سنعود أحياء وأمواتا.. ميس الجبل اللبنانية تستعيد جثامين شهدائها
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
جنوب لبنان- على وقع الزغاريد والهتافات، أعادت بلدة ميس الجبل قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني نعوش 48 شهيدا من أبنائها، ارتقوا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، بعد أن دُفنوا في وقت سابق في ودائع خارجها لتعذّر دفنهم فيها.
وبمأتم مهيب أقيم في ساحة البلدة المدمّرة، حُملت نعوش الشهداء على شاحنات خُصصت لتشييع جثامينهم، تم تزيينها بالورود وأعلام لبنان وحزب الله، وبعد أداء تحيّة الوداع نُقلت إلى مقبرة البلدة، حيث رُفعت على أكتاف الأهالي ثم واروها الثرى.
وأصر أهالي الشهداء إصرارا شديدا على إعادة جثامين أبنائهم إلى مقبرة البلدة، إذ يُعتبرون هذا التشييع الذي أُقيم فوق ركام ما خلفته الحرب رسالة لضرورة عودة الأهالي إلى بلدتهم.
وهو ما يؤكّده لافي المصري (والد الشهيد قاسم) الذي يقول -في حديثه للجزيرة نت- إن "ميس الجبل معروفة بحوزاتها العلمية وببطولاتها وبإيمانها وبمجاهديها الذين قدّموا حياتهم في سبيل الوطن"، وأشار إلى أنه حتى لو دُمّر كل شيء، فإن أهالي البلدة لن يغادروا أرضهم التي وُلدوا ونشؤوا فيها، وسيعودون إليها ليعيشوا فيها من جديد".
ويؤكد المصري -الذي كان أسيرا سابقا في سجون الاحتلال الإسرائيلي- أنه لا خيار إلا المقاومة مع المحتل، ويبارك تضحيات المجاهدين الذين استبسلوا في الدفاع عن لبنان قائلا: "هذا العدو الصهيوني القذر يجب استئصاله من الوجود، وبفضل دماء الشهداء والجرحى والأسرى سننتصر".
يقف علاء قاروط مع إخوانه منتظرا نعش شقيقه الشهيد يوسف، ليواروه الثرى إلى جانب رفاقه الشهداء، ويتحدث للجزيرة نت عن فخره بأخيه وبكل الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عن بلدتهم ميس الجبل وكل الجنوب اللبناني، مؤكّدا أن العودة إلى البلدة ما كانت لتكون لولا دماء الشهداء التي روت ترابها، ويقول إن "كل شهيد هو مصدر قوّة وصمود للأهالي".
إعلانويوجّه قاروط رسالة للاحتلال قائلا إن "الإسرائيليين وفدوا إلى فلسطين وهي ليست أرضهم، وكلّهم يحملون جنسيّات أجنبيّة، ويمكنهم الذهاب إلى أماكن أخرى، أما نحن فهذه أرضنا ولا نحمل إلا الجنسية اللبنانية، وسنعود إلى بيوتنا المدمّرة وسننصب الخيام فوقها ونسكنها، لأنه لا يوجد لدينا وطن آخر، وسنعود إلى ميس الجبل ونعيد الإعمار ولو بعد حين، فهذه أرض المقاومة والشهداء، ولن نغادرها".
وبدموع الفخر الممزوجة بغصّة الفقد والشوق، يودّع محمد بدران ابنه الشهيد عبّاس، ويتحدّث للجزيرة نت عن أهميّة إعادة جثامين الشهداء إلى مسقط رأسهم ويقول: "عاد الشهداء إلى الأرض التي دافعوا عنها والأرض التي ارتوت بدمائهم، لقد زيّنوا ساحاتها ودافعوا عنها، واليوم عادوا إليها".
وعن مشهد الدمار المهول، يشير بدران إلى أن "الاحتلال لم يترك لا شجرا ولا حجرا ولا بشرا، فالشجرة المعمّرة اقتلعها، ولم يفعل أحد في التاريخ ما فعله، لكن رغم كل الذي حصل، فإن أهالي ميس الجبل عائدون لإعمار بلدتهم، وسيبقون فيها من أجل الشهداء الذين سقطوا".
أما طلال مروّة، فقد حضر إلى بلدة ميس الجبل ليودّع صهره زوج ابنته الشهيد علي غبشة، ويؤكّد في حديثه للجزيرة نت أن "تضحيات الشهداء منعت الاحتلال من الاستمرار في احتلاله للأرض اللبنانية"، لافتا إلى أن إصرار الأهالي على إعادة جثامين شهدائهم إلى البلدة يهدف إلى إعادة الحياة إلى ميس الجبل، كما بقيّة البلدات في الجنوب اللبناني.
