عامان من المعاناة في ظل الحرب، عاشها كثير من السودانيين الذين اضطرتهم الظروف للبقاء في مساكنهم بالخرطوم، ولكل منهم قصته مع الصمود تحت هذه الأهوال.

التغيير: فتح الرحمن حمودة

مع اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى ساحة صراع دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من الأسر، بينما بقي آخرون في منازلهم تحت الخطر حتى استعاد الجيش السيطرة مؤخراً بعد نحو عامين من المعارك.

لم تتخيل الحاجة عائشة وهي في الخمسينيات من عمرها أن تعيش في ظل أوضاع إنسانية مأساوية كهذه، حيث توقعت أن تنتهي الحرب خلال أيام لكنها استمرت لعامين ولا تزال مستمرة مفرقة بينها وبين أحبتها وجيرانها- هكذا قالت وهي تروي لـ«التغيير» كيف قاومت قسوة الحرب طوال تلك الفترة.

إصرار على البقاء

الحاجة عائشة قالت: لم أغادر منزلي في منطقة بري بالخرطوم حتى استعاد الجيش السيطرة على المنطقة وكنت خلال تلك الفترة بعيدة عن ابني بسبب استمرار المواجهات العسكرية.

وأضافت: قبل انسحاب قوات الدعم السريع تواصلت مع ابني العشريني لأول مرة بعد انقطاع طويل، لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له شمسنا طلعت وأخيراً استطعت التواصل معك وعرفت أنك بخير.

وتابعت: رغم كل ما مررنا به كنت أردد للجيش جملة واحدة تأخرتوا علينا كثيراً لكن الحمد لله أنكم وصلتم.

كان ابن الحاجة عائشة يعيش في نفس المنطقة قبل مغادرتها لاحقاً وعند دخول الجيش إليها لم تستطع أن تتمالك نفسها عند لقائه، وتحكي عن تلك اللحظة قائلة: عندما رأيت ابني بعد هذا الفراق الطويل لم أتمالك نفسي من البكاء وقلت له “يادوب روحي رجعت لي وبري رجعت لينا”.

الخرطوم ظروف صعبة

بقيت الحاجة عائشة صامدة في بري منذ اندلاع الحرب حتى يوليو حين اضطرت للانتقال إلى شرق النيل، لكنها كانت تعود من حين لآخر لتطمئن على منزلها وابنها رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتها في كل زيارة.

وتتحدث الحاجة عن الأيام الأخيرة قبل دخول الجيش حيث تفاقمت الأزمة الغذائية ولم تكن هناك متاجر مفتوحة ما أجبر السكان على الإفطار في رمضان على الماء فقط ليستطيعوا مواصلة الصيام في اليوم التالي، كانوا يتقاسمون القليل المتبقي لديهم وسط انقطاع الاتصالات والإنترنت مما زاد من عزلتهم ومعاناتهم.

وتضيف: مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع فقدت الاتصال بأسرتي واضطررت لمغادرة منزلي مؤقتاً إلى منطقة قريبة حيث وجدت جيراناً جدد جمعتنا بهم ظروف الحرب القاسية.

وتصف الحاجة عائشة الظروف الصعبة التي واجهها السكان قائلة: بعد خروجنا من منازلنا وانتقالنا إلى أحياء أخرى كان الوضع أسوأ مما تصورنا ولم نكن نعرف مصيرنا وانقطع التيار الكهربائي بشكل مستمر كما انعدمت مياه الشرب مما أجبرنا على استخدام مياه ملوثة تسببت في انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال.

فرحة ناقصة

ومع استمرار المواجهات العسكرية في الخرطوم فإن المدنيين الذين لم يتمكنوا من مغادرتها ظلوا يعانون من انعدام الغذاء والخدمات الأساسية ما زاد من قسوة الحياة اليومية.

وتقول الحاجة إن الحصول على الطعام كان من أكبر التحديات فالمواد التموينية كانت شبه منعدمة “لم يكن لدينا المال الكافي لشرائها.. كنا نعيش على القليل وازداد خوفنا مع اقتراب رمضان لكننا صمدنا وأدينا صيامه رغم المعاناة”.

وعندما استعاد الجيش السيطرة على منطقتها شعرت الحاجة عائشة بفرحة غامرة لكنها لم تكن مكتملة إذ ظلت تخشى من تدهور الأوضاع الأمنية مجدداً.

