لجريدة عمان:
2025-04-07@13:56:29 GMT

كيف يتغير النظام العالمي؟

تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT

بعد سقوط سور برلين في عام 1989، وقبل عام تقريبا من انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر عام 1991، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب «نظاما عالميا جديدا». الآن، وبعد مرور شهرين فقط على رئاسة دونالد ترامب الثانية، أعلنت كايا كالاس، كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، أن «النظام الدولي يشهد تغيرات جسيمة بدرجة غير مسبوقة منذ عام 1945».

ولكن ما هو «النظام العالمي»، وكيف يُـصان أو يُـعَـطَّـل؟

في اللغة اليومية، يشير مصطلح «النظام» إلى ترتيب مستقر للعناصر، أو الوظائف، أو العلاقات، وعلى هذا فإننا، في الشؤون الداخلية، نتحدث عن «مجتمع منظم» وحكومته. ولكن في الشؤون الدولية، لا توجد حكومة مهيمنة، فمع خضوع الترتيبات بين الدول للتغيير الدائم، يبدو العالم إلى حد ما «فوضويا».

الفوضوية ليست هي ذاتها الفوضى، والنظام مسألة درجة: فهو يختلف بمرور الوقت. في الشؤون الداخلية، قد يستمر نظام حكم مستقر على الرغم من وجود درجة من العنف غير المحكوم. في النهاية، تظل الجريمة العنيفة المنظمة وغير المنظمة حقيقة من حقائق الحياة في معظم البلدان، ولكن عندما يبلغ العنف مستويات أعلى مما ينبغي، يُنظر إليه على أنه مؤشر على «دولة فاشلة». ربما تتحدث الصومال لغة مشتركة وينتمي أهلها إلى أصل عِـرقي مشترك، لكنها ظلت لفترة طويلة موقعا للعشائر المتحاربة؛ والحكومة «الوطنية» في مقديشو لا تملك سلطة تُـذكَر خارج العاصمة.

في مناسبة شهيرة، عَـرَّف عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر الدولة الحديثة بأنها مؤسسة سياسية تحتكر الاستخدام الشرعي للقوة، لكن فهمنا للسلطة الشرعية يرتكز إلى أفكار ومعايير قد تتغير، وبالتالي، فإن النظام الشرعي ينبع من أحكام حول قوة المعايير، فضلا عن أوصاف بسيطة حول مقدار وطبيعة العنف داخل الدولة.

عندما يتعلق الأمر بالنظام العالمي، يمكننا قياس التغيرات في توزيع السلطة والموارد، وكذلك في الالتزام بالمعايير التي تؤسس للشرعية، كما يمكننا قياس تواتر وشدة الصراع العنيف.

ينطوي توزيع القوة المستقر بين الدول غالبا على حروب توضح توازن قوى متصور، لكن وجهات النظر حول شرعية الحرب تطورت بمرور الوقت. على سبيل المثال، في أوروبا في القرن الثامن عشر، عندما أراد ملك بروسيا فريدريك الأكبر الاستيلاء على مقاطعة سيليزيا من النمسا المجاورة، استولى عليها ببساطة. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، أنشأت الدول الأمم المتحدة التي لم تُـعَـرِّف سوى حروب الدفاع عن النفس على أنها مشروعة (ما لم يأذن مجلس الأمن بخلاف ذلك).

من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ادّعى عندما غزا أوكرانيا واحتلّ أراضيها أنه كان يتصرف دفاعا عن النفس ضد توسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، لكن معظم أعضاء الأمم المتحدة صوتوا لإدانة سلوكه، والدول التي لم تفعل ذلك -مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران- تشاركه اهتمامه بموازنة القوة الأمريكية.

في حين تستطيع الدول التقدم بشكاوى ضد دول أخرى في المحاكم الدولية، فإن هذه المحاكم لا تملك القدرة على إنفاذ قراراتها. على نحو مماثل، في حين يستطيع مجلس الأمن الدولي تفويض الدول بفرض الأمن الجماعي، فإنه نادرا ما فعل ذلك. وتتمتع كل من الدول الخمس الدائمة العضوية (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) بحق النقض (الفيتو)، ولم ترغب أي منها في المجازفة بإشعال شرارة حرب كبرى. يعمل حق النقض كصمام أمان أو قاطع الدائرة الكهربائية في نظام كهربائي: من الأفضل أن تنطفئ الأنوار على أن يحترق المنزل.

