سواليف:
2025-04-26@10:51:00 GMT

الحلم سيد الأخلاق

تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT

#الحلم #سيد_الأخلاق
الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات

نعيش اليوم مرحلةً خطيرةً تتجلّى فيها أزمة القيم الأخلاقية بأوضح صورها، حيث تفشّت ظواهر العنف المجتمعي وأصبحت جزءًا من المشهد اليومي في أسواقنا وشوارعنا. نلاحظ تصاعدًا ملحوظًا في العصبية وفقدان السيطرة على التصرفات، سواء باللسان أو اليد، حتى بات الانفعال سمةً غالبةً على كثير من الناس، وعلامةً تظهر على وجوههم وجوارحهم.

ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب أنّ هذا السلوك برز بشكلٍ جليّ خلال شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي يُفترض أن يكون موسمًا للسكينة والرحمة، لا مسرحًا للغضب والتوتر، وكأنّ البعض يصوم مُكرهًا، لا عن قناعةٍ ويقين والتزام.

من المؤسف أن نرى هذا التناقض الصارخ بين جوهر العبادات وسلوك الصائمين، فمن المفروض أن يرتقي الإنسان بأخلاقه في هذا الشهر الفضيل، وأن يكون التسامح والمحبة عنوانًا للتعامل بين الناس. لكن الواقع كشف العكس تمامًا، فالشوارع تحوّلت إلى ساحات سباقٍ محمومة تسودها الفوضى والتهور، حتى أصبح الخروج من المنزل مخاطرةً بسبب رعونة البعض. المشاحنات في الأسواق والأماكن العامة أضحت مشهدًا يوميًا، وكأنّنا ننتظر انتهاء الشهر بفارغ الصبر، لا حبًّا في إتمام الطاعة، بل خلاصًا من موجة الإساءات التي اجتاحت المجتمع.

إنّ العبادات ليست مجرد طقوسٍ شكلية، بل ينبغي أن تنعكس على سلوك الفرد، فمتى ما كانت العبادة نابعةً من إيمانٍ صادق، ظهرت آثارها على التصرفات والأخلاق. أمّا من يمارسها رياءً ومجاراةً للمجتمع، فإنّها لا تترك أثرًا إيجابيًا، بل قد تُنتج سلوكًا متناقضًا يعكس انفصال العبادة عن جوهرها الحقيقي.

مقالات ذات صلة حدث في العيد!! 2025/04/02

لا أحد ينكر أنّ ضغوط الحياة كثيرة، وأنّ متطلبات العيش تفوق أحيانًا القدرة على تلبيتها، لكن حسن التدبير والتوازن في الإنفاق يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. التركيز على الأولويات والتقليل من الكماليات ليس ضعفًا، بل دليلٌ على الوعي والمسؤولية.

إنّ حسن الخلق ليس ترفًا أخلاقيًا، بل هو انعكاسٌ لحقيقة الإيمان، فمن لم تهذّبه صلاته، ولم يضبطه صيامه، فإنّ عبادته لا تعدو كونها حركاتٍ بلا معنى. الأخلاق هي الميزان الذي يُقاس به سموّ الإنسان، ومكانته في قلوب الآخرين، وتأثيره في مجتمعه. بكلمةٍ طيبة تُفتح القلوب، وبابتسامةٍ صادقة تُزرع المحبة، وبسلوكٍ راقٍ يُبنى الاحترام.

وغرس القيم الأخلاقية يبدأ من الأسرة، لكنه لا يكتمل إلا عبر المؤسسات التعليمية، حيث يقع على عاتق المدارس والجامعات دورٌ محوري في تعزيز الأخلاق وترسيخها لدى الأجيال القادمة. ولا يكون ذلك بمجرد تدريسها نظريًا، بل من خلال تقديم نماذج حية تمثل القدوة الحسنة. فالمعلم الذي يتحلى بالصبر والعدل، والأستاذ الجامعي الذي يلتزم بالنزاهة والاحترام، يصبحان مصدر إلهامٍ للطلاب، فيتعلمون منهم أكثر مما يتلقونه من المناهج الدراسية. لذا، فإنّ بناء جيلٍ يحمل القيم الأخلاقية النبيلة لا يتحقق إلا إذا رأى الطلاب هذه القيم مجسدةً في واقعهم اليومي، لا مجرد شعاراتٍ تُقال في المحاضرات والخطب.