تقول: “شعرنا بأمان نسبي لكن على الأقل ارتحنا من الفترة القاسية التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المنطقة”.

وتصف ما عاشته خلال تلك الفترة: “كانت القوات تمارس العنف ضد المدنيين وتنهب المنازل وتعتدي على الجميع بلا استثناء حتى أن بعض الجرائم وصلت إلى القتل حرقاً بعد التعذيب”.

ورغم هذه المآسي تؤكد أن الظروف الصعبة عززت الروابط الاجتماعية بين الجيران حيث أصبحوا أكثر تكاتفاً في مواجهة المحنة.

قصة الحاجة عائشة هي نموذج لمعاناة كبيرة قد يكون عايشها كثير من سكان الخرطوم الذين ظلوا صامدين في منازلهم رغم الظروف القاسية على أمل استعادة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الخوف والرعب.

الوسومالجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بري حرب 15 ابريل شرق النيل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بري حرب 15 ابريل شرق النيل الدعم السریع الحاجة عائشة

إقرأ أيضاً:

اليمنُ.. مُخطَّطات الحرب المُركَّبة سيناريو هوليوديٌّ يُداسُ تحتَ نعلِ الصمود

 

هناك حيث الغرف المعتمة في الجناح الغربي للبيت الأبيض مقر تمركز الشر داخل أروقة المكتب البيضاوي تُحاكُ مؤامرات الشيطان بعيداً عن ضجيجِ الكاميرات، وهناك تحديداً تَنسجُ واشنطنُ حروبَها التركيبيّة بخيطانٍ مِن وَهْمٍ.. كأنّها مُخرجةٌ تُعيدُ تصويرَ فيلمِها الفاشلِ بسيناريو أكثرَ تعقيداً.

اليمنُ هنا ليس مجرّدَ موقعٍ جغرافيٍّ، بل “جريمةٌ مثاليّة” تُحاولُ أمريكا حلَّها بمنطقِ أفلامِها البوليسيّة: (حربٌ مُركَّبةٌ) تختلطُ فيها القنابلُ بالفتنِ والتضليل الإعلامي والصواريخُ بالأكاذيبِ، لكنّها تنسى أنّ أبطالَ هذه الروايةِ لا يقرأونَ من نصوصِهم، بل يكتبونَ فصولَ المقاومةِ والثبات والصمود بدماءٍ لا تنضبُ.

أولى المشاهدِ كانتْ (الغاراتُ الجويّة).. رُكامٌ مِن صمتٍ! كأنّ الطائراتَ الأمريكيّةَ تُلقِي وَحياً على صحراءٍ لا تسمعُ إلاّ همسَ التاريخ: “أهلا بكم في مقبرة الغزاة حيث دُفِنَتْ أحلامُ الإمبراطوريّات”. لم تكن السماءُ اليمنيّةُ سوى مرآةٍ عكستْ عجزَ ترامبَ عن فهمِ معادلةٍ بسيطةٍ: اليمني الذي يُولَدُ من رحمِ المُعاناةِ جيلاً بعد جيل لا يمكن أن تروضُهُ القُدُراتُ النوويّة، فتحوّلَ الفشلُ العسكريُّ إلى “كوميديا سوداء” تُعرِي أسطورةَ القوةِ الأمريكيّةِ، بينما تُواصلُ غزّةُ – في الخلفيّة – تلقي ضوءَ القمرِ مِن عيونِ اليمنيّين.

الآن، وبعدَ أن صارتْ (حاملاتُ الطائراتِ) في البحر الأحمرِ أشبهَ بسفن أشباح، تُلقي بظلالِ الهزيمةِ على مياهِ الخليج، تنتقلُ أمريكا إلى الفصلِ الثاني مِن دراما الحربِ المُركَّبة: (مُختبرُ الفوضى)، إنّه السيناريو الأكثرُ خبثاً تفجيرُ الأزماتِ الداخليّةِ، وزرعُ الشكِّ في أوساط المجتمع وتصويرُ الوحدةِ الوطنيّةِ كـ”جريمةٍ مُغلَّفةٍ بالورقِ الوطني”. لكنّهم ينسونَ أنّ اليمنَ – كشخصيّةٍ رئيسةٍ في روايةِ تشيخوف – لا تُطلقُ رصاصةَ الضعفِ إلاّ إذا كانَتْ مُوجَّهةً إلى قلبِ العدوِّ.

