الحركة التقدمية تنبّه إلى خطورة التوصيات الملغومة لصندوق النقد الدولي الموجهة للحكومة الكويتية
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
صندوق النقد الدولي، ليس مثلما يجري الترويج له، مؤسسة اقتصادية عالمية تسعى لتحقيق النمو والرخاء على أساس مستدام لكل بلدانه الأعضاء، وإنما هو أحد مخلفات الحرب الباردة التي تتحرك ضمن إطار رؤية ومصالح الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، حيث يعمل الصندوق على تدعيم النظام الرأسمالي العالمي لعبور أزماته المستمرة، وذلك عبر التدخل في أوقات الأزمات المالية الحادة عند الحكومات لإقراضها مقابل فرض ما يسمى بـ «الإصلاحات الهيكلية» على اقتصاداتها، وهذه «الإصلاحات» المزعومة هي في حقيقتها تكريس لشكل متطرف من الرأسمالية يسمى النيوليبرالية، يوسّع التفاوت الطبقي ويزيد من تبعية الدول الفقيرة للدول الرأسمالية الكبرى وشركاتها، ويقطع الطريق على خيارات التنمية الوطنية المستقلة، ويجرّ الدول المأزومة إلى مزيد من الديون والارتهان للخارج.
ويوم أمس نشر صندوق النقد الدولي ما يسمى «تقييم خبراء الصندوق» عن مشاوراته السنوية في الكويت، وما يعنينا في هذا التقييم هي تلك التوصيات التي وجهها الصندوق إلى الحكومة الكويتية، خصوصاً تلك التوصيات المصاغة أحياناً بعبارات ملطّفة وملتوية، بينما هي تدس السم في الدسم وتدفع الكويت في حال اتباعها نحو المزيد من التبعية لرأس المال الأجنبي، ونحو مزيد من السيطرة والاستحواذ للقلّة الرأسمالية الطفيلية المتنفذة، ونحو المزيد من المعاناة للطبقات الشعبية في المجتمع الكويتي.
بدر نشمي: سنراقب عن كثب استعدادات «التربية» للعام الدراسي الجديد منذ ساعة «التأمينات»: الأراضي المحولة غير قابلة للبيع أو التأجير أو المشاركة منذ ساعة
ومن بين هذه التوصيات الخطيرة ذات العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة:
1- توصية لزيادة إيرادات الدولة عبر فرض ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة غير عادلة اجتماعياً لا تميز بشكل عام بين المستهلك الثري والفقير.
2- توصية بأن «تركز تدابير الإنفاق على تقليص فاتورة الأجور»، وهذه التوصية تعني أحد أمرين أو كلاهما معاً: الأول هو خفض رواتب الموظفين الحكوميين ومعاشات المتقاعدين، والتي لم تتم زيادتها منذ العام 2012، والآخر هو خفض أو وقف التوظيف في القطاع الحكومي لتقليص الباب الأول من الميزانية، في الوقت الذي تحارب فيه شركات القطاع الخاص العمالة الوطنية وتتعمّد تهميشها لتبقي على استغلالها الطبقي البشع للعمالة المقيمة المحرومة من حقوق الضمان الاجتماعي والحقوق النقابية.
3- توصية تدعو إلى «الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة»، وهذه التوصية تستهدف زيادة أسعار الكهرباء والبنزين والغاز، ومن شأنها ليس فقط تحميل مستهلكي الطاقة مبالغ أكبر عند دفع فواتيرهم، وإنما ستؤدي زيادة أسعار الطاقة على الأرجح إلى آثار تضخمية مضاعفة تتمثل في رفع أسعار العديد من السلع والخدمات.
4- توصية بما يسمى من باب التخفيف «تحسين إجراءات دعم الدخل الموجهة»، التي تعني عملياً إعادة النظر في الدعوم عبر تغيير شكلها أو خفض بعضها أو إلغائه تماما، وقد تؤدي لتقليص العدد الصافي للمستفيدين من الدعم وهوياتهم، فليس بالضرورة أن يتم ذلك بمراعاة للعدالة الاجتماعية.
