المعمودية.. طقس مقدس بتفسيرات مختلفة
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعد المعمودية من أقدم الممارسات المسيحية، وهي سر من أسرار الكنيسة السبعة، بل هي باب الأسرار، فبدونها لا يستطيع أحد أن يتقدم لأي سر من الأسرار المقدسة الأخرى، إذ ترتبط بمفهوم الميلاد الجديد والتطهير من الخطيئة الأصلية، ورغم اتفاق الطوائف المسيحية على أهميتها، فإنها تختلف في تفاصيلها وغايتها.
ففي الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، تعتبر سراً ضرورياً للخلاص ويتم عادةً بتعميد الأطفال، بينما ترفض بعض الكنائس الإنجيلية تعميد غير البالغين، معتبرة المعمودية إعلانًا شخصيًا للإيمان ، كما تختلف طرق إتمامها بين التغطيس الكامل في الماء والرش ، ولذلك فهي واحدة لا تتكرر.
تحتل المعمودية مكانة محورية في المسيحية،و تعد مدخلًا للحياة الروحية وعلامة للانتماء إلى الكنيسة ، وعلى مدار التاريخ، حافظت الكنائس المختلفة على هذا الطقس، لكنه شهد تفسيرات متعددة بين العقيدة والتقاليد و تبقى المعمودية من أكثر الأسرار المقدسة التي تعبر عن التنوع في الممارسات المسيحية.
بينما تناول الاب مرقس مكرم كاهن أرثوذكسي اطراف الحديث قائلا:حياة المعمودية أي الحياة الأبدية التي يفوز بها بنو المعمودية عن إحياء رجال الله للمؤمنين، عن عنايته بالرعاة من أجلهم،عن إطالته لعمرهم،عن استجابته لطلباتهم.
في إنجيل باكر عن إهلاك المخلص للرعاة الأشرار، وإنجيل القداس عن إحياء المخلص للمؤمنين "من يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية".
يقول الكتاب عن المسيح "فيه كانت الحياة" (يوا:٤).
و المسيح هو الحياة ذاتها، وهو معطي الحياة للجميع،من يؤمن بالمسيح فله الحياة الأبدية، ومن يبتعد عنه يموت ، كما أن الغصن إذا قُطع من اصل الشجرة يذبل ويجف ويموت.
أعطانا أيضا كلامه، إذ أن كلامه هو "روح وحياة" وكما أن الخبز لغذاء الجسد وحياته، كذلك كلمة الله لغذاء الروح .
كما صرح المطران فهيم مطران المنيا الشرفي الكاثوليك تصريح خاص ل( البوابة نيوز ) قائلاً عن المعمودية هي سر من أسرار الكنيسة السبعة، بل هي باب الأسرار، فبدونها لا يستطيع أحد أن يتقدم لأي سر من الأسرار المقدسة الأخرى، وقد أسسها المسيح حين قال لنيقوديموس في إنجيل يوحنا الفصل الثالث: "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله ما لم يولد من الماء والروح" (إنجيل يوحنا ٣: ٥) ، وهذا ما فهمه الرسل وما عاشوه ومارسوه في الكنيسة منذ نشأتها.
وهذا ما علم به القديس بولس الرسول أيضا، ففي رسالته إلى روما الإصحاح السادس يقول: إننا بالمعمودية اعتمدنا جميعا في يسوع المسيح وقد اعتمدنا في موته فدفنا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن ايضا حياة جديدة كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب( وفقاً للعقيدة المسيحية).
فمن خلال كل التعاليم الكتابية واللاهوتية والطقسية في كل الكنائس التقليدية (الكاثوليك والارثوذكس) شرقا وغربا نعرف أن المعمودية هي اتحاد بموت المسيح وقيامته، فالتغطيس في المعمودية، ثلاث مرات، باسم الآب والابن والروح القدس، يشير إلى الاتحاد سريا بموت المسيح والدفن معه، والخروج من المعمودية يشير إلى الاتحاد سريا بقيامة المسيح(وفقاً للعقيدة).
فالمعمودية إذن ليست من أجل الإنضمام إلى كنيسة أو طائفة معينة، فهي ليست مثل التسجيل في وثيقة أو كارنيه نقابة أو ناد أو مؤسسة معينة ، ولذلك فالمعمودية هي واحدة لا تتكرر، وهذا ما تقوله رسالة القديس بولس لأهل افسس في الإصحاح الرابع "فهناك جسد واحد وروح واحد، كما إنكم دعيتم دعوة رجاؤها واحد.
وهذا ما يقوله قانون الإيمان الذي اتفقت عليه جميع الكنائس منذ مجمع نيقية سنة ٣٢٥، إذ يقر: "ونؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا".
