، يجب أن تعمل على زيادة إنفاقها المحلي، وخاصة الاستهلاك، بدلا من الاعتماد على النمو الذي تقوده الصادرات، وأعلنت الصين مؤخرا عن خطط لتعزيز الاستهلاك المحلي في الاستجابة للرسوم الجمركية الأمريكية، وإذا تجنبت الصين عملية إعادة التنظيم هذه، فربما ينبغي لعضويتها في منظمة التجارة العالمية أن تكون موضع تساؤل، لكن خطة إعادة المواءمة الاقتصادية على مستوى العالم تنطوي على جانب مقابل مهم. فبينما تحتاج بعض الاقتصادات، مثل الصين وألمانيا، إلى زيادة الإنفاق المحلي، تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة الادخار الوطني، وفي حين يمثل الادخار الوطني الادخار الخاص (من قبل الأسر والشركات) والادخار العام، فإن الأخير هو الذي يحتاج إلى التعديل، الأمر ببساطة أن الولايات المتحدة ينبغي لها أن تعمل على خفض عجز الموازنة الحكومية ووضع نسبة الدين الفيدرالي إلى الناتج المحلي الإجمالي على مسار مستقر أو حتى هابط.
من الإنصاف أن نعترف بأن بيسنت أَكَّـدَ أن خفض العجز هدف مرغوب في حد ذاته، ويوفر خفض العجز الفائدة المتمثلة في تحقيق أهداف الإدارة فيما يتصل بإعادة التنظيم الاقتصادي.
مع تساوي العوامل الأخرى كافة، تفرض الزيادة في المدخرات الوطنية الناتجة عن انخفاض عجز الموازنة ضغوطا تدفع أسعار الفائدة الحقيقية إلى الانخفاض في أسواق رأس المال العالمية وعلاوة الأجل على الدين العام الأمريكي الأطول أجلا، ومع تساوي العوامل الأخرى كافة أيضا، سينخفض عجز الحساب الجاري الأمريكي، وبقدر ما يتحقق الانضباط المالي من خلال خفض الإنفاق الفيدرالي، يصبح من الممكن تحقيق إعادة التوازن نحو الاقتصاد الخاص. على الجانب الضريبي، يجب أن تكون إدارة ترامب حريصة على تجنب التخفيضات الضريبية الكبيرة الجديدة التي تزيد من عجز الميزانية وتقلل من الادخار العام. وكما يوضح تقرير توقعات الميزانية الطويلة الأجل السنوي الصادر عن مكتب الميزانية في الكونجرس، فإن الزيادات الطويلة الأمد في الادخار العام تتطلب الحد من نمو الإنفاق الفيدرالي.
في هذا الصدد، تتطلب ملاحقة مسار مالي نحو إعادة التوازن اتخاذ خطوات معروفة، وإن كانت صعبة على المستوى السياسي. في حين تركز إدارة الكفاءة الحكومية التابعة لإدارة ترامب على تخفيضات التوظيف الفيدرالي، ويجب أن تتمحور أي تخفيضات جدية طويلة الأمد في الإنفاق حول إبطاء معدل نمو النفقات على الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وينطوي الأمر على عدد من الطرق لإنجاز هذه التغييرات الكفيلة بتعزيز المساعدات المقدمة لكبار السن من ذوي الدخل الأدنى، مع تقليل سخاء البرنامج مع المسنين الأكثر ثراء. بالنسبة للضمان الاجتماعي، من الممكن أن يقترن رفع الحد الأدنى من الاستحقاقات بإدخال تغييرات على مقايسة الاستحقاقات لجلب خفض تدريجي في نمو الإنفاق، وعن الرعاية الطبية لكبار السن، من الممكن أن يوفر دعم الأقساط الممولة من القطاع العام للتغطية الأساسية شبكة أمان قوية مع خفض نمو التكاليف. وإذا كانت إدارة ترامب جادة بشأن إعادة التوازن إلى الاقتصاد الأمريكي، فعليها أن تستفيد من سيطرة الرئيس على مجلسي الكونجرس للدفع بتغييرات ذات مردود اقتصادي ضخم في الأمد البعيد، على الرغم من التحديات السياسية في الأمد القريب. سيكون ذلك حقا الـمُـعادِل لوضع أمريكا أولا. من غير المرجح أن يؤدي الحديث عن إعادة التوازن، الذي يركز على التعريفات الجمركية في الداخل والمحاضرات في الخارج، إلى تحويل شعار ترامب المميز «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى» إلى أكثر من مجرد كلمات على قبعة بيسبول.
جلين هوبارد أستاذ الاقتصاد والمالية في جامعة كولومبيا، والرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين الأمريكي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.
خدمة بروجيكت سنديكيت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى الاقتصاد الأمریکی إعادة التوازن إلى إدارة ترامب
إقرأ أيضاً:
ايكونوميست: كيف ستؤثر سياسات ترامب الطائشة في الاقتصاد الأمريكي؟
نشرت مجلة "ايكونوميست" مقالا افتتاحيا بدأته بالقول إنه إن لم يدرك أن أمريكا "تنهب وتسلب وتغتصب وتسلب من قبل دول قريبة وبعيدة"، أو تُرم بقسوة من "فرصة الازدهار"، فتهانينا٬ ففهمك للواقع أقوى من فهم رئيس الولايات المتحدة.
