في زمنٍ تتداعى فيه الأوطان كأوراق الخريف، وتتساقط الشعوب تحت وطأة الحديد والنار، يقف السودان شاهداً على مأساةٍ تكتب فصولها بمداد الدم، وترسم مشاهدها بأشلاء الأبرياء. ليس هذا المشهد وليد الصدفة، بل هو ثمرة تخطيطٍ مدروس، ومؤامرةٍ تُحاك خيوطها في دهاليز السياسة العالمية. وفي قلب هذه المأساة، تبرز الإدارة الأمريكية كبطلٍ مأجورٍ في مسرحيةٍ عنوانها “إبادة السودانيين و تهجيرهم”، تؤدي دورها ببراعةٍ عبر وسيطها الإماراتي المُطيع، وأدواتها من مرتزقةٍ اشترتهم من جوار السودان وأطراف الأرض البعيدة.

كنتُ أجلس أمس، أتأمل خريطة السودان الممزقة، وأتساءل: كيف وصلت أسلحةٌ أمريكية متطورة إلى أيدي الجنجويد، تلك الميليشيا التي جعلت من القتل مهنةً، ومن التشريد فناً؟ الجواب ليس عصياً، فبعد هزيمتهم المذلة وفرارهم من الخرطوم، تركوا خلفهم آثار جرائمهم، ومعها دلائل دامغة: بنادق هجومية من طراز “M4” و”AR-15”، قاذفات صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات، و اخطر اجهزة التشويش و الدانات بعيدة المدي وقنابل يدوية متطورة تحمل بصمات المصانع الأمريكية. هذه الأسلحة لم تأتِ عبر نسمات الريح، بل وصلت بقنواتٍ رسمها البيت الأبيض، ونفذتها أبوظبي بالتعاون من عملاء سودانيين ، ووزعتها على مرتزقةٍ من تشاد وليبيا وجنوب السودان، بل وحتى من أقاصي أوكرانيا وكولومبيا.

الإدارة الأمريكية، التي ترفع شعار حقوق الإنسان كرايةٍ مزيفة، تتحمل المسؤولية المباشرة عن كل قطرة دمٍ سودانية أُريقت، وعن كل طفلٍ شردته قذائفها. لقد سلّحت الجنجويد بأدوات الموت المتقدمة، وأطلقت العنان لغزوٍ وحشيٍ على أرض السودان، مستخدمة الإمارات كوكيلٍ مخلص، ومرتزقةً اشترتهم بثمنٍ بخسٍ لتنفيذ أجندتها. أيُّ عدوانٍ هذا الذي يُدار من وراء ستار الدبلوماسية، وأيُّ كذبٍ يُسوَّق تحت مسمى “الديمقراطية”؟ إنها لعبةٌ قذرة، تُلطخ أيادي واشنطن بدماء شعبٍ أعزل، وتكشف زيف دعواتها لحقوق الإنسان التي تتهاوى أمام مصالحها الاستراتيجية.

أدعو الإدارة الأمريكية اليوم، أن ترسل وفداً من صانعي قراراتها إلى السودان، ليقفوا بأعينهم على أنقاض المدن التي دمرها سلاحهم، وعلى جثث الأطفال التي حصدتها قنابلهم و داناتهم. فليروا كيف حولت “جافلين” بيوت الطين إلى ركام، وكيف أصبحت “M4” أداةً لقطع أواصر الحياة في الأسواق والقرى. لعلهم يدركون، ولو للحظة، أن شعاراتهم الجوفاء لا تُعيد أماً فقدت وليدها، ولا تُطعم جائعاً شردته نيرانهم.

لكن المسؤولية لا تقع على عاتق الخارج وحده. على الحكومة السودانية أن تتحرك فوراً، وفق خطواتٍ واضحة:

• جمع الأسلحة الأمريكية المتطورة التي تركها الجنجويد، وتوثيقها كدليلٍ ماديٍ على العدوان.
• رفع دعوى عاجلة أمام محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة، تُدينها بتوفير السلاح لمرتزقةٍ نفذوا إبادةً جماعية.

• دعوة المجتمع الدولي لزيارة السودان، ليشهد بأم عينه الدمار الشامل الذي خلّفه السلاح الأمريكي.

• رفض أي صفقةٍ أو ضغطٍ دبلوماسيٍ من واشنطن لاستعادة هذه الأسلحة، التي بدأت تحركاتها لاستردادها بعدما عجز الجنجويد عن فتح بعضها أو استخدامها.

