هل تنجح تركيا في تحويل رسوم ترامب إلى فرصة تجارية؟
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
إسطنبول– في حين دوت أصداء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أسواق العالم، تنفست أنقرة الصعداء بعدما تبين أنها من أقل المتأثرين بإجراءاته التصعيدية، إذ فرضت واشنطن رسوما جمركية على الصادرات التركية بنسبة 10% فقط، في وقت شملت فيه الرسوم الجديدة دولا كبرى بنسب تجاوزت 25% وامتدت إلى حدود 50% في بعض الحالات.
وبينما ترتبك اقتصادات عالمية أمام موجة الحمائية التجارية الأميركية، تجد تركيا نفسها أمام معادلة دقيقة: هل تتعامل مع القرار بوصفه أزمة محتملة، أم بوصفه فرصة نادرة لتعزيز موقعها في السوق الأميركي؟
تبادل تجاريعلى الصعيد التجاري العام، تربط أنقرة وواشنطن علاقات اقتصادية متوازنة إلى حد كبير. فحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 32.6 مليار دولار عام 2024، إذ صدّرت تركيا ما قيمته 16.4 مليار دولار إلى السوق الأميركية (نحو 6.2% من إجمالي صادراتها)، مقابل استيراد سلع من أميركا بقيمة 16.2 مليار دولار في العام نفسه.
وتضم قائمة الصادرات التركية إلى أميركا عديدا من القطاعات المهمة؛ ففي عام 2024 جاءت المواد الكيميائية في المرتبة الأولى بقيمة بنحو 1.5 مليار دولار من الصادرات، تلتها صناعة السيارات بـ1.2 مليار دولار ثم الملابس الجاهزة بنحو 856 مليون دولار، حسب بيانات مجلس المُصدّرين الأتراك.
إعلانكما صدّرت تركيا منتجات مثل السجاد والأرضيات (784 مليون دولار) والمعدات الإلكترونية (774 مليون دولار) والصلب (628 مليون دولار) والمنتجات الزراعية المصنعة (429 مليون دولار) إلى السوق الأميركية خلال العام نفسه. وهو ما يوضح مدى تنوع وحجم التبادل التجاري الذي قد يتأثر بإجراءات الرسوم الجديدة.
وبرز قطاع السيارات التركي ضمن أكثر القطاعات تأثرا بالرسوم الجديدة، نظرا لإعلان الرئيس ترامب فرض 25% تعريفات على كل واردات السيارات وقطع غيارها. ويعد هذا القطاع أحد أعمدة الصادرات التركية إلى السوق الأميركية، إذ صدّرت تركيا سيارات ومكوناتها بقيمة 1.2 مليار دولار إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024.
وتشير بيانات مجلس المصدرين الأتراك إلى أن الولايات المتحدة احتلت المرتبة التاسعة بين أكبر أسواق صادرات السيارات التركية في 2024 ضمن رقم قياسي بلغ 37.2 مليار دولار لصادرات القطاع ذلك العام، وفي الشهرين الأولين من العام الجاري، تراجعت الولايات المتحدة مرتبة واحدة إلى المرتبة العاشرة.
ورغم تقلب الأرقام، فإن صادرات تركيا من السيارات إلى الولايات المتحدة بلغت في المتوسط 1.1 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الست الماضية.
وفي السياق، حذّر رئيس اتحاد مصدري صناعة السيارات في تركيا باران جيليك -في تصريح لوكالة الأناضول- من أن الرسوم الأميركية على السيارات وقطعها بنسبة 25% ستنعكس سلبا على الشركات التركية المصنعة، رغم أن جزءا كبيرا من صادرات القطاع إلى أميركا يتركز في مكونات السيارات لا المركبات الكاملة.
في المقابل، حظيت معظم القطاعات التصديرية الأخرى برسوم أخف نسبيا عند 10% فقط ضمن الحزمة الأميركية الجديدة، مما جعل قطاعات مثل البتروكيميائيات والنسيج والألبسة تتنفس الصعداء نسبيا بكونها لم تواجه إلا الرسوم الدنيا، مقارنة بما فرض على السيارات.
