الرغبة الإسرائيلية الجامحة والمكشوفة بالهيمنة على البيئة الاستراتيجية المحيطة بدولة الاحتلال، أخذت معالمها تظهر بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية، وخصوصا في ضوء عدوانها المتواصل على لبنان، حتى بعد الهدنة مع حزب الله منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وكذلك في ضوء عدوانها على سوريا خصوصا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسعيها لفرض معادلة أمنية جديدة في كلا البلدين.
الطريقة التي يدير بها نتنياهو وفريقه الأمور تكشف عن حالة غير مسبوقة من التَّجبُّر والغرور والعجرفة وفرض الإرادة بالقوة الطاغية، غير أنها تكشف من ناحية أخرى حالة القلق والخوف والاضطراب التي تنتاب الطبقة الحاكمة في الكيان الإسرائيلي، والتي أدَّت إلى فقدان الاتزان وغياب المعايير المرتبطة بإدارة المصالح والأولويات، وتعكس انتصار عقلية القهر والاستعباد على عقلية تغليف المشروع الصهيوني بالأدوات اللازمة للتطبيع ومسارات التسوية. وربما كان ذلك أحد أسباب تصريحات كثير من السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين طوال الـ18 شهرا الماضية في التحذير من سياسات نتنياهو وآثارها الكارثية؛ وكان آخرها إصدار 17 من الرؤساء السابقين للموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية والجيش والشرطة بيانا مشتركا نُشر كإعلان مفتوح في الصحف العبرية؛ يَذكر أن نتنياهو يقود "إسرائيل" نحو كارثة، ويمس بأمن الدولة، ويدفع نحو دولة استبداد...
الطريقة التي يدير بها نتنياهو وفريقه الأمور تكشف عن حالة غير مسبوقة من التَّجبُّر والغرور والعجرفة وفرض الإرادة بالقوة الطاغية، غير أنها تكشف من ناحية أخرى حالة القلق والخوف والاضطراب التي تنتاب الطبقة الحاكمة في الكيان الإسرائيلي
تتسق الحملة العسكرية والأمنية الإسرائيلية مع الرؤية التي طرحها نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، حيث غيَّر اسم حربه من "السيوف الحديدية" إلى حرب "القيامة" أو "البعث"؛ وأكد على تطبيق نظرية أمنية تضمن الأمن والاستقرار لدولة الاحتلال للأجيال القادمة، ليس في فلسطين المحتلة وحدها وإنما في البيئة الاستراتيجية المحيطة.
ويهدف التصعيد الإسرائيلي ضدّ سوريا إلى:
- تدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية، مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى، وتحويل سوريا إلى منطقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، وإبقاؤها تحت "اليد الضاربة" الإسرائيلية.
- إنشاء منطقة عازلة في جنوب غربي سوريا، على خطوط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، تمتد في مناطق حوران باتجاه السويداء.
- منع النظام السوري الجديد من الوقوف على رجليه، وقطع الطريق على أي حالة نهضوية لسوريا، باعتبار ذلك خطرا وجوديا على الكيان.
- العمل على تقسيم سوريا من خلال محاولة إسقاط نظام الحكم، وتشجيع الأقليات على التمرد الانفصال، وعلى التجزئة الطائفية والعرقية.
فكرة "ما لا يتحقّق بالقوة، يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" لا تنطبق على هذه المنطقة العربية الإسلامية، والذي يظن ذلك لا يفهم المنطقة ولا عقيدتها ولا تراثها ولا هويتها ولا تاريخها؛ ولا يفهم (ولا يريد أن يفهم) أن عمليات الإخضاع بالقوة هي في الحقيقة عناصر تثوير وتفجير ووقود للمقاومة؛ وأن محاولة توسيع تطبيقات النظرية الأمنية إلى البيئة الاستراتيجية المحيطة، ستسهم في تثوير الشعوب
- السعي للحدّ من نفوذ الأتراك في سوريا، ومنعهم من المسِّ بدائرة الهيمنة الأمنية الإسرائيلية.
- محاولة جرّ النظام السوري الجديد إلى معركة غير متكافئة وسابقة لأوانها، سعيا لإسقاطه، وتوفير بيئات مُشجّعة للمتحمسين للانفصال من الطوائف والأقليات.
* * *
منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ضرب الاحتلال الإسرائيلي مئات الأهداف في سوريا، ووسع احتلاله للمنطقة المجاورة للجولان بشكل تدريجي. وكان من أحدثِ الاختراقات توغّلُ القوات الإسرائيلية بعمق 15 كيلومترا باتجاه بلدة نوى قرب مدينة درعا، بمشاركة المئات من كتيبة المظليين 890 وكتيبة المدرعات 74 التابعين للواء الجولان، غير أنها فوجئت بمقاومة مسلحة من أبناء المنطقة الذين استشهد عشرة منهم، في الوقت الذي تأجّجت فيه المشاعر الشعبية، وخرج أبناء المنطقة بالآلاف في تشييع الجنازات، حيث كان هتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى" حاضرا، بينما أخذ الناس يتنادون للجهاد. وهذا يعني أن سياسة الإخضاع أحدثت أثرا عكسيا باتجاه دعم المقاومة ومواجهة العدوان.
