بوابة الوفد:
2024-12-23@05:28:39 GMT

خريف الوفرة

تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT

أهم أهداف الحداثة هو رفاهية شعوبها بتيسير كل سبل الحياة المخملية، وجعلها متاحة ومتوفرة بأسعار رخيصة. وهو ما تحقق خلال الثلاثة عقود الماضية بعدما فرضت واشنطن سطوتها على البلاد والعباد بعد نهاية الحرب الباردة، وأصبحنا نرزح تحت عالم أحادى القطبية، اتخذ العولمة أداة لسيطرة الشركات عابرة القارات على كل مناحى الحياة، ومحت بجرة قلم كل العوائق والحدود المصطنعة أمام التجارة الدولية وصارت تتحكم فى كل مفاصلها، وكتبت بمداد من دم الفقراء «شريعة اليانكيز» الذى استولى على ثرواتهم من المواد الخام بثمن بخس، ونقل ونشر مصانعه فى أماكن حيوية مختارة بعناية للاستفادة من الأيدى العاملة الماهرة والرخيصة، يكدحون بالسخرة كعبيد مناكيد لدى مجتمعات تحتقرهم وتلفظهم إذا قرروا الفرار إليها من جحيم شظف العيش فى دولهم التعيسة.

لكن دوام الحال من المحال، فقد هبت رياح التغيير بما لا تشتهى سفن العم سام وشركاه، فقد انتهى عصر رفاهية الوفرة الذى نعاه إلى مثواه الأخير مسيو ماكرون بعدما صارح شعبه بالحقيقة المرة، وأن على الفرنسيين التأقلم مع الظروف الصعبة ولابد من تقديم تضحيات كبيرة.

وأعتقد عاجلًا او آجلا أنه سيحذو حذوه باقى السياسيين الغربيين لأن لا أحد يمكنه حجب شعاع الشمس، لاسيما وأن الواقع الاقتصادى شهد تغيرًا جزئيا بعد تفشى وباء كوفيد-19 الذى أجبر الكوكب على إغلاق طويل الأمد استتبعه خلل كبير فى سلاسل الإمداد والتوريد، بعدما تضاعفت مخاطر الشحن والتأمين، ثم زاد الطين بلة جملة من الصراعات الجيوسياسية العبثية فى لحظة فارقة يئن من وطأتها الأغنياء قبل الفقراء بعد الارتفاع الجنونى فى أسعار الطاقة والحبوب… الخ، فكانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، فسياسة العقوبات الاقتصادية الفاشلة بغية تركيع الدب الروسى انعكس تأثيرها الفظيع على نسب التضخم العالمى وسقط المؤشر الأمريكى إلى عمق 6.6%، وهذه أسرع وتيرة للتضخم منذ عام 1982. ويراقب الفيدرالى الموقف الحرج عن كثب، واللافت للنظر تصريح رئيسه جيروم باول الشهر الماضى، عندما سئل عن ضبابية الوضع الحالى، فقال «سيكون بالتأكيد عالمًا مختلفا، قد يكون فيه تضخم أعلى، وربما إنتاجية أقل، وسلاسل توريد أكثر مرونة وقوة».

يتوقع بعض المحللين استمرار الزيادات السريعة فى الأسعار، وبات سؤال الساعة هو ما إذا كانت هذه الزيادات ستستمر؟ وترتبط الإجابة بما إذا كان التحول عن العولمة سيترسخ أم لا. وهو ما أشار إليه مقال مهم نشرته نيويورك تايمز للكاتبتين جينا سمياليك وآنا سوانسون تحذران فيه من مغبة الوضع الحالى الذى يزداد تعقيدًا، لاسيما مع غضب العمال الأمريكيين من هروب الوظائف عبر المحيط ليلتقط ترامب طرف الخيط ويستغل بحسه الانتهازى هذا التململ فى وضع سياسات شعبوية شعارها جذاب «أمريكا أولا»، ليشن حربا تجارية شعواء بفرض رسوم جمركية باهظة عجلت بعودة وحدات الإنتاج إلى ديترويت وهيوستن، وبالطبع لقى ذلك استحسانا واسعًا مما سيسرع من وتيرة انهيار نظام العولمة المستقر منذ عقود.

للأسف كرة الثلج تكبر كل يوم، فالعالم ينتقل إلى عصر اقتصادى جديد يقاسى ارتفاع تضخم رهيب يصاحبه تغييرات مفاجئة فى التكامل الاقتصادى العالمى مع تزايد مخزون القلق بشأن تغير المناخ؛ لذا من الصعب التنبؤ بأى شيء فى الوقت الحالى. وعلى الله قصد السبيل.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأيدي العاملة الاقتصادي العالمي

إقرأ أيضاً:

سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)

أنا واحد مَمن يُفضلون قراءة التاريخ من مسارات مُغايرة للمسار السياسى التقليدي، لذا فإن كُتب السير الذاتية للمُثقفين تُعد فى رأيى رافدا مُهما وحياديا للاطلال على تاريخنا المُعاصر. ومما كان لافتا ومشوقا فى الأيام الأخيرة، تلك السيرة العجيبة للناقد السينمائى الكبير أمير العمري، والتى صدرت مؤخرا عن دار نظر للمعارف بالقاهرة وحملت عنوان « الحياة كما عشتها».

