موقع النيلين:
2025-04-23@18:41:51 GMT

(مناوي) الذي لا يتعلم الدرس

تاريخ النشر: 1st, April 2025 GMT

الخطاب السياسي لمناوي هو خطاب مرتجل وعشوائي، لكنه يظل عينة مناسبة لفحص المرض، فخطاب مناوي نموذج مكشوف لمستتر مكنون خطاب السودان الجديد، وهو في حالته العارية بلا رتوش المثقفين وفي ذات الوقت بدون حس التعبئة والحشد، وسبب ذلك أن مناوي يرجو منه أن يكون خطابا سياسيا لحركته لكن الخطاب يأتي متفجرا وخطيرا، وخصوصا حين تضيف له حس الهزل والهذر عنده.

أن صفة التفجر والعنف هي أصل الخطاب وحقيقته، وأظن مناوي جاهل بذلك ولكن يجب في كل الحالات أخذه بجدية.

فيما يخص مناوي نفسه فليس المقام مناسب لتحليل تام وطويل لحالته، ولكنه اختصارا عبارة عن رجل أعمال سياسي مسلح، يتحرك وفق منطق براغماتي نحو الدولة، حركته حركة عرقية تلبست لباس السودان الجديد وبذلك فهي تحالف مصالح نخبوي هدفه تحقيق العوائد من السياسة، وهذه الحالة يطول شرحها لأنها تختلف في صيغة مناوي البراغماتية عنها في صيغ الحلو وعبدالواحد، ومهما كان فصيغة مناوي قابلة للتسوية وهناك بعيدا ستجد ثوابت معقولة، وربما ارتباط أكثر بعناصر محلية. لكن في كل الحالات تظل هي ظاهرة تحالف مصالح عرقي مسلح لا يحمل أي صفة شرعية للحديث عن دارفور وتحتاج لإصلاح.

المهم بالنسبة لي هو مضمون الخطاب الذي قدمه، ولي فيه ثلاث نقاط، ثم ختام بخلاصة نهائية ونصيحة للرجل وحركته وأتباعه:

أولا: تفسير الصراع:
ثمة خلط مفاهيم كبير يحدث في عقل مناوي لأنه لا يملك فرصة للفهم، ولا يوجد من حوله من يساعده في ذلك، إن مفاهيم مثل لعبة الأمم والتدخل الخارجي واستغلال التناقضات الداخلية هي مفاهيم صحيحة، لكن من يقولها لا يمكن منطقيا أن يردد دعايات الآخرين حول وجود سياسات متعمدة عرقيا ويربطها بالشمال ضمنيا في حديثه، ولو فرضنا جدلا صحة الحديث المبتور عن زمن الإنقاذ، فما معنى ذلك سوى رغبة في ابتزاز الدولة من جديد. دعك عن أن حركة مناوي نفسها تقوم على علة قديمة، فهي حركة عرقية صرفة وارتكبت انتهاكات كثيرة أيضا بل وكانت تصنف جزء من الجنجويد أنفسهم كما أشارت الصحفية جولي فلينت في ورقتها الشهيرة، أيضا فإن اتفاق أبوجا الذي تحدث عنه مناوي ظلم عرب دارفور ومطالبته بنزع سلاح الجنجويد كانت جزء من دعاية غربية، وظفت مناوي ودعته لزيارة أمريكا ووقتها وكان هو قطعة في رقعة شطرنج أو (كلبا في لعبة الضالة) كما قال، كان مطلوبا نزع السلاح من الجميع وفهم مخاوف مجتمعات العرب هناك، وقد كان مناوي يتغاضى عن ذلك ويفكر في قسمة سريعة للسلطة والثروة فالنفظ وقتها كان وعدا بثمن غال وكان مدفوعا بمنظمات وجهات خارجية تساعده فنيا وسياسيا. إن مسألة العمالة لم يكن بعيدا عنها وهي كانت في نوع من التحالف مع مشروع غير وطني، على مناوي أن يعيد القراءة والنظر في تفسير الصراع والتواضع أكثر فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بحجر، وهذا الفهم سيمنحه قدرة لتشخيص الأبعاد المركبة وفهم كيف أنه قبل يوما أن يكون أداة في يد الآخرين.

