إيفاد” يدعو إلى الاستثمار في النظم الغذائية المحلية لتعزيز التغذية والنمو الاقتصادي
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
الاستثمار في الزراعة الصغيرة النطاق والنظم الغذائية المحلية من أكثر الطرق تأثيرًا لمعالجة سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، مما يعود بفوائد دائمة على الاقتصادات الوطنية. هذه هي الرسالة التي يوجهها ألفرو لاريو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة، خلال مؤتمر القمة المعني بالتغذية من أجل النمو.
وقال لاريو قبل مؤتمر القمة: "المزارع الصغيرة هي الجذور التي تحافظ على التغذية العالمية. والاستثمار حتى تزدهر هذه المزارع لا يتعلق فقط بإطعام الناس اليوم - بل يتعلق أيضًا بالحلول الطويلة الأمد التي تبني سلاسل غذائية قادرة على الصمود ومنصفة يمكنها إطعام العالم لأجيال قادمة".
وسيشدد لاريو في مؤتمر القمة على أن مكافحة سوء التغذية يتطلب أكثر من مجرد زيادة الإنتاجية الزراعية - خاصة في مناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث لا يزال المردود منخفضا. كما أنها تنطوي على دعم إنتاج مجموعة أكثر تنوعا من الأغذية المحلية والمغذية والقادرة على الصمود في وجه المناخ. ومن بين الـ 5 000 نوع من النباتات الغذائية في العالم، لا يأكل سكان العالم في الغالب سوى تسعة أنواع، ثلاثة منها فقط - الأرز والقمح والذرة - توفر 50 في المائة من جميع السعرات الحرارية. وتوجد مئات من الأغذية المحلية والمهملة تتسم بأنها مغذية وقادرة على الصمود في وجه الظروف المناخية المحلية. وهي تشمل، على سبيل المثال، الدخن والذرة الرفيعة وعدة أنواع من الفاصوليا، والفاكهة والخضروات.
وبالإضافة إلى تحسين الإنتاج وتنويعه، لا بد من توفير هذه الأغذية في خيارات جذابة وسهلة المنال وإيصالها إلى الأسواق المحلية ومحلات السوبرماركت من خلال سلاسل قيمة فعالة وشاملة، وهو ما يضمن تمكين الأشخاص لا من الحصول على وجبات غذائية متنوعة ومغذية فحسب، بل من تحمل تكاليفها أيضا. ومن هنا تنبع الحاجة الماسة إلى الاستثمار في ملايين المؤسسات الريفية الصغيرة والمتوسطة - التي غالبا ما تكون غير رسمية - والتي تشكل العمود الفقاري لسلاسل القيمة الغذائية في البلدان النامية، ولكنها لا تزال تعاني من نقص حاد في التمويل.
وأخيرًا، هناك أيضا حاجة إلى استثمارات عاجلة لدعم صغار المزارعين للتكيف مع الصدمات المناخية المتزايدة التي تعرض الأمن الغذائي والتغذوي للخطر. ويزرع صغار المزارعين ثلث الغذاء في العالم وما يصل إلى 70 في المائة من الأغذية المستهلكة في العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ولكنهم يحصلون على أقل من 1 في المائة من التمويل المناخي العالمي.
وقال لاريو: "الاستثمارات في التغذية والنظم الغذائية توفر عوائد اجتماعية واقتصادية استثنائية، وتدفع النمو الشامل عبر البلدان والأجيال. ولهذا السبب يجب علينا توسيع نطاق الأدوات المالية المبتكرة القائمة والناشئة التي تمكّن الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص من الاستثمار على المستوى المطلوب".
وتشير أحدث التقديرات إلى أن كل دولار أمريكي واحد يُستثمر في معالجة نقص التغذية يمكن أن يحقق عائدا بقيمة 23 دولارا أمريكيا. وبالإضافة إلى ذلك، يعد النمو الاقتصادي في قطاع الزراعة أكثر فعالية من النمو المتولد في القطاعات الأخرى بمرتين إلى ثلاث مرات في مجال الحد من الفقر والجوع.
ومع ذلك، فإن الاستثمارات الحالية بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية لمعالجة حجم أزمة التغذية العالمية. ووفقا للتقديرات، لا يبلغ متوسط الإنفاق الحكومي على معالجة "نقص المغذيات" سوى 1.87 دولار أمريكي للشخص الواحد - وهو ما يجعله أدنى إنفاق بين جميع فئات الأمراض التي يجري تتبعها في الإنفاق الصحي العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن سوء التغذية يكلف الاقتصاد العالمي 3.5 تريليون دولار أمريكي سنويا في شكل خسائر في الإنتاجية، وتكاليف الرعاية الصحية وتراجع رأس المال البشري. وفي أفريقيا، يتسبب نقص التغذية وسوء التغذية لدى الأطفال في تكبد خسائر اقتصادية تراوح نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي بين 1.9 و16 في المائة سنويا.
