معركة المدرعات الكبرى وبداية النهاية
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
برأيي أن معركة المدرعات التي ظلت قوات الدعم السريع تحشد لها لما يزيد عن الشهر وأعُد لها المشهد العسكري بإسقاط دوائر تأمينها من الاستراتيجية والدفاع الجوي واليرموك والاحتياطي المركزي هي بداية النهاية لإعلان انتصار الجيش وذهاب الدعم السريع وشلة عنتبي إلى مزبلة التاريخ. ظن حميدتي وشلة عنتبي أن انقلابهم على الدولة سينجز في بضع ساعات ولم يتحسبوا لهذه الحرب حتى باعتبار الخطة (ب)، كان الهدف السياسي بعد فشل الانقلاب على الدولة هو المحافظة على توازن ضعف يبقي على الاتزان السياسي لما قبل ١٥ إبريل وهاهي رهانتهم الخاسرة تتكسر اليوم من جديد على عتبة سلاح المدرعات بفضل رجال لن نبلغهم حقهم وفاءً بالتصدي لهذا الهجوم الذي قضى على مشروع إعادة هندسة قوى عنف الدولة السودانية واستتباعها بالكامل لمقررات الأمن القومي الإماراتي وبروتكولات بني صـ.
فالبرهان برأيي لم يخرج اليوم من عزة لكنه لربما أدرك كما أدركت أو ستدرك قوى أقليمية وعالمية بعد معركة المدرعات الكبرى أن الدعم السريع عاد ضربا من خيال. تحرك البرهان اليوم بين جنوده بجناح المخاوف أملا في مخرج آمن بعد الحرب تحت باب القائد المنتصر بعد أن تبددت المطامع بعد هذه المعركة في الإبقاء على الاتزان السياسيي للاتفاق الإطاري بين المثلث المكون منه والدعم السريع وقحت المركزي. قضت هذه المعركة على مطامع البرهان فخرج بجناح مخاوفه بما يضمن له مخرجا آمنا في الحد الأدنى كقائد منتصر مسح بيمينه ما اقترفت شماله.
رهانات القوى الأقليمية الفاعلة عبر مخالب الدعم السريع وشلة عنتبي في تحول هذه الحرب إلى حرب أهلية أو حرب تنازع على سيادة الأمر الواقع كلها تبددت. فلم ولن تسقط بإذن الله حتى الآن حامية للجيش في أي ولاية من ولايات البلاد وليس هناك أدنى مظهر لتحول هذه الحرب إلى حرب أهلية لأنه كما يقول السودانيون “المجرم ما عنده قبيلة” ونسبة الدعم السريع إلى القبائل العربية في دارفور تشريف لا يستحقه الدعم السريع، لأنه منظومة إجرامية لا قبيلة لها إلا المجرمين وآكلي السحت ومصاصي الدماء من هذه القبائل ومن غيرها من سواقط المؤتمر الوطني والحرية والتغيير. هذه الحرب بدأت وستنتهي معرّفة في إطار حديث بالكامل بين جيش نظامي مركزي وقوة مسلحة إجرامية تستخدم السلاح للإجرام والإرهاب. فهي ليست حربا بين جيشين إذ أنه ليس هناك جيش بالمعنى يتغذى على مال الدولة بالسرقة ويسرق البنوك في وضح النهار وينهب ممتلكات المواطنين الخاصة ويطردهم من منازلهم وينتهك أعراضهم بقوة السلاح، وذلك هو مناط القول بصفرية المعركة مع الدعم السريع ومشروعية الحرب في قتاله فوق مشروعية السلام لأنه لا تفاوض ولا سلام مع الإجرام والإرهاب.