إن تمسّك واشنطن باستعادة هذه الأسلحة هو اعترافٌ ضمنيٌ بجريمتها، وسخريةٌ مريرةٌ من ادعاءاتها الأخلاقية. أيُّ حقوق إنسانٍ تتحدث عنها أمريكا، وهي تُسلح القتلة وتُشرّد الملايين؟ إنها دعواتٌ كاذبة، تتهاوى أمام جثث السودانيين وصرخات أمهاتهم. فلترفع الحكومة السودانية صوتها، ولتحفظ هذه الأسلحة كشاهدٍ على عدوانٍ لن يُنسى، ولتُشرك العالم في محاسبة المجرم الحقيقي، الذي يقف وراء هذا الخراب، بكل ما أوتي من قوةٍ وقانون.

عزيز سليمان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الأسلحة

إقرأ أيضاً:

وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين

رفضت الولايات المتحدة اليوم الاثنين مؤتمر الأمم المتحدة الذي شارك فيه عدد كبير من الدول للعمل على تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، ووصفته بأنه "خدعة دعائية".

الرئيس الفلسطيني يثمن دعوة الرئيس السيسي لترامب من أجل وقف الحرب في غزةمصر وكندا تبحثان تعزيز العلاقات ودعم جهود وقف إطلاق النار في غزة

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، في بيان: "هذه خدعة دعائية تأتي في خضم جهود دبلوماسية دقيقة لإنهاء الصراع وبعيدًا عن تعزيز السلام، سيُطيل المؤتمر أمد الحرب، ويُشجع حماس، ويُكافئ عرقلتها، ويُقوض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام".

قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤلفة من 193 عضوًا، في سبتمبر من العام الماضي عقد هذا المؤتمر في عام 2025. 

وقد أُجّل المؤتمر، الذي استضافته فرنسا والسعودية، في يونيو بعد هجوم إسرائيلي على إيران.

مصر وباكستان تؤكدان تعزيز التعاون ودعم القضية الفلسطينيةمصر تواصل دعمها الأمني للفلسطينيين: تدريب قوات السلطة لتمهيد إقامة الدولة المستقلة

في كلمته أمام المؤتمر، حث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، جميع الدول على دعم هدف المؤتمر المتمثل في وضع خارطة طريق تحدد معالم الدولة الفلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في كلمته الافتتاحية: "يجب أن نضمن ألا يصبح هذا المؤتمر مجرد خطاب حسن النية".

وأضاف: "يمكنه، بل يجب، أن يكون نقطة تحول حاسمة - نقطة تُحفّز تقدمًا لا رجعة فيه نحو إنهاء الاحتلال وتحقيق طموحنا المشترك في حل الدولتين القابل للتطبيق".

مصر تؤكد دعمها لفلسطين وتحذر من المساس بأمنها المائيوزير خارجية فرنسا: اعترافنا بالدولة الفلسطينية سيحدث رسميا في سبتمبر المقبل

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أمام المؤتمر: "يجب أن نعمل على إيجاد السبل والوسائل للانتقال من نهاية الحرب في غزة إلى نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت تُهدد فيه هذه الحرب استقرار وأمن المنطقة بأسرها".

طباعة شارك الولايات المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة حل الدولتين وزارة الخارجية الأمريكية وزير الخارجية الفرنسي

مقالات مشابهة

  • العقوبات الأمريكية ..حين تفلس الإمبراطوريات
  • وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين
  • متحدث الرئاسة الفلسطينية: الإدارة الأمريكية لا تسعى لحل الدولتين أو لوقف الحرب
  • حكومة الجنجويد هي تهديد عسكري وليس سياسي للدولة
  • واشنطن تجدد دعوة لبنان إلى «احتكار السلاح»
  • جنرال أمريكي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ساهمت في تطوير التكتيكات العسكرية الأمريكية
  •  الموت لحماس؟ أم الحياة لغزة؟
  • واشنطن تحذر من المماطلة.. وجوزيف عون: لا رجوع عن حصر سلاح حزب الله
  • زيارة مستشار ترامب.. جديد السياسة الأمريكية تجاه ليبيا
  • الأمن العام يتيح نقل ملكية السلاح الهوائي إلكترونيًا عبر أبشر