الصين تصنع حاسوبا كميا يعالج مشكلات تتطلب 6 مليارات سنة في ثوان
تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT
في تطور جديد يعزز من مكانة الحوسبة الكمومية الصينية على الساحة العلمية، أعلن فريق من الباحثين من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين عن تطوير معالج كمومي جديد يُدعى “زوتشونجزي-3” يُعد طفرة في مجال التفوق الكمومي.
التغيير ــ وكالات
يتكون “زوتشونجزي-3” من 105 كيوبتات، وهذا يجعله أحد أكثر المعالجات الكمومية تقدما حتى الآن.
ويأتي هذا التطوير استمرارا لسلسلة من النجاحات التي حققها الفريق الصيني في مجال الحوسبة الكمومية، بدءا من “زوتشونجزي-1″ و”زوتشونجزي-2” وصولا إلى هذا الإنجاز الجديد.
وتقول أسماء علي، الباحثة في قسم الفيزياء النظرية والمتخصصة في الحوسبة والمعلوماتية الكمومية بكلية العلوم في جامعة المنصورة المصرية، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: “ما نحن أمامه ليس مجرد قفزة كبيرة في تقنية الحوسبة ولكنه تحول جذري في فهمنا لقدرات الطبيعة وتطويعها لإعادة تعريف الممكن في عالم المعلومات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والحضارة البشرية”.
حوسبة خاصة جداولفهم الفكرة الخاصة بالحاسوب الكمي، تخيل أنه شخص يفكر، الحاسوب العادي يفكر باستخدام “بتات” وهي إما 0 أو 1، ما يعني أنه يجري العمليات بترتيب يتطلب فاصل زمني بينها، فيجرب كل الاحتمالات واحدة تلو الأخرى.
أما الحاسوب الكمي فيستخدم “البتات الكمية” أو الكيوبتات، وهي يمكن أن تكون 0 و1 في نفس الوقت، ما يعني أنه يتمكن من إجراء عدد كبير من العمليات في نفس الوقت، أي أنه يمكن أن يجرّب جميع الاحتمالات لحل مسألة ما في وقت واحد.
تخيّل أن البت التقليدي مثل مفتاح كهرباء: إمّا “مفتوح” أو “مغلق”، أما الكيوبت، فهو مثل مفتاح “سحري” يمكن أن يكون مفتوحا ومغلقا معا.
وتوضح أسماء علي: “هناك قيود جوهرية تمنع الأنظمة الكلاسيكية من مضاهاة الأداء الكمومي، الذي يعتمد على التراكب الكمومي، حيث يمكن للكيوبت تمثيل حالتين في آنٍ واحد، بينما البت الكلاسيكي يكون إما 0 أو 1 فقط”.
ليس التراكب فحسب بل يعتمد هذا النوع من الحواسيب على التشابك الكمومي أيضا، وهو ظاهرة كمومية تسمح للكيوبتات أن تكون مترابطة، إذا تغيّر واحد منها يتغير الآخر فورا، حتى لو كان بعيدا عنه، حيث تُنتج الحواسيب الكمومية تشابكات تتيح معالجة المعلومات بطريقة لا يمكن للحواسيب الكلاسيكية محاكاتها بكفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، يظهر ما يسمى بالتداخل الكمومي، والذي يُمكّن الخوارزميات الكمومية من تعزيز الحسابات الصحيحة وإلغاء الحسابات الخاطئة بطريقة لا يمكن تحقيقها حسابيا بالحواسيب الكلاسيكية.
حرب كمومية باردةفي عام 2019، أعلنت غوغل عن تحقيق “التفوق الكمي” من خلال معالجها سيكامور الذي احتوى على 53 كيوبتا، حيث تمكن من تنفيذ عملية حسابية معقدة في 200 ثانية فقط، بينما كانت الحواسيب التقليدية تحتاج نحو 10 آلاف سنة لإتمامها.
كان هذا الإنجاز أحد أضخم الإنجازات إلى أن أتى الفريق الصيني، والذي حجز مقعده كمنافس شرس عبر الإصدارات الأولى والثانية لزوتشونجزي، فتمكنوا في الإصدار الثالث من تحدي غوغل عبر التفوق على أقوى معالجاتها.
وتشرح أسماء علي: “التفوق الكمي هو قدرة الحواسيب الكمومية على تنفيذ عمليات حسابية شديدة التعقيد قد تستغرق مع الحواسيب الكلاسيكية مئات وآلاف السنين بينما يحصل الحاسوب الكمي على نتائجها خلال ثوان”.
