على خلاف المواقف التي كانوا يبدونها في السابق حيال الاحتجاجات الشعبية، أيد مشايخ عقل الطائفة الدرزية الثلاثة في محافظة السويداء السورية حراك الشارع المتواصل منذ خمسة أيام بطريقتهم الخاصة، ونشروا بيانا مشتركا حددوا فيه 6 مطالب، بعدما "بلغ الكتاب أجله"، حسب تعبيرهم.

ويعتبر الموقف الجديد الخاص بالمشايخ، حكمت الهجري ويوسف الجربوع وحمود الحناوي، "لافتا" قياسا بذاك الذي كانوا عليه خلال السنوات الماضية، وعندما كان المئات من سكان المحافظة يخرجون بمظاهرات شعبية بين الفترة والأخرى، وينادون بمطالب سياسية ومعيشية.

وجاء بيان نشر الخميس لـ"دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا" أنها تؤكد على مطالب المحتجين "المحقة"، "في إعطاء الحقوق لأصحابها ونيل العيش الكريم، التي فقدت جل مقوماته بسبب الفساد المتفشي والإدارة الفاشلة، وترحيل المسؤوليات، واعتماد اللامبالاة منهجا، وهو ما أهلك البلاد والعباد".

وينادي المحتجون في شوارع السويداء، منذ الأسبوع الماضي، بشعارات تطالب بإسقاط النظام السوري وتطبيق القرار الأممي الخاص بالحل في سوريا 2254، بالإضافة إلى شعارات تندد بسوء الأوضاع المعيشية، والقرارات الحكومية الأخيرة التي رفعت الدعم عن المحروقات.

لكن وبينما أيد المشايخ الثلاثة "المطالب" لم يتطرقوا بالتفاصيل التي ينادي بها المتظاهرين، وخاصة المتعلقة بإسقاط النظام السوري وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

في المقابل حددوا 6 مطالب لـ"التهدئة"، أولها "إجراء تغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات".

وطالبوا أيضا بـ"التراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة، التي لم تبق وتذر، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين"، و"محاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين بكل مصداقية وتقديمهم للعدالة".

ومن بين المطالب "أن تمارس المؤسسة الأمنية والشرطية دورها في الحفاظ على الأمن، وأن تكون عونا للمواطن لا عليه"، إلى جانب "المحافظة على وحدة الأراضي العربية السورية وتحقيق السيادة الوطنية"، و"إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصاديا".

وقرأ بيان "دار الطائفة الدرزية" الشيخ يوسف الجربوع، وأظهر تسجيل مصور كيف أبلغ جموع من الناس في القاعة التي يتواجد فيها أن "يبقوا على موقفهم في الشارع حتى تحقيق المطالب".

وقبل هذا الشيخ وثقت تسجيلات مصورة أخرى وجود الشيخ حكمت الهجري بين المتظاهرين، وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ حمود الحناوي، فيما أكد الاثنان على المطالب التي ينادى بها، وأنه "آن الأوان لقمع مسببي الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة".

جانب من الاحتجاجات التي تشهدها السويداءالموقف أعاد الدور؟

و"مشيخة العقل" في السويداء هي عبارة عن هيئة روحية وزعامة دنية متوارثة، ومنذ العهد العثماني كان هناك 3 شيوخ عقل يتصدرون رأس الهرم في الطائفة الدرزية، حسب ما يوضح الصحفي السوري ومدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف لموقع "الحرة".

وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء ثلاث عوائل (الهجري، الجربوع، الحناوي).

وتنحصر مكانة الشيخ الهجري الدينية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، فيما يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة.

ويعد الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في "مقام عين الزمان"، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.

وكان الشيخ الهجري أول من أيد مطالب المحتجين الذين يتحركون بشكل أساسي في "ساحة السير" وسط المدينة. ولرجل الدين هذا قصة سابقة مع رئيس شعبة الأمن العسكري السابق، العميد وفيق ناصر، بعدما وجه الأخير له "شتيمة" في يناير 2021، ما أشعل حالة غضب واسعة، واستدعى "تقديم اعتذار رسمي من دمشق"، آنذاك.

