في يوم واحد خسرت الأسواق 3 تريليونات دولار، وانخفض الدولار والنفط وتراجعت الثقة. الثالث من أبريل/نيسان الجاري لم يكن يوما عاديا في أسواق العالم، فقد ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبلها حجرا ثقيلا في مياه الاقتصاد العالمي الراكدة؛ متمثلا بتعريفات جمركية واسعة لم تستثنِ حتى أقرب الحلفاء مثل كندا وألمانيا واليابان والأردن.

خطوة واحدة فقط كانت كفيلة بإشعال الذعر في الأسواق، وانطلقت تحليلات تصف ما جرى بـ"الزلزال الاقتصادي".

لقد خلّف هذا الاجراء اضطرابا عالميا لم يُشهد مثله منذ الأزمة المالية عام 2008. لكن من وراء هذا الزلزال، تبرز أسئلة أكبر: هل اتخذ ترامب أخطر قرار اقتصادي في ولايته الثانية؟ أم أنه يحرك قطع الشطرنج العالمية ضمن خطة بارعة تحت شعار "التجارة العادلة المتبادلة"؟

قراءة في الأرقام

منذ لحظة إعلان القرار، تهاوت الأسواق المالية العالمية، وسجلت مؤشرات الأسهم الأميركية أسوأ أداء ليوم واحد منذ مارس/آذار 2020، بخسائر قدرت بنحو 3 تريليونات دولار. كما انخفض مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 2.1%، وهو أكبر تراجع يومي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وفي سوق السندات، تراجع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 13 نقطة أساس، في إشارة إلى هروب المستثمرين نحو الأصول الآمنة. أما أسعار النفط الأميركي، فقد سجلت هبوطا بنسبة 6.6%، وهو الأسوأ منذ العام 2022.

إعلان

هذه المؤشرات مجتمعة تعكس حجم القلق الذي زرعه القرار في الأسواق، وتثير تساؤلات جدية حول جدواه على المدى القصير والمتوسط.

تعريفات ترامب الجمركية الواسعة لم تستثنِ حتى أقرب الحلفاء مثل كندا وألمانيا واليابان والأردن (رويترز) في الميزان.. مخاطر واضحة

رغم أن قرار الرئيس الأميركي جاء في إطار خطاب سياسي يروّج "للتجارة العادلة" و"حماية المصالح الوطنية"، إلا أن تبعاته المباشرة أثارت سلسلة من التحذيرات الاقتصادية. فالأسواق لا تتعامل مع الرسائل الرمزية، بل مع المؤشرات الواقعية. وفيما يلي أبرز المخاطر المحتملة التي تضع هذا القرار في خانة المجازفة الكبرى، وربما الخطأ الإستراتيجي:

1- تراجع الثقة بالاقتصاد الأميركي:
رد فعل الأسواق يُظهر أن المستثمرين فسروا قرار ترامب كعلامة ضعف لا قوة. فعوضا عن تعزيز الثقة في الاقتصاد الأميركي، أدت التعريفات إلى إثارة مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي قد يرتد على الولايات المتحدة نفسها.

2- خطر الحرب التجارية الشاملة:
التاريخ الحديث يبين أن الحروب التجارية لا تربحها أي دولة بسهولة. ردود الفعل المتوقعة من الصين والاتحاد الأوروبي، وربما دول الجنوب، قد تؤدي إلى موجة من الرسوم المضادة، وهو ما قد يُغرق الاقتصاد العالمي في دوامة من الانكماش والمواجهة المفتوحة.

3- الضرر بالحلفاء والشركاء:
إدراج دول حليفة مثل أوروبا واليابان ودول عربية مثل مصر والأردن والمغرب ضمن هذه التعريفات يثير تساؤلات إستراتيجية حول اتساق السياسة الأميركية. الأردن مثلا، الذي تصدّر ما يقرب من 25% من صادراته إلى السوق الأميركية، سيتضرر بشدة، وهذا يُضعف اقتصاد دولة شريكة ومستقرة في منطقة غير مستقرة أصلا.

منذ لحظة إعلان القرار تهاوت الأسواق العالمية وسجلت مؤشرات الأسهم الأميركية أسوأ أداء ليوم واحد منذ 2020 (الفرنسية) رهانات ترامب

ورغم الانتقادات الواسعة، يرى مؤيدو القرار أن التعريفات ليست هدفا بحد ذاتها، بل أداة في لعبة تفاوضية أوسع. من هذا المنظور، يمكن فهم خطوة ترامب كجزء من إستراتيجية تهدف إلى حماية الاقتصاد الأميركي وإعادة ترتيب قواعد التجارة العالمية بما يخدم مصالحه طويلة الأمد. وتاليا قائمة برهانات ترامب:

إعلان

1- ورقة ضغط تفاوضية:
قد يرى البعض أن ترامب يتّبع أسلوب "الصدمة أولا، ثم التفاوض". الهدف من التعريفات ليس تثبيتها بالضرورة، بل استخدامها كأداة ضغط لإعادة صياغة العلاقات التجارية بشروط جديدة، خصوصا مع الصين والاتحاد الأوروبي.

2- حماية الصناعات المحلية:
بعض الصناعات الأميركية، مثل الصلب والإلكترونيات، عانت طويلا من المنافسة الأجنبية الرخيصة. وهذه التعريفات قد تمنحها فرصة لإعادة الهيكلة، وخلق فرص عمل محلية، وهي رسالة قد تكون موجهة بالأساس إلى القاعدة الانتخابية لترامب.