ما أحوجنا اليوم إلى إعادة الاعتبار للأخلاق في مناهجنا التربوية، وأن نرسّخها في نفوس أبنائنا من خلال القدوة الحسنة، لا المواعظ الجوفاء. فالتربية ليست خطبًا تُلقى، بل نموذجٌ يُحتذى، فمن فقد الأخلاق فقد تأثيره، ومن كان سلوكه مناقضًا لكلامه، لن يصنع تغييرًا.

إنّ أزمة الأخلاق ليست مجرد حالةٍ طارئة، بل جرس إنذارٍ يُحتم علينا جميعًا مراجعة ذواتنا وإعادة بناء القيم التي تُحصّن المجتمع من الانهيار. فالأخلاق ليست خيارًا، بل ضرورةٌ لحياةٍ متزنةٍ ومجتمعٍ أكثر وعيًا ورُقيًا.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

مليونية تُرسخ إرادة شعب لا يلين

في قلب اليمن النابض، وفي ساحة السبعين الشاهدة على عروبة وتاريخ هذا البلد العريق، تجسد مشهد يزلزل أركان الصمت العالمي. لم يكن مجرد تجمع بشري عابر، بل كان سيلًا هادرًا من الإنسانية المتراصة، حشودًا مليونية تداعت لترسم لوحة فريدة من الوحدة والتضامن مع غزة وفلسطين. هنا، في صنعاء، لم يكن الحاضرون مجرد أفراد، بل كانوا جسدًا واحدًا، روحًا واحدة تهتف باسم الحق والعدل، وتعلن للعالم أجمع أن قضية فلسطين ليست قضية عابرة، بل هي نبض متأصل في ضمير هذا الشعب.

هذا التجمع المهيب في صنعاء لم يكن حدثًا معزولًا، بل كان قمة جبل جليدي يطفو على محيط واسع من التضامن الشعبي اليمني. ففي بقية الساحات والميادين في مختلف المحافظات والمديريات اليمنية، كانت هناك مسيرات حاشدة مماثلة، تعكس ذات الروح والعزيمة، وتؤكد أن نصرة غزة وفلسطين ليست مجرد موقف مركزي، بل هي نبض شعبي يجتاح كل شبر من أرض اليمن.

هذه الحشود المليونية في صنعاء، بالإضافة إلى الجموع الغفيرة التي ملأت الساحات الأخرى في أرجاء البلاد، لم تكن مجرد أرقام في سجلات المظاهرات؛ لقد كانت تعبيرًا صادقًا عن إرادة شعبية صلبة كجبال اليمن الشامخة، إرادة عصية على الكسر أو الترويض. إنها إرادة متجذرة في أعماق التاريخ، تستمد قوتها من إيمان راسخ بالعدالة ورفض قاطع للظلم والاضطهاد. هذا البحر البشري المتلاطم بالعزيمة والإصرار، في صنعاء وفي كل مدينة وقرية يمنية، لم يأتِ ليوم أو يومين، بل هو امتداد لموقف تاريخي ثابت، يؤكد أن البعد الجغرافي لا يمكن أن يفصل بين قلوب مؤمنة بقضية واحدة.