ارتياح تركيوسارعت الحكومة التركية إلى تبني خطوات دبلوماسية واقتصادية للحد من تبعات القرار الأميركي على اقتصادها. وفي هذا السياق، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات أن أنقرة ستكثف جهودها لتعزيز العلاقات التجارية مع واشنطن والسعي لإزالة الرسوم الجديدة أو تخفيفها عبر المفاوضات.
وأوضح بولات -أمس الجمعة- في بيان: "نريد مناقشة هذه المسألة في مفاوضات مع وزارة التجارة الأميركية وممثلها التجاري، نظرا لوجود فائض قدره 2.4 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة في الميزان التجاري بين البلدين لعام 2024".
إعلانوفي هذا الإطار، أعلن الوزير التركي أنه سيزور واشنطن في مايو/أيار المقبل لحضور مؤتمر الأعمال التركي الأميركي ولقاء مسؤولي وزارة التجارة والممثل التجاري الأميركي، بهدف طرح خطة عمل مشتركة تتلاءم مع الواقع الجديد.
من جانبه، يشير مجلس المُصدّرين الأتراك إلى أن بقاء التعريفة عند حد 10% يمنح الصادرات التركية فرصة للاستمرار في دخول السوق الأميركي دون عوائق جسيمة، لا سيما أن حصة الولايات المتحدة لا تتجاوز نحو 6% من إجمالي الصادرات التركية كما سلف.
ويشدد المجلس على أن التركيبة المتنوعة للصادرات التركية وأسواقها ستساعد في امتصاص الصدمة إلى حد كبير، مع قابلية إعادة توجيه المنتجات إلى أسواق بديلة أو تعزيز السوق المحلية إن اقتضت الضرورة.
وفي السياق، يرى المحلل الاقتصادي مصطفى أكوتش أن تركيا أمام فرصة لا ينبغي التقليل من شأنها، مشيرا إلى أن الرسوم المفروضة على دول منافسة مثل الصين وكوريا والاتحاد الأوروبي قد تفتح فراغا في السوق الأميركية، يمكن للصادرات التركية أن تملأه.
لكنه يحذر -في حديث للجزيرة نت- من أن "استغلال الفرصة دون حسابات دقيقة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذا ما اعتُبرت أنقرة مستفيدة بشكل مفرط أو غير متوازن، مما قد يدفع واشنطن إلى رفع الرسوم لاحقا أو فرض قيود غير جمركية".
ويضيف أن تركيا تملك قاعدة صناعية متطورة في قطاعات مثل الأجهزة المنزلية والمعدات والسيارات، لكن قدرتها على توسيع حصتها في السوق الأميركية مرتبطة بسرعة استجابتها وديناميكية القطاع الخاص، إلى جانب دعم حكومي فعّال في الجوانب الترويجية واللوجستية.
اختبار مرونةمن جانبه، يرى حقي إيرول جون، الباحث الاقتصادي في جامعة حجي بيرم، أن تركيا تمتلك مناعة اقتصادية نسبية في مواجهة الرسوم الأميركية، مستندا إلى حرب الرسوم الجمركية عام 2018، حين تمكنت من التكيف عبر توجيه صادراتها إلى أسواق بديلة عقب فرض واشنطن رسوما على الصلب التركي.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد إيرول جون أن التحدي الحالي يتجاوز ما حدث في 2018 من حيث اتساع نطاق الرسوم وشمولها لقطاعات أكثر تنوعا، وهو ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا.
ويشير إلى أن الورقة الأقوى التي تملكها أنقرة اليوم ربما لا تكون اقتصادية بحتة، بل مرتبطة بجغرافيتها السياسية ودورها الإقليمي، كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وشريكا حرجا في ملفات الاستقرار في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، وهو ما قد يكون انعكاسا لرغبة أميركية في دعم استقرار الاقتصاد التركي وعدم إضعافه في ظرف إقليمي حساس.