3- إعادة التفكير في سلاسل التوريد العالمية:
هذه التعريفات الجديدة قد تدفع الشركات الأميركية لإعادة جزء من إنتاجها إلى الداخل الأميركي. هذا الطرح يعكس رغبة في تقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز "السيادة الاقتصادية"، خاصة بعد دروس أزمة كوفيد-19.

حسابات الربح والخسارة

يمكن القول إن الحكم النهائي على القرار لا يمكن أن يصدر من اليوم الأول. لكن حتى الآن، فإن الخسائر المباشرة واضحة وموثقة، بينما تبقى المكاسب المحتملة رهينة التفاوض السياسي والدبلوماسي، ومشروطة بعدم تصعيد الخصوم لإجراءات انتقامية.

ولعل الخطر الحقيقي يكمن في أن تتحول الخطوة من أداة ضغط أميركية إلى إستراتيجية صدام مفتوح في المجتمع الدولي، وهو ما قد يجر العالم إلى أزمة اقتصادية عميقة، وربما إلى انقسام في النظام التجاري العالمي لصالح قوى منافسة مثل الصين ومجموعة "بريكس".

ربما يمكن فهم خطوة ترامب بفرض تعريفات جمركية واسعة كجزء من إستراتيجية تفاوضية قاسية، لكنها جاءت بتكلفة فورية عالية، ومخاطر بعيدة المدى. وفي ميزان الاقتصاد، تبقى الثقة والاستقرار أهم من الشعارات، وكما أن التكامل العالمي أقوى من النزعات الانعزالية.

وسواء كان القرار صائبا أو خاطئا، فإن ما سيحكم على نتيجته هو القدرة على تحويل الضغط إلى مكاسب من دون إغراق السفينة التي يجلس فيها الجميع.

إعلان

ولعل أهم ما يمكن أن تراه العين هنا أن الرئيس ترامب وضع يده في محرك اقتصاد عالمي بنته الولايات المتحدة نفسها في أعقاب ربحها العظيم بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انتقلت من مجرد لاعب إقليمي خلف المحيطات إلى رأس إمبراطورية عالمية أصبحت تقرر مصير العالم منذ ذلك الحين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان

إقرأ أيضاً:

خفض المساعدات الأميركية يجبر منظمة الصحة العالمية على تقليص الوظائف

قالت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، إن قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض المساعدات التنموية الأميركية أجبرها على إجراء عملية إعادة هيكلة.

وأوضح المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، لأعضاء المنظمة أنها تواجه فجوة في الرواتب للفترة 2027-2026 تتراوح بين 560 و650 مليون دولار. وقال: "الانخفاض المفاجئ في الدخل تركنا أمام فجوة مالية كبيرة في الرواتب، ولم يكن أمامنا خيار سوى تقليص حجم عملنا وقوانا العاملة".

وأضاف: "هناك طابع طارئ لوضعنا الحالي، لكننا نحرص أيضاً على أن تتم هذه التخفيضات بشكل مدروس، لحماية عمل المنظمة الآن وعلى المدى الطويل". ومن بين التغييرات التي أعلنها، سيتم تقليص المناصب القيادية العليا من 12 إلى 7، كما سيتم تقليص عدد الأقسام من 76 إلى 34.

وأشار تيدروس إلى أن جميع المكاتب الإقليمية ستتأثر بدرجات متفاوتة. وقال: "هذه قرارات اتخذناها بعد دراسة دقيقة وبعد استنفاد جميع الخيارات، لأنه لم يكن لدينا خيار آخر".

وأكد أن المنظمة ستواصل "دورها الحيوي في دعم الدول خلال هذه الفترة الصعبة وحشد الموارد المحلية والحفاظ على الخدمات الصحية". وختم تيدروس بالقول: "لقد بلغنا مرحلة مهمة في رحلتنا، لكن الطريق لا يزال طويلا أمامنا".

أخبار ذات صلة كوريا الجنوبية تبدي تفاؤلاً حيال محادثات التجارة مع أميركا قتيلان جراء فيضانات بالولايات المتحدة المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • «جمارك أبوظبي» تبحث تعزيز التعاون مع «الجمارك الأردنية»
  • “أسوشيتد برس”: البحرية الأميركية تواجه أعنف معركة منذ الحرب العالمية الثانية
  • ترامب وشي... اتصال يعيد فتح ملف الرسوم
  • تراجع الدولار يعيد تشكيل خريطة الاستثمار العالمية... الذهب والأسهم الأجنبية في صعود
  • الرئيس الأميركي يعيد إشعال فتيل الحرب التجارية مع الصين
  • واشنطن: أكثر من 100 دولة تواصلت معنا لإعادة توازن التجارة العالمية
  • توتر الأسواق العالمية يدفع بأسعار النفط والذهب إلى الصعود
  • مدير عام الجمارك الأردنية يستقبل أمين عام المنظمة العالمية للتحكيم الدولي والرقمي
  • الدولار يقفز بعد تراجع ترامب عن اقالة رئيس الفيدرالي الأميركي
  • خفض المساعدات الأميركية يجبر منظمة الصحة العالمية على تقليص الوظائف