صلاح الدين عووضة يكتب.. أأضحك أم أبكي؟!
تاريخ النشر: 3rd, April 2025 GMT
ميني حكاية
أأضحك أم أبكي؟!
جلست ضحى أكتب..
وبما أن الكهرباء لم ترجع بعد – والطقس حار – فقد كان جلوسي في ظل شجرة بالخارج..
فأتاني مهرولا من بيته القريب ليترجاني الإشارة إليه في كتاباتي..
وكان يسرف في التظارف ، ويكثر من التودد..
فتساءلت في سري بكل معاني الدهشة: أتراه
نسي؟…أم يتناسى؟!..
فهو نفسه الذي أتاني بمثل هرولته هذه – قبل أشهر – يهددني بالدعامة إن لم أسدد له دينه.
ومبلغ الدين هذا 14 ألف جنيه عبارة عن قية أشياء اشتريتها منه ولما يمض عليه نصف شهرفقط..
فهو نائب فاعل ، أعني نائب تاجر ، حل محل صاحب المتجر الأصلي بعد حذفه..
بعد أن أضطرته ظروف الحرب إلى النزوح خوفا على بناته ؛ لا على نفسه..
ونائب الفاعل هذا هو جاره ، ومهنته حداد ، فاستأمنه على متجره ، وعى بيته أيضا..
وبما أن لديه زوجة ثانية فقد جلبها إلى البيت هذا ليستقرا فيه معا..
وأصبح تاجرا على حين فجأة..
إلا أنه – وعلى العكس من صاحب المتجر الأصلي – تاجر صعب ، صعب جدا..
ما كان يرحم ؛ ولا يضع اعتبارا لظروف الحرب القاسية هذه..
وتهديده لي بالدعامة هو عنوان واحد من عناوين تعامله مع الناس..
وهو في نفسه – سامي -ليس دعاميا ؛ ولكن يقال أن أصهاره كذلك..
وقد كنت شاهدا على اكتظاظ البيت في مناسبة عقد القران بالدعامة ، وعلى اصطخاب الجو بالأعيرة النارية..
ورغم إنه ليس دعاميا فقد كان على يقين ببقاء الدعم السريع إلى ما شاء الله..
وبما أن الدعامة باقون فهو باق كتاجر إلى ما شاء الله ،وكساكن في البيت الجديد إلى ماشاء الله ..
ثم هجم الجيش فجرا..
فتبين – صاحبنا – الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر حقائق الأشياء..
وسألني ضباط عن بعض الجيران من واقع معلومات أولية لديهم..
ومنهم صاحبنا نائب الفاعل هذا..
فأخبرتهم بما أعرفه ؛ بعيدا عن ضغينة التهديد بالدعامة تلك..
والآن هو يستعد – ومعه زوجته الثانية – إلى الرحيل بعيدا ؛ بعيدا عن المتجر ، وعن المسكن ، وعن الشعور بالعظمة..
وربما يعود إلى مهنته الأولى – والأصلية – كحداد..
والبارحة يطلب مني أن أكتب عنه..
وهاءنذا أفعل ؛ حبا وكرامة..
وليعذرني إن لم أجد ما أكتبه عنه سوى هذا..
وليالي حربنا هذه – وحتى نهاراتها هي محض ليال كالحة السواد – حبلى بكل ضروب المضحكات والمبكيات معا..
وأهل الدراما يسمون مثل هذه التناقضات الكوميتراجيديا..
إذن ؛ فتساؤلي – إزاء خاطرتنا هذه – في محله..
أأضحك أم أبكي؟!!.
المصدر: تاق برس
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: قرأت لك
مقال من جماله وروعته قرأته كذا مره وسأحتفظ به في مذكراتي لأعود له ليزيد ايماني بخالقي """
بقلم د.مصطفى محمود
هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه.. مجموع المواسير داخل العمارة التي هي بدنه، بما فيه من آلاف الوصلات والمجاري التي يجري فيها الدم والبول والطعام والفضلات وعوادم التنفس والهضم.
هل يعلم أن طول مواسير الدم في جسمه تبلغ وحدها ثمانية آلاف ميل أي أطول بكثير من المسافة بين القاهرة والخرطوم.. مواسير أكثر ليونة من الكاوتشوك، وأكثر متانة من الحديد، وأطول عمرًا من الصلب الكروم، وفي بعضها صمامات لا تسمح بالسير إلا في اتجاه واحد.
ثم مواسير الهواء ابتداء من فتحة الأنف إلى الحلق إلى القصبة الهوائية إلى الشعب ثم الشعيبات التي تتفرع وتتفرع وتنقسم حتى تصل إلى أكثر من مليون غرفة هوائية في الرئتين.
ثم مواسير البول التي تجمع البول من الكليتين لتصب في الحوض ثم الحالب ثم المثانة ثم قناة الصرف النهائية.