ويختم بالقول إن على تركيا ألا تكتفي بامتصاص الصدمة، بل أن تستثمر هذه المرحلة في بناء قاعدة إنتاجية أكثر تقدما، وتعزيز صادراتها في مجالات التكنولوجيا والمنتجات العالية القيمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الصادرات الترکیة الولایات المتحدة السوق الأمیرکیة الرسوم الجدیدة السوق الأمیرکی ملیار دولار ملیون دولار إلى أن عام 2024
إقرأ أيضاً:
شبح رسوم ترامب يخيم على توقعات أداء الشركات العالمية
بدأت الشركات في قطاعات عدة رفع أسعارها وخفض توقعاتها المالية والتحذير من تفاقم عدم اليقين في ظل زيادة التكاليف واضطراب سلاسل التوريد والمخاوف إزاء الاقتصاد العالمي بسبب حرب تجارية يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأظهرت نتائج أعمال أعلنت، اليوم الخميس، أن الشركات حول العالم واجهت حالة من الضبابية في الربع الأول من العام الجاري، إذ وجد المسؤولون التنفيذيون أنفسهم في مواجهة موقف متغير باستمرار من إدارة ترامب فيما يتعلق بالسياسات التجارية.
وأبرزت تعليقات صدرت -اليوم الخميس- عن كبرى شركات الأغذية المعلبة في العالم مخاوف المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وهجومه على رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول ستؤثر سلبا على ثقة الأسواق.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة نستله (المتخصصة في إنتاج الأطعمة والأغذية المعلبة)، لوران فيركس للصحفيين في مكالمة لمناقشة نتائج الأعمال "بعض القرارات السياسية والاقتصادية قوضت ثقة المستهلكين الضعيفة في الأساس".
وفي إعلان نتائج أعمالها أيضا، أشارت شركة يونيليفر (المشهورة بصناعة المنظفات) إلى "تراجع ثقة المستهلكين" في أسواقها في أميركا الشمالية.
إعلان أداء الأسهموانخفضت الأسهم في تعاملات اليوم الخميس وتلاشت موجة انتعاش الدولار وسط تقييم المستثمرين تصريحات إدارة ترامب المتغيرة بشأن الرسوم الجمركية ورئيس الاحتياطي الاتحادي.
وأوقفت إدارة ترامب معظم الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما تنتهي في 8 من يوليو/تموز، لكن الرسوم العالمية البالغة 10% والرسوم على واردات الألمنيوم والصلب والسيارات لا تزال قائمة، وكذلك الرسوم المرتفعة على السلع المستوردة من الصين والتي ردت عليها بكين بإجراءات مضادة.
ونقلت رويترز عن مصدر لم تسمه أمس الأربعاء قوله إن إدارة ترامب ستدرس خفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية في انتظار المحادثات بين البلدين.
ومع دخول موسم نتائج أعمال الربع الأول أسبوعه الثاني المزدحم كانت الشركات تقيم تأثير الفوضى وتحدد خططها لاحتواء التداعيات.
وانضمت بروكتر آند غامبل وثيرمو فيشر ساينتيفيك لتصنيع المعدات الطبية وبيبسيكو العملاقة للمشروبات الغازية والوجبات الخفيفة إلى قائمة من الشركات خفضت توقعات أرباحها السنوية مشيرة إلى الاضطرابات التجارية، كما سحبت أميركان إيرلاينز توقعاتها المالية للعام الجاري.
وحذرت ثيرمو فيشر من تداعيات قرار خفض تمويل الأبحاث الأكاديمية الذي اقترحته إدارة ترامب.
وأعلنت هيونداي موتور تشكيل فريق عمل لمواجهة تداعيات الرسوم الجمركية ونقل إنتاج بعض سياراتها من طراز (توسان كروس أوفر) من المكسيك إلى الولايات المتحدة.
وقالت "نتوقع استمرار التحديات في مستقبل الأعمال بسبب تصاعد الحروب التجارية وعوامل أخرى غير متوقعة تتعلق بالاقتصاد الكلي".