ويقول الصحفي معروف إن "بيانات المشايخ الثلاثة أخذت صدى واسعا في الشارع، وأعادت الدور من جديد لمشيخة العقل في السويداء".

وعندما كان المشايخ الثلاثة "منحازين لرواية النظام السوري قبل عام 2018 فقدوا حضورهم، وفق الصحفي السوري، أما اليوم "عادوا من جديدة وبقوة، وخاصة الشيخ الهجري الذي تعود جذور موقفه الحالي إلى الفترة التي أعقبت عام 2020".

ولرجال الدين بالعموم "أثر اجتماعي وتاريخي وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية"، ودائما ما كان لهم مكانة ودور يحتفظ به الناس، حسب حديث الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط.

وبعد اندلاع أحداث الثورة السورية في 2011 لعب المشايخ الثلاثة "دور صمام الأمان، ومنعوا الصدام ما بين درعا والسويداء، بين عائلات المحافظات وعشائر البدو".

كما "نجحوا في أن يكونوا صماما، خاصة بعد عمليات الخطف التي كثرت بين الجارتين درعا والسويداء".

لكن السياسي قرقوط يرى في حديثه لموقع "الحرة" أنهم "مثل أي رجل دين كانوا ضمن منظومة الحكم"، وأن "النظام السوري رعاهم ولولا ذلك لما بقي شيخ في مكانه"، حسب تعبيره. حيث "كانوا مهادنين للنظام ومنهم من كان جزء من سياساته"، وعلى مدى السنوات الماضية "لم يكن لهم أي حضور أو ثقل على الصعيد السياسي، قياسا بالدور الذي لعبته الواجهات الاجتماعية".

ويقول قرقوط: "حضورهم الاجتماعي اليوم بين الناس قلب الدور وكرس الحضور، والموقف قد يحسب لهم في التاريخ إذا استمروا عليه وناصروا الحق"، رغم أن الكاتب ذاته انتقد الشكل الذي صدر به بيان الشيخ يوسف الجربوع، ممثلا بـ"دار الطائفة".

مظاهرات السويداء التي خرجت بسبب سوء الأوضاع المعيشيةما الذي تغير؟

ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام حتى الآن على ما تشهده المحافظة الجنوبية في سوريا، واقتصر الموقف غير المباشر من جانبه على ما أوردته مقالات نشرتها صحف مثل "الوطن" و"البعث"، وصف كتابها المتظاهرين بـ"الخارجين عن القانون والمهرجين الموتورين". 

كما صدرت مواقف من شخصيات مقربة منه، مثل عضو "مجلس الشعب السوري"، خالد العبود، حيث أعاد تذكير أبناء المحافظة السورية بما شهدته الأيام الأولى من الثورة السورية، قاصدا ما حصل في أعقاب احتجاجات درعا في 2011.

في غضون ذلك نقلت شبكة "الراصد" المحلية عن مصادر قولها، الخميس، إن محافظ السويداء التابع للنظام، بسام بارسيك، زار الشيخ الهجري وقدم عرضا له حول حلول للواقع الاقتصادي والمعيشي.

وقالت المصادر إن "بارسيك عرض على الهجري إجراء اتصال مع أحد القيادات في دمشق"، إلا أن الشيخ رفض، وأكد أن المسألة "لا تحتاج لوساطات ولا اتصالات".

كما أكد أن "مطالب الشارع معروفة ولا داعي لشرحها، وأنه لن يكون هناك أي تواصل مع أحد قبل تحقيق مطالب الشارع".

حمزة المختار أحد الصحفيين والنشطاء المشاركين في الاحتجاجات يقول لموقع "الحرة" إن مشايخ العقل ومنذ أولى الاحتجاجات في 2017 "لم يكن لهم مثل هذا الموقف الذي أبدوه اليوم".

ويعتقد أن "السبب الذي دفع رجال الدين لتغيير الموقف هو التصعيد الحاصل في الشارع"، مضيفا: "الصورة باتت جلية ولا يمكن إعادة تدوير النظام السوري مهما قدم من إصلاحات أو وعود".