ما يُشبهُ (العدوى) في الرواياتِ البوليسيّة، تُحاولُ أمريكا حقنَ المجتمعِ اليمنيِّ بفيروسِ الفتنة المُعلَّبة، لكنّ الدمَّ اليمنيَّ يَمتلكُ مضاداتٍ حيويّةً مِن نوعٍ خاصّ، إنه الوعيُ الأمنيُّ الذي يقرأُ المؤامرةَ قبلَ اكتمالِ حروفِها، والإنتماء الوطني الذي يتحوّلُ إلى سِترٍ مِن نارٍ ضدَّ مُخطَّطاتِ “التفكيك”، هنا تُصبحُ كلُّ ندبةٍ في جسدِ الوطنِ شاهداً على إخفاقِ الحربِ النفسيّةِ، وكلُّ طلقةٍ صاروخيّةٍ مِن صنعاءَ نحو القطع الأمريكية في البحر الأحمرِ رسالةً مُشفَّرةً، “لا تُوجد حربٌ مُركَّبةٌ تُهزِمُ شعباً مُركَّباً مِن بارود الإرادة”.

في المشهدِ الأخيرِ، حيثُ تتدخّلُ الماكنةُ الإعلاميّةُ الأمريكيّةُ بأبواق ودمى سعودية – إماراتية – قطرية – تركية لِصناعةِ وَهْمِ النصرِ، يعودُ اليمنيُّونَ إلى أسلوبِهم القديمِ في فضحِ الأكاذيب (مدري) هي الصمتُ الذي يُشبهُ تلكَ اللحظةَ في الأفلامِ البوليسيّةِ حيثُ يكتشفُ المحقّقُ أنَّ الجاني الحقيقيَّ هو مَنْ ظنَّ نفسَهُ خارجَ الشبهاتِ.

صمتٌ يختزلُ كلَّ خططِ الحربِ المُركَّبةِ في سؤالٍ وجوديٍّ: كيفَ لِحربٍ أنْ تنتصرَ على أرضٍ تتنفّسُ أسماءَ أبنائِها قبلَ أكسجينِ السماءِ؟

اليمنُ لا يحتاجُ إلى (بطولات خارقة) لإنقاذِهِ.. هو يُدركُ أنَّ انتصار الحربَ التركيبيّةَ، مجرّدُ وهمٍ مِن مخيّلةِ مَنْ اعتادُوا كتابةَ النهاياتِ السعيدةِ لجرائمِهم، أمّا في البلاد السعيدة، فالنهايةُ الوحيدةُ المُمكنةُ هي سقوطُ الأقنعةِ، وتكسيرُ أقلامِ مَنْ ظنّوا أنَّهم يَملِكونَ حبرَ التاريخِ. اليمنُ – ببساطةٍ – يُعيدُ تعريفَ الحربِ: ليستْ معركةَ أسلحةٍ، بل اختبارُ إرادةٍ.. وإرادةُ هذا الشعبِ تُشبهُ جملةً مُقتضبةً في روايةٍ طويلةٍ: (لا تُناقشْ) فنحن قوم (لا نبالي) واجعلوها حرب كبرى عالمية.

 

مقالات مشابهة

  • شاهد بالصورة والفيديو.. طفلة سودانية بدارفور تصدم جنود الدعم السريع وتعلن مساندتها ووقفتها مع الجيش: (أنا تابعة للبرهان وكيكل) والجنود يردون عليها: (نقعد في بيت واحد كيف انتي فلولية ونحنا جاهزية)
  • تصاعد حدة معارك السودان.. قتلى بهجمات «الدعم السريع» على نهر النيل
  • الدعم السريع تعلن دخول الحرب مرحلة جديدة والبرهان يتوعد بسحقها
  • الدعم السريع تقصف قاعدة وادي سيدنا الجوية ومقر الكلية الحربية بأم درمان
  • الدعم السريع تقصف قاعدة جوية والكلية الحربية بأم درمان
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 60 عنصراً من قوات الدعم السريع في الفاشر
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 60 عنصرا من "الدعم السريع" بهجوم على الفاشر  
  • إبراهيم جابر : ستتوقف الحرب بتوقف إمداد الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة
  • اليمنُ.. مُخطَّطات الحرب المُركَّبة سيناريو هوليوديٌّ يُداسُ تحتَ نعلِ الصمود