5- توصية تدعو إلى «إجراء إصلاحات في سوق العمل لتعزيز هيكل الأجور بحيث يكون متوافقا مع السوق. وعلى وجه الخصوص، ينبغي مواءمة الأجور وظروف العمل تدريجيا على مستوى القطاعين العام والخاص، والعمل على تحقيق الاتساق بشكل متواصل بين سياسات سوق العمل المطبقة على المواطنين والوافدين»، وهذه التوصية لا تستهدف زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص ولا زيادة أجور العمالة المقيمة، وإنما المساس برواتب وأجور المواطنين العاملين في القطاع الحكومي لتتناسب مع أجور القطاع الخاص وأجور المقيمين، أو بالأحرى لتتناسب مع مصالح أصحاب الأعمال والشركات.
6- توصية تطلب «تخفيف القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات»، وهذه التوصية واضحة في استهدافها إطلاق يد الرأسمال الأجنبي في امتلاك الشركات الكويتية من دون ضوابط واضحة لتكريس مزيد من الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد الوطني وتعميق الارتباط التبعي للاقتصاد الكويتي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي الخاضع للدول الكبرى.
7- توصية تدعو ببراءة كاذبة إلى «تحسين آليات تخصيص الأراضي العامة لفترات تأجير أطول لأغراض التنمية التجارية»، والهدف الحقيقي هو توسيع نطاق استحواذ القطاعين الخاصين الأجنبي والمحلي على أملاك الدولة وذلك بضوابط أقل وبدلات انتفاع أو ايجارات متدنية وإبقائها تحت سيطرتهما لفترات زمنية طويلة.
8- دأب الصندوق على انتقاد ما يسميه «المأزق» و«الجمود السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة» على أساس أنه يعيق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الملحّة، لكن الخطر في الموضوع أن الصندوق لا يذكر من المتسبب في ما يسميه «المأزق» و«الجمود» ولا كيفية معالجتهما، مما يفتح الباب لمعالجات غير ديموقراطية بدعوى متطلبات الإصلاح الاقتصادي.
إننا في الحركة التقدمية الكويتية عندما نسلط الضوء على حقيقة هذه التوصيات الملغومة غير البريئة المقدمة من صندوق النقد الدولي فإننا ندعو إلى التبصّر بما آلت إليه أوضاع العديد من دول العالم التي اتبعت تلك التوصيات، وانعكست سلباً ليس فقط على اقتصاداتها وإنما انعكست سلباً على أوضاعها الاجتماعية والسياسية ومعيشة مواطنيها. وفي الوقت نفسه يمكن أن نتفق مع بعض التوصيات البديهية التي يقدمها صندوق النقد الدولي، مثل ضرورة «زيادة الإيرادات غير النفطية» و«توسيع نطاق ضريبة دخل الشركات ليشمل الشركات المحلية»، لكنها توصيات لا نحتاج لمشاورات مع خبراء الصندوق لنعرفها.
بل إننا نتساءل كيف يتجاهل خبراء صندوق النقد الدولي أبسط الحقائق التي يعرفها المواطن الكويتي العادي عن أسباب التردي الاقتصادي في الكويت وأولويات الإصلاح، فمن أهم الأسباب: تحكّم المصالح الطبقية الضيقة للقوى الاجتماعية المتنفذة، والفساد المالي والإداري، وضعف كفاءة الإدارة العامة، وعدم محاسبة المتسببين في التردي الاقتصادي، أما أهم الأولويات فتشمل: الإسكان بما يعنيه ذلك من ضرورة خفض أسعار القسائم السكنية والتجارية وأسعار البناء، وإنقاذ القطاعين التعليمي والصحي المتدهورين، وخلق وظائف جدية ومنتجة في القطاعين الحكومي والخاص. فكيف لا يعلن الصندوق عن أي من هذه الأسباب والأولويات رغم زعمه أن مشاوراته مع الدول مبنية على تقييم خبراء موضوعيين غير مسيّسين؟ الجواب هو أن الصندوق لديه منظور رأسمالي نيوليبرالي ضيق ومسبق للمشاكل والحلول، لكن المسؤولية هي على كل دولة أن تحدد هي بنفسها مصلحتها الوطنية ولا تنجرف مع هكذا تصورات خارجية منفصلة عن الواقع وأثبتت فشلها مرارا وتكرارا.
المصدر: الراي
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی فی القطاع
إقرأ أيضاً:
التخطيط تُشارك في فعالية رئيسية لصندوق النقد الدولي حول تحفيز الاستثمارات المناخية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في جلسة نقاشية بعنوان "تحفيز الاستثمار المناخي: إطلاق رأس المال لتحقيق النمو المستدام" والتي نظمها صندوق النقد الدولي، بمشاركة ماكس فونتين، وزير البيئة والتنمية المستدامة بمدغشقر، و ديبورا ريفولتيلا، مديرة قسم الاقتصاد ببنك الاستثمار الأوروبي، وأريك بيلوفسكي، نائب رئيس مؤسسة روكفلر، وأدار الجلسة كاثرين باتيلو، نائب مدير صندوق النقد الدولي.