وتابعت المجلة "فمن الصعب معرفة أيهما أكثر إثارة للقلق: أن يطلق زعيم العالم الحر هراء مطلقا حول أنجح اقتصاداته وأكثرها إثارة للإعجاب. أم أن دونالد ترامب أعلن في الثاني من نيسان/ أبريل الجاري، مستلهما من أوهامه، عن أكبر خرق في السياسة التجارية الأمريكية منذ أكثر من قرن، مرتكبا بذلك أعمق خطأ اقتصادي وأكثرها ضررا في العصر الحديث".
في حديثه في حديقة الورود بالبيت الأبيض، أعلن الرئيس الأمريكي عن رسوم جمركية "متبادلة" جديدة على جميع شركاء أمريكا التجاريين تقريبا. ستُفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الصين، و27% على الهند، و24% على اليابان، و20% على الاتحاد الأوروبي.
وتواجه العديد من الاقتصادات الصغيرة معدلات ضرائب متقلبة؛ وتواجه جميع الدول المستهدفة تعريفة جمركية لا تقل عن 10%.
وبإضافة الرسوم الجمركية الحالية، سيبلغ إجمالي الضريبة المفروضة على الصين الآن 65%. وقد تم إعفاء كندا والمكسيك من التعريفات الجمركية الإضافية، ولن تُضاف الرسوم الجديدة إلى التدابير الخاصة بالصناعات، مثل تعريفة 25% على السيارات، أو التعريفة الجمركية الموعودة على أشباه الموصلات. لكن معدل التعريفة الجمركية الإجمالي لأمريكا سيرتفع بشكل كبير ليتجاوز مستواه في عصر الكساد الكبير، أي في القرن التاسع عشر.
وبحسب المجلة "صف ترامب هذا اليوم بأنه أحد أهم الأيام في تاريخ أمريكا. وهو محق تقريبا. يبشر "يوم التحرير" بتخلي أمريكا التام عن نظام التجارة العالمي وتبنيها للحمائية. والسؤال المطروح على الدول التي تعاني من تخريب الرئيس الأعمى هو: كيف يمكن الحد من الضرر؟".
وأكدت ايكونوميست "كان كل ما قاله ترامب هذا الأسبوع تقريبا - حول التاريخ والاقتصاد وتفاصيل التجارة - مضللا تماما. قراءته للتاريخ معكوسة".
وأضافت "لطالما مجد ترامب حقبة التعريفات الجمركية المرتفعة وضرائب الدخل المنخفضة في أواخر القرن التاسع عشر. ولكن الدراسات أثبتت أن التعرفات الجمركية أعاقت الاقتصاد في ذلك الوقت".
وانتقدت المجلة الادعاء بأن رفع التعرفات الجمركية تسبب في كساد الثلاثينيات وأن تعرفات سموت-هاولي كانت متأخرة جدا لإنقاذ الوضع. والحقيقة هي أن التعريفات الجمركية جعلت الكساد أسوأ بكثير، تماما كما ستضر بجميع الاقتصادات اليوم.
وأكدت المجلة أنه في الاقتصاد، فإن ادعاءات ترامب "هراء محض"٬ حيث يقول الرئيس الأمريكي إن التعرفات الجمركية ضرورية لسد العجز التجاري والذي يراه بمثابة نقل للثروة إلى الأجانب.
وأشارت "أن الإصرار على تجارة متوازنة مع كل شريك تجاري على حدة ضرب من الجنون - مثل الإيحاء بأن تكساس ستكون أكثر ثراء إذا أصرت على تجارة متوازنة مع كل ولاية من الولايات التسع والأربعين الأخرى، أو مطالبة شركة بضمان أن يكون كل مورد لها عميلا أيضا".
وأكدت ايكونوميست "أن فهم ترامب للتفاصيل الفنية ضعيفا٬ فقد ألمح إلى أن الرسوم الجمركية الجديدة استندت إلى تقييم رسوم دولة ما على أمريكا، بالإضافة إلى التلاعب بالعملة وتشوهات مزعومة أخرى، مثل ضريبة القيمة المضافة. لكن يبدو أن المسؤولين حددوا الرسوم الجمركية باستخدام صيغة تأخذ عجز التجارة الثنائية لأمريكا كنسبة مئوية من السلع المستوردة من كل دولة وتخفضه إلى النصف - وهو أمر عشوائي تقريبا، كفرض ضريبة على عدد حروف العلة في اسمك".
وقالت إن "هذا السرد من الحماقات سيُلحق ضررا لا داعي له بأمريكا٬ حيث سيدفع المستهلكون أكثر وستكون خياراتهم أقل. فإن رفع أسعار قطع الغيار لمصنعي أمريكا مع حرمانهم من ضوابط المنافسة الأجنبية سيجعلهم ضعفاء".
وأضافت "ومع تراجع العقود الآجلة لسوق الأسهم، انخفضت أسهم شركة نايكي، التي لديها مصانع في فيتنام (الرسوم الجمركية: 46%)، بنسبة 7%. فهل يعتقد ترامب حقا أن الأمريكيين سيكونون أفضل حالا لو خيطوا أحذية الجري بأنفسهم؟"