العقلية العدوانية المتعجرفة لنتنياهو تُعميه عن حقائق الأمور، إذ إن فكرة "ما لا يتحقّق بالقوة، يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" لا تنطبق على هذه المنطقة العربية الإسلامية، والذي يظن ذلك لا يفهم المنطقة ولا عقيدتها ولا تراثها ولا هويتها ولا تاريخها؛ ولا يفهم (ولا يريد أن يفهم) أن عمليات الإخضاع بالقوة هي في الحقيقة عناصر تثوير وتفجير ووقود للمقاومة؛ وأن محاولة توسيع تطبيقات النظرية الأمنية إلى البيئة الاستراتيجية المحيطة، ستسهم في تثوير الشعوب، وتوسيع دائرة الصراع ضدّ المشروع الصهيوني، وستسرِّع من قدوم موجة "ربيع عربي" جديدة؛ وأن القياس الإسرائيلي على سلوك الأنظمة الرسمية العربية بفسادها واستبدادها هو قياس خاطئ، وأن ما يحدث في الحقيقة يدخل، والله أعلم، في حالة الاستدراج الرباني للمشروع الصهيوني الذي وصل إلى ذروة "عُلوِّه"، وفي إطار تنزيل سنن الله سبحانه في الطغاة والظالمين؛ وأن المسرح في المنطقة يتجهز إلى مواجهات أوسع، سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الاحتلال الإسرائيلي.
وكما ذكر الدكتور بشير نافع، فإن خسارة "إسرائيل" في سوريا هي من الوزن الاستراتيجي، ولن تعوضها هجمات تكتيكية على هذا الموقع أو ذاك، إذ إن سوريا أخرى تولد وتنهض من جديد.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الاحتلال سوريا التصعيد العدوان سوريا إسرائيل احتلال عدوان تصعيد مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یفهم
إقرأ أيضاً:
الصين تدعو إسرائيل للتخلي عن "وهم تحقيق النصر بالقوة" في غزة
أكدت الصين أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة هو أفضل وسيلة لإنقاذ الأرواح وإعادة الأسرى إلى ديارهم، داعية إسرائيل إلى "التخلي عن وهم تحقيق النصر باستخدام القوة".
جاء ذلك على لسان مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ خلال جلسة مفتوحة عقدت، الثلاثاء في مجلس الأمن الدولي لمناقشة القضية الإسرائيلية-الفلسطينية.
وأوضح فو أن إحلال السلام في قطاع غزة، "ما يزال بعيد المنال"، مشيراً أن أكثر من 52 ألف شخص قُتلوا في القطاع خلال الـ19 شهراً الماضية، بينما يواجه نحو مليوني شخص خطر التهجير القسري.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وتابع المندوب الصيني: "ندعو إسرائيل إلى الامتثال الجاد لالتزاماتها القانونية الدولية. يجب التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. العنف أو استخدام القوة لا يمكن أن يحقق الأمن. وقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الأفضل لإنقاذ الأرواح وإعادة الرهائن".
وأردف: "يجب أن تكون هذه أولوية قصوى. الصين تدعو إسرائيل إلى التخلي عن وهم تحقيق النصر بالقوة، وإنهاء عملياتها العسكرية في غزة وهجماتها على لبنان وسوريا. يجب استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولا يجوز تحويلها إلى سلاح".
وفي 2 مارس/ آذار الماضي، أغلقت إسرائيل معابر قطاع غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية للقطاع، ما تسبب بتدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية محلية.
وأعرب المندوب الصيني عن قلق بلاده من استمرار "الفوضى العميقة" في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية على لبنان وسوريا تُعد انتهاكاً لسيادة هذين البلدين، وأن الغارات الجوية الأمريكية على اليمن تنتهك سيادته ووحدة أراضيه.
وقالت جماعة الحوثي، الجمعة، إن الولايات المتحدة شنت منذ منتصف مارس/ آذار الماضي أكثر من 1200 غارة وقصف بحري، ما تسبب بمقتل وجرح مئات المدنيين.
كما طالب المندوب الصيني إسرائيل بالانسحاب الفوري من أراضي لبنان وسوريا.
وتحتل إسرائيل منذ 1967 معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في البلاد بعد إسقاط نظام بشار الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الاحتلال يعتقل 5 مواطنين ويحتجز العشرات في الطبقة جنوب غرب الخليل الاحتلال يقتحم شرق نابلس ويفتش عددا من المنازل تفاصيل اتصال هاتفي بين حسين الشيخ ووزير الخارجية السعودي الأكثر قراءة كلمة شاملة للرئيس عباس.. الدورة الـ32 للمجلس المركزي تنعقد اليوم بالصور: صحة غزة: أضرار كبير بالعناية المركزة إثر قصف مستشفى الدرة للأطفال سبب وفاة صبحي عطري الإعلامي السوري - صبحي عطري ويكيبيديا هآرتس عن مجزرة المُسعفين: إطلاق النار استمر لثلاث دقائق ونصف عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025