على سبيل المثال، اختبر الباحثون حاسوبهم الجديد مع الحواسيب الكلاسيكية لحل مشكلة ما وكشفوا أن أقوى الحواسيب الكلاسيكية، مثل فرونتير وسوميت، تحتاج إلى 6 مليارات سنة لحلها، في حين يستطيع زوتشونجزي-3 إنجازها في ثوانٍ، بحسب الدراسة التي نشرها الفريق في دورية “فيزكال ريفيو ليترز”.
عبقرية زوتشونجزي-3تشرح علي: “يتمثل التحدي الأكبر لأي معالج كمي في التغلب على الضوضاء والسيطرة عليها، نظرا لحساسية أي نظام كمي للبيئة المحيطة. وأي تفاعل أو تداخل قد يؤدي إلى انهيار النظام الكمي وفشل العملية الحسابية. لذلك يعتمد تصميم أي معالج على تجنب التأثيرات الخارجية وتحسين تقنيات قراءة الكيوبتات والتفاعل فيما بينها، وهذا يجعل المعالج أكثر كفاءة في إجراء العمليات الحسابية”.
ويتفوق زوتشونجزي-3 بفضل عدة تحسينات تقنية، منها استخدام مواد تقلل من تأثير الضوضاء. كما اعتمد التصميم على نهج هندسي متقدم يعزز من كفاءة الاتصال بين الكيوبتات ويسمح بإجراء عمليات حسابية موثوقة.
من العوامل الحاسمة في أداء زوتشونجزي-3 هو تحقيق زمن تماسك يبلغ 72 ميكروثانية، وهو ما يسمح للكيوبتات بالحفاظ على حالتها الكمومية لفترة أطول قبل الانهيار، وهذا يسهل إجراء عمليات حسابية أكثر تعقيدا. كما بلغت معدلات الدقة 99.9%، والتي تحدد مدى موثوقية تنفيذ العمليات الحسابية من دون أخطاء. وكلما ارتفعت هذه النسبة، قلت الحاجة إلى تطبيق تقنيات تصحيح الأخطاء الكمومية، وهذا يجعل النظام أكثر كفاءة واستقرارا.
وتشير أسماء علي إلى أهمية ذلك قائلة: “تتيح تلك العوامل إجراء محاكاة فيزيائية أكثر تعقيدا، وحل مسائل التحسين، وتقديم أداء متقدم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتشفير. هذا التطور يعزز قدرة الحوسبة الكمومية على تجاوز حدود الحواسيب الكلاسيكية، ويجعلها أقرب إلى تحقيق تطبيقات عملية حقيقية”.
بين ماضٍ وحاضريهدف كل التطوير في الحوسبة الكمومية إلى إجراء العمليات الحسابية على الكيوبتات مع تقليل أي تأثيرات قد تخل بالحالة الكمومية.
ويعد زوتشونجزي، والذي سُمي الحاسوب على اسمه، أحد أبرز علماء الرياضيات في الصين القديمة، إذ قدم إسهامات مهمة في الحسابات الفلكية، مثل تقريب قيمة ط أو باي بدقة مذهلة لعصره.
وتعلق أسماء علي : “لو رأى زوتشونجزي الحوسبة الكمومية اليوم لذهل من قدرتها على إجراء حسابات معقدة تفوق أي حاسوب تقليدي مستغلة التراكب والتشابك الكمومي وسيفاجئه أن الحساب لم يعد قائما على قيم حتمية بل على احتمالات كمومية تتداخل لتحقق نتائج بزمن قياسي غير ممكن كلاسيكيا. فعالم الكم لم يعد مجرد مجال نظري بل أصبح قوة تعيد تشكيل حدود المعرفة البشرية وتفتح أبوابا لحلول لم يكن يتخيلها العقل البشري”.
وبعد تحقيق أقوى تفوق كمي حتى الآن، يعمل الفريق الصيني على تطوير تقنيات جديدة مثل تصحيح الأخطاء الكمومية، وتحسين التشابك الكمومي لتحسين أداء المعالجات الكمومية. ويبدو أننا على موعد مع تطبيقات كمية تفوق التوقعات وتشكل واقعا عالميا جديدا سنحتاج إلى الوقت لاستيعابه.
