سواليف:
2025-04-23@22:45:26 GMT

العيديات في الأردن…فرحة تتراجع تحت ضغوطات معيشية.

تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT

حنين البطوش
استشارية نفسية أسرية وتربوية

لم تكن العيدية في بيتنا مجرد ورقة نقدية تُمنح في صباح العيد، بل كانت طقسًا دافئًا يقرّب القلوب، يربط الأجيال، ويزرع الفرح في النفوس، وعلامة حب واهتمام، كان أبي رحمه الله، يردّد دائمًا: “العيدية مش بس مصاري، هي تذكير إننا مع بعض، إننا عيلة، وإن الفرحة بتكبر لما نشاركها” ،كان يمنحنا إياها وهمس الدعاء يرافقها، وكأنها رسالة محبة تُقال بلا كلمات، كانت العيدية طريقته في وصل ما انقطع، في أن يُشعرنا صغارًا كنّا أو كبارًا، أننا جزء من الحكاية، من الفرح، من العائلة، لم يكن ينتظر مقابلًا، يكفيه تلك النظرة البريئة، وذلك الامتنان العفوي، ليشعر بأن العيد أتى فعلًا، أما اليوم غابت العيدية عن كثير من البيوت، ومعها غاب طيف تلك اللحظة التي كان فيها العطاء أداة للمحبة لا للمظاهر، وغابت تلك اللحظات الحماسية التي كانت تميز صباحات العيد.

يشهد تقليد العيديات تراجعًا ملحوظًا في قيمتها وانتشارها، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الخفوت اللافت للتقليد الجميل؟ وكيف أثّر هذا التغيّر على سلوك الأسر الأردنية وطريقة احتفالها بالعيد؟؟

الأسعار ترتفع، والرواتب كما هي، والهموم تتراكم بين فواتير السكن والكهرباء والمدارس، في ظل هذا الغلاء المستمر، أصبحت العيدية عبئًا إضافيًا على ميزانية مثقلة أصلًا، لم تعد تلك الورقة النقدية الصغيرة رمزًا للفرح فقط، بل تحولت في نظر الكثيرين إلى نوع من الرفاهية المؤجلة، خيار يُؤجل لصالح الضروريات التي تستهلك معظم دخل الأسرة، ومع ضيق الحال تقلّصت العيدية أو اختفت من بعض البيوت، في مشهد يعكس تأثير الواقع الاقتصادي القاسي على تقاليد كانت يومًا ما من الثوابت.

مقالات ذات صلة الاغتراب العشقي: التيه بيني وبيني . 2025/04/02

ارتفاع البطالة وخاصة بين الشباب و أرباب الأسر، جعل من العيديات رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون، فالعيد لم يعد كما كان، والفرح بات يحسب بالحساب، يتقلص أمام الضروريات، هذا التغيّر في المشهد لا ينبع من تغيّر في القيم، بل من واقع اقتصادي ضاغط، جعل من تقليد جميل مثل العيدية شيئًا يُؤجَّل لصالح البقاء والاحتياجات الأساسية.

وفي ظل هذا التحوّل، وجدت الأسر الكبيرة نفسها أمام تحدٍّ من نوع آخر، عدد الأطفال بات يشكّل عبئًا ماليًا يجعل من تقديم مبالغ مجزية أمرًا صعبًا، فيلجأ الكثيرون إلى تقليص القيمة أو توزيع مبالغ رمزية، لا لشيء سوى لمجاراة الظروف، دون أن يغيب عنهم الهدف الأهم: زرع الفرح في قلوب الصغار، ولو بوسائل أبسط.

لم تعد المناسبات تُستقبل بفرح خالص، بل يُرافقها دائمًا حساب دقيق لما يمكن إنفاقه، وما ينبغي تأجيله، كانت العيدية يومًا ما، رمزًا للكرم والبذل في أيام الفرح، لكنها الآن تقف على مفترق الطرق بين الرغبة في إدخال السرور على قلوب الأطفال، والخوف من المستقبل المجهول، فالخوف والقلق من طارئ صحي، أو أزمة معيشية، أو حتى فقدان مصدر الدخل، جعل الأسر تتبنى سلوكًا أكثر تحفظًا، الادخار أصبح أولوية، والإنفاق على ما يُعد “كماليات” بات مؤجلًا أو مُقلصًا، والعيدية – للأسف – أصبحت من ضمن هذه الكماليات التي تراجع حضورها تحت ظل هذا الترقب الثقيل لمجهول اقتصادي يُخيّم على الكثير من البيوت.