وتدرس شركة صناعة السيارات أيضا نقل إنتاج بعض السيارات الموجهة إلى السوق الأميركية من كوريا الجنوبية لمواقع أخرى، وذلك في إطار سعيها لتحقيق أهداف أرباحها السنوية.
وتُحقق هيونداي وشركتها التابعة كيا، اللتان تعدان معا ثالث أكبر مجموعة لصناعة السيارات في العالم من حيث المبيعات، نحو ثلث مبيعاتهما العالمية من السوق الأميركية، في حين تشكل الواردات قرابة ثلثي مبيعاتهما من السيارات الأميركية.
إعلانوأعلنت شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة جيه.دي دوت كوم أن ما يقرب من 3 آلاف شركة قد استفسرت بالفعل عن صندوقها البالغ 200 مليار يوان (27.35 مليار دولار)، والذي أُعلن عنه في 11 أبريل/نيسان، لمساعدة المصدرين على بيع منتجاتهم محليا خلال العام المقبل.
ثقة المستهلكوزاد من مخاوف ضعف الاقتصاد خفض الحكومة الألمانية -اليوم الخميس- توقعاتها للنمو لعام 2025، إذ أصبحت تتوقع الآن ركودا بدلا من نمو 0.3% وذلك بسبب عدم اليقين الناجم عن النزاعات التجارية العالمية مما يعرقل النمو ويضعف الاستثمار.
وفي مؤشر آخر على تراجع ثقة المستهلك، قال الرئيس التنفيذي لشركة إيزيتي، ماغنوس غروث إن شركة تصنيع المناديل الورقية السويدية شهدت انخفاضا في الطلب على منتجات النظافة من الفنادق والمطاعم في أميركا الشمالية نظرا لتراجع ارتياد الناس للمطاعم واحتمال عدم سفرهم.
وتوافق ذلك مع تحذير أصدرته شركة تشيبوتلي مكسيكان جريل مساء أمس الأربعاء من أن الأميركيين ينفقون أقل على تناول الطعام في الخارج بسبب تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي، مما دفع سلسلة المطاعم إلى خفض توقعات مبيعاتها.
وأشارت شركة نوكيا، المصنعة للهواتف، إلى تعطل قصير المدى بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، في حين خفضت شركة داسو سيستمز، التي تبيع برمجيات لشركات صناعة السيارات والطائرات وشركات الدفاع، هامش ربحها المتوقع بسبب تقلبات السوق المرتبطة بالرسوم الجمركية، مما أدى إلى انخفاض أسهمها.
وحققت نستله ويونيلفر مبيعات ربع سنوية أفضل من المتوقع، لكنهما، ومنافساتهما من العلامات التجارية الكبرى، تحد من زيادة الأسعار في الولايات المتحدة لتجنب خسارة المتسوقين الأميركيين لصالح العلامات التجارية الخاصة الأقل كلفة من شركات البيع بالتجزئة.
وقد يُسهم ذلك في تهدئة المخاوف من أن الرسوم الجمركية ستفاقم ارتفاع التضخم وتبطئ الاقتصاد الأميركي، على الرغم من أن شركات أخرى، بما فيها إيسيلور لوكسوتيكا، الشركة المُصنعة لنظارات راي بان، وإل جي إلكترونكس، وإنتربارفومز، قد أعلنت أنها سترفع أسعارها في الولايات المتحدة أو قد تفعل ذلك.
إعلانوقال رامون لاجوارتا رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بيبسيكو اليوم الخميس "ونحن نتطلع إلى المستقبل، نتوقع المزيد من التقلبات وعدم اليقين، لا سيما فيما يتعلق بتطورات التجارة العالمية، والتي نتوقع أن تزيد من تكاليف سلسلة التوريد لدينا".
وفي الوقت نفسه، لا تزال ظروف المستهلكين في العديد من الأسواق ضعيفة، وبالمثل، فإن التوقعات غير مؤكدة.