وسيدعو لاريو في مؤتمر القمة إلى المزيد من آليات التمويل المختلطة التي تسمح للقطاع العام ومستثمري القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية بجمع مواردهم وتقاسم المخاطر، وأدوات الائتمان المبتكرة، وسندات التغذية، والاستفادة من التحويلات المالية واستثمارات المغتربين..
والصندوق ملتزم بتوسيع نطاق عمله في مجال التغذية، بحيث تدمج 60 في المائة على الأقل من مشروعاته أنشطة تدعم تحسين التغذية، مثل الإيكولوجيا الزراعية، والحدائق الأسرية، وبرامج التغذية المدرسية التي تحصل على الأغذية المغذية من المزارعين المحليين، ودعم زراعة وتسويق أنواع الأغذية المهملة وغير المستغلة بالكامل، وتحسين التخزين لتجنب هدر الأغذية. ويساعد الاستثمار في التنوع البيولوجي الزراعي على بناء نظم غذائية أكثر صحة وقدرة على الصمود.
واليوم، لا يستطيع 2.8 مليار شخص - أي واحد من كل ثلاثة أشخاص - اتباع نمط غذائي صحي. ويعاني حوالي 148 مليون طفل - أي طفل من كل أربعة أطفال تقريبا - من التقزم نتيجة نقص التغذية المزمن أو المتكرر، وهو ما يحول دون وصولهم إلى إمكاناتهم البدنية والمعرفية. ويعاني حوالي 45 مليون طفل من الهزال، وهو شكل من أشكال سوء التغذية الفوري والمهدد للحياة، وغالبا ما يشير إلى فقدان حديث وحاد في الوزن. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ملياري شخص يعانون من نقص في الفيتامينات والمعادن الأساسية، مثل الحديد وفيتامين ألف والزنك. ويعاني نحو 390 مليون طفل ومراهق من زيادة الوزن أو السمنة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاستثمار الأمن الغذائي الصندوق الدولي للتنمية الزراعية المعادن الأساسية الفيتامينات المزيد
إقرأ أيضاً:
إنترنت الطبيعة.. الكشف عن لغة خفية لتواصل الحيوانات بين بعضها
لعلنا ندرك أن المنظومة البيئية الحيوية ترتكز على روابط أساسية لضمان استقرارها وديمومتها، مثل تبادل المواد الغذائية وانتقال البذور وعمليات التلقيح، وهو النهج التقليدي الذي يسلكه العلماء لدراسة التكامل والتكافل بين الكائنات الحية.
غير أن ما كشفت عنه دراسة جديدة يظهر أن ثمّة ضوابط أخرى أعمق من ذلك وهو تواصل الكائنات الحية مع بعضها البعض، وكيف يسهم هذا التواصل في رسم ملامح العلاقات البيئية وتعقيداتها.
وتستحدث الدراسة الحديثة المنشورة في دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن" مصطلحا جديدا يُعنى بطبيعة هذا الأمر، "إنترنت الطبيعة" أو "شبكة الطبيعة"، وهو مصطلح لا يقتصر على رصد تدفق المادة والطاقة بين الأنواع الحية فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على تبادل المعلومات الحيوية التي تؤثر في سلوك الكائنات وتفاعلاتها وديناميكيات النظام البيئي ككل.
ويُشبّه الدكتور أولريش بروزي من "المركز الألماني للبحث في التنوع البيولوجي" إغفال دور تبادل المعلومات بين الكائنات الحية في النظم البيئية بمحاولة فهم الاقتصاد البشري من دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير الإنترنت، موضحا أن المعلومات التي تتبادلها الكائنات من خلال الإشارات الحسية والبيئية تُعد عنصرا محوريا في تنظيم سلوكها وتفاعلاتها، تماما كما يُعد الإنترنت جزءا أساسيا لا يمكن تجاهله لفهم آليات الاقتصاد الحديث.
إعلانفالتواصل بين الأنواع الحية يمثل بُنية خفية، لكنها أساسية، لفهم كيفية انتشار الاضطرابات في النظام البيئي، وكيفية مقاومة المجتمعات الحيوية لها أو تعافيها منها. ومن هذا المنطلق، يجمع هذا النموذج الجديد بين تدفق المعلومات والمفاهيم التقليدية مثل شبكات الغذاء، ليقدم تصورا أكثر شمولا للنظم البيئية.