فالمعمودية إذن هي تعطى لمغفرة الخطايا، وللاتحاد بالمسيح لننال به نعمة التبني فنصير به وفيه ابناء بالتبني وبالنعمة لله الآب ، ولذلك فهي واحدة لا تتكرر، طالما كانت في كنيسة رسولية واعطيت بطريقة لاهوتية وطقسية وقانونية سليمة بحسب إيمان الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.
وتعطى المعمودية عادة بالتغطيس في الماء ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس وفق طقوس محددة ومعروفة في كل كنيسة. ولكن في حالات خاصة، مثل في حالة خطر الموت مثلا، يمكن أن تعطى المعمودية بالسكب أو بالرش.
كما توجد أيضا معمودية الشوق لمن عرف المسيح وآمن به واشتاق أن يعتمد ولكن توفي قبل أن ينال سر المعمودية.
المعمودية مثل باقي الأسرار المقدسة هي سر وليست سحرا، بمعنى أنه لا يكفي أن اعتمد معمودية صحيحة لكي أنال الخلاص، بدون إيمان أو أعمال صالحة كثمرة للايمان ، بل يجب أن أحيا طوال حياتي وفق متطلبات إيماني ودعوتي المسيحية في حياة ترضي الله بالبر والقداسة.
فالمعمودية بهذا المعني هي السر الذي يفتح أمامي وينير طريق ومسيرة طويلة من المعرفة والفهم والحب والحياة والخدمة والأمانة والالتزام بمبادئ الإيمان والأخلاق المسيحية التي أوصى بها المسيح في الإنجيل المقدس وأهمها محبة الله من كل القلب والفكر والارادة والوجدان ومحبة الآخرين مثل محبتي لنفسي.
وصرح ايضا الراهب أنطونيوس ابو الخير الفرنسيسكاني ، مسئول كافة الأنشطة الكنسية بدير الفرنسيسكان للرهبان الكاثوليك بان سر المعمودية هو أحد أسرار الكنيسة المقدسة، وقد أسسه السيد المسيح نفسه ، قبل صعوده إلى السماء، أعطى وصيته لتلاميذه قائلاً: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى ٢٨: ١٩).
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت المعمودية الوسيلة التي ينال بها المؤمنون النعمة الإلهية، وتكون بداية لعلاقتهم الجديدة مع الله.
المعمودية ليست مجرد طقس ديني، بل هي عمل روحي له أبعاد عظيمة تغفر الخطايا، سواء كانت الخطية الأصلية أو الخطايا الشخصية قبل المعمودية ،و تمنح الروح القدس، حيث يصبح المعمد هيكلًا للروح القدس، وتضمن الخلاص لكل من يؤمن ويعتمد وفق تعاليم المسيح.
كما أنها تدخل الإنسان في شركة الكنيسة، فيصبح عضوًا في جسد المسيح وشريكًا مع القديسين من خلال سر الميرون و تُعتبر أيضًا بداية حياة جديدة مع المسيح، حيث يُقال عنها إنها “الولادة الجديدة”.
في العهد الجديد، فقد أصبحت المعمودية هي العلامة الروحية الجديدة التي يدخل بها الإنسان في علاقة عهد مع الله ، يقول الكتاب المقدس: “لأنكم جميعًا الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح” (غلاطية ٣: ٢٧).
تجرى المعمودية بالتغطيس في جرن المعمودية، حيث يقوم الكاهن بإمساك الطفل ويغطسه ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس، كما تسلمنا هذا الطقس من رسل المسيح أنفسهم ، بعد قيامة المسيح وقبل صعوده إلى السماء، أوصى تلاميذه قائلًا: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”.
المعمودية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسر الميرون وسر الإفخارستيا بدون المعمودية، لا يمكن للمؤمن أن ينال سر التثبيت أو سر الإفخارستيا، الذي هو الجسد والدم المقدس للمسيح ،و بعد التغطيس في جرن المعمودية، يقوم الكاهن بمسح الطفل بزيت الميرون المقدس في ستة وثلاثين موضعًا من جسده، رمزًا للجراحات التي تألم بها المسيح أثناء الصلب.
بعد الانتهاء من المعمودية ومسحة الميرون، يحضر الطفل مع أسرته القداس الإلهي، حيث يتناول من الأسرار المقدسة. بهذه الأسرار الثلاثة، يصبح الإنسان عضوًا كاملًا في الكنيسة. بعد انتهاء القداس، يقوم الكاهن والشمامسة بمسيرة احتفالية مع أسرة المعمد داخل الكنيسة، ترحيبًا بالعضو الجديد في العائلة الكنسية.
و ايضاً صرح الدكتور القس نادي لبيب "رئيس مجمع القاهرة الانجيلي"، بأن المعمودية في الكنيسة الإنجيلية تعد المعمودية من الفرائض الأساسية في الكنيسة الإنجيلية، وهي علامة خارجية تدل على الدخول في العهد الجديد، ولا يجوز ممارستها إلا من قبل القسيس المرتسم.
