كيف تقلب قرارات واشنطن موازين التجارة العالمية؟
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
محمد بن علي العريمي
mahaluraimi@gmail.com
في سياق التوترات التجارية التي يشهدها العالم، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل 2025 قراره بفرض تعريفات جمركية جديدة، تشمل زيادة قدرها 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن فرض تعريفات إضافية تصل إلى 34% على بعض الدول. هذا الإعلان كان له تأثير عميق على الأسواق العالمية، وخاصةً في الدول التي ترتبط بشكل وثيق بالتجارة الأمريكية.
لكن، رغم أنَّ هذا القرار يطرح تحديات كبيرة على العديد من اقتصادات العالم، إلا أنه يفتح أمام دول الخليج العربي فرصًا قد تكون مُغرية إذا تم التعامل معها بشكل استراتيجي ومدروس.
في البداية، من المهم أن نفهم حجم التأثير الذي قد تسببه هذه التعريفات الجمركية. بعد الإعلان عنها، سجلت الأسواق المالية انخفاضًا حادًا في قيم الأسهم، حيث تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 2.62%، وهبط مؤشر "داو جونز" بأكثر من 1000 نقطة، مما يعكس القلق الكبير الذي يعيشه المستثمرون. منظمة التجارة العالمية (WTO) حذرت من أنَّ هذه التعريفات قد تؤدي إلى انكماش في حجم التجارة العالمية بنسبة 1% خلال عام 2025، وهو ما يعني تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على جميع دول العالم.
وتبعًا لهذا الزخم المتسارع، تشير بيانات وزارة النقل العُمانية إلى أن حركة الشحن البحري ارتفعت بالفعل بنسبة تصل إلى 7.5% في الربع الأول من عام 2025، وهو ما يعكس بداية تحول فعلي في اتجاهات التجارة. هذه الزيادة لا يمكن فصلها عن التوترات الجمركية التي دفعت بالعديد من خطوط الشحن إلى إعادة رسم خرائطها نحو موانئ أقل تكلفة وأكثر استقرارًا. وفي الوقت ذاته، تُراهن السلطنة على قدرتها اللوجستية المتنامية لتصبح مركزًا إقليميًا للشحن والتفريغ وإعادة التصدير، خاصة في ظل بنية تحتية حديثة واستثمارات ضخمة ضُخت في السنوات الأخيرة لتعزيز كفاءة الموانئ والمناطق الحرة.
أما على صعيد العلاقات التجارية الدولية، فإنَّ سلطنة عُمان تملك شبكة علاقات متوازنة مع دول شرق آسيا والهند والدول الأفريقية، وهي أسواق واعدة تُعد أقل تأثرًا بالتوجهات الحمائية الأمريكية. وبالتالي، فإن المنتجات العُمانية، وعلى رأسها المعادن والأسماك والبتروكيماويات، تملك فرصًا كبيرة في هذه الأسواق، خاصة وأن جزءًا كبيرًا منها لا يخضع أصلًا لتعريفات مرتفعة، ما يمنح السلطنة ميزة تنافسية واضحة. ويأتي هذا التوجّه في إطار سياسة تنويع الأسواق التي تتبعها السلطنة منذ سنوات، لتقليل الاعتماد على الشركاء التقليديين والبحث عن شركاء جدد في بيئة عالمية تتغيّر بسرعة غير مسبوقة.
ولعلّ أحد أكثر العناصر التي تُعزّز من جاذبية سلطنة عُمان في هذا المشهد المتقلّب هو ذلك الاستقرار السياسي الذي تتمتع به؛ إذ إنَّ الكثير من الاستثمارات الأجنبية باتت تبحث عن ملاذات آمنة تُجنّبها تقلبات الجغرافيا السياسية، وعُمان تقدم نفسها بهذا الشكل. ومع تأكيد هيئة الاستثمار العُمانية ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 13% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالعام الماضي، فإنَّ هذا الرقم يُعد دليلًا حيًّا على أن السلطنة باتت بالفعل خيارًا استراتيجيًا للعديد من الشركات والمستثمرين الذين يبحثون عن قاعدة إقليمية متينة.
ولم تكن هذه التحولات العالمية بعيدة عن رؤية "عُمان 2040"، تلك الخطة الوطنية الطموحة التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد العُماني من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع قائم على الابتكار والتقنية والصناعة والسياحة والتعليم. وبينما تفرض التطورات الدولية تسريع التحوّل، فإنَّ السلطنة باتت اليوم تمتلك حافزًا إضافيًا للمضي قدمًا وبثقة أكبر في تنفيذ تلك الرؤية، مستفيدة من نافذة الفرص التي فتحتها القرارات الجمركية الأمريكية.