تعد ميس الجبل واحدة من البلدات الجنوبية التي نالت نصيبا كبيرا من الدمار، إذ عمد الاحتلال إلى نسف منازلها عدة مرات، فمسح حاراتها مسحا كاملا، وكذلك قصف بنيتها التحتية بالطيران الحربي وبالمدفعية، مما أدّى إلى تدمير 4800 وحدة سكنية بين دمار كلّي وجزئي.
إعلانويشير رئيس بلديّتها عبد المنعم شقير -في حديث للجزيرة نت- إلى أن ما حدث في البلدة أشبه بالزلزال، فالعدو لم يميّز بين مدني وعسكري، ودمّر كل شيء في البلدة من منازل ومبان حكومية، ودور عبادة ومدارس، ومحطات المياه والاتصالات، والطرقات والمرافق الحيوية، حتى أصبحت غير قابلة للحياة.
ويذكر أن الاعتداءات التي استهدفت ميس الجبل ليست بالأمر المستجد، فالبلدة الحدودية مع فلسطين المحتلة اعتادت هذه الاعتداءات منذ عام 1948، وحسب رئيس بلديتها، فإن الأهالي ليس لديهم خيار آخر غير بلدتهم، وهم عادوا إليها ليدفنوا أبناءهم في ثراها. وقدمت البلدة 110 شهداء بين مجاهد ومسعف ومدني.
ويقول "لدينا ثقافة تربينا عليها، وهي أننا نعود إلى أرضنا أحياء أو أمواتا، وهؤلاء الشهداء دافعوا عن بلدهم وأهلهم، وضحّوا بأغلى ما يملكون"، وأضاف أن "اليوم ومن خلال هذا التشييع المهيب، الرسالة كانت واضحة وهي أن عودة الأهالي حتمية، وأهالي الشهداء أرادوا من تشييعهم لأبنائهم بث رسالة بأنها بداية العودة إلى الأرض".
ويدعو شقير الدولة والمعنيين إلى حماية المواطنين في الجنوب اللبناني من التهديدات الإسرائيلية، وكذلك تقديم الدعم المادي لهم لتمكينهم من إعادة بناء ما دمّره الاحتلال الإسرائيلي "المتفلّت من كل القوانين الدولية، والمتجرد من القيم الإنسانية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الجنوب اللبنانی للجزیرة نت میس الجبل إلى أن
إقرأ أيضاً:
كفر حمام جنوب لبنان.. ذخائر الاحتلال تحول المزارع لـحقول موت
تعاني بلدة كفر حمام جنوب لبنان من آثار حرب الاحتلال الإسرائيلي كغيرها من بلدات حدودية عديدة، والتي خلفت أعدادا كبيرة من القنابل العنقودية والألغام الأرضية غير المنفجرة، فضلا عن دمار واسع.
وشكلت الذخائر خطرا مباشرا وقاتلا على حياة المدنيين، ووفق المواطنين بالبلدة وتحديدا المزارعين الذين يعتمدون على أراضيهم مصدرا أساسيا للرزق.
وفي ظل بطء عملية كشف السلطات اللبنانية والدولية عن تلك الذخائر، مع استمرار خروقات الاحتلال الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار، يطلب المعنيون في البلدة سرعة التحرك للكشف عن مخلفات الحرب.
وحوّلت هذه المخلفات القاتلة الأراضي الزراعية الخصبة إلى حقول موت، مما زاد من معاناة الأهالي، وفق مراسل الأناضول.
وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 أيلول / سبتمبر 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
ومنذ وقف إطلاق النار بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ارتكب الاحتلال ما لا يقل عن 2766 خرقا، ما خلّف 195 شهيدا و486 جريحا على الأقل، استنادا لبيانات رسمية حتى الأحد.
وتنصل الاحتلال الإسرائيلي من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 شباط/ فبراير الماضي، خلافا للاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال لبنانية رئيسية، ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.
أراضٍ محرمة
المسؤول في بلدية كفر حمام حسيب عبد الحميد قال إن "سكان البلدة، وخاصة المزارعين، يعانون منذ حرب عام 2006 من وجود القنابل العنقودية وذخيرة غير منفجرة أطلقتها إسرائيل، وزاد ذلك مع الحرب الأخيرة".
وأضاف: "لم يستطع الناس الوصول إلى كروم (حقول) الزيتون والتين والصنوبر نتيجة القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة، وحُرموا من استثمارها طيلة مدة الحرب".
وأوضح أنه "خلال الحرب الأخيرة أصبحت بعض المناطق ملوثة بالقنابل العنقودية".
واستدرك: "ولكن الأخطر من ذلك المناطق الكبير التي تعرضت لقصف مدفعي كثيف، يُقدر بأكثر من ألفي قذيفة مدفعية، سقطت في أراضي بلدة كفر حمام".
و"الصعوبة تكمن اليوم (في) أننا لم نستطع تحديد الأماكن التي تعرضت للقصف، لأنه لم يكن أي من السكان خلال الحرب في البلدة، بعد أن نزحوا بسبب تصاعد القصف"، كما أردف عبد الحميد.