وقد صنف الباحثون في دراستهم تدفق المعلومات داخل النظم البيئية إلى 3 طبقات/أنماط رئيسة، لكل منها دور محدد في صياغة تفاعلات الكائنات الحية:
روابط المعلومات الغذائية: وهي الإشارات المتبادلة بين المفترسات وفرائسها، فعلى سبيل المثال، تعتمد الذئاب على المسارات والملاحظات البصرية لتتبع الأيائل، بينما تستجيب الأيائل بوسائل دفاعية، مثل التكتل في مجموعات أو التواري في الغطاء النباتي الكثيف. روابط المعلومات النقية: وتشير إلى التفاعلات التي لا ترتبط مباشرة بالغذاء، مثال على ذلك حين يلاحظ الضبع طائرا جارحا يحلق في دائرة، فيفسر سلوكه على أنه مؤشر لوجود جثة قريبة. هذا النوع من التواصل يعكس البعد المعلوماتي الذي يؤثر على قرارات الكائنات وتحركاتها. روابط المعلومات البيئية: وتسمح هذه الروابط للكائنات بتعديل سلوكها استجابة لإشارات من محيطها، مثل تغيّر درجات الحرارة أو الضوء. من أمثلتها استجابة الفراشة للضوء في الليل، أو تفضيل العناكب بناء شباكها بالقرب من مصادر الإضاءة الاصطناعية.لا تعمل هذه الطبقات الثلاث بمعزل عن بعضها، بل تشكل شبكة متداخلة ومعقدة من المعلومات، تسهم في توجيه السلوك الفردي والجماعي للكائنات، وتُعزز من فهم العلماء للترابطات الدقيقة التي تقوم عليها النظم البيئية.
تأثير الأنشطة البشرية على التواصل البيئيمع تنامي تأثير الأنشطة البشرية على النظم البيئية، تتناول الدراسة أبعادا جديدة لتأثير الإنسان على الطبيعة، مركّزة على ما يُعرف بـ"التلوث الحسي" الناتج عن الضوء الصناعي والضوضاء والروائح. فهذه الملوثات لا تقتصر على تغيير البيئات المادية، بل تمتد لتشويه "هيئة المعلومات" التي تعتمد عليها الكائنات الحية في تواصلها وتفاعلها داخل النظام البيئي.
إعلانوتوضح الدكتورة مريم هيرت، المؤلفة المشاركة في الدراسة، أن الضجيج الناتج عن حركة المرور أو الصناعات يؤثر سلبا على قدرة الأنواع على تبادل الإشارات الطبيعية. فعلى سبيل المثال، يعتمد النمل على اهتزازات دقيقة للتنسيق في مهامه اليومية، ويؤدي اختلال هذه الإشارات إلى تعطيل أنشطته الحيوية مثل البحث عن الطعام والتكاثر والتفاعلات الاجتماعية.
ويُظهر هذا أن التلوث الحسي ليس مجرد مفهوم نظري، بل له تداعيات مباشرة على بقاء الأنواع الحية واستقرار الأنظمة البيئية. إذ إن تشويش قنوات التواصل يمكن أن يؤدي إلى ارتباك، وسوء فهم بين الكائنات، وقد يصل في بعض الحالات إلى انهيار العمليات البيئية الجوهرية.
كما تؤكد هيرت أن "التلوث الحسي قادر على تعطيل التواصل الاهتزازي والفيرموني الضروري لتكاثر الحشرات وتغذيتها وتماسكها الاجتماعي". ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تبنّي رؤية بيئية شاملة تتجاوز مجرد الحفاظ على المواطن الطبيعية، لتشمل صون شبكات المعلومات الدقيقة التي تحافظ على توازن النظم البيئية.
مستقبل البحث البيئي.. محاولة لإنقاذ الكوكبتدعو الدراسة إلى إعادة توجيه الجهود البحثية نحو استكشاف شبكات تدفق المعلومات داخل النظم البيئية، لما لذلك من أثر كبير على تطوير النظرية البيئية وأساليب الحماية التطبيقية. ويحث الباحثون على تعميق الفهم لطبيعة التبادلات المعلوماتية، عبر تتبع مصادر الإشارات ومتلقيها، وتحليل القدرات الحسية للكائنات، وتحديد مدى تدهور هذه الإشارات بفعل الزمن أو التأثيرات البشرية.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور بروزي أن إدراج مفهوم "إنترنت الطبيعة" سيحدث نقلة نوعية في فهم العلاقات بين الكائنات، إذ ينقلنا من تصور تقليدي للكائنات الحية كمجرد جزيئات منفعلة تتحرك ضمن قوانين فيزيائية أو كيميائية، إلى رؤية ديناميكية تعتبر الكائنات منتجة ومستقبِلة للمعلومات. ويضيف: "سيسهم هذا التحول في تعديل الأساليب التي نعتمدها في حماية التنوع البيولوجي، في وقت يتسم باضطرابات بيئية متزايدة".
إعلانومع اتضاح أن النظم البيئية تقوم على شبكات تواصل معقدة، لم يعد من الممكن حصر جهود الحماية في صون المواطن والأنواع فقط، بل ينبغي أن تمتد هذه الجهود إلى حماية "بُنى المعلومات" التي تشكل العمود الفقري للتفاعلات البيئية. ويشمل ذلك إدارة مصادر الضوضاء، والتقليل من التلوث الضوئي، ومواجهة مختلف أشكال التلوث الحسي التي تهدد هذه الشبكات الحساسة.