إنَّ كل هذه المؤشرات تؤكد أن سلطنة عُمان، وإن لم تكن طرفًا في النزاع التجاري العالمي، إلا أنها اليوم واحدة من أبرز المستفيدين منه إذا ما استثمرت هذه اللحظة التاريخية بالشكل الأمثل. ذلك أن الأحداث الكبرى، كما تُولد أزمات للبعض، فإنها تمنح فرصًا ذهبية لآخرين. وهنا، يصبح السؤال المطروح اليوم: كيف يمكن لعُمان أن تُحوّل هذه الفرصة إلى انطلاقة اقتصادية حقيقية، لا تقتصر على الربح الآني فقط، بل تؤسس لمرحلة اقتصادية مستدامة وطويلة الأمد؟
ومع ذلك، ورغم هذه التحديات، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تجد في هذا التحدي فرصة لتوسيع آفاقها التجارية. ففي الوقت الذي تتعرض فيه بعض الاقتصادات الكبرى لضغوط كبيرة بسبب هذه التعريفات، هناك دول في الخليج تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، وبنية تحتية متطورة، قادرة على لعب دور محوري في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية.
وعلى سبيل المثال، يمكن لدول الخليج أن تستغل موقعها كحلقة وصل بين الأسواق الآسيوية والأوروبية، مما يجعلها نقطة مُهمة لإعادة تصدير المنتجات إلى الولايات المتحدة أو دول أخرى قد تتضرر من الرسوم الجمركية الأمريكية. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تتمتع بقدرة كبيرة على إعادة تصدير السلع من خلال موانئها الحديثة، مثل ميناء جبل علي في دبي، والذي يعد واحدًا من أكبر الموانئ في العالم. وهذا يعني أن دول الخليج، وباستخدام بنيتها التحتية المتطورة، يمكن أن تصبح محوريًا في تجارة السلع حول العالم.
من جهة أخرى، تعكس الإحصائيات التجارية الأخيرة أن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة شهد تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة؛ ففي 2023، بلغ حجم التجارة بين الجانبين حوالي 170 مليار دولار أمريكي، في حين أن الصين كانت الشريك التجاري الأكبر لدول الخليج؛ حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج إلى 297.9 مليار دولار في نفس العام. هذا يفتح المجال أمام دول الخليج لتعزيز علاقاتها التجارية مع الصين، التي تعد بدورها أحد أكبر المتضررين من التعريفات الجمركية الأمريكية.
في السياق ذاته، هناك العديد من القطاعات التي قد تستفيد من هذه التغيرات، مثل صناعة المواد الخام والتصنيع؛ حيث يمكن لدول الخليج أن تصبح مركزًا رئيسيًا لإعادة تصدير المواد الخام والمنتجات الصناعية إلى أسواق جديدة، خصوصًا تلك التي تتجنب التعريفات الأمريكية. إذا استطاعت دول الخليج أن تؤدي دورًا محوريًا في سلاسل الإمداد العالمية، فقد يصبح القطاع اللوجستي في المنطقة هو المستفيد الأكبر من هذه التحولات.
لكن من الضروري أن تظل دول الخليج على أهبة الاستعداد لمواكبة التغيرات السريعة في السوق العالمية. من خلال تحسين السياسات الاقتصادية، وتعزيز التعاون مع الدول المتضررة من الرسوم الجمركية الأمريكية، وتوسيع شبكة التجارة مع الاقتصادات الناشئة، يمكن لدول الخليج تحويل هذا التحدي إلى فرصة للنمو المستدام.
في سياق متصل، هناك فرصة كبيرة لدول الخليج لتعزيز استثماراتها في القطاعات غير النفطية، وهو ما يشكل جزءًا من استراتيجية التنويع الاقتصادي التي تتبناها بعض دول المنطقة. على سبيل المثال، تسعى المملكة العربية السعودية من خلال رؤية "المملكة 2030" إلى تحفيز القطاعات غير النفطية مثل السياحة، التكنولوجيا، والصناعات الحديثة. هذه السياسات يمكن أن تسهم في تقليل تأثير هذه التعريفات على اقتصاد المنطقة بشكل عام، من خلال زيادة استثماراتها في قطاعات جديدة قد تحقق نموًا اقتصاديًا طويل المدى.
من ناحية أخرى، فإن أحد الحلول التي قد تنجح في تقليل التأثيرات السلبية لهذه التعريفات هو توسيع التعاون التجاري بين دول الخليج وبعض الدول التي قد تتأثر بشكل كبير من السياسة الأمريكية، مثل الاتحاد الأوروبي. في عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي حوالي 215 مليار دولار، مما يشير إلى الإمكانيات الهائلة لتعميق العلاقات بين الطرفين، خاصةً إذا ما قررت دول الخليج تقديم حوافز إضافية للشركات الأوروبية للاستثمار في المنطقة.