المصدر : الجزيرة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
جامعة الشارقة تطلق أسبوع كلية الحوسبة والمعلوماتية لتعزيز الابتكار الرقمي
أطلقت جامعة الشارقة فعاليات “أسبوع كلية الحوسبة والمعلوماتية” بهدف تعزيز الابتكار الرقمي وبناء القدرات الوطنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والتجارة الإلكترونية، وذلك بمشاركة واسعة من الأكاديميين والخبراء الدوليين وطلبة الجامعة.
وأكد الدكتور يوسف الحايك، نائب مدير الجامعة للشؤون الأكاديمية فى كلمة له حرص الجامعة على ترسيخ مكانتها كمركز للتميز الأكاديمي والبحثي، مشيداً بأهمية الفعاليات في ربط الجوانب النظرية بالتطبيق العملي وتبادل الخبرات بين مختلف الجهات المعنية.
وشهد الحدث انعقاد ندوة علمية متخصصة بعنوان “الأمن السيبراني والتجارة الإلكترونية”، بحضورالدكتور معمر بالطيب، نائب مدير الجامعة لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا، الذي أكد في كلمته على أهمية هذه القضايا الحيوية التي تشكل ركائز الاقتصاد الرقمي في العصر الحديث، مشدداً على دور الجامعة في دعم البحوث العلمية المتقدمة في هذه المجالات.
من جهته، أشار الأستاذ الدكتور عباس عميرة، عميد كلية الحوسبة والمعلوماتية، إلى أن الكلية تسعى من خلال شراكاتها مع كليات الجامعة المختلفة والجهات الصناعية محلياً ودولياً إلى توفير بيئة تعليمية محفزة تواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتسهم في تمكين الطلبة والباحثين من مهارات القرن الحادي والعشرين.
وتضمنت فعاليات الأسبوع انعقاد النسخة الخامسة من الندوة الدولية حول التجارة الإلكترونية والأمن السيبراني (SEC 2025)، بتنظيم مشترك بين قسمي نظم المعلومات وعلوم الحاسوب، وبالتعاون مع كلية القانون، حيث ناقشت الندوة أحدث الابتكارات في تقنيات الحماية الرقمية والتجارة الإلكترونية، بمنهجية متعددة التخصصات.
كما شهد الحدث تقديم كلمات رئيسية من خبراء عالميين، من أبرزهم البروفيسور فخري كراي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والبروفيسور سيرجي كوليوبين من جامعة “ITMO” الروسية، اللذين تناولا آفاق الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والتقنيات المستقبلية.
وشارك عدد من الأكاديميين والخبراء من شركة “AWS” العالمية في جلسة نقاشية بعنوان “تحولات آفاق التعلم: بروز الذكاء الاصطناعي التوليدي”، بينما عُقدت ورشة تدريبية متقدمة بالتعاون مع منصة “NVIDIA DLI”، ناقشت استخدامات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واكتشاف الحالات الشاذة، قدمها الدكتور أياد تركي.
وفي ندوة “الأمن السيبراني والتجارة الإلكترونية”، تحدث عدد من المتخصصين، من أبرزهم عمر محمد العوضي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “تكنولوجيز ذ.م.م”، وإيميني يلماز بوتون، مؤسسة AcceleratEMEA، حيث استعرضا مفاهيم حديثة في تأمين المعاملات الإلكترونية وابتكارات البرمجة متعددة التخصصات.
وتخللت الفعاليات عروض بحثية لعدد من أعضاء هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا، تناولت مواضيع متقدمة مثل الأمن الإلكتروني ما بعد التشفير الكمومي، وأمن الإنترنت للأشياء، والتسعير التنبؤي المدعوم بالبيانات.
واختتمت الفعاليات بتكريم المتحدثين والمشاركين، إلى جانب الإعلان عن الفائزين في المسابقات الطلابية حيث حصل الطلبة المتميزون على جوائز في مجالات برمجة الروبوتات، وتحديات الأمن السيبراني، إضافة إلى جائزة الابتكار في التجارة الإلكترونية لعام 2025، والتي جاءت بالتعاون مع شركة “تكنولوجيز ذ.م.م”.
وتوج الطالب عمر محمد بجائزة أفضل مشروع عن تطوير “سرب طائرات بدون طيار لجرد الأصول في الأماكن المغلقة”، فيما كُرِّم عدد من الطلبة الآخرين عن مشاريعهم الإبداعية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الناشئة.وام