إن العنفوان الذي تجلى في هتافاتهم ووجوههم العازمة، سواء في قلب العاصمة أو في أقصى أطراف البلاد، يتجاوز حدود الوصف، ليصبح مثالًا حيًا لقوة الروح الإنسانية في مواجهة التحديات. هذا العنفوان اليمني، الذي يصدح في سماء صنعاء وفي كل سماء يمنية، ليس مجرد حماس عابر، بل هو قوة دافعة تبعث برسالة مدوية إلى العالم: لا يمكن لأي قوة في الدنيا، مهما بلغت جبروتها، أن تكسر إرادة شعب يرى في قضيته امتدادًا لوجوده وكرامته. وثبات هذا الشعب الراسخ، الذي يبهر المراقبين ويثير الدهشة في نفوس البشرية، يمثل صمودًا أسطوريًا في وجه الأعاصير، صمودًا يتجلى في كل ساحة وشارع يمني.

ولعل اسم هذه المليونية المركزية في صنعاء، «ثابتون مع غزة.. رغم أنف الأمريكي وجرائمه»، يحمل في طياته رسالة واضحة ودلالة عميقة، وهي رسالة يتردد صداها في كل المسيرات المتزامنة في أرجاء اليمن. إنه تعبير صريح عن رفض السياسات الأمريكية التي يعتبرها هذا الشعب منحازة وغير عادلة، بل ويرونها متواطئة مع الظلم الواقع على إخوانهم في فلسطين وغزة. هذا الاسم ليس مجرد شعار، بل هو صرخة مدوية في وجه القوى التي تسعى إلى فرض رؤيتها بالقوة والقمع. إنه إعلان بأن هذا الشعب اليمني الأصيل، في كل محافظاته ومديرياته، يقف بكل فخر واعتزاز إلى جانب الحق، ولا يخشى في ذلك لومة لائم.

إن المشهد الذي تجلى في ميدان السبعين في صنعاء، والذي تكرر بأشكال مماثلة في بقية الساحات اليمنية، يرسل رسالة قوية وواضحة إلى كل زوايا المعمورة. إنها رسالة مفادها أن إرادة الشعوب أقوى من كل المؤامرات والمخططات، وأن التضامن الإنساني الحقيقي يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية. إن تضامن اليمن مع فلسطين وغزة ليس مجرد موقف عاطفي، بل هو قناعة راسخة تستند إلى قيم العدل والأخوة والإنسانية المشتركة، تتجسد في كل تظاهرة ومسيرة في كل بقعة من أرض اليمن. هذه القوة الهائلة التي تجسدت في هذه التجمعات المليونية في مختلف أنحاء البلاد تؤكد أن قضية فلسطين وغزة ليست قضية معزولة، بل هي قضية أمة حية، وأن هناك شعوبًا بأكملها تقف خلفها بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة. إنها صورة حية للتكاتف الإنساني والعزيمة الصلبة في مواجهة التحديات، وشهادة بأن جذوة الحق لن تنطفئ ما دام هناك أحرار في هذا العالم يهتفون باسمه، من صنعاء العاصمة إلى أصغر قرية في اليمن.

 

مقالات مشابهة

  • أجمل ما قيل عن شهر مايو
  • مليونية تُرسخ إرادة شعب لا يلين
  • الأخلاق الرقميه
  • نهيان بن مبارك: القيم الإنسانية عناصر محورية في توجيه الذكاء الاصطناعي
  • سامح قاسم يكتب | مجدي أحمد علي.. عينٌ على المدينة وقدمٌ في الحلم
  • هل تصلح عودة إيلون ماسك إلى تسلا الضرر الذي لحق بها جراء عمله في إدارة ترامب؟
  • هل تفسير الأحلام علم؟.. أستاذ طب نفسي الأزهر يفجر مفاجأة
  • المفتي من جامعة الصالحية الجديدة: إحياء القيم الأخلاقية ضرورة دينية
  • مفتي الجمهورية: القيم الإنسانية المشتركة بين الأديان جسرٌ للسلام ومصدرٌ لبناء الحضارات
  • مفتي الجمهورية: القيم الإنسانية المشتركة بين الأديان مصدر لبناء الحضارات