ويقول: "عندما يمشي المحتجون بهذا الاتجاه لا يمكن لرجال الدين أن يخالفوا المسار، لأن الشارع سينقلب ضدهم"، وفق المختار.

لكن الكاتب قرقوط يرى بيان "دار الطائفة" الذي ألقاه الشيخ الجربوع بأنه "لا يرقى إلى مطالب الناس".

على العكس يقول إنه "لم يلامس الشارع بكثير، حيث يطالب بإصلاح حكومي، فيما يطالب المحتجون بتغيير سياسي جذري في سوريا، وتطبيق القرارات الدولية".

ويضيف الكاتب: "الناس حذرة من التعويل كليا على المؤسسة الدينية كي لا تحرف المسار وتكون مشايخ سلطة"، ويشير إلى أن بيان الشيخ الهجري والحناوي تميز "بالتزامهما بمطالب الناس، ولذلك التف الشارع حولهم ودعمهم على نحو أكبر".

ويوضح الصحفي معروف أن "المشايخ جزء من الناس ولا ينفصلون عن الشعب. الهم الاقتصادي والمعيشي ضرب الجميع في المحافظة، وهناك تحولات نوعية على كل المستويات".

ورغم أن "المشيخة تمثل سلطة دينية تعتبر جزءا من المجتمع الموجوع"، "لا يمكن أن تأخذ موقفا متضاربا مع ما ينادي به المحتجون".

ويضيف معروف: "قبل 2018 لم يكن شارع السويداء معارض بالكامل. اليوم كل الشارع يعارض الأسد. هذا ما يميز ما يحصل الآن".

كان لمشايخ العقل الدروز موقف محتلف من احتجاجات السويداء ضد النظام السوري"الشارع دفعهم لذلك"

على مدى السنوات الماضية من الحرب في سوريا لم يقطع النظام السوري حبل التواصل مع المشايخ الثلاثة، وما بين احتجاج وآخر شهدته السويداء كانت وسائل إعلامه الرسمية تستضيفهم للتعليق على ما يحصل، وفق الرواية الرسمية.

كما أجرت صحيفة "تشرين" الحكومية لقاء صحفياً (13 يناير 2021) مع الشيخ يوسف الجربوع، للحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، و"أهميتها بالنسبة للشعب السوري والوطن ككل".

وقال الجربوع، حسب الصحيفة حينها إن "الاستحقاق الدستوري القادم هو واجب وطني وعلى كل أبناء الشعب السوري المشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة من خلال التوجه نحو صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم".

ولا يعرف ما إذا كان الموقف الحالي لمشيخة العقل في السويداء يؤيد المطالب السياسية التي ينادي بها المحتجون بشكل ضمني، وخاصة المتعلقة بإسقاط النظام السوري.

وتعتبر الصحفية السورية، بيسان أبو علي، أن "سياسة رجال الدين خلال السنوات الماضية لم تكن مهادنة للنظام بقدر ما هي سياسة حقن دماء"، وتقول إنهم "كانوا يريدون حقن الدماء وأن لا تندثر الطائفة، كونها تتمركز في السويداء".
وتضيف أبو علي: "مشايخ العقل لم يتهاونوا وحاولوا الوصول لحلول مع الحكومة والنظام السوري، لكنهم لم يصلوا إلى أي حل".

وتحدثت الصحفية أن النظام السوري "مسؤول عن اغتيال شيخ العقل الأول للطائفة أحمد سلمان الهجري، ومن بعده الشيخ وحيد البلعوس"، لكونهما خالفا سياساته في مطلع أحداث الثورة، وبعدما دعوا إلى عدم انخراط شبان المحافظة في الحرب.

وفي الفترة التي أعقبت ذلك تتابع أبو علي أن "المشايخ الثلاثة حاولوا استيعاب مفاصل الموضوع (كي لا يأتوا بجهد البلا للطائفة كما يقال محليا)"، فيما يأتي موقفهم الحالي "بعدما بلغت الأوضاع في المحافظة حدها، وولدت القرارات الأخيرة لحظة الانفجار".