تمارس المعمودية للذين يعترفون بإيمانهم اعترافًا موثوقًا، وتشمل أيضًا الأطفال الذين يقدمهم والديهم للكنيسة، متعهدين بتربيتهم تربية مسيحية وفق تعاليم الكتاب المقدس.
كيفية ممارسة المعمودية:
يمكن أن تتم المعمودية بإحدى الطرق التالية:
• الرش بالماء
• السكب
• التغطيس
التزامات المعمودية:
تفرض المعمودية التزامات مقدسة على الوالدين الذين يقدمون أطفالهم للمعمودية، إذ يُطلب منهم الاعتراف بإيمانهم المسيحي، والتعهد بتربية أولادهم تربية مسيحية، وتعليمهم الحقائق الإنجيلية، والمواظبة على الصلاة معهم ولأجلهم.
معمودية البالغين:
أما بالنسبة للبالغين غير المعمدين، فيُعمدون بعد قبولهم من المجلس الكنسي، بناءً على اعترافهم العلني بإيمانهم بالمسيح، وتعهدهم بالعيش وفق المبادئ المسيحية، وتعزيز روح الشركة والمحبة الأخوية في الكنيسة.
مكان الممارسة:
يجب أن تتم المعمودية في الكنيسة أو في مكان تجمع معتمد، مقترنة بخدمة دينية، ولا يجوز إجراؤها في أي مكان آخر إلا بموافقة المجلس الكنسي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الارثوذكس أسرار الكنيسة الروح القدس الطوائف المسيحية فی الکنیسة وهذا ما جمیع ا
إقرأ أيضاً:
أسرة الطفل يوناثان: لحظات المعمودية كانت مهيبة وكأنها ولادة تانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شاركت “البوابة” أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فرحتهم بمعمودية أطفالهم في يوم أحد التناصير، في أجواء مملوءة بالروحانية والبهجة، ووسط لحظات إنسانية مؤثرة عايشناها وسط العائلات، وهم يشهدون أولادهم يولدون من جديد في حضن الكنيسة.
وكان لنا لقاء مع أسرة نالت بركة معمودية ابنها البكري في هذا اليوم المقدس، حيث التقينا بهم عقب انتهاء القداس، وبدت على وجوههم ملامح الفرح والامتنان.
في حديثهم معنا، شاركونا مشاعرهم التي امتزجت بين التأثر والفرحة، مؤكدين أن لحظة نزول طفلهم إلى جرن المعمودية كانت بالنسبة لهم بمثابة ميلاد روحي جديد، لا يقل أهمية عن ميلاده الجسدي.
وقالت يوستينا: “كنت حاسة إن قلبي بيترجف من الفرحة والخوف في نفس الوقت.. كأنّي بسلمه لربنا علشان يباركه ويحفظه في كل أيام حياته، اللحظة كانت مهيبة بجد، كأنها ولادة تانية، بس ولادة روحية مش جسدية.”
تصف يوستينا لحظة نزول ابنها في الماء المقدس بعيون ممتلئة بالدموع قائلة: “لما الكاهن أخده بين إيديه بعد المعمودية،حسيت إن نور جديد بيشع من وشه.. كأنه ابتدى صفحة جديدة بيضا مع ربنا.”
أما الأب، يوسف، فوقف إلى جوار زوجته، صامتًا للحظات قبل أن يبدأ الحديث. كان صوته مزيجًا من الرهبة والدهشة:
“أنا شوفت طقس معمودية الأطفال كتير طول حياتي، وكنت بشوفه حاجة جميلة وبس، لكن لما جيه الدور على يوناثان،حسيت إن اللي بيتعمد مش هو لوحده.. أنا كمان كنت باتعمد معاه، كنت باتطهر من جوّا.”
يتوقف قليلًا ويسترجع اللحظة قائلاً: “لما غمروه في الماء، لقيت دموع في عنيّ يوستينا، ودموعي أنا كمان نزلت من غير ماأخد بالي. ماكنتش بعيط حزن، دي كانت رهبة وفرحة في نفس الوقت. حسيت إن ربنا حط إيده على ابني، وبيرحب بيه في كنيسته.”
“كنت حاسس كأني أنا اللي اتولدت من جديد، كأني أنا اللي أخدت سر المعمودية.”
واختتمت يوستينا: “رأيت والديّ ينظران إلى ابني بحب وفخر، وكأنهما يسترجعان ذكريات معموديتي منذ سنوات، كانت السعادة تملأ قلوب الجميع، والتفّ أفراد العائلة حولنا ووقفنا جميعًا لالتقاط صور تذكارية، بينما كان يوناثان يرتدي ثوبه الأبيض الناصع، ويبدو كأنه ملاك صغير هذا اليوم لن أنساه طوال حياتي”.