في الختام.. يمكن القول إن القرار الأمريكي بفرض التعريفات الجمركية قد لا يشكل نهاية للعلاقات التجارية بين دول الخليج والولايات المتحدة؛ بل من الممكن أن يكون بداية لإعادة تشكيل هذه العلاقات بشكل يتيح لدول الخليج المزيد من الفرص في الأسواق العالمية. ومع استراتيجيات مرنة واستثمار مناسب في القطاعات غير النفطية، يمكن لدول الخليج أن تتحول إلى محاور تجارية مُهمة؛ بل ومراكز لوجستية دولية؛ مما يُعزز من مكانتها الاقتصادية على الساحة العالمية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ردود الفعل العالمية على تعريفات ترامب الجمركية في 10 اقتباسات صريحة
أثارت الرسوم الجمركية العقابية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء ردود فعل قوية من قادة العالم، وأدت إلى تراجع الأسواق العالمية وصدمة وسط المسؤولين، خصوما وحلفاء على حد سواء، من احتمال اندلاع حرب تجارية عالمية.
وتمسك ترامب بخطته يوم الخميس رغم التراجع الحاد في الأسهم، في أكبر انخفاض يومي منذ عام 2020. وقال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة: "كل الدول تتصل بنا"، مضيفا "لو طلبنا من هذه الدول أن تقدم لنا معروفا، لقالت لا. أما الآن، فستفعل أي شيء من أجلنا".
وقال بعض خبراء التجارة إن الطريقة التي حسبت بها إدارة ترامب الرسوم الجمركية لا معنى لها. وكتب الاقتصادي ووزير الخزانة السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون، لورانس سامرز، على وسائل التواصل الاجتماعي إن هذه الرسوم "تشبه في الاقتصاد نظرية الخلق في علم الأحياء، والتنجيم في علم الفلك".
واختارت صحيفة واشنطن بوست، في تقرير بقلم راشيل بانيت وكيلسي أبلز، 10 اقتباسات لشخصيات وجهات بارزة، من بين عشرات ردود الفعل التي أثارتها الرسوم.
أبرز الردودفيما يلي، إليكم أبرز ردود الفعل من قادة ومسؤولين حاليين وسابقين من حول العالم:
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز
"لا تستند هذه الرسوم الجمركية إلى أي منطق، وهي تتعارض مع أسس الشراكة بين بلدينا. هذا ليس تصرف صديق. الشعب الأميركي هو من سيدفع الثمن الأكبر، إن أستراليا لا تنوي الرد ولن تنخرط في سباق نحو القاع".
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني
"الاقتصاد العالمي اليوم مختلف تماما عما كان عليه بالأمس. نظام التجارة العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة واعتمدت عليه كندا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يكن مثاليا، لكنه ساعد في تحقيق الازدهار لكندا لعقود، لكنه انتهى الآن".
وزارة التجارة الصينية
"هذا عمل نموذجي من أعمال التنمر الأحادي.. لقد أظهرت لنا التجارب أن زيادة الرسوم لن تحل مشاكل الولايات المتحدة".
السفير السابق لمدغشقر لدى واشنطن، إريك أندرياميهاجا روبسون
"هذا الحساب معيب وغير عادل، لأن الواردات لا تُحدد بناء على قرارات عاطفية، بل على معايير محددة".
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
"يبدو أنه لا يوجد نظام داخل هذا الفوضى. لا يوجد طريق واضح وسط هذا التعقيد والفوضى التي تحدث بسبب استهداف جميع شركاء الولايات المتحدة التجاريين".
رئيس غرفة التجارة التايلاندية، بوج أرامواتانانونت
في بيان للتايلانديين: "لا داعي للذعر، فدول أخرى تواجه أيضا رسوما أعلى.. الولايات المتحدة ستتأثر كذلك، لأنها لا تزال غير قادرة على إنتاج بدائل للواردات بسرعة كافية".
الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريماس
"ترامب يعتقد أنه سيد العالم.. إنه موقف إمبريالي كنا قد نسيناه لكنه يعود بقوة وتصميم كبير". وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فيديو إن الرسوم "وحشية وغير مبررة"، ودعا إلى تعليق الاستثمارات في الولايات المتحدة.
الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو
"لقد مات اليوم مبدأ النيوليبرالية الذي كان يروج لحرية التجارة في العالم. من يتمسك بهذه الأيديولوجيا المتطرفة من المعارضة يجب أن يعلم أنه يتمسك بجثة".
الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف
"سنتبع نصيحة لاو تزو وننتظر على ضفاف النهر حتى تمر جثة العدو.. جثة اقتصاد الاتحاد الأوروبي المتحللة".
يُشار إلى أنه لم تُفرض رسوم جديدة على روسيا هذه المرة، حيث صرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بأن العقوبات المفروضة على روسيا منذ الحرب على أوكرانيا قد خفضت بالفعل حجم التبادل التجاري.
وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو
"الاقتصاد الأوروبي، وفي نهاية المطاف الشعب الأوروبي، يدفع ثمن عدم كفاءة السياسيين في بروكسل مرة أخرى. الوضع واضح بعد إعلان الرئيس الأميركي عن الرسوم الجمركية: على المفوضية الأوروبية أن تكون قد تفاوضت!".
ولطالما اصطدمت المجر مع بقية دول الاتحاد الأوروبي. وألقى سيارتو اللوم على المفوضية لعدم التوصل إلى اتفاق مع ترامب، الحليف المقرب لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.