علاوة على ذلك، قد يصبح النظام العالمي أقوى أو أضعف بسبب تغيرات تكنولوجية تتسبب في تغير توزيع القوة العسكرية والاقتصادية، أو تغيرات اجتماعية وسياسية محلية تعمل على تغيير السياسة الخارجية التي تنتهجها دولة كبرى، أو قوى عابرة للحدود الوطنية مثل الأفكار أو الحركات الثورية، والتي قد تنتشر خارج سيطرة الحكومات فتعمل على تغيير التصورات العامة لشرعية النظام السائد.

على سبيل المثال، بعد صلح وستفاليا عام 1648، الذي أنهى الحروب الدينية في أوروبا، أصبح مبدأ سيادة الدولة مكرسا في النظام العالمي المعياري، ولكن بالإضافة إلى التغيرات التي تطرأ على مبادئ الشرعية ينطوي الأمر أيضا على تغيرات في توزيع موارد السلطة، وبحلول الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة أصبحت الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي سمح لها بتحديد نتيجة الحرب من خلال التدخل العسكري، ورغم أن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون حاول تغيير النظام المعياري من خلال عصبة الأمم، فإن السياسة الداخلية في الولايات المتحدة دفعت البلاد نحو الانعزالية، فسمح هذا لقوى المحور بمحاولة فرض نظامها الخاص في ثلاثينيات القرن العشرين.

بعد الحرب العالمية الثانية، استحوذت الولايات المتحدة على نصف الاقتصاد العالمي، لكن قوتها العسكرية كانت توازنها قوة الاتحاد السوفييتي، وكانت قوة الأمم المتحدة المعيارية ضعيفة، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حظيت الولايات المتحدة بلحظة وجيزة باعتبارها «القطب الأوحد»، إلا أنها أفرطت في التوسع في الشرق الأوسط، في حين سمحت بسوء الإدارة المالية الذي بلغ ذروته في الأزمة المالية عام 2008. من منطلق اعتقاد بأن الولايات المتحدة تعيش حالة من الانحدار، غيرت روسيا والصين سياساتهما، فأمر بوتن بغزو جورجيا المجاورة، واستعاضت الصين عن سياسة دنج شياو بينج الخارجية الحذرة بنهج أكثر حزما، من ناحية أخرى، سمح نمو الصين الاقتصادي القوي بتمكينها من سد فجوة القوة مع أمريكا.

من منظور الصين، انحدرت القوة الأمريكية بالفعل، لكن حصتها من الاقتصاد العالمي ظلت في حدود 25% تقريبا، وما دامت الولايات المتحدة حريصة على صيانة تحالفات قوية مع اليابان وأوروبا، فسوف تمثل مجتمعة أكثر من نصف الاقتصاد العالمي، مقارنة بنحو 20% فقط للصين وروسيا.

فهل تصون إدارة ترامب هذا المصدر الفريد من نوعه لاستمرار قوة أمريكا، أو أن كايا كالاس كانت محقة عندما زعمت أننا نمر بنقطة تحول؟ كانت الأعوام 1945، و1991، و2008 أيضا نقاط تحول. وإذا أضاف المؤرخون في المستقبل عام 2025 إلى القائمة، فسوف يكون ذلك نتيجة لسياسة الولايات المتحدة -جُرح أحدثته بذاتها- وليس نتيجة لأي تطور دنيوي حتمي.

جوزيف ناي مفكر وسياسي أمريكي له الكثير من المؤلفات أبرزها كتاب «القوة الناعمة».

خدمة بروجيكت سنديكيت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام العالمی

إقرأ أيضاً:

الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن

مقاتلات إسرائيلية (سي إن إن)

في تطور جديد يثير العديد من التساؤلات، كشف مسؤول أمريكي نهاية الأسبوع الماضي عن دعم لوجستي واستشاري قدمته الإمارات العربية المتحدة للجيش الأمريكي في حملة القصف التي شنتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ضد اليمن في منتصف شهر مارس 2025.