وأمير العمرى واحد من أفضل النقاد السينمائيين العرب، إذ قضى نحو خمسة عقود مُتنقلا بين مهرجانات السينما العالمية، مُحللا، ومفككا، ومُطلعا، ومتابعا لحركات الفن العالمية، مُتخذا من العاصمة البريطانية لندن مستقرا.

وقد عرفناه صحفيا عتيدا فى كبرى وسائل الإعلام بدءا من هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سي» مرورا بالحياة اللندنية، والقدس العربي، وصحيفة العرب، وغيرها، فضلا عن رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى.

والمثير أن سيرته تتجاوز سيرة ناقد سينمائى لترصد تحولات كبرى فى عالم الصحافة والاعلام العربي، وتقدم حكايات مشوقة وحصرية عن شخصيات سياسية، وفنية، وإعلامية معروفة، تتسم بنبرة الصراحة التامة.

إن أول ما يلفت نظرنا فى حكاية الناقد المولود فى 1950 بمدينة المنصورة، هو ذلك التنوع العجيب الذى شكل شخصيته، بدءا من والده مهندس المساحة الوفدي، الذى تنقل من مدينة إلى مدينة ليتعرف على محيطات مجتمعية مختلفة، ودراسته العميقة للطب وتفوقه فيه ثم تعيينه طبيبا فى أقاصى الصعيد، وانتقاله لاحقا من قرية إلى قرية، وصولا إلى صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالمثقفين والمبدعين ومجانين الكتابة فى مصر الستينات والسبعينات.

كانت المنصورة وقتها مميزة بوجود جالية أجنبية كبيرة يغلب عليها الطليان، الذين أسسوا دور سينما عديدة واهتموا بعرض أحدث الأفلام. وهُنا أحب الفتى الصغير، السينما وارتبط بها، وسعى للالتحاق بمعهد السينما بعد إتمامه الثانوية، لكن رضخ لرغبة والده وإلحاحه بدراسة الطب. كان يشعر بأنه يُسدد دينا لوالديه، وظل طوال سنوات الدراسة متعلقا بالسينما ومديرا لنادى ثقافى أسسه مع بعض الشباب لمتابعتها. وبعد أن جرب حظه فى العمل طبيبا فى أسيوط والقاهرة، ثم عمل طبيبا فى الجزائر بمدينة بسكرة، وجد أن مهنة الطب لا تُرضى طموحه، فغادرها تماما بعد وفاة والديه حيث رحلت أمه فى 1971، ووالده فى مطلع الثمانينات، وأنهى عمله بالجزائر وسافر إلى لندن ليبدأ حياة جديدة.

فى لندن كان هناك عالم جديد للصحافة والاعلام يتشكل مع تحولات السياسة العربية فى ذلك الوقت. كان ألمع عقول العالم العربى الفكرية يعملون فى صحف ممولة من العراق وليبيا والسعودية وغيرها، وتعرف أمير بكثير من النجوم اللامعين كان منهم عماد أديب، هالة سرحان، عمرو عبد السميع، أمجد ناصر، صبرى حافظ، عثمان عمير، منى غباشي، أحمد الهوني، مجدى نصيف، وجميل مروة، وغيرهم.

وهو يقدم لنا حكايات عجيبة جدا عن هؤلاء وغيرهم ممن شهد بداياتهم وهم مفلسون، حالمون، أنقياء، ثُم تحولوا فى زحام لندن وسحرها إلى ملوك وسماسرة ومليارديرات. يتذكر أمير جيدا وجه الشاب الطموح الذى طُرد من إحدى مجلات «الحياة اللندنية» لاتهامه بمخالفات مالية، ثُم رآه بعد سنوات معروفا بالملياردير إيهاب طلعت.

كما يتذكر كيف كان هناك صحفى فلسطينى متواضع الحال، ومتخصص فى الصحافة الرياضية واسمه عبد البارى عطوان، تعرض للبطالة فجأة بعد استغناء الشرق الأوسط عنه، وظل شهورا بلا عمل حتى عرف باعتزام منظمة التحرير الفلسطينية اصدار صحيفة فى لندن، فساق كل علاقاته توسطا ليتولى إدارتها. ثم يذكر كيف قرر الناشر الفلسطينى إقالة عبد البارى عطوان بسبب موقف الصحيفة المناصر لصدام حسين خلال احتلاله الكويت، لكن «عطوان» تمكن بفضل تهديد عدد من أنصاره بالانسحاب من العودة مرة أخرى، وظل فى موقعه حنى 2013.

وللحكايات بقية..

والله أعلم

 

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية تحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان
  • وزارة الخارجية والهجرة تحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان | صور
  • سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)
  • تراجع معظم أسواق الخليج وسط مخاوف بشأن وتيرة خفض الفائدة
  • رئيس "تعليم الشيوخ" يتخوف من إقرار وتطبيق قانون المسئولية الطبية على أرض الواقع
  • «ڤودافون مصر» تحتفل بيوم التطوع العالمى وتكرم موظفيها المشاركين فى المبادرات المجتمعية
  • القانون للضعفاء
  • الذهب يتراجع في أسبوع بعد أنباء عن تراجع وتيرة خفض الفائدة
  • أحمد كريمة: الربيع العربي كان خريفًا والكوميديا السوداء اكتملت بسقوط سوريا
  • كأسك يا وطن