لقد فرضت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي نفسها بقوة على تفاصيل حياتنا، حتى في طريقة احتفالنا بالأعياد، وأثرت بشكل واضح على تقاليد متجذرة كالعيديات، فقد أدى الاعتماد المتزايد على الرسائل النصية، والمكالمات، ومقاطع التهنئة الرقمية إلى تراجع الزيارات العائلية، التي كانت تمثل فرصة رئيسية لتبادل العيديات بين الأهل والأقارب، التكنولوجيا غيّرت كل شيء، العيد لم يعد كما نعرفه، حتى الأطفال، حين يأتون يبدون منشغلين بشاشاتهم، لا يلتفتون كثيرًا للمغلفات الصغيرة، بعضهم ينتظر “بطاقة شحن”، أو اشتراكًا في لعبة إلكترونية، الهدايا صارت رقمية، والعيديات تحوّلت إلى رموز تُرسل عبر تطبيقات الدفع.

في الحقيقة صلة الأرحام لا تقتصر على العيديات أو التهاني السريعة، بل تتجلى في الحضور، في المواساة عند الحزن، وفي المشاركة بالفرح، زيارة مريض، حضور جنازة، مواساة في مصاب، كلها صور من صور الوصل الصادق، الذي يُشعر الآخر أنه ليس وحده، وأن بين القلوب خيطًا لا تقطعه الخصومات ولا تُضعفه المسافات.

كم من الناس اليوم يحرم نفسه من أجرٍ عظيم لأنه ينتظر أن يُزار قبل أن يزور، أو أن يُقدَّم له المعروف قبل أن يقدّمه؟ ننسى أن الأصل في الصلة هو المبادرة، وأن الأجر في التغافل والتجاوز، لا في العتاب والانتظار، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بوضوح حين قال: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها”، ولذا في زمن كثرت فيه الانشغالات، أصبح من أعظم القربات أن نصل من قطعنا، وأن نتجاوز عن الزلل، ونمدّ يد الوصل، ولو بكلمة، ولو بخطوة، فهكذا نُحيي القلوب، ونقتدي بأخلاق من علّمنا أن الإحسان لا يُقابَل بالمثل، بل يُمنَح خالصًا لله تعالى.

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

إضافة إلى مكاتب بريدية متنقلة..استعمال الدفع الالكتروني لشراء أضاحي العيد

 كشفت وزارة الفلاحة و التنمية الريفية، و الصيد البحري عن طريقة جديدة لبيع أضاحي العيد  تتمثل في استعمال الدفع الالكتروني ضمن طرق الدفع المقترحة لعملية الشراء، بالإضافة إلى تخصيص مكاتب بريد متنقلة.

ويأتي هذا بعد تحديد سعر الأضاحي 40 ألف دينار للأضحية، خلال مجلس الوزراء الأخير.

كما ناقشت اللجنة آليات بدء عملية بيع أضاحي العيد، التي سيحدد تاريخ انطلاقها لاحقا

مقالات مشابهة

  • مختار نوح: الإخوان كانت تسعى لتسليم الأردن إلى إسرائيل
  • أسعار الذهب تتراجع مع انحسار التوترات الاقتصادية العالمية
  • شعبية ترامب تتراجع في الولايات المتحدة بعد 100 يوم من تنصيبه
  • وزير الاقتصاد والصناعة يصدر قراراً بتشكيل ثلاث إدارات عامة ضمن الوزارة بدل الوزارات التي كانت قائمة قبل الدمج
  • بفعل الفوضى والفساد المستشري في مفاصل حكومة المرتزقة:أزمة معيشية وفجوة كبيرة في أسعار المواد الغذائية بين صنعاء وعدن
  • اسعار النفط العالمية تتراجع وسط تقدم في محادثات واشنطن وطهران
  • بوتين: ضغوطات دفعت سلطات كييف لقبول هدنة عيد الفصح الروسية
  • إضافة إلى مكاتب بريدية متنقلة..استعمال الدفع الالكتروني لشراء أضاحي العيد
  • وزارة الفلاخة تصدر بيان مهم بخصوص بيع أضاحي العيد
  • أسوان في 24 ساعة.. احتفالات بعيد القيامة وتوزيع العيدية وإصلاح للطرق وحركة للمحليات