وأفاد بأن "جزءا كبيرا من هذه القذائف تسبب بالقضاء على الثروة الحرجية، مثل التين والزيتون والصنوبر؛ جراء الحرائق التي أحدثتها خلال الحرب".
مصدر الرزق
ووفق عبد الحميد فإن "كل ما بوسعنا فعله هو تحذير المواطنين من الاقتراب من الأجسام المشبوهة، رغم تواصلنا مع الجيش اللبناني".
وأضاف أن الجيش "مهمته في البداية (هي) رصد المنازل المدمرة جراء القصف، أما الأراضي الزراعية لم يحصل عليها الكشف الميداني".
ودعا إلى "التحرك بسرعة كبيرة للكشف في البداية على الأرضي القريبة للبلدة، وخاصة الزراعية التي يعتاش منها الناس، وخاصة أننا نعيش وسط أزمة ومأساة، لأن معظم سكان البلدة اعتمادهم بشكل أساسي على الزراعة".
عبد الحميد شدد على أن "خسائر المزارعين كبيرة جدا، ولم تقتصر على خسارة مواسم التين والزيتون والصنوبر، وإنما خسارة الأراضي التي استُهدفت جراء قلع الزيتون أو إحراق الصنوبر من قبل إسرائيل".
زيتون من 500 سنة
علي أحمد طه (65 عاما)، وهو صاحب كرم زيتون في البلدة: "كرمي فيه الكثير من الزيتون المعمر من 400 إلى 500 سنة"، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".
وأردف: "لا أستطيع الذهاب إليه، ولكن الدفاع المدني أخبرني أنه احترق بالكامل، وأرسلوا لي الصور".
وتابع: "أنا في البلدة منذ خمسة أشهر (بعد العودة من نزوح قسري)"، واستدرك: "ولكن لا أجرؤ على الذهاب لأكشف على حقلي، خوفا من بقايا الذخائر غير المنفجرة فيه، وخاصة أنه تعرض لقصف كثيف من قبل إسرائيل خلال الحرب".
ولفت طه إلى أنه "لم يحصل حتى الآن أي مسح شامل للأرض لنطمئن، عندما كنت أذهب إليها قبل الحرب (الأخيرة) وأجد فيها عددا من القنابل العنقودية من مخلفات حرب 2006 كنت أخبر الجيش ويأتي لإتلافها".
وكشف أن "مساحة واسعة من أراضي البلدة تعرضت لقصف بالقنابل الفوسفورية والعنقودية بشكل يومي خلال الحرب، وداخل البلدة من يجد من المواطنين أي قذيفة غير منفجرة يبلغ الجيش ومن ثم يأتي لتفجيرها بمكانها".
ودعا "الدولة والجيش خاصة إلى إجراء مسح شامل للبلدة، لأن المزارعين لا يستطيعون الذهاب إلى أرضهم لاستثمارها واستصلاحها وزرعها من جديد.. هذا من المستحيلات".
كذلك "رعاة الماعز لا يستطيعون رعي ماشيتهم في الحقول، خوفا من انفجار ذخيرة أو لغم أرضي.. هنا خوف شديد لأنها كانت حرب همجية واستخدموا (الإسرائيليين) جميع أنواع الأسلحة"، كما أكد طه.
ظاهرة غريبة
أما أحمد قاسم، وهو مزارع آخر، فقال: "بعد وقف إطلاق النار رجعنا، ولكن تفاجأنا بوجود حشرات غريبة وفئران منتشرة بمنطقة واسعة ومنها بلدتنا، وهي ظاهرة غريبة لم نعتد عليها من قبل".
وأضاف: "منذ صغري وأنا فلاح لم أرَ في حياتي هكذا ظواهر.. فئران وحشرات غريبة تخرج من الأرض بعد أن كنا نخاف من الأجسام أو القنابل، ولكن هذه الحشرات والحيوانات تخرج من الأرض بغير مواسمها".
وقال قاسم إن "المزارعين في البلدة يهتمون بالأراضي القريبة من البيت فقط، وليست بعيدة أو وعرة".
وأكد أن "أذى المحتل الإسرائيلي لم يعد يقتصر على إرهابنا بالمتفجرات أو الهجوم المسلح والذي لم نتوقعه، هو يرهبنا بالحيوانات".
وأوضح أن "الإسرائيلي يأتي بخنازيرهم ويقتحم مزارعنا التي تعبنا عليها لسنوات، إذا كُسرت أي شجرة فإن المزارع بحاجة للانتظار من 3 إلى 5 سنوات لتعود وتنتج ثمارا".
و"أرضنا نزرعها بالزيتون والتين والعنب، ولكن اليوم حُرمنا من استثمارها لنؤّمن حاجات أولادنا، حُرمنا من جميع الجهات بويتنا دُمرت وطُرقاتنا مقطوعة ولا يوجد كهرباء ولا ماء"، كما ختم قاسم.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراض في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.