ثانيا:خريطة دارفور.
خريطة دارفور التي ظهرت في خطابه أيضا تثير استفزازا كان في غير محله، ومناوي يخدم بذلك خطوطا تقسيمية خطيرة، وحتى لو فرضنا أنه ظنها مسألة خلافية فما معنى بعثها اليوم؟ في الحقيقة فإن خريطة دارفور حدودها شمالا حتى خط ١٦ عرض وتبدأ جنوبا من خط ١٠ عرض، وشرقا حدودها خط ٢٧ ثم غربا حتى خط ٢٢. وأدناه صورة من كتاب موسى المبارك عن دارفور يعود بمصدره لبحث مهم عن تاريخ دارفور للبريطاني لامبن. G.D.Lampen بعنوان تاريخ دارفور. لكن المهم أن مناوي أن مناوي يظن أنه يتحدث بذكاء حين يقول أن أهل دارفور هم وكلوه بهذا الحديث، وهذا ابتزاز وتذاكي خبيث فمناوي لم يفوضه أحد ومن المهم له أن يكون أكثر تواضعا أيضا في هذا الأمر، لا يمكن له أن يتحدث عن السودان ككل وحين يأتي لدارفور يتحدث كأنه الصوت الوحيد.

ثالثا:مراجعات مطلوبة.
ما سبق هو مناقشة لماورد في خطابه لكن القصة أكبر من ذلك، مطلوب من مناوي وحركته مراجعات أعمق كنت قد طالبتهم بها من قبل، إن مسألة تحرير السودان، والأبعاد العرقية في التفسير، وابتزاز السلطة وعدم الوعي بالمخطط الخارجي كل ذلك يمنع تحول مناوي من براغماتي ذو بوصلة وطنية إلى وطني حقيقي، فالحالة الأولى قابلة للانتكاس في أي لحظة.

الختام:
على مناوي وحركته ضبط الخطاب جيدا، ويجب أن يترك طريقة الهذر والسخرية والارتجال والعشوائية وإدعاء الخفة والمرح، ليكون مسؤولا عن أفعاله وخطابه، المسألة ليست هذرا ولعبا بل مسؤولية وجد، وعلى أعضاء حركته ألا يكونوا مجرد حراس لمصالح وموظفين برواتب أمام مديرهم التنفيدي، بل عليهم مراجعة هذا المدير التنفيذي وتطوير وعيهم بهذه الأمور.

نقول ما سبق لأننا نؤمن إيمانا قاطعا، بأن ما يوحد السودان أعظم وما يجعل المصير مشتركا أكبر بكثير وأن كل مداخل التفكيك متشابهة كيفما كانت، سواء من الشمال أو الغرب أو الشرق، فإنها ستتوسل مفاهيم مضللة في تفسير الواقع، ثم وةتغذي هذه الحالات بعضها البعض بردود فعل ومتتالية هندسية تصاعدية تفكك البلد وتخدم الغير. مناوي إذا لم يتطور فهو جزء من هذه المتتالية وفي كل الحالات فإن مجتمع دارفور ومعنى وجودها في التاريخ السوداني كل ذلك أكبر من مناوي ومن حركته.

هشام عثمان الشواني
الشواني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مفاهيم إسلامية: الكتاب والقرآن

