كانت مصر القديمة بمثابة ما يسمى دولة إمداد، فكانت المنتجات الاستهلاكية تسلم إلى مؤسسات الدولة أو المعابد، والتى كانت بدورها تقوم بتوزيع الطعام والبضائع التموينية الأخرى على السكان، على أساس من التقديم العادل لاحتياجات كل فرد.
وكان بالامكان الاتجار بالأسواق المحلية فى البضاعة الزائدة، وهو نظام ساعد على ملء الفراغات فى انسياب حركة الإمداد.
وكانت حركة التجارة بين المناطق تدار عن طريق المؤسسات، كوكلاء فى عمليات تبادل البضائع.
وكانت مهمتهم هى الاتجار فى فائض المؤسسات التى يمثلونها، مقابل أكبر قدر من البضائع القيمة. ولم يظهر التجار الذين كانوا يعملون للتربح الخاص بمصر القديمة إلا فى الدولة الحديثة.
نظام المقايضة كان هو أقدم تجارة فى السوق فى اقتصاد مصر القديمة، فهو نظام ينطوى على الحصول على سلعة مقابل سلعة أخرى، وليس نظير مبلغ من المال.
وطبيعة هذا النظام تجعل من الصعب القطع بالطرف البائع أو المشترى، فالباعة يظهرون عادة جالسين على الأرض أو على مقعد منخفض وهم ينادون على بضاعتهم، بينما يظهر المشترون واقفين، وغالبًا ما يحملون كيس تسوق متدليًا من الكتف، مستجيبين بما يمكن لهم تقديمه فى المقابل.
تعرض الأطعمة والسلع الرئيسية فى السوق، مثل الخبز والجعة والسمك الطازج والجاف والخضراوات. وتقدم فى المقابل كسلع للمقايضة الصنادل المصنوعة من الجلد أو المراوح الكبيرة للتهوية على اللهب، وعصى المشى والزينة، وقطع الأثاث، والأوانى الخزفية وسنانير صيد الأسماك، والمراهم والزيوت.
كان فى مصر القديمة يطبق معياران للقيمة لتحديد أسعار السلع، أحدهما «الحلقات» التى تطور من زراعة الغلال، وكان يستخدم لتحديد كمية السلع التى تقدم أجرًا. والآخر هو «الشات» والذى كان يمثل المعيار المطلق للقيمة.
كان من وراء الملوك والملكات فى مصر القديمة، جنود مجهولون، ومن وراء تلك الهياكل والقصور والأهرام عمال المدن وزراع الحقول. ويصفهم «هيرودوت» كما وجدهم نحو عام 450 قبل الميلاد. وصفاً تسوده روح التفاؤل فيقول: «إنهم يجنون ثمار الأرض بجهد أقل مما يبذله غيرهم من الشعوب لأنهم لا يضطرون إلى تحطيم أخاديد الأرض بالمحراث أو إلى عزقها أو القيام بعمل كالذى يضطر غيرهم من الناس إلى القيام به لكى يجنوا من ورائه محصولاً من الحَبِّ، وذلك بأن النهر إذا فاض من نفسه وروى حقولهم، ثم انحسر مأواه عنها بعد ريها، زرع كل رجل أرضه وأطلق عليها خنازيره، فإذا ما دفنت هذه الخنازير الحب فى الأرض بأرجلها انتظر حتى يحين موعد الحصاد، ثم جمع المحصول.
كذلك أُنِّست القرود، ودُربت على قطف الثمار من الأشجار، وكان النيل الذى يروى الأرض يحمل لها فى أثناء فيضانه مقادير كبيرة من السمك يتركها فى المناقع الضحلة، وكانت الشبكة التى يصطاد بها السمك هى بعينها التى يحيط بها رأسه أثناء الليل ليتقى بها شر لدغ البعوض. على أنه لم يكن هو الذى يفيد من سخاء النهر، ذلك بأن كل فدان من الأرض كان ملكاً لفرعون لا يستطيع غيره من الناس أن يفعلوا به إلا بإذن منه، وكان على كل زارع أن يؤدى له ضريبة سنوية عينية تتراوح ما بين عُشر المحصول وخُمسه، وكان أمراء الاقطاع وغيرهم من الأثرياء يملكون مساحات واسعة من الأرض.
كانت معيشة الفلاحين القدماء معيشة ضنكاً، فأما من كان منهم مزارع حر فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابى، وكان هذان الرجلان يعاملانه على أساس المبادئ الاقتصادية التى ثبتت تقاليدها على مدى الأيام.
