الجزيرة:
2025-04-30@13:25:37 GMT

حتى لا يسيل بنا الوادي نارًا

تاريخ النشر: 3rd, April 2025 GMT

حتى لا يسيل بنا الوادي نارًا

ليسألَ الصَّادقين عن صدقهم

أذكر مرّة أثناء مشاركتي في إحدى جنائز شهداء الانتفاضة الثانية، والناس يهتفون: "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، أني لم أكن أهتف معهم. كنت صغيرًا وقتها، ولم أكن قد تدربت بعد على الكذب. نهرني رجل كنت أمشي بقربه: "لماذا لا تهتف معنا؟"، سألني مستنكرًا.

قلت له: "وماذا لو لم أفدِ الشهيد بدمي وروحي! ألا أكون قد كذبت عليه؟".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل اقتربت حرب الصين الكبرى؟list 2 of 2من البداية إلى النهاية.. قصة أحمد حسون مفتي البراميل والإعداماتend of list

"لا تتفلسف، افعل ما يفعله الناس، هل تظن أن الشهيد سيعود ليسألك؟".

مرّت الأيام، وقرأت في الجامعة قصة الطاهر وطّار: "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وعلمت معها أن عودة الشهداء مرعبة، مرعبة جدًّا، إنّ عودتهم -لو حدثت فعلًا- كفيلة بشق المجتمع لقطع متناثرة، وهي تذكر بحال الأنبياء الأوائل؛ "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين".

إنّ المجتمعات التي اختارت عبودية الاستقرار بدلًا من عبودية رب دار القرار، تدفع أثمانًا باهظة، أكبرها نكران الذين رحلوا من أجل بناء ما هم فيه، وهذا النكران يتحول مع الوقت إلى لعنة يمكنك شمها كقيح في الفم؛ يتكاثر مع الكلام ويتعفن مع الصمت (جرّب استمع لأي مسؤول في السلطة الفلسطينية وستفهم قصدي).

المهم، أنّي تذكرت الرجل في الجنازة، الذي علّمني لأوّل مرّة أن الكلام لا فواتير عليه. لكن الشهيد على خلاف ذلك، فهو الدليل الأخير في الوجود على أن الكلمة لها قيمة.

ألم يصطف هذا الطابور الطويل من الأنبياء والربيون والشهداء فداء للكلمة؟ ألم تكن كلمة التوحيد تحديًا لاهوتيًّا صرفًا، بل وكانت على الدوام مغامرة خطرة ومكلفة؟!

وإن كنت تعجب من الحروب "الكلامية" التي تخاض باسم "العقيدة" على منصات التواصل الاجتماعي، فذلك لأن أحدهم يفضل هزيمة ميت في كتاب على منازلة حي يتحكم في الرقاب! ويفضل القتال على تأويل الكلمات، من أن يقاتل على ما ستؤول إليه الكلمات.

إعلان في يوم ذي مسغبة

ما كان شكل اليقين الذي حمله شاب مطارد في التسعينيات في فلسطين ليتجاوز أضخم "عقبة" مرّوا بها هو وشباب معه لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة؟ كانوا يفهمون أن "العقبة" لا يمكن تجاوزها إلا بـ"الاقتحام"، وكأن الهداية من أول يوم هي فعل عسكري. ما الذي كانوا يملكونه يوم خرجت الجموع بالآلاف تهتف لخيار "الختيار"؛ خيار "عقلية الدولة" الواعدة بـ"وهم الاستقرار"؟

في التسعينيات (ولكل حقبة عقبتها) بدا أن المطاردين الذين حملوا السلاح؛ "خارج التاريخ" ("داخل التاريخ وخارجه، هذه سلطة لا ينبغي أن يملكها غيرنا"، يقول الطغاة). عروض كثيرة قدمت لهذا الشاب وقتها، "سلم سلاحك، إن رفاقك باتوا اليوم بين شهيد وأسير وملتحق بالأجهزة الأمنية الجديدة"، قالوا له، وفعلًا، لم يبدُ وقتها أن ثمة أي أفق للقتال، لكن شهيدنا أجاب بالنفي معللا غايته النهائية: "حتى لا يسجل التاريخ أن الجميع قد استسلم وألقى السلاح".

مسألة "تسجيل التاريخ" هذه، لطالما نفرت منها، كنت أظنها "كليشة"، وهي "كليشة" بالفعل، لكن لماذا كلّما أمسك الشهيد بـ"كليشة" ما، أعاد بعث الروح فيها؟ ربما هذه واحدة من مهامه الجوهرية، أن يدافع عن أبسط الحقائق وأكثرها تكرارًا.

محمد الضيف (الجزيرة)

كان اسم رجل التاريخ هذا محمد الضيف، يحترف الانتظار الفعّال، وريثًا للذين قضوا نحبهم، يرى أن السبعة الذين حوله سيصبحون سبعين ألفا بإذن الله، وحين تحقق ذلك بعد ثلاثين سنة، قال بهدوء -وهو يشرح على الخريطة تحفته الأخيرة- "سنغير مجرى التاريخ"؛ التاريخ الذي ثابروا على طردنا منه، لكننا دخلناه، دخلناه عنوة.