و"لرجال الدين تأثير كبير على الشارع وخاصة الشريحة الملتزمة دينيا ذات الثقل والوزن"، وتحركهم الآن "يعني تحرك هذه الشريحة"، كما يقول الناشط حمزة المختار. 

ويضيف: "اليوم نتحدت عن انتفاضة من كامل شرائح المجتمع ما يعطي زخما لها، ويؤثر بطبيعة الحال على درعا والساحل الذي يغلي، بينما يعتبره النظام السوري خط إخلاء".

لقطة أرشيفية لتظاهرات ضد النظام في السويداء

وظلت السويداء التي يقطنها معظم دروز سوريا تحت سيطرة النظام منذ بداية الثورة في 2011، ونجت إلى حد بعيد من الاضطرابات التي شهدتها مناطق أخرى.  ولا تزال المعارضة الصريحة للنظام السوري نادرة في المناطق التي يسيطر عليها، لكن خلال الأيام الماضية وبالتزامن مع الحراك الشعبي في المحافظة كسرت عدة صرخات من الساحل حالة من الصمت السائدة منذ سنوات.

وترى الصحيفة أبو علي أن "السويداء محكومة دينيا وليس سياسيا من أكبر شخص إلى أصغره. لذلك إذا قال شيخ العقل كلمة سيتبعه الجميع".

ويوضح الكاتب قرقوط أن "زخم الشارع هو الذي غيّر موقف رجال الدين في المحافظة"، وأن "الشارع الذي وقف ضد النظام قادر على الخروج ضد مشايخ العقل".

ويضيف: "ما زال لهم أثر واضح والناس تهتم لمواقفهم. يجب أن تبقى بياناتهم ضمن البيئة التي تطالب على الأقل بالعدالة لكل السوريين، ويجب أن يتبنوا خطاب سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: السنوات الماضیة النظام السوری الشیخ الهجری دار الطائفة فی السویداء فی المحافظة فی سوریا لا یمکن أبو علی

إقرأ أيضاً:

برلماني سابق: المشهد السوري ضبابي ويؤثر على المنطقة بأكملها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور صلاح حسب الله، المتحدث الرسمي السابق لمجلس النواب، إن المشهد السوري ضبابي حتى الآن، وتأثير المشهد السوري يتجاوز سوريا؛ حيث يؤثر على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ووصف "حسب الله"، خلال حواره مع الإعلامي محمد الغزيري، ببرنامج "الصالون" المذاع عبر فضائية "الشمس"، الفترة التي تسمى بالربيع العربي بالانتكاسة العربية، معتبرا أن هذه الفترة كان مُخطط فيها إسقاط الدول العربية، وإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط لخدمة كيان الدولة الإسرائيلية.

وعن الوضع السوري، أوضح أنه كان هناك محاولات لإسقاط نظام بشار الأسد استمرت 14 عاما، ولكن النظام السوري قاوم هذه المحاولات، منوها بأن النظام السوري الذي قاوم 14 عاما سقط خلال 14 ساعة، الأمر الذي يُعد علامة استفهام، متسائلا: هل استطاعت المليشيات المسلحة بتسليحها البدائي إسقاط النظام السوري بهذا الشكل؟.

مقالات مشابهة

  • برلماني سابق: المشهد السوري ضبابي ويؤثر على المنطقة بأكملها
  • مؤتمر الحوار السوري.. من سيشارك وما أجندته؟
  • هآرتس .. من قمة جبل الشيخ السوري يظهر غباء نتنياهو
  • تسونامي آتشيه والمحيط الهندي.. ما الذي حصل؟ وكيف تغير الحال هناك؟
  • الائتلاف الوطني السوري: إيران تستخدم فلول نظام الأسد في احتجاجات طائفية
  • الجزيرة ترصد الأوضاع من موقع الكمين الذي تعرض له عناصر الأمن السوري
  • مقتل عنصرين من الأمن السوري باشتباكات مع أنصار النظام في حمص
  • مقتل عنصري من الأمن السوري باشتباكات مع أنصار النظام في حمص
  • ما قصة الضريح الذي حاولت فلول الأسد استغلاله لإشعال الفتنة؟
  • عقب الاحتجاجات.. إرسال تعزيرات أمنية إلى الساحل السوري