وقد كتب أحد الظرفاء عن حياة الفلاح القديم المغلوب على أمره قائلاً: «هلا استعدت فى خيالك صورة الزارع حين يُجبَى منه عُشر حبِّه؟ لقد أتلفت الديدان نصف القمح، وأكلت أفراس البحر ما بقى له منه، وهاجمتها فى الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلت بها الصراصير، والماشية النهمة، والطيور الصغيرة تختلس منه الشىء الكثير، وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقى له فى الأرض، عدا عليه اللصوص.
لقد كان الفلاح القديم مسخراً فى العمل لخدمة الملك، يطهر قنوات الرى، وينشئ الطرق، ويحرث الأرض الملكية، ويجر الحجارة الضخمة لإقامة المسلات وتشييد الأهرام والهياكل والقصور.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المنتجات الاستهلاكية مؤسسات الدولة مصر القديمة مصر القدیمة
إقرأ أيضاً:
هل تنجح الصين في تجنب نموذج ركود اقتصاد اليابان؟
تحاول الصين جاهدة حل مشكلة انخفاض الأسعار وتأثيرها على الاقتصاد من خلال سياسات مالية ونقدية جديدة منها خفض الفائدة وزيادة الاقتراض الحكومي، ومع ذلك، تواجه البلاد تحديا في مواجهة دورة انكماشية متزايدة قد تؤدي إلى ركود طويل الأمد.
وفي تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، قالت الكاتبة هان مياو إن شركة شاندونغ تشينمينغ -وهي واحدة من أكبر مصنعي الورق في الصين- قامت بما قد تفعله أي شركة تواجه فائضا في الإنتاج، فقد خفضت الأسعار لتفريغ المزيد من المعروض في الوقت الذي حاولت فيه تجاوز الأزمة.
واستمرت خسائر الشركة في التزايد، وقد أشارت خلال الشهر الماضي إلى أن ديونها المتراكمة بلغت نحو 250 مليون دولار، مشيرة إلى أن الدائنين رفعوا ضدها دعاوى قضائية وتم تجميد بعض حساباتها المصرفية.
وتعد مشاكل شركة صناعة الورق واحدة من أحدث علامات التضرر من انخفاض الأسعار في الصين، إذ تكافح المصانع للتعامل مع الطاقة الإنتاجية الزائدة وضعف الطلب.
وتعهّد القادة الصينيون هذا الأسبوع ببذل المزيد من الجهود لتحفيز الاقتصاد، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة وتعزيز الاقتراض الحكومي، لكن الضغوط تتزايد على بكين لاتخاذ المزيد من الإجراءات القوية لمنع حدوث دوامة انكماش ذاتي، قد تؤدي إلى دخول الصين في ركود طويل الأجل.
وانخفضت أسعار المنتجين لمدة 26 شهرا متتالية على أساس سنوي؛ إذ تراجعت 2.5% في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالعام السابق، ولا توجد مؤشرات تذكر على ارتفاعها مرة أخرى قريبا، كما كان مؤشر انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وهو مقياس أوسع لمستويات الأسعار في جميع أنحاء الاقتصاد، في المنطقة السلبية لـ6 أرباع متتالية، وهي أطول فترة يستمر فيها هذا الوضع منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
إعلانوأشارت الكاتبة إلى أن الحرب التجارية الجديدة المحتملة مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة، إذ ستجعل من الصعب على الصين تفريغ فائض إنتاج المصانع في الولايات المتحدة، مما يزيد السلع التي لا تستطيع استيعابها في الداخل.
غير أن التخوف الرئيسي هو أن يصبح الانكماش راسخًا في الصين، فقد تؤجل الشركات استثماراتها أو تستغني عن العمال مع انخفاض الأسعار، ما يؤدي إلى تقلص الإنفاق بشكل أكبر، وقد يؤجل آخرون عمليات الشراء لأنهم يعتقدون أن الأسعار ستنخفض أكثر من ذلك.
وأفادت الكاتبة بأنه لا يزال مؤشر أسعار المستهلكين في الصين بالكاد فوق الصفر، إذ ارتفع 0.2% فقط في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بالعام السابق، مقارنة بزيادة قدرها 2.7% في الولايات المتحدة.