الثناء من المحل الأرفع

حين سُئل الشيخ أحمد ياسين عن هدفه ذات مرّة، أجاب: "أملي أن يرضى الله عني".

وحين اغتالته "الأباتشي" الإسرائيلية وهو في طريق عودته من صلاة الفجر، استحالت عبارته هذه لشعار خط على الجدران والملصقات. وقتها كانت علوم الإدارة والتنمية البشرية والتخطيط في بداية أوجها، قلت لنفسي: "حسنًا، هذا هدف جيد، لكنه عام جدًّا، وغير محدد، ولا يمكن قياسه!".

إعلان

في العشرينيات من العمر، يبدو "الذكاء" أكثر الصفات جذبًا لنا، خصوصا إذا كان مصحوبًا بقدرة على استعمال اللغة، والأذكى هو الأكثر قدرة على إثبات تفرده، وبسبب مفاسد التعليم في عصرنا يثبت الذكاء نفسه عبر "التشكيك"، فالعقل الأكثر قدرة على السخرية من اليقينيات هو الأكثر ذكاء، والعقل الذي يتمرد على الجماعة هو الذي لم تحتمل الجماعة فرادته.

هكذا جرى تعريف العقل بعد أن فقد وظيفته، واستحال هو بذاته لموضوع، مع أنك لو تأملت في الذين أثروا بشكل عميق في عصرنا، لصعُب عليك تذكر جملة واحدة قالوها. خذ يحيى عياش مثلًا، الرجل الذي ربى جيل التسعينيات بأكمله، لم نره، ولم نكن نحفظ عنه جملة واحدة، وحين أفرج الغزاة بعد سنوات عديدة من رحيله عن مكالمة مسجّلة له مع أبيه، صُعقنا من هدوء صوته وخجله.

حسنًا، أين نكون بعد هذه الحقبة من العمر؟ أقصد بعد مرحلة العشرينيات من العمر، أي بعد أن لا يعود يهمنا كثيرًا إعجاب الآخرين بنا، أو بالأحرى بعدما لا يعود يشبعنا؟ إننا نبحث عن إعجاب من مستوى مختلف، من محل أرفع، حتى إن قيمة المرء تحدد من المكان الذي يطلب منه الثناء. في هذه الحالة يشكل التوحيد نضجًا نهائيًّا للشخصية، فما قيمة كل ذم أهل الأرض إذا نلت ثناء الملأ الأعلى!

بعد كل هذه السنين، تيقنت أنه لا يوجد شيء يمكن قياسه أكثر من جملة الشيخ: "أملي أن يرضى الله عني".

ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

في ظرف قحط وحاجة، وبينما كان النبي عليه السلام قائما يخطب يوم الجمعة بالناس، هرع الناس إلى قافلة جاءت محملة من الشام إلى المدينة المنورة، وتركوه خشية أن تفوتهم القافلة، ولم يبق إلا اثنا عشر رجلا في مكانهم.

فقال النبي الأكرم لمن بقي منهم: "والَّذي نفسي بيدِه، لو تتابَعْتُم حتَّى لا يبقى منكم أحَدٌ، لسال لكم الوادي نارًا".

ماذا لو أنهم قاموا كالآخرين؟ ماذا لو أن آخرهم لحق أولهم ولم يبق أحد؟  ماذا لو أنهم فروا جميعا في بدر؟ ماذا لو أنهم رفعوا راية بيضاء وسلموا المدينة في حصار الأحزاب؟

إعلان

في كل مفترق ضيق وصعب، تخلع القلة أعضاءها كي نمر خلفها. ثبات فئة قليلة يعصم وادي التاريخ من سيلان النار، وعبرهم يهرب اليقين كمادة منشطة تكفل استمرار الأمر.

ومن تقلبت فيه الأحوال والسنون ولم يحسن تربية يقينه وصيانته، فلن يتعلم شيئا على الإطلاق. ينظفه باستمرار ويزيّته، ويدفنه إذا ما تعرض لمداهمة؛ كقطعة سلاح نادرة هو "اليقين".

وبمقدار ما تخسر من حقائق تعتقدها بمقدار ما يقل وزنك، كعهن منفوش يتطاير الناس الذين فرّطوا فيه مع كل زوبعة لا ينتبه لهم أحد. وكثيرًا ما يتفتت يقين الناس على وقع خفة الآخرين، أولئك الذين لا يملكون حقائق تخصهم يدهشون إلى درجة الحسد من رؤية الثبات، وكأنه يذكرهم بفراغهم، بوزنهم، بغياب ما يهبونه أرواحهم.

الخسارة الحقيقية هي أن نمنح "أهل الخفة" أحقية تحديد الحقائق، تلك التي لا يملكون منها شيئا، فـ"أجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس".