التقرير، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس، أوضح أن الإمارات كانت تقدم دعماً حيوياً عبر الاستشارات العسكرية والمساعدات اللوجستية ضمن العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

اقرأ أيضاً ترامب يعترف بفشل عسكري مدوٍ في اليمن.. والشامي يكشف تفاصيل الفضيحة 5 أبريل، 2025 صنعاء ترفض عرضا سعوديا جديدا بوساطة إيرانية.. تفاصيل العرض 5 أبريل، 2025

وأضاف التقرير أن البنتاغون قد قام بنقل منظومتي الدفاع الجوي "باتريوت" و"ثاد" إلى بعض الدول العربية التي تشعر بالقلق إزاء التصعيد العسكري للحوثيين في المنطقة.

وبحسب المسؤول الأمريكي، هذا التعاون الإماراتي مع الولايات المتحدة يأتي في سياق تعزيز القدرات الدفاعية للدول العربية ضد التهديدات الإيرانية، وفي إطار الاستجابة للمخاوف الإقليمية من الحوثيين المدعومين من إيران.

من جهته، وجه قائد حركة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، تحذيرات قوية للدول العربية والدول المجاورة في إفريقيا من التورط في دعم العمليات الأمريكية في اليمن، مؤكداً أن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحملة قد يؤدي إلى دعم إسرائيل.

وقال الحوثي في تصريحات له، إن أي دعم لوجستي أو مالي يُقدّم للجيش الأمريكي أو السماح له باستخدام القواعد العسكرية في تلك الدول سيُعتبر تورطًا غير مبرر في الحرب ضد اليمن، ويهدد الأمن القومي لهذه الدول.

وأوضح الحوثي أن التورط مع أمريكا في هذا السياق قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة في الصراع، ويزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، داعياً الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد يعزز من استقرار المنطقة ويمنع تدخلات القوى الأجنبية التي لا تصب في صالح الشعوب العربية.

 

هل يتسارع التورط العربي في حرب اليمن؟:

في ظل هذا السياق، يُثير التعاون الإماراتي مع الولايات المتحدة في الحرب ضد اليمن مخاوف كبيرة من تصعيدات إقليمية ودولية. فالتعاون العسكري اللوجستي مع أمريكا في هذه الحرب قد يُعتبر خطوة نحو تورط أعمق في صراعات منطقة الشرق الأوسط، ويُخشى أن يفتح الباب أمام تداعيات سلبية على العلاقات العربية وعلى الاستقرار الأمني في المنطقة.

تستمر التطورات في اليمن في إثارة الجدل بين القوى الإقليمية والدولية، ويبدو أن الحملة العسكرية الأمريكية المدعومة من بعض الدول العربية قد لا تكون بدايةً النهاية لهذه الحرب، بل قد تكون نقطة انطلاق لتحديات جديدة قد تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي بشكل أكبر.

مقالات مشابهة

  • حين تعيد الصين تشكيل النظام العالمي
  • القوى العظمى تتسابق في حيازة القوة الفتاكة
  • ماسك يريد إلغاء الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وأوروبا
  • فولوديمير زيلينسكي ينتقد الولايات المتحدة بسبب تعليقها “الضعيف” بعد مقتل 19 شخص بهجوم روسي
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • الأمم المتحدة: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض أمريكا رسوما جمركية جديدة
  • تأجيل حظر تيك توك في الولايات المتحدة مرة أخرى بعد تعثر في التوصل إلى اتفاق بيعه وسط الحرب التجارية
  • وسط خسائر قياسية.. ترامب يبدأ فرض رسوم جمركية جديدة على واردات من عدة دول وتحول جذري في النظام التجاري العالمي
  • بعد فرض الرسوم.. هذه أكثر الدول تصديرًا للسيارات إلى الولايات المتحدة
  • الأمم المتحدة: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة بسبب الرسوم الأمريكية