تمثل برأيي معركة المدرعات النقطة ما قبل الفاصلة في عمر هذه الحرب تماما كيوم ٦ إبريل في عمر الثورة. وهي نقطة يكون صاحبها قد بلغ مقاما متقدما في معركته ضد عدوه حتى مجئ اللحظة الفاصلة كلحظة ١١ إبريل في عمر الثورة. والحرب تماما كما الثورة خافضة رافعة تخفض أقوما وترفع آخرين في سلم القوة السياسية وبلا أدنى شك ستتجاوز شرعيتها شرعية الثورة وإن كانت هذه الحرب بتأسيسيتها بمعنى ومفهوم الدولة كأشرف حرب يخوضها الجيش السوداني في تاريخه ضد أكبر مخطط حيك لتقويض الدولة السودانية، هي امتداد، شاء من شاء وأبى من أبى، للمسار التأسيسي لثورة ديسمبر. ليس كثورة خاتمة لمسير الإنقاذ بقدر ما أنها خاتمة لمسير دولة ما بعد الاستعمار وتكليل لنضالات السودانيين الممتدة ضدها منذ المهدية مرورا بالحركة الوطنية وثورتي اكتوبر وإبريل. فهذه الحرب قضت على الدعم السريع كآخر بقايا الإنقاذ باعتبارها أغلظ نسخة لدولة ما بعد الاستعمار وأكبر مهدد وتحدي لوجود الدولة بما يسمح بالبداية في معالجة تحديات تأسيسها عبر معالجة أسئلة استقرارها وتنميتها. ديسمبر ليس كتلتها وليست خطابها وليست الحرية والتغيير لكنها ثورة تقرأ في سياق التاريخ الكبير للسودانيين ما بعد الاستقلال، وإن سار ركبها في لحظة من لحظاتها عبر القوة السلمية للمتظاهرين فهي تسير اليوم نحو ذات الأهداف عبر القوة المسلحة لجنود الجيش إحقاقا عمليا لشعار جيش واحد شعب واحد والجيش جيش السودان ما جيش الكيزان ولا جيش البرهان.
وفي ذلك، تدثرت كثير من القوى المدنية غير المحزبة تحت شعار لا للحرب ادعاء لأخلاقية زائفة في مقام ترتفع فيه شرعية الحرب على شرعية السلام في وجه مليشيا إجرامية كان ولا زال وجودها هو أكبر المعيقات أمام أي انتقال تأسيسي وفي تناقض تام مع شعارات الثورة نفسها. أُخذ هذا الموقف على خلفية تفتقر للتحليل استنادا على البنية وتخاف الكيزان كالموت أو أشد خشية وبعد شراء كذبة شلة عنتبي ومستهلكات الدعاية السياسية لماكينة الدعم السريع والحرية والتغيير الإعلامية بأن هذه الحرب من صنيع الكيزان. هذا الموقف كان ليكون متفهما بعض الشيء خلال الأسابيع الأولى حين بدا أن هذه الحرب بين الجيش والمليشيا إلا أنه بعد الانتهاكات الممنهجة مع سبق الإصرار والترصد للمليشيا اتضح لكل من ليس في عينه رمد أنها معركة الشعب بسلاح الجيش ضد المليشيا.
كيفما انتهت هده الحرب وكيف ما رفعت من قوى وأخفضت أخرى فهي ستصب أو ينبغي أن تصب في خلق اتزان سياسي يسمح بابتدار انتقال عنوانه التوافق الوطني الصلب والشامل والمستدام التأسيسي على المبادئ المؤسسة للدولة السودانية بما ينهي حقبة ما بعد الاستعمار من تاريخنا. توافق لا يتجاوز على الإطلاق بند العدالة والعدالة الانتقالية بداية من مذبحة عنبر جودة مرورا بالإنقاذ ونهاية بحرب إبريل حيث لا ينبغي تجاوز محاسبة البرهان وشلة عنتبي.
عمرو صالح يس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: معرکة المدرعات الدعم السریع هذه الحرب ما بعد
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من الدعم السريع
أعلنت القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى، تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، بعدما كانت تحت سيطرة ميليشيات الدعم السريع.
ونشرت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية على منصة «فيسبوك»، مقطع فيديو يظهر قوات الجيش والقوات النظامية الأخرى داخل رئاسة الفرقة 17 مشاة في المدينة.
وكان الجيش السوداني، أعلن أمس الجمعة تحرير مدينة اللكندي وعددا من المناطق على ذات المحور بشمال الروصيرص حتى قرية أبو تيقا شمال اللكندي في ولاية سنار، و طرد مليشيا الدعم السريع من داخل منازل المواطنين والأعيان المدنية.
ويعيش السودان في أزمة كبيرة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع بعد اندلاع الاشتباكات بين الجانبين في منتصف أبريل 2023.
اقرأ أيضاًالبرهان: القوات المسلحة السودانية قادرة على ردع كل من يحاول العبث بمقدرات الشعب
عاجل.. القوات المسلحة السودانية تعلن مقتل والي غرب دارفور
القوات المسلحة السودانية عن إلغاء اتفاق جوبا: قرار مفبرك