يثبّت الأوتاد على الأرض ويثبتونها، يحمون من بقي ما أمكنهم، في ظروف معتمة وشديدة العتمة، يخرجون من كل غبراء مظلمة، قلوبهم مصابيح الهدى، وحين يتحكم الطغاة في كهرباء العالم، تبقى هذه القلوب تنير لمن يريد رؤية الطريق. وكمقاتل في شمال غزة، يستيقظ لا يدري ماذا سيُفتح عليه، "الياسين" على كتفه وعقده التشغيلي مع الله؛ هكذا تكمل القلة عصمة وادي التاريخ من سيلان النار، فينا جميعًا.

المجادلة

ما قيمة مشكلة زوجية في بقعة جغرافية تستعد لقيادة العالم ويستعد العالم لحربها؟ أي عناية تتجه لأمر كهذا؟

لم يكن ثمة حل أرضي للمشكلة، ويبدو أن الطلاق قد وقع في صيغة ظِهار، ولم تجد الزائرة عند خير البشرية مبتغاها، لكن قلبها التفت للأعلى، هناك حيث تستودع الأمور المغلقة، وتبكي القلوب المفجوعة، فنزل جبريل عليه السلام من أجل خولة بنت ثعلبة، يحمل خلاصها.

قالت عائشة: "ما أوسع سمع الله"! وعن هذا السمع الدقيق، نقرأ سورة المجادلة إلى يوم الدين.

في هذه الأيام، يمر مشهد المرأة الغاضبة التي لا نعرف اسمها -لكن الله يعرفه- وهي تصرخ: "يا رسول الله لا تشفع لهم"! وحولها اختلطت أشلاء الناس بفتات الأبنية.

إعلان

"لا تشفع لهم"، تقصدنا جميعا، نحن الذين كنا على شاشة التلفاز وقت السحور، نشاهد قتل 180 طفلًا في أقل من ساعة!!

ولكن من "نحن"؟!

الذين كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين؟

أم الذين تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون؟

آه لو استطاع أحدنا أن يعرف… لربما ارتاح قليلًا.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد ماذا لو أن

إقرأ أيضاً:

دعاء الذي يقال عند بلوغ سن الاربعين

يجب على كل مسلم بلغ سن الأربعين أن يشكر الله دائماً وأن يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء لتفريج كربه، لذا إليكم أروع دعاء يقال عند بلوغ هذا العمر لما فيه الأجر العظيم :

قال تعالى : { رب أوزعني أن أشكر نعمتك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( سورة الأحقاف : 15) .

دعاء بلوغ سن الخمسين

بسم الله الرحمن الرحيم (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) صدق الله العظيم .٠٩‏/٠١‏/٢٠١٧

اجمل ما قيل عن سن الأربعين للرجل

يعتبر سن الأربعين بالنسبة للرجل له مكانة خاصة عبر التاريخ والأدب، وفيما يلي اجمل ما قيل عن سن الأربعين للرجل:

يقول جبران خليل جبران: لكل سنٍّ جماله، لكن في الأربعين يصبح الرجل لوحة ناضجة، ألوانها متزنة، وخطوطها واضحة، ومشاعرها أعمق.قال الله تعالى: {حَتّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ}  (سورة الأحقاف، الآية 15)قال الإمام الشافعي: بلغت الأربعين وقد عقلت أمري.أنيس منصور كتب: الرجل في الأربعين، لا هو متهور كشاب العشرين، ولا خائر كشيخ السبعين، هو رجل يعرف كيف يزن الأمور بعقله وقلبه معًا.فضل دعاء الأربعيندعاء بلوغ سن الأربعين له أصل في القرآن الكريم، وهو دعاء ورد في سورة الأحقاف، الآية (15)، ويعتبر من أعظم الأدعية التي يتوجه بها الإنسان إلى ربه حين يبلغ هذا العمر الذي هو سن النضج وكمال العقل.الدعاء كما ورد في القرآن: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. (سورة الأحقاف، 15)فضل دعاء الأربعين

شكر لله على ما مضى.
التوبة والرجوع إلى الله.
استمداد للعون فيما بقي من العمر.
استغفار 
اعتراف بالانتماء إلى الإسلام.

كلمات دالة:سن الاربعيندعاءفضل دعاء الأربعين تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

نادين طاهر مُحررة قسم صحة وجمال

انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.

الأحدثترند دعاء الذي يقال عند بلوغ سن الاربعين أبيات شعر عن عيد العمال عوامل بيئية تزيد تكيس المبايض قصائد شعر بمناسبة عيد العمال حظك اليوم الثلاثاء 29 نيسان/أبريل 2025‎‎ Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • الآية اليمانية…
  • التصالح مع الذات (السعادة الأبدية)
  • هل يجوز للإمام إطالة الركوع لينتظر دخول الناس في الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • يعيد كتابة التاريخ.. ما هو السيديريت الذي تم اكتشافه على المريخ؟
  • مخالفة صريحة لكتاب الله !؟!
  • غازي ثجيل… شاعر “مسافرين” الذي علّم الناس طبع الوفا ومضى
  • ابن خلدون تكلم في أن الحرب تفسد أخلاق الناس
  • الآية اليمانية
  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت
  • دعاء الذي يقال عند بلوغ سن الاربعين