إنتاج الهيدروجين الأخضروخلال كلمتها بالجلسة؛ قالت الدكتورة رانيا المشاط، إنه لا يمكن الحديث عن الهيدروجين الأخضر دون الأخذ في الاعتبار الرحلة التي قطعناها في مجال الطاقة المتجددة، مؤكدة أهمية مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والتي تنعم بها مصر، موضحة أن سعي مصر نحو بدء إنتاج الهيدروجين الأخضر بدأ في عام 2014.
وأضافت أن الهيدروجين الأخضر يلعب دورًا مهمًا في مصر في الآونة الأخيرة، حيث تستطيع مصر بفضل مصادر الطاقة المتجددة المتوفرة، أن توفر جوانب أساسية من الأمونيا الخضراء لتصديرها إلى الدول الأوروبية، كما تمتلك الدولة المصرية العديد من المشروعات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهي كلها مشروعات تركز على الهيدروجين الأخضر كمكون رئيسي.
أهمية الشراكات الدوليةوأشارت «المشاط»، إلى أهمية الشراكات الدولية في هذا المجال، مصر لديها عدد من الشركاء الدوليين منها بنك الاستثمار الأوروبي، مؤكدة أن الانتقال الأخضر ليس فقط متعلقًا بالمساهمات المحددة وطنيًا، لكنه يعد كذلك قضية تنموية، تتعلق بالنمو، والتوظيف، والتصنيع، فهناك سلسلة كاملة من الأنشطة الاقتصادية التي تعزز الإنتاجية للدول، وهذه الأنشطة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالاستثمارات المناخية.
منصة نوفيوتناولت الدكتورة رانيا المشاط، الحديث حول منصة "نُوَفّي" محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة، والتي تُعد أحد المشروعات التي تساعدنا في الوفاء بمساهماتنا المحددة وطنيًا، مثل هدفنا للوصول إلى 42% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. أضافت "المشاط" أنه منذ إطلاق منصة "نُوفّي" في 2022، تم حشد نحو 4 مليار دولار من التمويل التنموي للقطاع الخاص، لتمويل استثمارات الطاقة المتجددة.
كما أكدت الدكتورة رانيا المشاط خلال كلمتها، أهمية توضيح مصادر التمويل المختلفة المتاحة، وأهمية رفع الوعي لدى الدول بالمصادر المختلفة للتمويل، مشددة على أهمية تعاون الحكومات مع القطاع الخاص لمعرفة كيفية الاستفادة من هذه الموارد.
وأوضحت "المشاط" أن مصر لديها علاقات قوية مع العديد من المؤسسات الثنائية ومتعددة الأطراف، حيث توفر الدولة المصرية منصة لهذه المؤسسات للعمل معًا، لذا نجد بنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والوكالة الفرنسية للتنمية، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي يعملون معًا على مشاريع مشتركة، سواء في مجالات النقل المستدام أو الطاقة المتجددة أو غيرها.
وفي ختام كلمتها؛ أكدت "المشاط" ضرورة وجود مزيد من الحوار بين الدول، وأهمية مناقشة تجارب الدول المختلفة، حتى يتمكن الآخرون الذين لم يبدؤوا بعد، من تصميم مشاريعهم الخاصة والاستفادة من الخبرات المختلفة، مما يساعد في توفير الوقت، خاصة في ظل الظروف العالمية الحالية التي تفرض التحرك السريع في تطوير الأطر التنظيمية والسياسات والتمويلات.
كما تطرقت إلى الشراكة مع صندوق النقد الدولي، والموافقة التي صدرت مؤخرًا حول تسهيل المرونة والاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار، مؤكدةً أن الاتفاق مع صندوق النقد يتضمن تنفيذ إصلاحات هيكلية لدعم الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، وتسريع التحول الأخضر في مصر. وأشارت إلى أن توسيع نطاق برنامج “نُوَفِّي” بضم مشروعات جديدة في مجالي التخفيف والتكيف هو جزء أساسي من هذه الإصلاحات، وقد تم تنفيذ ذلك بالفعل.