وأوضحت الكاتبة أن القادة الصينيين اتخذوا عددًا من الخطوات في الأشهر الأخيرة لضبط الاقتصاد، الذي عانى من انكماش سوق العقارات وارتفاع أعباء الديون في العديد من المدن، إذ خفضت بكين الفائدة، ووافق صانعو السياسات الشهر الماضي على خطة مقايضة ديون بقيمة 1.4 تريليون دولار في محاولة لدعم الموارد المالية للحكومة المحلية.
وفي هذا الأسبوع، قال المكتب السياسي الصيني المكون من 24 عضوًا إنه سيطبق سياسة مالية أكثر استباقية وسيعتمد سياسة نقدية "متساهلة بشكل معتدل" في العام المقبل، كما تعهد القادة كذلك بتعزيز الطلب المحلي وتحقيق الاستقرار في سوق الإسكان، وهو ما قال بعض الاقتصاديين إنه ضروري لإعادة تنشيط التضخم.
ورغم وجود بعض الدلائل على أن الاقتصاد الصيني يستعيد بعض الزخم، فإنه لا يبدو أن الأسعار تستعيد مستوياتها، بعد أن ركزت السياسات بشكل أساسي على درء المخاطر المالية الفورية بدلًا من إحداث زيادة مستدامة في الإنفاق الاستهلاكي.
إعلانوأضافت الكاتبة أن بكين تقدم، كذلك، قروضًا وإعانات للمصانع الصينية، ورغم أنها تدعم النمو، فإنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم مشكلة فائض المعروض، مما يزيد من الضغط الهبوطي على الأسعار.
واتخذت صناعات أخرى نهجا مماثلا، فيقول الرئيس التنفيذي لشركة (إن آي أو) الصينية للسيارات الكهربائية، ويليام لي إن صانعي السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي في الصين دخلوا في "حلقة غير مستدامة أو حلقة مفرغة" من خفض الأسعار، ما أضر بالأرباح.
ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تستمر الأسعار في الصين في التراجع خلال العام المقبل على الأقل، وترجّح شركة نومورا أن ينخفض مؤشر أسعار المنتجين في الصين بنسبة 1.2%، بينما تقدر شركة ماكواري انخفاضًا بنسبة 1% في عام 2025، ويتوقع بنك أوف أميركا وغولدمان ساكس ثباتها.
وذكرت الكاتبة أن إحدى المشاكل تبدو في أنه بمجرد أن تترسخ التوقعات بانخفاض الأسعار، يصعب تغييرها، مشيرة إلى أن اليابان اكتشفت ذلك في التسعينيات عندما أدى انفجار فقاعات سوق العقارات والأسهم إلى تركيز المستهلكين والشركات على سداد الديون بدلًا من الإنفاق أو الاستثمار، وقد أدى ذلك إلى نحو 3 عقود من النمو الضعيف والانكماش المستمر.
وصاغ الخبير الاقتصادي في الذراع البحثية لبنك الاستثمار الياباني نومورا سيكيوريتيز، ريتشارد كو مصطلح "ركود الميزانية العامة" لوصف ما حدث في اليابان، ويقول إن الصين تواجه الشيء نفسه اليوم.
السنداتونوهت الكاتبة بأن عائدات السندات الصينية لأجل 30 عامًا انخفضت مؤخرًا إلى ما دون عائدات السندات اليابانية للمرة الأولى منذ عام 2006، ما يشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن الاقتصاد الصيني غير مستقر، ويدفعهم إلى الاحتماء في السندات بدلًا من الاستثمارات مثل الأسهم.
ونقلت الكاتبة عن أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل والرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي، إسوار براساد قوله "كلما طال أمد الانكماش، ترسخ ذلك في توقعات الناس بشأن الآفاق الاقتصادية المستقبلية، ما يجعل استخدام تحفيزات الاقتصاد الكلي أكثر صعوبة".
إعلانولفتت الكاتبة إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يبدو ملتزمًا هذه المرة بتعزيز النمو من خلال المزيد من التصنيع، وقال أشخاص مطلعون على عملية صنع القرار في بكين إنه ينظَر إلى النمو المدفوع بالاستهلاك على النمط الأميركي على أنه إسراف.
وأشارت الكاتبة إلى أن أحد الاختلافات الرئيسية اليوم يتمثل في أن الاقتصاد الصيني يتوسع بوتيرة أبطأ من ذي قبل، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمعدل سنوي يبلغ حوالي 7% في عامي 2015 و2016، وفي الربع الثالث من هذا العام، نما الاقتصاد الصيني 4.6% عن العام السابق، ويعتقد العديد من الاقتصاديين أن النمو سيكون أبطأ في العام المقبل.