ثم مواسير الطعام من الفم إلى البلعوم إلى المعدة إلى الاثنا عشر إلى الأمعاء الدقيقة.
ثم مواسير الفضلات من المصران الصاعد إلى المستعرض إلى الهابط إلى المستقيم إلى الشرج.
ثم ممرات الولادة وغرفها ودهاليزها وأنابيبها.
ثم مجاري المرارة وحوصلتها ومواسيرها.
ثم مجاري الليمف.. ومواقف الليمف ومحطاته في الغدد الليمفية.
و هي مواسير تمر إلى جوارها الفضلات وتحميها شبكة من الأوعية الدموية والأعصاب، وجيوش من خلايا المقاومة تلتهم أي ميكروب يمكن أن يتسرب من هذه المواسير في طريق خاطئ إلى الجسم.
و أنابيب العرق.. وبلايين منها تشق الجلد وتفتح على سطحه لترطبه وتبرده بالعرق
و أنابيب الدموع داخل حدقة العين تغسل العين وتجلوها.
و أنابيب التشحيم داخل جفن العين تفرز المواد الزيتية لتعطي العين تلك اللمعة الساحرة.
هذا الكم الهائل من السباكة الفنية الدقيقة المعجزة التي تعيش مائة سنة ولا تتلف..
و إذا أصابها التلف أصلحت نفسها بنفسها.
نموذج من الهندسة الإلهية العظيمة التي أهداها الله للإنسان منحة مجانية منذ ميلاده وتولى صيانتها برحمته وعنايته.
فهل أدركنا هذه النعمة وهل قدرناها حق قدرها...!
و كثير من الأمراض سببها أعطال وتلفيات في هذه السباكة.
الإسهال والإمساك والغازات وتطبل البطن، هي أعطال وتلفيات في أنابيب صرف الفضلات والزكام انسداد في منافذ الهواء داخل الأنف.
و الناسور هو ثقب في ماسورة الإخراج.
و احتباس البول والمغص الكلوي وآلام الكلى سببها أعطال في أنابيب صرف البول
إن تركيبات (( الصحي )) في جسمك هي التي تصنع لك صحتك بالفعل
بل هي صحتك ذاتها.. إن أي انقباض في ماسورة معوية يساوي صرخة مغص، وأي ضيق في شريان القلب التاجي يساوي ذبحة، وأي ضيق في ممرات الولادة يساوي إجهاضًا وأي انسداد في قنوات فالوب يساوي عقمًا وأي انسداد في مجاري المرارة يساوي صفراء.
هذا غير مجاري الليمف والدم والغدد، وهي تتنوع في الجسم بالآلاف، ولكل غدة توصيلاتها وقنواتها ونظامها ودورها في صناعة الصحة التي نتمتع بها دون أن ندري أنها عملية تركيبية معقدة تشترك فيها مئات الأجهزة.
إن الصحة التي نشعر أنها مجرد استطراد لأمر عادي واقع.. ليست بالمرة أمرًا عاديًا وليست مجرد واقع مألوف، وإنما هي نتيجة تدبير محكم وثمرة عمليات معقدة مرسومة بعناية وقصد. وإنما يحدث المرض حينما تتخلف هذه العناية وهي قلما تتخلف.. فإذا تخلفت فـلتشرح لنا أسرارها.. فما عرفنا معجزة الصحة إلا بدراسة المرض، وما عرفنا معجزة الحياة إلا بالموت.. وبأضدادها عُرِفـَت الأشياء.
وفي محاولاتنا البدائية في بيوتنا وعماراتنا التي نبنيها وهي مجرد ماكينات رمزية صغيرة لا تصل إلى واحد في المليون من العمارة البشرية..
غرقنا في " شبر ميه "..
طفحت مجاري القاهرة، وتلوث البحر بعوادم المصانع، واختنق النيل بالفضلات التي تُلقى فيه، ووقفنا أمام السيفون التالف ننادي على سباك، واختلط الساخن بالبارد والطاهر بالملوث، وفشلنا في صناعة أصغر ماكيت سباكة لا تزيد مواسيره على بضعة أمتار، وغرقنا في بانيو نصف متر..
وهذه صناعتنا وتلك صناعته..
وهذه سباكتنا وتلك سباكته..
وهذه عمارتنا وتلك عمارته..
وهذا خلقنا وذاك خلقه.
" فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ "المؤمنون ( 14 )
و كأنما يتحدانا الله بصنعته المبهرة وآياته الخالدة في عمارة الجسم البشري:
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }الإسراء 88
و هو تحد ينسحب على كل آية من آيات الله.. في الكتاب.. أو في الآفاق..
أو في أنفسكم.
و النفس كُبرى المعجزات.
مقال: الصانع العظيم للــ د. مصطفى محمود رحمه الله..
من كتاب: الإسلام.. ما هو ؟