#مفاهيم_إسلامية: #الكتاب و #القرآن
مقال الإثنين: 21 / 4 / 2025

د. #هاشم_غرايبه
يختلط على كثيرين التمييز بين مفهومي الكتاب والقرآن، وهل هما مسمى لشيء واحد، وان كان كذلك فلماذا تأتي الإشارة له بهذا المسمى أو ذاك.
لغويا الكتاب جذره اللغوي الفعل الثلاثي (كتب)، والقرآن جذره (قرأ)، من هنا يمكن فهم المسألة، فالكتاب هو المدون، وكتب الله جميعا تسمى الكتاب، ويأتي بالمفرد لأنه اسم نوع دال على أي كتاب أنزله الله للبشر، وهو مكتوب لأن أصله مدون في اللوح المحفوظ.
القرآن هو مسمى الكتاب الذي أنزله الله على آخر انبيائه عليه الصلاة والسلام، وبالطبع كانت مشيئة الله أن يبقي الرسول الكريم أميا، لأنه يعلم أن أهل الكتاب حسدا منهم سينكرون نبوته، وسيقولون أن ما يوحى اليه من الكتاب نقله عن التوراة أو درسه عن آخرين كتبوه له، لذلك كان ينزل الآيات في روعه فتثبت في ذاكرته ويقرؤه للناس منها، فلذلك كان قرآنا.
الكتب السماوية التي أنبأنا بها الله خمسة، ومضمونها العقدي واحد وهو التوحيد، ومحتواها التشريعي جميعها مبني على الوصايا العشر التي ذكرها الله في القرآن في الآيات 151-152 من سورة الأنعام. وأقدمها صحف ابراهيم وموسى، والتي ليس لها أثر الآن لكن مضمونها وارد في الآيات 38-44 من سورة النجم.
وثانيها التوراة وانزلت على موسى عليه السلام.
والثالث هو الزبور الذي أنزل على داود عليه السلام.
والرابع هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام
أما الخامس وهو آخرها فهو القرآن الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
المسألة الهامة: طالما أنها جميعا أنزلت من الله تعالى، فلا يمكن أن يكون بينها تناقض أو تباين، فهل أن المرء مخير في اتباع أي منها!؟.
صحيح أن أصلها كلها من الله، لكنه أنزلها بهذا التسلسل الزمني خلال فترة تتجاوز 2500 عام لحكمة أرادها تعالى.
فقد كان تنزلها خلال تلك الحقب متوافقا مع التطور الفكري للبشر في المفاهيم والمعارف والإمكانات، كما أنه كان ينزلها على أقوام محددين ولفترة محددة، ويأتي كل كتاب لاحق مصدقا بما سبقه وليس ناقضا له، ومؤكدا على اتباع الدين الذي أنزله الله كمنهج حياة للبشر الجدد الذين أنجاهم من طوفان نوح، ومسماه الإسلام، وكان كل رسول يدعو لاتّباعه، وكل رسالة متضمنة لنسخة محدثة ومزيدة من تشريعات الدين، لذا فهي متطورة عما سبقها بمقدار التطور البشري أنئذ.
عندما وصل هذا التطور الى الدرجة المطلوبة أنزل الله رسالته الختامية، واستكمل فيها الدين الكامل، والتشريعات النهائية، لذلك كان مطلوبا من البشر جميعا اتباعها، سواء من آمن بالرسالات السابقة أم لم يكن مؤمنا، ولأنه لن يُبعث رسول آخر بعدها، فهي ستكون للعالمين جميعا، لذلك كُلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأصعب مهمة كلف بها من قبله، وهي تبليغ الدعوة للعالمين، وكلف المؤمنون بإكمال تبليغها لكل من لم تصله مكانا أو لم يشهدها زمانا.
هكذا نفهم لماذا سمح الله تعالى للبشر أن يحرّفوا تشريعات الرسالات السابقة، ولم يحفظ كتبه السابقة من عبث المغرضين، فمنها ما فُقد جزئيا أو كليا، ومنها ما حرّف فضاعت الثقة بالتمييز بين الصحيح والموضوع.
لكنه تعالى تكفل بذاته العلية بحفظ القرآن فقط، فظل عبر الأزمنة كما أنزله.
ذلك ربما لأنه تعالى أراد ان يكون كتابه هو القرآن، لذلك كان كاملا لا نقص فيه ولا إغفال لتشريع ولا ركن عقيدة ولا لتفصيل للدين، ولما كان منطقيا أن يكون آخر تعديل ملغيا لما سبقه، لذلك فالقرآن مغن عن كل الكتب السابقة: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” [المائدة:48]، وعليه نفهم غضب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر حين رآه يطالع قراطيس أهل الكتاب، فقال: “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذبوهم به، أو بباطل فتصدقوا، والذي نفسي بيده، لو أن موسى -صلى الله عليه وسلم- كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني”.
نتوصل الى أن كتاب الله الوحيد الباقي كما أنزله الله للبشر هو القرآن، لذا فهو الدستور الوحيد للمؤمن.

مقالات مشابهة

  • وقطع (هلال) قول كل خطيب!!
  • ذَهاب دارفور سيقود إلى فُقدان الشرق
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎
  • الأمم المتحدة: تعهدات بإتاحة وصول إنساني كامل إلى الفاشر ومخيم زمزم وسط تفاقم الأزمة
  • الجيش السوداني يوجه ضربة حاسمة ضد ميليشيا الدعم شمال الفاشر
  • دارفور.. مقتل أكثر من 30 في هجوم جديد للدعم السريع على الفاشر
  • مفاهيم إسلامية: الكتاب والقرآن
  • الأمم المتحدة: انقطاع الإغاثة عن شمال دارفور يعرض النازحين لخطر الأوبئة والمجاعة
  • السودان مأساة لا تنتهي: آلاف النازحين يصلون شمال دارفور هربًا من قوات حميدتي
  • جيش سوداني عرمرم وأسود الدروع وكل قوات الإسناد في طريقها إلى دارفور